12/9/2007

طالب المشاركون من نشطاء حقوق الإنسان وأعضاء مجلس الشعب وأساتذة القانون الدستوري في ختام ورشة عمل عقدتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان أمس الأحد الموافق 9/9/2007 بعنوان “مصر…نحو مجتمع مدني حر” بفتح حوار وطني حول التعديلات الحكومية المقترحة لقانون الجمعيات رقم 84 لسنة 2002، ويشارك في هذا الحوار مجموعة من ممثلي الحكومة وكذلك منظمات المجتمع المدني وأعضاء مجلسي الشعب والشورى ، وذلك رغبة في الوصول إلى قانون يحظى بتوافق عام سواء من جانب الحكومة أو من جانب الجمعيات ، ويمنع تكرار الانتقادات التي تجابه قانون 2002 .

واتفق المشاركون على أنه بغية نجاح الجمعيات الأهلية في تحقيق أهدافها المختلفة فيما يتعلق بالتنمية وحقوق الإنسان والديمقراطية، فلابد من إطلاق حرية تشكيلها عبر إزالة العقبات القانونية والإدارية والمالية التي تواجه عمل تلك الجمعيات،ومساعدتها على التمويل عن طريق القطاع الخاص ومساهمات رجال الأعمال ، والاعتراف عملياً بقيم حقوق الإنسان في التشريعات والنظر إليها على أنها أساس التنمية والتطور والديمقراطية‏،وزيادة دور مؤسسات المجتمع المدني في صناعه القرار، وإنشاء علاقة شراكة بينها وبين الدولة وليست علاقة تبعية ، وصولاً إلى مجتمع مدني حر فعال قادر على المساهمة في تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان .

ومن جانبه ، أكد الأستاذ حافظ أبو سعده الأمين العام للمنظمة المصرية أن هناك أقاويل أثيرت في الفترة الأخيرة عن نية الحكومة لتعديل قانون الجمعيات الأهلية ، إلا أن ما تم تلقيه من مسودات في هذا الصدد تدل على أن هناك نية مبيتة لفرض القيود عليها ، وهذه التعديلات تستهدف بالأساس منظمات حقوق الإنسان التي اتحدت في الفترة الأخيرة مع الأحزاب والقوى السياسية للمطالبة بالإصلاح السياسي والدستوري ، وتكشف من الحين للآخر انتهاكات شتى لحقوق الانسان سواء كانت مدنية وسياسية أو اقتصادية واجتماعية بل وثقافية أيضًا .

وطالب أبو سعده بإصدار تشريع بديل للقانون رقم 84 لسنة 2002 بموجبه تنشأ الجمعيات بنظام الأخطار بدلا من الترخيص ، أي أن الجمعيات تتأسس بمجرد اتفاق إرادة مؤسسيها ،ولا يمكن إخضاع التأسيس لأي تدخل مسبق من السلطة الإدارية أو من السلطة القضائية ، وأن يتم إدارة الجمعية بواسطة هيئاتها المنصوص عليها في أنظمتها الخاصة، ولا يحق للإدارة العامة التدخل في عملية تسييراجتماعاتها أو انتخاباتها أو أنشطتها أو التأثير عليها، ولكن في ذات الوقت ينبغي التأكيد علىأن حرية الجمعيات لا تعني غياب المساءلة والرقابة .

وأكد السيد رونالد ماندريوس المدير الإقليمي لمؤسسة فريدريش ناومان بالقاهرة أن حرية التنظيم هي ضمانة أساسية من ضمانات الديمقراطية ، لذلك لابد من إطلاق حرية التنظيم للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني من خلال إزالة القيود القانونية والإدارية والمالية التي تواجهها ، مع العمل على زيادة دور مؤسسات المجتمع المدني في صنع القرار، وإنشاء علاقة شراكة بينها و بين الدولة ، أملاً في الوصول إلى ديمقراطية حقيقية وحرية تنظيم فعالة. أما د.يحى الجمل أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة فقد انتقد قانون الجمعيات رقم 84 لسنة 2002 لما يعتريه من عيوب جمة ، مطالبًا بالعودة إلى القانون رقم 153 لسنة 1999 والذي حكم عليه بعدم الدستورية من المحكمة الدستورية العليا .

