18/12/2006

أصبحت قضايا الهجرة تحتل مكانة بارزة لما تمثله من حلول للدول المرسلة والمستقبلة والمهاجرين أنفسهم، ولكن ومع تزايد مشكلات التنمية وغياب الحريات والاستقرار في العديد من دول الجنوب تزايدت أعداد الراغبين في الهجرة حتى لو بشكل غير قانوني بحثا عن فرصة عمل وحياة أفضل، لذلك بدأت تأخذ قضايا الهجرة اهتماما متزايد من الدول المستقبلة مثل دول الاتحاد الأوروبي وكندا واستراليا ودول الخليج العربي.

إن السبب الرئيسي للهجرة من الدول النامية وخاصة من دول جنوب المتوسط إلى أوروبا سواء بشكل شرعى أو غير شرعى يكمن فى الظروف الإقتصادية فى تلك الدول، فالأعداد الكبيرة من المهاجرين المحتملين لا يملكون أية بدائل ملموسة لكسب العيش فى بلدانهم وليس أمامهم سوى البحث عن طريق آخر خارج بلدانهم.

وفي المقابل تأتي سياسات الدول المستقبلة مرتكزة على تأمين الحدود وإنشاء معسكرات لإحتجاز طالبى اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين، بالاضافة إلى برامج الدعم المالى والتقنى لحكومات دول جنوب المتوسط التى تتركز على حراسة الحدود البحرية والبرية وكذلك للحد من العبور بشكل غير شرعى؛ مثل تلك المشروعات على الرغم من أهميتها إلا أنها لا يمكن أن تكون الوجه الوحيد للتعاون بين دول الاتحاد الاوروبى وبين حكومات جنوب المتوسط، فضلاً عن أن تلك البرامج قد تقود إلى إنتهاكات لحقوق الإنسان.

إن الأمل فى القضاء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر سيكون ضعيفا إذا لم يتم القضاء على كل الظروف الرئيسية التى تتسبب فى الهجرة، فإتخاذ خطوات للحد من البطالة والحد من القصور فى التنمية بما يقلل الفجوة التنموية بين الدول المتقدمة والدول النامية هى السبيل الوحيد لمواجهة المشكلة، ومن ثم فإنه يتعين على الدول المستقبلة أن تتخذ استراتيجيات بديلة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية فى دول جنوب المتوسط.

إن سياسة اغلاق الحدود ليست هى الحل بل يجب التعامل مع جذور المشكله لتحقيق نتائج ملموسة، فهناك أسباب قوية تجعل الشباب يخاطرون بحياتهم عابرين البحر إلى أوروبا، ومنهم المئات يموتون غرقاً ومعظم هؤلاء المهاجرون يتعرضون لمآسى حقيقية فهم يضطرون للإستدانة أو لبيع القليل الذي يملكونه من ماشية أو أرض حتى يتمكنوا من الدفع للمهربين، وإذا تمكنوا من العبور إلى أوروبا فهم يواجهون إستغلال اصحاب الاعمال وعدم وجود أى حقوق تذكر هناك فضلاً عن العنصرية التى يعاملون به، حيث تشهد شعارات التيار اليمينى المتشدد إنتشاراً وشعبية فى الآونة الأخيرة، وتجد شعارات اليمين فرصتها لأنها تعلق فساد النظام السياسى والاقتصادى على شماعة المهاجرين الذين هم أيضاً ضحايا لنفس السياسات فى بلدانهم.

وهكذا تستخدم الأفكار العنصرية كوسيلة لتوجيه أنظار المواطنين بعيداً عن الأسباب الحقيقية للمشكلات الاقتصادية التى تواجههم، في ظل غياب برامج الاندماج للمهاجرين بما يؤدي للعديد من المشكلات الخطيرة التى يعانى منها المهاجرين والدول المضيفة على حد سواء، لذلك يجب إعادة النظر فى سياسات التعامل مع المهاجرين بحيث لا يتم النظر لهم على أنهم مصدراً محتملاً للعنف والإرهاب وإنما كمواطنين لهم حقوق تساوى ما يبذلونه من جهد لتنمية وتقدم الدول التى هاجروا اليها، وتساوى حقوق مواطنى الدولة نفسها.

يجب العمل على تنمية التعاون الإقليمى بين الدول المرسلة والمستقبلة للمهاجرين فى مجال تحسين الإطار القانونى للمهاجرين بشكل يتفق ومواثيق حقوق الإنسان وعلى رأسها الإتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، الصادرة فى ديسمبر 1990.

إن تطبيق مبادئ العدالة والمساواة وقبول الآخر واحترام ثقافته فى دول أوروبا، وكذلك دعم التنمية فى دول الجنوب من قبل حكومات أوروبا هو السبيل الوحيد لمواجهة مشكلات الهجرة ومواجهة مظاهر التوتر والعنف.