26/3/2008

طالب ممثلو المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان وعدد من أعضاء مجلس الشعب وأساتذة الجامعات بسن مشروع قانون جديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية بديل للقانون الحالي رقم 84 لسنة 2002 ، ويؤدي هذا المشروع إلى إطلاق حرية تشكيل الجمعيات، ويسهل إجراءات تسجيلها، بأن يكون التسجيل فقط بإخطار الجهة الإدارية دون الحاجة للحصول على ترخيص مسبق، كما يزيل العقبات القانونية والإدارية والمالية التي تواجه هذه الجمعيات أثناء عملها . كما رحبوا بحملة المنظمة المصرية لإطلاق حرية الجمعيات الأهلية في محافظات مصر المختلفة ، جاء ذلك في ختام فعاليات المؤتمر العام الذي عقدته المنظمة المصرية أمس الاثنين 24/3/2008 بفندق شبرد لبدء “حملة المنظمة المصرية لإطلاق حرية الجمعيات الأهلية ولتعديل قانون الجمعيات في محافظات مصر” ، وذلك بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية وبدعم من الاتحاد الأوروبي .

و أوضح أ. حافظ أبو سعده الأمين العام للمنظمة المصرية أن الحملة تعتبر امتداداً للمشروع الذي بدأته المنظمة المصرية ومؤسسة فريدريش ناومان الألمانية في سبتمبر 2007 لإصلاح القوانين (الأحزاب والجمعيات والنقابات العمالية ) في 5 دول عربية من بينها مصر، وانتهى بمؤتمر إقليمي تحت رعاية جامعة الدول العربية بالقاهرة في منتصف يناير 2008، عرض فيه ما توصلت إليه مجموعات العمل في الدول العربية الخمس ( مصر ، الأردن، فلسطين ، لبنان ، اليمن ) . وأضاف أبو سعده أن الحملة تشمل محافظات شمال وجنوب مصر للنقاش حول مفهوم المجتمع المدني،والدور الواجب أن تلعبه الجمعيات الأهلية في دعم المجتمع كشريك في التنمية ، والقيود التي تواجه هذه الجمعيات وكيفية التغلب عليها ، وصولاً إلى مشروع قانون جديد للجمعيات الأهلية بديل للقانون رقم 84 لسنة 2002 . وأكد الأمين العام للمنظمة المصرية أن الحملة تهدف إلى تحقيق عدة أهداف من بينها ، تحرير الجمعيات الأهلية من خلال تقديم تصور لقانون بديل عن القانون رقم 84 لسنة 2002 يحد من تدخل الجهات الحكومية ويشجع الجمعيات على العمل بفاعلية في المجتمع ، ويمكن الجمعيات الأهلية من التعبير عن أفكارها والمشاركة في صياغة قانون يساعدها على العمل بحرية ، ويزيل العقبات القانونية والإدارية والمالية التي تواجه عملها ،ويفض الاشتباك بينها وبين الجهات الإدارية ، ويجعل القضاء المصري الفيصل النهائي في الأمر .

ومن جانبه أكد د. رونالد ماندريوس المدير الإقليمي لمؤسسة فريدريش ناومان أن حرية التجمع مبدأ أساسي لكل من الديمقراطيين و الليبراليين ، مشيراً إلى أنه لا يوجد ديمقراطية بأي حال من الأحوال بدون حرية التجمع . وأعرب عن سعادته بالتعاون مع المنظمة المصرية في هذا الإطار .

في المحور الأول المعنون ” الجمعيات الأهلية في مصر …. الواقع و التحديات ” أكد أ.بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن الجمعيات الأهلية محبوسة في قفص ، الأمر الذي يضع العديد من التحديات على هذه الجمعيات ، يـأتي في مقدمتها القانون رقم 84 لسنة 2002 .