واتفق معه في الرأي الأستاذ بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ، حيث طالب بقانون جديد للجمعيات الأهلية منتقداً قانون 84 لسنة 2002 و اعتبره بمثابة نكوص عن الديمقراطية، فهو قانون لتقييد الجمعيات وليس لتحريرها،حيث أتاح للحكومة التدخل في شئون الجمعيات والحق في الاعتراض على تأسيسها بل وحلها أيضًا، مضيفًا أنه لابد من العودة إلى القوانين التى نظمت المجتمع المدني قبل عام 1952.

كما انتقد حسن التعديلات الحكومية المقترحة لقانون الجمعيات لإعطائهالموظفي الحكومة الحق في توجيه نشاط الجمعيات،ورفضها التنسيق بين أي منظمتين مصريتين، كما أن هذه التعديلات جعلت مسألة الانضمام إلى الاتحاد النوعي للجمعيات إجباري، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن هو تصفية للحساب مع الجمعيات التي قامت بحراك سياسي رائع منذ عام 2004 وحتى الآن ، ووضع المتاريس التي تحول دون انبعاث هذا الحراك من جديد ، ومن هنا فإن القضية لا تتعلق بالجمعيات الأهلية فحسب، بل بالمجتمع المصري في مجمله الذي يتدهور فيه الحال على الصعيد التشريعي .

وأكد أحمد عبد الحفيظ المحامي بالنقض أن هناك مخطط سياسي رامي إلى وضع المجتمع تحت الهيمنة الإدارية والسياسية للنظام ، مطالبا ً بسن قانون جديد للجمعيات يلبي مطالب القاعدة الشعبية من هذه الجمعيات ويطلق حرية التنظيم في المقام الأول.

وطالب المستشار محمد عامر أمين سر لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب بالحوار بين المجتمع المدني والحكومة بشأن التعديلات المقترحة لقانون الجمعيات، مؤكداً أنها وسيلة بناءة يمكن أن تثمر عن مشروع قانون يرضي طموح الحقوقيين ويحقق مطالب الحكومة في ذات الوقت .

وانتقد عامر القانون رقم 84 لسنة 2002 لما يحتويه من مآخذ وملاحظات عدة ، إذ يحتوي على اشتراطات جمة لبدء تأسيس الجمعية،ولايقتصر الأمر على إجراءات التأسيس، بل يمتد ليصل إلى القيود اليومية، مطالبًا بأن يكون التأسيس بمجرد الأخطار إلى مديرية التضامن الاجتماعي ، وضرورة منع الاحتكاك بين منظمات المجتمع المدني والجهات الإدارية ، وأن يتولى القضاء أي خلاف بين الجانبين .

وأكد الأستاذ أحمد سيف الإسلام مدير مركز هشام مبارك أن لا يجب النظر إلى موضوع الجمعيات الأهلية في مصر بمعزل عن الحق في التجمع أو التنظيم ، مؤكدا أن هذا الحق مكفول بمقتضي المواثيق الدولية التي صادقت عليها الحكومة المصرية وأصبحت جزء لايتجزأ من قانونها الداخلي وفقاً للمادة 151 من الدستور، مطالبًا بإطلاق حرية تكوين المنظمات و الانضمام إليها،وأن تكون بعيدة عن التدخل الحكومي،وأن يتم إخضاع تدخل الدولة في حرية التنظيم للرقابة القضائية .

وأشار د. مجدي عبد الحميد رئيس مجلس إدارة جمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية إلى أن هناك ثلاث ملاحظات أساسية منظمة للعمل الأهلي في مصر ، أولها : أن المشاركة المجتمعية تقوم على ثلاث قطاعات آلا وهي الحكومة و القطاع الخاص و المجتمع المدني ، ومنهنا فلابد من إشراك المجتمع المدني في بناء المجتمع ، ثانيها ما يسمى بجهة الإدارة وتدخلها في عمل الجمعيات الأهلية بدءاً من عملية التأسيس و الاشهار مرواً بعملية الأنشطة وصولاً إلى عملية الرقابة والممارسة وحل الجمعيات ، فالجمعيات تعمل وفقًا لما يسمى بـ”عقود إذعان” على حد قوله ، و ثالثها هناك فجوة واسعة بين القانون المنظم لعمل الجمعيات والواقع المعاش .

