17/5/2006

كشفت كارثة انهيار محصول البطاطس عن مهزلة كبري تجري أحداثها في وزارة الزراعة وهو الأمر الذي يلقي بظلال كثيفة علي مستقبل الزراعة في مصر , فما حدث لمحصول البطاطس هذا العام يعطي دلالة واضحة لما يمكن أن يحدث للمحاصيل الأخري … وما ينتظر المزارعون من مستقبل غامض في ظل تلك الوزارة التي يتسم أداءها بالتخبط والعشوائية وفقدان الهدف … لذا كان من الطبيعي أن يتعرض المزارعون لخسائر متتالية كان أخرها ما حدث في محافظة الغربية في قري ومراكز كفر الزيات وزفتي وبسيون والسنطة والمحلة الكبري , فقد دمر ما يزيد عن 11 ألف فدان منزرعة بالبطاطس ” العروة الصيفية ” بسبب التقاوي المستوردة الفاسدة والمصابة بالعفن البني والجرب , والتي قام المزارعون بشرائها بأسعار باهظة من السوق السوداء وصلت إلي 11 ألف جنيها للطن الواحد بعد اختفائها من مراكز البحوث التابعة لوزارة الزراعة , الغريب في الأمر أن المزارعين تقدموا بشكاوي عديدة إلي المسئولين بوزارة الزراعة والمديريات التابعة لها فردت بعدم مسئوليتها عن استيراد تقاوي البطاطس من الخارج والتي ترد إلي البلاد عن طريق إحدى الشركات التي تحتكر استيراد هذه التقاوي من أصناف ” كارا وسيلال ” والتي يتم فحصها عن طريق الحجر الزراعي قبل السماح بدخولها وزراعتها …! وقد أدي تراجع دور وزارة الزراعة عن الإشراف علي جميع التقاوي التي يتم استيرادها من الخارج إلي استيراد البطاطس مصابه بالجرب والعفن البني والتي أدت زراعتها إلي انتقال المرض إلي التربة مما يؤدي إلي عدم زراعة البطاطس لمدة عشر سنوات قادمة …!

وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل كيف دخلت هذه التقاوي إلي البلاد وكيف سمح الحجر الزراعي بعد فحص تلك التقاوي بدخولها … وهو ما يشير إلي مدي التواطؤ الذي وصلت إليه تلك الأجهزة بعد أن تخلت وزارة الزراعة عن دورها ومسئوليتها المباشرة عما يخص العملية الزراعية …. فما وقع لمحصول البطاطس يمكن أن يقع لمحاصيل أخري … وهو ما يعني أننا أمام مؤامرة حقيقية علي الزراعة في مصر …!

فمن المفترض أن وزارة الزراعة مسئولة عن توفير التقاوي وضمان صلاحيتها … أما أن يترك هذا المجال لهواة الإثراء السريع وصائدي الثروات ولو علي حساب صغار الفلاحين فتلك جريمة لا يمكن السكوت عليها …!

وتبدو الصورة أكثر قتامة حين نعرف أن أسواق أوروبا وخاصة في إنجلترا واليونان قد رفضت دخول البطاطس المصرية بحجة إصابتها بالعفن البني , حدث ذلك في العام الماضي حين تسببت الإجراءات التي اتخذتها السلطات البريطانية واليونانية في خسائر فادحة للمزارعين المصريين بعد أن أصبحت الإصابة بالعفن البني هي ” الشماعة ” التي يعلق عليها الاتحاد الأوروبي علي مدي 7 سنوات قراراته التعسفية بمنع دخول البطاطس لأسواقه , وقد كشفت تلك الإجراءات عن الوجه الآخر للأزمة وهي محاولات أصحاب المصالح ولوبي المزارعين الأوروبيين في الضغط علي حكوماتهم لاتخاذ الإجراءات التي قد تفوت علي المصدر الزراعي المصري المنافس لإنتاجهم فرصة النفاذ بصادراته لأسواقهم والتي تلقي قبولا كبيرا لدي أصحاب السوبر ماركت الأوروبيين لرخص أسعارها بالإضافة إلي مذاقها الجيد , وقد كان من نتائج تلك الإجراءات أن انخفض سعر الطن للبطاطس التي يتم بيعها من قبل المزارعين للمصدرين من 1200 جنيها إلي حوالي 200 جنيها فقط , بعد أن فقدت مصر السوق الأوروبية التي كنا نصدر إليها 240 ألف طن سنويا , حدث ذلك في العام الماضي , وبالرغم من أن المفوضية الأوروبية عقدت مؤتمرا في شهر نوفمبر الماضي لمناقشة دور الاتحاد الأوروبي لمواجهة مشكلة العفن البني للبطاطس المصرية وتحديد آلية للاتحاد الأوروبي للاستيراد والتي أكدت فيه المفوضية الأوروبية أن دعمها لمشروع العفن البني بدأ منذ عام 1998 بإجمالي 2.6 مليون يورو بما يعادل 18.2 مليون جنيها مصريا بالإضافة إلي تقديمها معدات للمعامل والصوب الزراعية للبحوث والتدريب حول أعراض وطرق انتشار ومراقبة العفن البني , وأعطت في نهاية المؤتمر الضوء الأخضر لدول الاتحاد الأوروبي بالسماح بدخول صادرات البطاطس المصرية للأسواق الأوروبية …

إلا أن كل ذلك لم يكن كافيا لوزارة الزراعة كي تقوم بالإشراف الكامل علي العملية الإنتاجية لمحصول البطاطس , وكانت أولي تلك الخطوات هي الإشراف الفعلي علي استيراد تقاوي البطاطس لضمان سلامتها من الأمراض … إلا أن الوزارة لم تقم بهذا الإشراف بل وسمحت أن تقوم الشركات الخاصة باستيراد تقاوي البطاطس المصابة بالأمراض وغير المطابقة للمواصفات … وكانت النتيجة الحتمية هي انهيار محصول البطاطس … وتقديم الحجج الجاهزة للاتحاد الأوروبي لرفض البطاطس المصرية …!

إن الأمر لا يمكن أن يتوقف عند محاسبة الشركات الخاصة التي قامت باستيراد هذه التقاوي المصابة أو محاسبة المسئولين عن الحجر الزراعي الذين سمحوا بدخول هذه التقاوي إلي البلاد وهو ما لم يحدث حتى الآن” بل إن الأمر يدخل في منظومة وزارة الزراعة ذاتها … ما هو دورها ورؤيتها لمستقبل الزراعة في مصر … وما هي أساليبها في تحقيق تلك الرؤية … وهل هناك تخطيط علمي أم أن الأمور تترك للمصادفات , وهل هذا الإهمال كان نتيجة التخبط والعشوائية , أم أن هناك شيئا آخر …!

” من جانبنا …. فإن أولاد الأرض تطالب رئيس الحكومة بالتحقيق الفوري مع المسئولين عن التقصير الذي أدي إلي انهيار محصول البطاطس مع وضع ضوابط محددة توضح بشكل قاطع مسئوليه وزارة الزراعة عن مستقبل الزراعة في مصر …!