20/7/2006

شر البلية ما يضحك … فبدلا من أن تطلق وزارة الزراعة رصاصة الرحمة وتعلن رسميا اغتيال الحركة التعاونية فى مصر بعد أن أصبحت الجمعيات التعاونية الزراعية فى القرى مجرد أطلال ينعق فيها البوم والغربان … إذ بها تفاجئنا وسط حالة من الكتمان والسرية بقرارها بإجراء انتخابات مجالس الإدارات للجمعيات التعاونية الزراعية … الغريب فى الأمر أن موعد هذه الانتخابات لم يتم الإعلان عنه وكأنه من الأسرار العسكرية التي لا يجب البوح بها , أما عن شروط الترشيح لعضوية مجالس إدارات تلك الجمعيات فحدث ولا حرج , فقد أشترطت أن يكون المرشح متمتعا بالجنسية المصرية والحقوق السياسية والمدنية ويجيد القراءة والكتابة , وأن يكون قد مضى على عضويته بالجمعية أكثر من عام وحائزا لأرض زراعية وسدد ما عليه من ديون واجبة الأداء وألا يكون قد سبق عليه الحكم فى جناية أو جنحة مخلة بالشرف وألا يكون من رجال الإدارة مثل العمد والمشايخ ومشايخ الخفراء ووكلائهم والخفراء والصيارف ودلال المساحة والقبانين وألا تكون قد أسقطت عنه عضوية المجلس من قبل ولا يجوز أن يشترك فى عضوية مجلس إدارة الجمعية عضوان أو أكثر ممن تربطهم صلة قرابة أو نسب حتى الدرجة الرابعة ,

ولسنا ندرى حقيقة كيف وأتت كل هذه الجرأة وزارة الزراعة فى أن تشترط تلك الشروط بالرغم من علمها بما أل إليه حال تلك الجمعيات من خراب , بل – كيف طرحت فكرة إجراء الانتخابات من الأساس دون أن يشعر المسئولون بالوزارة بأدنى خجل أو إحساس بالمرارة , الغريب فى الأمر أن هذه الانتخابات السرية التي ستجرى بعد أيام ستسفر عن انتخاب 31 ألف عضو لمجالس إدارات 6218 جمعية تعاونية زراعية منها 5856 جمعية بالقرى و 222بالمراكز و 124 على مستوى المحافظات و15 على مستوى الجمهورية , ويصل عدد أعضائها إلى ما يزيد عن خمسة ملايين مزارع بقرى مصر المختلفة ,

وكان الأولى بوزارة الزراعة بدلا من إجراء تلك الانتخابات التي لا جدوى منها أن تعود إلى أسباب انهيار دور الجمعيات التعاونية الزراعية وأن تحاول القضاء على تلك الأسباب والنهوض بالجمعيات , وأن تعيد الحياة إلى الحركة التعاونية الزراعية التي نشأت فى مصر فى أحضان نهضة الحركة الوطنية المصرية مع بدايات القرن العشرين , فقد بدأت الحركة مع عمر لطفي الذي لم يكتف بمجرد الدعوة إلى إنشائها بل قام بدعم من الزعيم الوطني التقدمي محمد فريد وبمسانده رموز جيل الإصلاحيين العظام أمثال طلعت حرب وعبد الرحمن الرافعى وحسن نافع بالتأسيس الفعلي للتعاونيات الزراعية التي كانت بدايتها بقرية ” شبرا النملة ” بمحافظة الغربية عام 1910 , ومنذ ذلك التاريخ والجمعيات التعاونية الزراعية فى ازدياد مستمر ثم صدرت التشريعات الأولى للحركة التعاونية المصرية متمثلة فى القانون رقم 27 لسنة 1923 الذي اقر بوجود الجمعيات .