ومن جانبه أكد د. أيمن عبد الوهاب الخبير الاستراتيجي بمركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية أننا أمام حوار ثنائي الدولة من جانب ومنظمات حقوق الإنسان من جانب أخر ، ولكن أين باقي منظمات المجتمع المدني ، مطالبًا بفتح حوار بين الحكومة وجميع هذه المنظمات حول التعديلات الحكومية المقترحة لقانون الجمعيات ، لتفادي الأخطاء التي حدثت مع تجربة القانون رقم 153 لسنة 1999 الذي جاء ذي رؤية حكومية خالصة ، وانتقد غياب الاتحاد العام للجمعيات عن العمل الأهلي.

وطالب عبد الوهاب الحكومة بالتعامل مع العمل الأهلي على أنه قطاعًا مستقلاً وليس تابعًا للدولة ، وأن تتناسب الجريمة مع العقاب،على أن ينصب الجرم على فاعليه دون الجمعية ككيان اعتباري ، وأن يكون القضاء هو الفيصل النهائي في الأمر.

وانتقد الأستاذ نجاد البرعي المحامي بالنقض قانون 84 لسنة 2002،مؤكدا أن تطبيقه قد كشف عن كمائن عوار شديدة تعتريه ، فقد برزت مشكلة دار الخدمات النقابية، ومن بعدها حل جمعية المساعدة القانونية. وطالب البرعي بتخفيف قبضة وزارة التضامن الاجتماعي على الجمعيات وإعلان الميزانيات الخاصة بالأخيرة إذا كانت تزيد على 100 ألف جنيه في صحيفة يومية، وأن يتقدم رئيس مجلس إدارة الجمعية أو المؤسسة بإقرار ذمة مالية قبل توليه منصبه. ومن جانبه ، تناول الأستاذ كمال عباس مدير دار الخدمات النقابية تجربة الدار مع وزارة التضامن الاجتماعي ، مشيراً إلى أن القصور لا يتمثل في قانون الجمعيات الحالي فحسب ، بل يمتد ليشمل القائمين عليه ، وعليه لابد من سن قانون جديد للجمعيات يراعى تطبيق ما أقرته المواثيق الدولية بشأن الحق في التنظيم .

وأوضح الأستاذ فريد زهران مدير مركز المحروسة لحقوق الإنسان أن الهدف الأساسي للحكومة من وراء التعديلات المقترحة لقانون الجمعيات إحكام السيطرة على جميع منظمات المجتمع المدني ، مطالباً بأن يكون إشهار الجمعيات بالإخطار للاتحاد العام للجمعيات ، وضرروة شفافية الجمعيات في الأمور المالية.

أما د. عبد المنعم العليمي عضو مجلس الشعب السابق فطالب بقانون موحد للجمعيات من خلال هيئة واحدة تتولى الإشراف عليها ، ووضع ضمانات كافية لحرية الجمعيات في عملها ، ولكن في ذات الوقت على هذه الجمعيات وضع حلولاً فعالة لإشكالياتها الداخلية التي تؤثر على حركتها وفعاليتها في الاداء والاستمرار .

وفي نهاية الورشة ، أوصى المشاركون بالآتي :

1-إصدار تشريع بديل للقانون رقم 84 لسنة 2002 لكونه يشكل عائقا أمام عمل الجمعيات الأهلية ويعوق تنمية وتطوير المجتمع المدني،على أن يحترم التشريع الجديد للجمعيات الأهلية الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

2-ضرورة أن يراعى واضعي التشريع الجديد للجمعيات الأهلية تطبيق ما أقرته المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وكذلك الدستور المصري من ضمانات أساسية للحق فى التنظيم وحرية تكوين الجمعيات، وهي:

