26/3/2006

لا عزاء للعمال … الذين أفنوا حياتهم وشبابهم أمام الماكينات لرفعة هذا الوطن … فكان رد الجميل في خريف عمرهم … الطرد من مساكنهم وتشريد أولادهم …!

ولأن حكومتنا لا تعترف بأحكام القضاء إلا التي تصب في خانة مصالحها ولا يهمها سوي أن يمضي قطار الخصخصة إلي هدفه المنشود حتى لو كان الثمن آلاف الضحايا من العمال … بشكل هو أبعد ما يكون عن الإنسانية …!

وبالرغم من أن محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة أكدت في يونيو من عام 2001 علي قيام الجهة الإدارية بتوفير مساكن بديلة للعاملين بها عند إخلائهم من المسكن الإداري الملحق بالمنشآت التابعة لها عند انتهاء خدمتهم حفاظا علي القيم العامة للمجتمع , ثم أكدت علي هذا المبدأ القانوني في مارس من عام 2005 حين قضت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بأحقية ورثة العامل أو الموظف في الانتفاع واستغلال العين المرخص بالإقامة فيها كسكن إداري وسريان القوانين المنظمة للعلاقة بين المالك والمستأجر علي تلك المساكن إذا كانت هناك علاقة إيجاريه تربط المورث بالمصلحة , إلا أن حكومتنا لم تعبأ بتلك الأحكام وسمحت للشركات المزمع بيعها برفع دعاوى قضائية ضد العاملين المحالين إلي المعاش وحصلت بموجبها علي أحكام بطردهم من مساكنهم ..!

يقول طه أبو نار والذي يبلغ من العمر 82 عاما وكان أحد العاملين بشركة المحلة للغزل والنسيج إلي أن أحيل علي المعاش ” يريدون أن يخرجونا من بيوتنا ونحن الذين بنينا الشركة علي أكتافنا طوبة … طوبة … إلي أين يذهب 800 عامل مهددين بالطرد من مساكنهم بعد كل هذا العمر …؟1 الغريب في الأمر هو أن الشركة هي التي فرضت علينا هذا السكن , فقد كنت أسكن في شقة رخيصة بمدينة المحلة وطلب منا أن نترك بيوتنا لنعيش في المساكن التابعة لها , أيامها لم تكن هناك أزمة إسكان , ولو كنا نعلم أنه سيأتي يوم تطردنا فيه الشركة إلي الشارع لعملنا حساب الزمن , ولكن من أين نأتي بآلاف الجنيهات لنشتري مساكن بديلة وكل ما نحصل عليه من ” معاش ” ننفقه علي العلاج .

ويضيف محمد هنداوي لباحثي أولاد الأرض لحقوق الإنسان ” الغريب والغير آدمي أيضا أن مسئولي الشركة يقترحون وضع الأرامل من الرجال ليعيشوا معا كل مجموعة في شقة والأمر نفسه بالنسبة للأرامل من النساء دون مراعاة لأي اعتبارات إنسانية , والأعجب أن شركة المحلة للغزل والنسيج لم تكتف بإخطارنا بقرارات الطرد , بل قامت بتنفيذ هذه القرارات بالقوة الجبرية كما حدث في كفر حجازي ومدينة العمال بالمحلة الكبرى , فقد خرجت يوما لقضاء شأن خاص بي وحين عدت وجدت شقتي قد تم كسرها والأثاث ملقي أمامها وعلي بابها الشمع الأحمر , قمت بتحرير محضر بالواقعة ولم أعد إلي شقتي إلا بعد شهر قضيته مشردا …!”

ويقول فتحي السيد أبو سكينة ” إن الشركة تلجأ إلي قطع الكهرباء عن مساكن مدينة العمال لشهور كاملة كنوع من الضغط علي السكان , وقد تسبب قطع التيار الكهربي إلي وفاة أرملة تعيش بمفردها عندما داهمتها أزمة قلبية ولم تتمكن من تناول الدواء واكتشفنا موتها بعد ثلاثة أيام , وقد تسببت قرارات الطرد في إصابة العديد من العمال بأزمات قلبية كما حدث مع الحاج عبد القادر ياسين الذي تم إلقاء أثاث بيته إلي الشارع وأيضا مع أحمد عطية الذي أصيب بجلطة فور تسلمه قرار الطرد ” .

” وفي محافظة كفر الشيخ لم يختلف الحال كثيرا , فقد قام مصنع الغزل والنسيج بالحصول علي أحكام بالطرد من المساكن لما يزيد عن 800 عاملا خرجوا إلي المعاش .