أو الشركات التعاونية , ثم صدر القانون رقم 27 لسنة 1927 الذي يعد البداية الحقيقية للتشريع التعاوني الذي وسع من الأفق التعاوني ولم يقصره فقط على المجال الزراعي والذي تضمنت موارده وتوجهاته ما أدى إلى تطوير حركة التعاون الزراعي بشكل كير من خلال تيسير القروض الزراعية بأسعار فائدة محدودة 4% وأعطاء مزايا للجمعيات التعاونية بالنسبة للرسوم والخدمات وأسعار مستلزمات الإنتاج وإنشاء الاتحادات التعاونية لنشر التعليم والتدريب التعاوني وواكب هذا التطور التشريعي قيام بنك التسليف الزراعي بتحديد سعر فائدة قروضه للجمعيات الزراعية بنسبة 2% وللأفراد مباشرة بنسبة 5% دون حد لهذه القروض وبالرغم من التطور الكبير فى الحركة التعاونية فى ذلك الوقت ألا هناك أوجه من القصور ظهرت بها وتمثلت فى إتاحة بنك التسليف لكبار ملاك الأراضي الزراعية باستغلال الصفة التعاونية وإنشاء ما يسمى ” جمعية العضو الواحد ” للوصول إلى المزايا المقررة للجمعيات التعاونية , ومع إدراكنا للثقل الكبير لكبار ملاك المزارعين فى المجتمع المصري لذلك فلابد أن ندرك أيضا استغلالهم لهذه الصيغة فى الحصول على القروض والمزايا الأخرى على حساب الجمعيات التعاونية الحقيقية ومصالح كافة الفئات الفلاحية الأخرى , أضف إلى ذلك أن القروض والائتمانات المالية الزراعية كانت تقدم بضمان الأرض وليس بضمان المحصول مما تسبب فى حرمان ملايين المستأجرين من الاستفادة بميزة سعر الفائدة المنخفض .

ومع بداية ثورة يوليو عام 1952 شهد التعاون الزراعي تطورا كبيرا بعد أن أصبح أحد المحاور الرئيسية لقانون الإصلاح الزراعي وتوجهاته ابتداء من القانون رقم 178 لسنة 1952 والذي استهدف بتوجهاته الإصلاحية جموع الفلاحين كأداة أساسية فى خطة التنمية ثم تصاعد دور الحركة التعاونية الزراعية وخدماتها لجماهير الفلاحين وذلك من خلال القانون رقم 317 لسنة 1956 ثم القانون 51 لسنة 1969 اللذان أوجبا تقديم الائتمان المالي اللازم للفلاحين بضمان المحصول وبأسعار فائدة محدودة ثم ألغيت هذه الفائدة بموجب القرار الجمهوري رقم 250 لعام 1961 بالإضافة إلى توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي بأسعار مدعومة وفى التوقيتات الملائمة.

وقد تم التأكيد على أن تكون الغالبية فى مجلس الإدارة للمستويات المختلفة فى البنيان التعاوني من صغار الحائزين وتقرر أن تكون أموال الجمعيات التعاونية الزراعية فى حكم الأموال العامة لتوفير الحماية القانونية للفلاحين التعاونيين وإنشاء الاتحاد التعاوني الزراعي المركزي كقيادة طبيعة للحركة التعاونية الزراعية وبالتالي كإحدى المؤسسات الهامة فى المجتمع بالإضافة إلى الحرص على النص فى دستور 1956 على تشجيع ودعم الدولة للتعاون والمؤسسات التعاونية وخاصة الزراعية , وعلى الرغم من وجود بعض السلبيات التي تمثلت فى إحكام القبضة الإدارية على تأسيس وحركة البنيان التعاوني الزراعي ألا أن التعاون الزراعي أصبح على مدى عقدي الخمسينيات والستينيات فى القرن العشرين أحد الملامح الرئيسية ليس فى الريف فقط بل فى المجتمع المصري كله وصار البنيان التعاوني الزراعي من خلال 5049 جمعية على اختلاف مستوياتهم تضم حتى عام 1970 ما يزيد عن 2 مليون و 380 ألف فلاح قيمة رئيسية اجتماعية وتنموية ففي عام 69/ 1970 مول القطاع الزراعي خزانة الدولة بما قيمته 128.7 مليون جنيه وقام الناتج ا لمحصولي فى أغلب الزراعات بتغطية النسبة الأكبر من الاحتياجات المطلوبة وتم تصدير كميات كبيرة من محاصيل القطن والأرز والسكر بما وفر فائضا من العملات الأجنبية يقدر بحوالي 152.61 مليون جنيه فى نفس الوقت الذي حصل فيه المزارعون المنتجون من ملاك ومستأجرين على زيادة فى دخولهم تتجاوز معدلات ارتفاع نفقات المعيشة فى ذلك الوقت .