ووصف حسن قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية بأنه بمثابة قانون للمنع وليس قانون لتنظيم عمل ونشاط الجمعيات الأهلية ، طبيعة هذا القانون وفلسفته وجوهره هو التحكم و التقييد، و ليس حرية إنشاء و إدارة و تنظيم الجمعيات ، فهو ينتهك بشكل واضح حقوق الجمعيات بداية من التأسيس، إذ يشترط الحصول على تصريح من الجهات الإدارية خاص بذلك ، الأمر الذي يتنافى شكلاً و مضموناً مع المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، فضلاً عن ما لجهة الإدارة من حق في التدخل بشكل مستمر في شئون الجمعية بدءاً من تشكيل الجمعية إلى تفاصيل العمل اليومي.

وطالب مدير مركز القاهرة بإطلاق حرية تكوين الجمعيات من خلال سن قانون جديد يقوم على فلسفة تحريرية ، مؤكداً أن هذا التعديل لا يعني فئة معينة ولكنه يعني كل مواطن مهموم بمشاكل هذا الوطن و قضاياه ، كما أن هذا المطلب يتصل بتعديل القوانين الأخرى المقيدة للحقوق والحريات العامة ، ومنها قانون الأحزاب السياسية،و قانون النقابات المهنية، وقانون النقابات العمالية ، وكذلك قانون الصحافة …إلخ .

وعن التحديات التي تجابه الجمعيات الأهلية في مصر ، أوضح د. مجدي عبد الحميد رئيس جمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية أن هناك تحديات أساسية أولها : عدم رغبة الحكومة أو الحزب الحاكم في أي مشاركة جادة من المواطنين في الانتخابات والاستفتاءات العامة ، وثانيها : عزوف المواطنين عن المشاركة نتيجة الاستبداد، وثالثها:

القانون المنظم للعمل الأهلي رقم 84 لسنة 2002 والذي يفرض قيوداً مشددة على الجمعيات والمؤسسات الأهلية ، رابعها: استحواذ الأمن على اتخاذ القرار ، فالأمن هو المتحكم بشكل أساسي في سير عملية المشاركة.

وجاء المحور الثاني تحت عنوان ” مساوئ قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002″، وأكد د. إبراهيم درويش أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة أنه لا قيمة للتعددية بدون حق التجمع ، فالنظام الحاكم أصبح مسيطر على كافة أركان الحكم مع إقصاء واضح و صريح لكافة السلطات الأخرى ، و لهذا و نحن بصدد الحديث عن الجمعيات يجب أن ندرك جيداً أن الأزمة ليست في قانون بعينه،بقدر ما هي نابعة من أزمة مجتمع كامل يسعى النظام إلى تهميشه .

أما د. أحمد أبو بركة عضو مجلس الشعب فقد أكد أن حق التنظيم هو حق طبيعي سابق في الوجود على الدولة و الدستور ، فالمجتمع لا ينهض دونما حق التنظيم كما أن هذا الأمر مرتبط بالطبيعة الإنسانية،فالإنسان مدني بطبعه يميل إلى الاجتماع ،و لهذا فقد عمد أساطين القانون الدستوري على التأكيد على هذا الحق من خلال مداولات مجلس الأمة المصري عقب إقرار دستور 1923 و الذي أكد بأن حق التجمع هو حق مكفول لكل فرد . و تناول أبو بركة بالنقد و التحليل مساوئ قانون الجمعيات رقم 84 لسنة 2002 والتي تتمثل في القيود المشددة المفروضة على حق التأسيس و إشهار الجمعية ، والتشكيل المعيب للجنة الخاصة بفض المنازعات وما تتمتع به من سلطات و اختصاصات جمة، وحل الجمعيات . وانتقد أبو بركة المادة 11فقرة 3 و المادة 20 فقرة 2 و المادة 23 من القانون لما تتسم به من عمومية مطلقة .