  • لكل شخص طبيعي أو معنوي الحق فى المشاركة فى تأسيس الجمعيات وإدارتها والانتساب إليها والانسحاب منها بحرية .
  • لا يجوز وضع القيود على ممارسة هذا الحق غير تلك المنصوص عليها فى القانون .
  • إنشاء الجمعيات الأهلية بنظام الأخطار بدلا من نظام الترخيص .
  • السماح للجمعيات الأهلية بتلقي التبرعات بنظام الإخطار بدلا من نظام الإذن المسبق مع أعمال مبدأ الرقابة اللاحقة من قبل الشئون الاجتماعية.
  • على الدولة بمشاركة المجتمع المدني العمل على وضع إطار تنظيمي يشجع على ممارسة حرية الجمعيات وتقوية مجتمع مدني مستقل ناشط وديمقراطي وعلى الإدارة العامة أن تتعامل مع الجمعيات على قدم المساواة ودون أي تمييز.
  • المبدأ القانوني الأساسي الذي ترتكز عليه حرية الجمعيات هو حق التأسيس دون حاجة إلى ترخيص أو أذن مسبق،فالجمعيات تتأسس بمجرد اتفاق إرادة مؤسسيها،ويجوز الإعلان عنها بمجرد الإعلام / الإخطار المسبق،ولا يمكن إخضاع التأسيس لأي تدخل مسبق من السلطة الإدارية أو من السلطة القضائية0
  • لا يجوز أن تشكل إجراءات التأسيس الإدارية حتى عبر نظام الإعلام / الإخطار، عوائق وعراقيل أمام تأسيس الجمعيات .
  • يحق للجمعيات تعديل أنظمتها بحرية بما فى ذلك الأهداف ومجالات النشاط فى أي وقت طبقا لأنظمتها ووفق ذات الأصول المطبقة فى تأسيس الجمعيات دون تدخل من الإدارة العامة.
  • تدار الجمعية بواسطة هيئاتها المنصوص عليها فى أنظمتها الخاصة ولا يحق للإدارة العامة التدخل فى عملية تسيير اجتماعاتها أو انتخاباتها أو نشاطاتها أو التأثير عليها.
  • للجمعيات الحق فى تنمية مواردها المالية بما فى ذلك رسوم وتبرعات الأعضاء وقبول الهبات والمنح والمساعدات من أى شخص طبيعى أو معنوى محلى أو خارجى والقيام بنشاطات من شأنها أن تحقق لها دخلا وتدر عليها ربحا يستخدم فى أنشتطها شرط ألا توزع هذه الأرباح على الأعضاء.
  • على الدولة أن تضمن فى قوانينها إعفاءات للجمعيات من الضرائب والرسوم وأن تشجع المانحين والمتبرعين عبر خصم قيمة ما يتبرعون به من وعائهم الضريبى بنسبة مقبولة ولاينبغي أن تتحول هذه المزايا والإعفاءات الضريبية إلى وسائل للتدخل فى شؤون الجمعيات.
  • أن حرية الجمعيات لا تعنى غياب المساءلة والرقابة فعلى الجمعيات أن تكون مسؤولة تجاه كل ذي مصلحة وفى حدود تلك المصلحة التي تبرر الرقابة وذلك من الهيئات الآتية(أعضاء الجمعية فى جميع شؤونها، الرأي العام والمجتمع فى حال وجود مصلحة عامة مشروعة بنشاط الجمعية ، القضاء العادي / الطبيعي ، الإدارة العامة (رقابة مالية فقط) فى حدود تستفيد منه الجمعية من مزايا أو أنظمة ضريبية خاصة .
  • يجب الأخذ بمبدأ تناسب الجزاءات مع مخالفات ولا يجوز توقيع عقوبات جنائية على العمل المدني للجمعيات أو على أعضائها وفى مطلق الأحوال لا يمكن أن يقرر أو يحكم بتلك الجزاءات إلا من قبل القضاء بعد ضمان حق الدفاع فى محاكمة علنية وعادلة.
  • المبدأ أنه لا يحق للإدارة العامة حل الجمعيات ولا يمكن أن تخضع الجمعيات للحل إلا بقرار صادر عن هيئاتها الخاصة أو بحكم قضائي نهائي بات وبعد أن تكون قد استفادت الجمعية من حق الدفاع فى محاكمة علنية وعادلة وفى حالات يجب أن يحددها القانون صراحة وحصرا.

3-التأكيد على ثقافة بناء المؤسسات المدنية، وذلك عبر دعم وترسيخ عدد من العناصر المحددة لهذه الثقافة، والتي يأتي في مقدمتها العمل على توسيع النزوع نحو العمل الطوعي، وإعمال قواعد المحاسبية والشفافية كقيم أساسية في الممارسة الديمقراطية، وإعطاء مساحات أكبر للثقافة المدنية عبر وسائل الإعلام.

4- ضرورة تفعيل أداء الجمعيات الأهلية عبر:

  • رفع القيود التي تفرضها الدولة على عمل الجمعيات الأهلية.
  • قيام الجمعيات الأهلية بدور أساسي في تعليم الديمقراطية، وفي نشر الثقافة السياسية.
  • إعمال الجمعيات للمبادئ الديمقراطية في الإدارة الداخلية، وكذلك تداول السلطة في المناصب القيادية بالجمعية.
  • قيام الجمعيات بتشجيع التطوع ليكون هو السمة المميزة للعمل الأهلي المصري.