ظلت الحركة التعاونية الزراعية تقوم بدورها فى المجتمع المصري إلى أن صدر القانون رقم 117 لسنة 1976 والذي تم بموجبة إحلال بنك التنمية والائتمان الزراعي بديلا عن الحركة التعاونية الزراعية التي انخفضت فاعليتها نتيجة هذا الإحلال فى مجال خدمه الإنتاج الزراعي حيث تولى معظم مهامها ومسئولياتها بنك التنمية والائتمان الزراعي والذي قام بدوره برفع سعر الفائدة على قروض للائتمان الزراعي بمسميات مختلفة وإلى معدلات عالية ومتوالية فى الصعود كما أن أغلب القروض أصبحت بضمان الأرض وليس بضمان المحصول وتخلى البنك وفروعه بالقرى عن التعامل فى مستلزمات الإنتاج بعد إلغاء الدعم نهائيا عنها وتركها للقطاع الخاص ووفقا لنصوص هذا القانون تم إعطاء الحق لبنوك القرى بالحجز الإداري على الفلاحين برغم مخالفه ذلك دستوريا ثم صدر قانون التعاون الزراعي رقم 122 لسنة 1980 والمعدل فى عام 1982 والمعمول به حاليا وقد خلت نصوصه الخاصة بمهام وحدات البنيان التعاوني الزراعي من أي إشارة إلى مستلزمات الإنتاج ونص القانون ولاول مرة فى تاريخ التشريعات التعاونية الزراعية على إجادة القراءة والكتابة وليس مجرد الإلمام بها كشرط أساس لترشيح الفلاح لنفسه فى انتخابات مجلس إدارة الجمعية التعاونية الزراعية بالقرية وتم فرض المزيد من التحكم الإداري فى التعاونيات الزراعية والنص على حق كل من وزير الزراعة ومحافظ الإقليم فى وقف عضو مجلس الإدارة وحل مجلس الإدارة بأكمله وإسقاط العضوية عن عضو أو أكثر وحق تعيين مجلس إدارة بقرار إداري لينتهي بذلك دور الجمعيات التعاونية الزراعية على ارض الواقع هذا ما وصل إليه حال الجمعيات التعاونية الزراعية فى مصر وهى حال أصبح السكوت عنها جريمة !!

لذا فان أولاد الأرض تطالب وزير الزراعة بأحد أمرين إما إعلان حل تلك الجمعيات التعاونية التي أصبح لا جدوى منها مع الاستفادة الكاملة من مبانيها والأراضي المقامة عليها أو إلغاء القانون رقم 117 لسنة 1976 وكذلك القانون رقم 122 لسنة 1980 والمعدل فى عام 1982 مع توفير الدعم الكافي من مستلزمات إنتاج ومرشدين زراعيين مما يعيد لتلك الجمعيات دورها الرائد فى التنمية الزراعية .

وهذا فى رأينا أهم كثيرا من تلك الانتخابات التي ستجريها وزارة الزراعة لمجالس إدارات تلك الخرابات التي كانت فيما مضى رمزا للخير والعطاء والنماء