10/11/2007

شهدت الشهور الماضية توسعا غير مسبوق فى أنتهاك حريات الفكر والتعبير والابداع عن طريق ما يعرف بدعوى الحسبة بمختلف أنواعها .. حيث استخدم فريق من محامى الحزب الوطنى الحاكم دعاوى الحسبة السياسية للدفع بالصحفيين أمام محاكم الجنح واستصدار أحكام الحبس ضدهم .. بينما تولى فريق آخر مطاردة الكتاب والمفكرين بدعاوى الحسبة الدينية حتى بلغ الأمر مداه بالانتهاك المباشر للحرية الشخصية حيث تقدم المحامى نبيه الوحش ببلاغ الى النائب العام ضد احدى الفنانات ( عبير صبرى ) طالبا توقيع الحد عليها لخلعها الحجاب بعد ارتدائه فيما عده هذا المحامى ازدراء للأديان ، ولفئة من ” العفيفات المحصنات ”

وقد طالب المحامى نبيه الوحش بتطبيق كل من الحد الشرعى ونصوص قانون العقوبات على الفنانة التى تقدم ضده بالابلاغ مستندا فى ذلك الى نص المادة 25 من قانون الأجراءات الجنائية التى تجيز لكل مواطن مصرى الابلاغ عن أى جريمة اتصل علمه بها ، والى اعتبار ذلك فرضا من فروض الكفاية التى لا تسقط عن جميع المسلمين الا اذا قام بها أحدهم .

ولعله جدير بالذكر أن هذا المحامى قد تخصص فى مطاردة كل من تخلع الحجاب من الفنانات بدعاوى الحسبة ، كما كان مبادرا الى اقامة الدعوى ضد وزير الثقافة للمطالبة باقالته ابان أزمة الحجاب الشهيرة فضلا عن الدكتورة نوال السعداوى وابنتها أيضا .. كما أنه يجدر بالذكر أيضا أن النائب العام قد انتهى يوم الاثنين الموافق 29/10/2007 الى رفض التحقيق فى هذا البلاغ .

غير أن رفض النائب العام التحقيق فى هذا البلاغ الذى ينطوى على انتهاك فظ لحقوق الانسان واساءة مباشرة للحرية الشخصية ـ لا يعنى انتهاء الأمر ، ذلك أن الأمر لا يتعلق بالاساءة الى شخص الفنانة عبير صبرى وحدها .. أو بما دأب عليه المحامى نبيه الوحش من افتئات على حريات الآخرين ، وانما بما آل اليه حال مجتمعنا وانتهاك حريات التعبير والفكر والحريات الشخصية فيه على هذا النحو بسلاح دعاوى الحسبة .

ان استخدام بعض الأطراف الحكومية أو الحزب الوطنى الحاكم لدعاوى الحسبة السياسية كسلاح لقمع حريات التعبير ، وتقييد الصحافة المستقلة يساوى استخدام الشيخ يوسف البدرى أو المحامى نبيه الوحش لدعاوى الحسبة الدينية لأنتهاك الحريات الشخصية وتسييد مناخ ظلامى يطارد المفكريين والمبدعيين .. وفى كل ذلك نجد أنفسنا وقد أصبحنا أمام مجتمع يعيش من جديد عصر محاكم التفتيش التى تفتش فى العقول ، والضمائر .. وتقيد حرية الفكر والتعبير والأبداع بحدود يضعها أصحاب المصلحة والهوى كل كما يراه .. رجال الحزب الوطنى يرون أن الحق فى التعبير يحده حد الحفاظ على النظام العام واستقراره واحتكار رجال الحكم للحقيقة ولكل مساحات العمل العام . بينما يرى يوسف البدرى والوحش أن حرية الفكر بل والحريات الشخصية تحدها حدود الشريعة كما يرونها ويفسرونها الى الدرجة التى يصبح معها خلع غطاء الرأس جريمة ينبغى تعقبها على كل مسلم حتى يتم الابلاغ عنها .

هكذا يمكن للحسبة أن تطاردنا جميعا ، وأن تصبح سيفا مسلطا على كل منا ليس فقط فيما يعبر عنه من أفكار وما يثيره من قضايا وانما أيضا فى سلوكه وحياته الشخصية .. ويصبح لكل من ينصب نفسه حاميا للحدود الدينية أو السياسية أن ينتهك حرية وحرمة الآخرين الشخصية وفقا لتقديره الخاص لهذه الحدود ، وللنظم التى يدافع عنها بدءا من أعتبار زى المرأة أحد هذه الحدود الكبرى التى لا ينبغى تجاوزها ، وانتهاء باعتبار نقد أى مسئول كبير اعتداء على حدود الحفاظ على النظام والأمن العام .

ان مؤسسة المرأة الجديدة اذ تعرب عن ادانتها الشديدة لمحاكم تفتيش القرن الحادى والعشرين فى مجتمعنا وزبانيتها من مقيمى دعاوى الحسبة .. انما تطالب القوى الديمقراطية ، ومنظمات المجتمع المدنى جميعا بالتصدى لهذه الدعاوى من أجل الفوز بتعديل تشريعى حاسم وصريح لقطع الطريق عليها والتضامن من أجل :

  • اعلاء حريات الرأى والتعبير والابداع ، واحترام الحريات الشخصية للمواطنيين .. ورفض كل ما من شأنه أن يطال هذه الحريات .
  • اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمقاضاة من يقيمون دعاوي الحسبة لإساءتهم استخدام حق التقاضى والعمل على رفضها متى كان ذلك ممكن.
  • مطالبة كافة المحامين ونقابتهم باعداد لائحة سوداء تضم المحامين الذى يتخذون من دعاوى الحسبة سلاحا لقمع الحريات فيما يتنافى مع روح المهنة وشرفها .. على أن تعلن هذه الائحة فى أوساط المحامين وغيرها .