وأكد أ.أحمد سيف الإسلام مدير مركز هشام مبارك للقانون أن التشريع في مصر يتسم بثلاث سمات جوهرية آلا وهي : طريقة إعداد التشريعات، إذ تعد بمنطق الهجوم على المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه ، مناقشة التشريعات ، من المتعارف عليه في الدول المتقدمة والمتحضرة أن تجرى مناقشة هذه التشريعات والحوار حولها مرتين أو أكثر، بغية معرفة الهدف منها ، ولكن ذلك لا يحدث في التشريع المصري، ماهية الهدف من التشريعات، وينحصر الهدف من القوانين بين السيطرة على المجتمع أو التعبير عنه، وما يحدث في الواقع المصري هو السيطرة ، إذ تسعى الدولة إلى إسكات جميع الأصوات، ومن بينها صوت الجمعيات، وصوت الأحزاب، وصوت النقابات …إلخ. وطالب سيف الإسلام بضرورة سن قانون جديد للجمعيات الأهلية يكفل عدم إخضاع هذه الجمعيات لسيطرة وهيمنة الأجهزة التنفيذية والإدارية ، ويجعل تسجيل الجمعيات بالإخطار ، ويكفل قيام اتحادات على أساس ديمقراطي بصرف النظر عن كونها جغرافية أو نوعية .

و في المحور الثالث ” قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 … متطلبات التغيير” أكد المستشار محمد عامر عضو مجلس الشعب أننا بحاجة إلى تعديل جذري لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية ، مطالباً بأن يكون إنشاء الجمعيات بالإخطار ، مع كب جماح اختصاصات السلطة الإدارية في شأن حل الجمعيات،حيث لا يصبح الحل إلا بقرار من القاضي المختص ، وأن يكون الأصل في تلقي الهبات والمنح الإباحة مع إخطار الجهة الإدارية بتفاصيل هذه المنح أو الهبات ، فالأصل هو الحق المطلق في التأسيس وغل يد الجهات الإدارية .

واتفق معه في الرأي أ. فريد زهران مدير مركز المحروسة ، مؤكداً أن القانون رقم 84 لسنة 2002 يسلب حق الجمعيات في حرية الاجتماع والتنظيم والتكوين، إذ تفرض السلطات الإدارية والجهات الأمنية قيوداً مشددة على هذه الجمعيات ، إذ تتعامل أجهزة الدولة مع الجمعيات من منطلق الوصي عليها ، مطالباً بضرورة سن قانون جديد للجمعيات يحقق آمال وطموحات منظمات العمل الأهلي .

وأوضح أ.أحمد عبد الحفيظ نائب رئيس المنظمة المصرية أن قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية يتضمن العديد من السلبيات ، إذ نصت المواد من 2 إلى 5 من القانون على الشروط الواجب توافرها للتقدم لجهة الإدارة بطلب قيد إحدى الجمعيات في السجل الخاص المعد لذلك. وهي شروط كثيرة ومتعددة،ويقدم الطلب على نموذج خاص معد لذلك،مؤكداً أن كثرة الشروط على هذا النحو يتيح للإدارة فرصة الاعتراض على ما تقدره من مخالفات في النظام الأساسي للجمعية أو القانون أو فيما يتعلق بالمؤسسين ، وهو ما نصت عليه بوضوح المادة الثامنة من القانون .أما قيد الجمعية نفسه فقد أعطيت الإدارة مهلة ستين يومًا لفحص طلب القيد،ويكون الرفض واجباً عليها إذا وجدت مخالفة لأحكام المادة 11 من القانون التي تحدد نوع الأنشطة المحظورة على الجمعيات وذلك كله على نحو ما نص عليه في المادة السادسة من القانون . وتخضع جمعيات النفع العام والجمعيات الخاصة والاتحادات الإقليمية والنوعية لذات طريقة الإنشاء الخاضعة لتدخل الإدارة.

ومن سلبيات الأخرى التي تعتري القانون ، أشار عبد الحفيظ إلى أن القانون قد أعطى لوزير الشئون الاجتماعية ((التضامن الاجتماعي حاليا )) سلطة حل الجمعية بقرار مسبب منه بعد أخذ رأي الاتحاد العام للجمعيات وبعد سماع أقوال الجمعية وذلك إذا وقعت من الجمعية أحدي المخالفات الست التي حددها القانون وهي ….الحصول على أموال من الخارج او ارسال أموال دون إذن ،والتصرف في أموالها في غير أغراضها،وارتكاب مخالفة جسيمة للقانون أو النظام العام أو الآداب، والانضمام أو الاشتراك أو الانتساب لنادي أو جمعية أو هيئة خارج البلاد،أو جمع تبرعات في الداخل دون أذن، أو ثبوت أن حقيقة أهدافها هو ممارسة أنشطة من التي حظر القانون ممارسة الجمعيات لها .

