1/2005

ظلت المؤسسات التمويلية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ) لفترة كبيرة وحتي اليوم تضغط علي الدول الفقيرة لخصخصة الخدمات بها ومن ضمنها المياه العذبة وذلك تحت زعم المحافظة علي المياه واستعمالها بشكل رشيد حيث تقوم هذه المؤسسات بتقديم الادوات الاقتصادية كأساس في إدارة المياه العذبة ودون النظر إلي الابعاد الاجتماعية والصحية والتي تتضمن بالضرورة حق المواطنين بالمشاركة في إدارة الموارد وحقهم في المعرفة الأمرالذى يؤدى إلي الاضرار بالفقراء ضرراً شديداً .

وبالطبع فإن هذا المنطق يتناقض مع أن حق الوصول إلي المياه هو حق من حقوق الانسان وهو ما تنادى به العديد من المنظمات الأهلية علي المستوى الدولي والاقليمي والمحلي كذلك فقد تضمنت العديد من المواثيق الدوليةهذا الحق وأكدت عليه مثل العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والذى أكد علي الحق في الصحة والغذاء الصحي والذى فسرته اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في التعليق رقم 15 بأنه لا يمكن تنفيذ هذه الحقوق سالفة الذكر دون الوصول إلي الحق في المياه .

كذلك أكدت علي الحق في المياه كلاً من اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة والحق في المياه يعني أنها ليست مجرد خدمة وليست بالتأكيد سلعة وبالتالي فأنه لا يجب أن تخضع للخصخصة واقتصاديات السوق . وقد ظلت الدول العربية لفترة كبيرة تقاوم خصخصة المياه وتلتزم بتقديم هذه الخدمة إلا أنه وفي سياق سياسات العولمة الجديدة التي تقوم بها منظمة التجارة العالمية والتي وضعت في مؤتمر الدوحة 2001 المياه كأحدى أنواع الخدمات التي اضيفت إلي لائحة اتفاقية تحرير الخدمات ومن ثم خصخصتها وتحولها إلي سلعة وعلي أثر ذلك بدأت بعض الدول العربية تأخذ خطوات في إتجاه خصخصة المياه بها كأستجابة لسياسات العولمة سالفة الذكر .

أشكال الخصخصة في الدول العربية :
وقد تبينت الخطوات من دولة إلي آخرى فنجد مثلاً أن معظم دول الخليج لم تبدأ بعد في أخذ خطوات تجاه الخصخصة إلا أن البحرين قد سمحت مؤخراً للقطاع الخاص لتنفيذ مشاريع مائية مثل محطات التحلية وإقامة السدود المائية كذلك فإن المملكة السعودية قد بدأت فعلياً إلي إشراك القطاع الخاص في مشاريع المياه ولم تنتقل هذه المشروعات بعد إلي التطبيق العملي ولكنها في التحضيرات النهائية وإذا انتقلنا إلي الاردن فإنها وإن كانت بدأت وزارة المياه والرى بوضع الخطط الخاصة باستراتيجيات والسياسات المائية مع تركزها علي إدارة الطلب علي المياه وبدأت في وضع برنامج للخصخصة لاستقطاب الدعم المالي من المستسمرين .

وبدأ التعاون فعلياً مع القطاع الخاص 1999 وذلك بأبرام عقد لإدارة خدمات المياه والصرف الصحي في محافظة العاصمة تقوم به أحدى الشركات الفرنسية كما وقعت سلطة المياه بالاردن عقد تشغيل لمحطة الخربة السمراء لتنقية المياه العدمة بنظام البناء والتشيد ونقل الملكية وذلك بمعاونة شركات أجنبية وبدأ ينتشر حتي الآن بالأردن ويتسع مجال الخصخصة المياه في محافظاتها المختلفة .

ويبدو أن خصخصة المياه في لبنان مازالت في مرحلة التحضير والمؤتمرات والأراء عالية الصوت مع خصخصة المياه سواء ذلك في مجال بعض الخبراء أو في مجال الإدارة العامة للموارد المائية والتي صرح مديرها الدكتور / فادى دمير بأن الخصخصة كفيلة تزليل العقبات التي يواجهها قطاع المياه وذلك في عام 2003 .

وفي الغرب يوجد بها عدة طرق لتسويق مياه الشرب ( حسب تعبيرهم ) فهناك تسويق مباشر من طرف المكتب الوطني للماء الصالح للشرب وهناك تسويق أخر من طرف وكالات جماعية مستقلة تشترى المياه من المكتب الوطني سالف الذكر وفي الطريقة الثالثة يظهر بشكل واضح دور القطاع الخاص في مجال المياه خاصةً في المدن الكبيرة تقوم مؤسسات مفوضة التي غالباً ما تكون فروع لمؤسسات فرنسية أو إسبانية لشراء المياه من المكتب الوطني سالف الذكر ثم تقوم بالتوزيع والصيانة وتحصيل قيمة الاستهلاك وهي تدريجياً تدخل في مجال الخصخصة أكثر فأكثر .

أما في مصر فمنذ عامين بدأ الحديث عن ضرورة تسعير المياه سواء في مجال مياه الشرب أو في مجال مياه الرى وقد أعلنت الجهات المختصة مراراً أنها لا تنوى خصخصة المياه الا أنه منذ أكثر من عام بدأت في مجال الرى عمل ما يسمي بمجالس المدن وروابط القرىالتي تكون كلاً منها مسئوله عن ترعة أو مسقي وتغطية التكاليف الخاصة بصيانة ورعاية هذه الترع والمساقي وهو تمهيد واضح لتسعير وخصخصة مياه الرى .

أما بالنسبة لمياه الشرب فقد بدأت بالفعل خطوات في هذا الاتجاه لخصخصة مياه الشرب وذلك بصدور قرار رئيس الجمهورية بتحويل هيئة مياه الشرب إلي شركة قابضة في عام 2004 وقد قامت الشركة القابضة بإصدار أولي قراراتها بزيادة سعر المياه إلي ثلاثة أضعافها وهو الأمر الذى يظهر أن قطار خصخصة المياه في مصر قد بدأ يأخذ خطوات متسارعة لتحقيق شروط اتفاقية تحرير الخدمات .

ومن الواضح وكما قولنا في البداية أن سياسات العولمة قد بدأت تظهر آثارها الكارثية علي حياه الناس في المنطقة العربية وأصبحت تمس جوهر حياتهم وهي المياه بهدف وضعها ضمن آليات السوق وما يترتب علي ذلك من كوارث صحية واجتماعية .

ولابد أن نذكر أنه من الملفت للنظر أن المنظمات الأهلية في المنطقة العربية وبتنوعاتها المختلفة بشكل عام لازالت بعيدة عن استيعاب تفاصيل هذه الهجمة العولمية علي المياه وهو مما يزيد من خطورة هذه الهجمة علي حياة الناس في المنطقة العربية وأصبح الأمر يتطلب جهداً خاصاً مشتركاً من المنظمات الأهلية في المنطقة العربية لفهم أليات تنفيذ الدول العربية لسياسات منظمة التجارة العالمية في خصخصة الخدمات وخاصةً المياه وبالتالي ضرورة وضع استراتيجية مناسبة لمواجهة هذه الآليات مع الاطلاع علي التجارب المختلفة في العالم لمواجهة خصخصة المياه .