يقول محمد طلحة لباحثي أولاد الأرض لحقوق الإنسان ” مازالت الشركة حتى اليوم تقوم بتهديدي أنا وزملائي الذين أحيلوا إلي المعاش , حتى أنها تفرض غرامة ” 50 جنيها ” علي كل يوم تأخير عن تنفيذ حكم الطرد , كما أنها قامت برفع دعاوى قضائية ضد من لم ينفذوا أحكام الطرد لدفع تعويض عن استغلالهم للشقق , كما قامت بالفعل بطرد البعض منا وأغلقت الشقق دون الاستفادة منها , والحقيقة فنحن لا نمانع في ترك الشقق للشركة ولكن في حالة توفير مسكن بديل , ثم إلي أين نذهب في حالة تنفيذ أحكام الطرد ؟ وهل من الإنسانية أن يكون مصيرنا الشارع بعد أن أفنينا أجمل أيام عمرنا في الشركة …؟!

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتد ليشمل العاملين لشركة الصوامع والتغذية بشبرا الخيمة , فأكثر من 240 عاملا مهددين بالطرد من مساكنهم بعد خروجهم إلي المعاش .

يقول محمد مصطفي لباحثي أولاد الأرض لحقوق الإنسان ” هناك 140 وحدة سكنية بالزاوية الحمراء تابعة للشركة كما توجد 96 وحدة في سفاجا , وتحاول الشركة حاليا طرد من وصلوا إلي سن المعاش من تلك الوحدات بالرغم من أن هذا يخالف الأعراف والقوانين , فالشركة تخصم 10% من الرواتب مقابل السكن الإداري في حين أن الشركة القابضة ترفض بيع الوحدات وتمليكها لأنها تعتبر هذه المباني من الأصول الثابتة للشركة ,

بينما توجد لديها ملايين الجنيهات الخاصة بالوثيقة والصندوق التكميلي للعاملين , أي أن كل عامل له مبلغ لا يقل عن 20 ألف جنيها لدي الشركة يمكن به امتلاك المسكن الذي يقيم فيه , لكن الشركة ترفض هذه الحلول مما دفعنا إلي رفع الشكاوى للنقابة العامة واتحاد العمال وهذه المشكلة نعانى منها منذ ثلاث سنوات ” ” من جانبنا فإن أولاد الأرض لحقوق الإنسان تري أن الشركة القابضة للغزل والنسيج أتاحت في سبيل توفيق أوضاع الشركات والمصانع التابعة لها تمهيدا لبيعها أن تخرق كل القوانين وأن تضرب عرض الحائط بأحكام القضاء الإداري التي تلزم تلك الشركات بعدم جواز طرد العاملين بها من المسكن الإداري التابع لها إلا بعد توفير مساكن بديلة , ويبدو أن القضية أخطر من ذلك بكثير , وأن الأمر لا يتعلق بطرد العاملين الحاليين إلي المعاش من مساكنهم فقط بل أنه يصل بنا إلي جريمة لإهدار المال العام وسلب حقوق العمال دون محاسب أو رقيب …!

ففي يناير من عام 2001 طلب الاتحاد العام لنقابات عمال مصر من الدكتور / مختار خطاب وزير قطاع الأعمال السابق بعدم الاقتراب من الأموال المخصصة لإسكان العاملين بشركات القطاع العام قبل بيعها وعدم تخصيص تلك الأموال في صرف المعاش المبكر أو استغلالها في أية أغراض أخري غير المخصصة لها وهي بناء مشروعات إسكان للعاملين بهذه الشركات بتلك الأموال التي تقدر بنحو 128 مليون جنيها , وقد استند هذا المطلب إلي المادة 42 من قانون هيئات القطاع العام وشركاته رقم 97 لعام 1983 التي تحدد نصيب العاملين في الأرباح التي يتقرر توزيعها بحيث لا تقل هذه النسبة عن 25% يوزع 10% منها نقدا علي العاملين و 10% أخري تخصص لإسكان العاملين بكل شركة وتودع ال 5% الباقية ببنك الاستثمار القومي وتخصص للخدمات الاجتماعية للعاملين بالقطاع العام , فأين ذهبت هذه الأموال وفيما أنفقت …؟!

ولماذا لم تستخدم تلك الأموال في تمليك العاملين بالشركات الشقق السكنية بدلا من طردهم منها …؟!

” لذا … فإن أولاد الأرض لحقوق الإنسان تطالب رئيس الحكومة بالوقف الفوري لكل محاولات طرد العاملين المحالين إلي المعاش من السكن الإداري وتمليكه لهم أو توفير مسكن بديل قبل الطرد والإخلاء حماية لهم ولأسرهم من التشرد والضياع , كما تطالب بالتحقيق الفوري مع المسئولين عن الأموال المخصصة للسكن وهل تم صرفها في المجالات المحددة …. أم أنها ذهبت هباء …!