وطالب نائب رئيس المنظمة المصرية بضرورة سن قانون جديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية يكفل ويطلق حرية تشكيلها ، ويضمن عدم تدخل الجهات الإدارية والأمنية في شئونها الداخلية ، الأمر الذي يتفق مع المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتي صادقت عليها الحكومة المصرية وأصبحت جزء لايتجزأ من قانونها الداخلي وفقاً للمادة 151 من الدستور.

و في المحور الرابع ” استراتيجية تفعيل العمل الأهلي في مصر” أكد أ. أبو العز الحريري عضو مجلس الشعب الأسبق أهمية إصلاح البيئة السياسية والقانونية في مصر ، إذ لا يقتصر الأمر على القانون المنظم لعمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية والذي يضيق النطاق على تلك الجمعيات ، وإنما الأمر يمتد ليشمل الأحزاب والنقابات والصحافة والقضاء ، فجميع هذه القوانين بحاجة إلى إصلاح جذري وفوري ، ولكن يجب قبل كل ذلك إصلاح البيئة السياسية أولاً . وطالب الحريري الجمعيات الأهلية النزول إلى الجماهير بهدف معرف مشاكلها واحتياجاتها ، فالجماهير هي الطريق الوحيد إلى التغيير .

و أشارت د. هويدا عدلي أستاذ العلوم السياسية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا إلى أن الجمعيات الحقوقية هي التي تطالب وحدها بتعديل قانون الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخاصة ، الأمر الذي يمثل طائفة محددة من الجمعيات ، و عليه يجب تكاتف كافة الجمعيات سواء الحقوقية أو الأهلية الأخرى من أجل مجابهة التحديات التي تواجه جميع الجمعيات سواء كانت تنموية أو حقوقية وتعديل القانون الخاص بها، داعية إلى فتح حوار مشترك بين الجمعيات والحكومة حول التعديلات المطلوبة في القانون رقم 84 لسنة 2002 .

وأعربت د.هويدا عن ترحيبها بفكرة المنظمة المصرية في إطلاق حملة لتعديل قانون الجمعيات في محافظات مصر ، مؤكدة أهمية النزول إلى الجماهير والتواصل معها والاشتباك مع الجمعيات الأهلية من أجل معرفة ما تريده في قانون الجمعيات .

وأوضح د. أيمن عبد الوهاب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن العمل الأهلي في مصر يعاني من العديد من مواطن الخلل ومن بينها ، قيام أغلب المنظمات على الشخصنة والمركزية في القرار ، وغياب ثقافة التطوع ، وغياب الشفافية والمحاسبة، يضاف إلى ذلك البيئة السياسية والتشريعية المعيقة لعمل هذه الجمعيات .

وطالب د. عبد الوهاب بضرورة إيجاد حلول لجميع مواطن الخلل سالفة الذكر ، وسن قانون جديد للجمعيات الأهلية يتضمن عدة مبادىء أساسية وهي :

  • أن يكون تسجيل الجمعيات والمؤسسات الأهلية فقط بإخطار الجهة الإدارية دون الحاجة للحصول على ترخيص مسبق.
  • حظر حل الجمعيات والمؤسسات الأهلية أو إيقاف نشاطها بيد الجهة الإدارية، وأن يجعل هذا الأمر من اختصاص القضاء وبحكم استنفذ كافة طرق الطعن عليه.
  • حرية المنظمات الأهلية في تلقي التمويل اللازم لأنشطتها بشرط الإخطار والإعلان عن مصادر هذا التمويل وأوجه إنفاقه.
  • إقرار حق المنظمات الأهلية في عقد الاجتماعات العامة سواء بمقرها أو في أية قاعات خارجية دون أن تخضع للقيود المفروضة في قوانين التجمهر والاجتماعات العامة والمظاهرات.
  • إقرار حق المنظمات الأهلية في إقامة التحالفات والشبكات بشرط إخطار الجهة الإدارية ودون الحاجة إلى الحصول على ترخيص مسبق، وكذلك إقرار حقها في عضوية التحالفات والشبكات الدولية والإقليمية.