30/7/2006

ولأننا دائما ما نسقط في الفجوة الفاصلة بين القول والفعل … وبين الحلم والواقع وبين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون …. أصبح من المألوف لدينا أن تصبح تصريحات المسئولين في واد والتطبيق العملي علي أرض الواقع في واد آخر , فالسيد وزير الري والموارد المائية والذي مازال يؤكد حتى الآن أن خطة وزارته الطموحة هي توفير مياه الري لاستصلاح 3.4 مليون فدان تضاف إلي الرقعة الزراعية في مصر نسي في غمرة تصريحاته أن دواوين وزارته ومديرياتها تسببت بإهمالها في تبوير مئات الآلاف من الأفدنة لنقص مياه الري , مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء أصابها التصحر والجفاف وماتت فيها الأشجار واقفة كشواهد قبور لأحلام البشر , ضاعت أرزاق الناس بين الأرض المشققة العطشى في انتظار أمل لا يأتي وتصريحات الوزير عن مستقبل لا حاضر له , وقد استطاعت أولاد الأرض أن ترصد بعض الحالات التي تؤكد أن مستقبل الزراعة في مصر أصبح في قلب الخطر لنقص مياه الري …

ففي مدينة الصف بمحافظة الجيزة تتعرض مساحة 40 ألف فدان للبوار بعد أن قام أكثر من 30 ألف مواطن باستصلاحها وزراعتها بأشجار الزيتون والموالح والبقول والقمح أيضا ولكنهم فوجئوا بأن زراعاتهم علي وشك الموت بعد أن اختفت أو كادت تختفي المياه من الترع …

يقول مصطفي سيد عبد الله لباحثي أولاد الأرض لحقوق الإنسان ” أمتلك 20 فدانا ولكن ندرة المياه وجفاف الترع لم تسمح لي إلا بزراعة 8 أفدنه فقط وبالرغم من ذلك فإن المحصول علي وشك الدمار لقلة المياه . أما مجدي حلمي سعد فيقول ” استصلحت 60 فدانا وزرعتها بأشجار الزيتون والتين والقمح والحلبة والذرة والفول البلدي والبرسيم ولكن في كل عام تحدث مشكلة قبل نضوج المحاصيل وهي عدم وجود مياه في الترع مما يتسبب في موت الزرع أمام أعيننا ولا نستطيع أن نفعل شيئا , علما بأن هذه المزرعة يعمل بها 11 فردا وكل منهم مسئول عن أسرة مكونة من 7 أفراد في المتوسط وهذا بخلاف العمالة الموسمية لتي تزيد علي 10 فتيات للعمل بالمزرعة لجمع المحاصيل , وهذا العام لم أزرع سوي 30 فدانا من المساحة كلها بعد جفاف نصف المساحة , وقد انخفضت إنتاجية الفدان إلي الثلث تقريبا , فإنتاجية فدان القمح في العام الماضي كانت 15 أردبا انخفضت هذا العام إلي 5 أردب تقريبا وذلك لأنهم منعوا عنا المياه فمات الزرع ” . ويضيف كرم غربال قائلا ” بعد كفاح شاق وجهد غير عادي استصلحت 90 فدانا قمت بزراعتها بأشجار الزيتون ولكن ندرة المياه جعلت الأشجار تموت عطشا حتى أن المعصرة التي كانت قريبة من المزرعة وكانت تقوم بعصر 75 طنا من الزيتون توقفت الآن عن العمل تماما لأن شجر الزيتون لم يعط ثماره ” .

أما في محافظة الفيوم فقد أدي نقص مياه الري إلي بوار 40 ألف فدانا أيضا من أراضي المحافظة البالغ مساحتها 450 ألف فدانا بالإضافة إلي ضعف إنتاجية المحاصيل في المناطق التي تصلها مياه الري لفترات قليلة , يقول فايز عبد الله ناجي من قرية تطون مركز إطسا بمحافظة الفيوم ” لقد تسبب نقص مياه الري إلي بوار أرضي وتلف محصول الذرة , ولست أدري حقيقة كيف أستطيع أن أسدد ما أخذته من قروض من بنك التنمية , إننا نعاني الأمرين مع قدوم فصل الصيف في كل عام ولست أدري إلي متي ستظل تلك المهزلة .

ويضيف عبد الفتاح جاد المولي قائلا هناك نقص شديد في مياه الري وإن جاءت فإن منسوبها يكون منخفضا وتظل النوبة لفترات قصيرة لا تكفي لري محاصيلنا , لقد شكونا لوزارة الري وإلي جميع المسئولين أن ينقذوا أرضنا من البوار وأسرنا من الضياع ولكن دون جدوي ” .

وفي إسنا بمحافظة قنا وبعد أن تم إنفاق ملايين الجنيهات لاستصلاح منطقة التنمية الزراعية والتي تضم نحو 37 ألف فدانا تم استصلاح 17 ألف فدان منها , غير أن هذه المساحات التي تم استصلاحها أصبحت معرضة للبوار لنقص مياه الري وذلك لعدم تشغيل محطات الرفع الجديدة بغرب إسنا منذ عام 1981 , خمسة وعشرون عاما من الفشل لم تستطع مديريات الري خلالها تشغيل محطات الرفع الجديدة بغرب إسنا وكأن تلك المحطات اختراع كوني غير قابل للإدراك والإصلاح , يقول عبد الباسط سعد لباحثي أولاد الأرض ” تم استصلاح 17 ألف فدان من جملة 37 ألف فدان في تلك المنطقة بمعرفة الشركة الإيطالية وبعدها تم تخصيص هذه المنطقة لشركة الوجه القبلي الزراعية التي باعتها للأهالي بالمزاد العلني , وقد حصل الكثير من المزارعين علي نصيب من هذه الأرض علي أساس أن مياه الري متوفرة عن طريق الترعة الموجودة بالمنطقة والتي تستمد مياها من محطة الري الرئيسية رقم ” 1 ” إلا أن المزارعين فوجئوا بعد أن اشتروا هذه الأرض بعدم وصول مياه الري بسبب التوقف المستمر لمحطة الري ” .

أما في جنوب محافظة بور سعيد فإن أراضي شباب الخريجين والتي تمتد علي مساحة 1360 فدانا تتعرض للبوار بعد أن أنفق الشباب كل ما يملكون لاستصلاحها وتهيئتها لزراعة الشعير والقمح فإذا بوزارة الري والموارد المائية تقطع عنهم المياه لتضيع أموال وجهود هؤلاء الشباب هباء ..!

يقول إلهامي عبد الرحيم لباحثي أولاد الأرض ” صرفنا كل ما نملك في استصلاح الأراضي التي خصصت لنا في جنوب بور سعيد وتكبدنا تكاليف التسميد وتهيئة الأرض لزراعتها بالقمح والشعير إلا أن قطع المياه عنا أدي إلي إهدار جهودنا , لجأنا إلي المسئولين في وزارة الري ولكن وعودهم لنا كانت غير صادقة فما زالت المياه مقطوعة مما تسبب في جفاف الأرض وضياع المحصول ” .

ويضيف صلاح الشاهد قائلا ” عندما سألنا عن أسباب النقص الشديد في المياه علمنا بان ترعة ” التينة ” التي تستمد المياه من ترعة السلام عليها فتحات للاستزراع السمكي مما يؤدي إلي الانخفاض الشديد في مستوي المياه مما يقلل من اندفاعها خاصة في هذا الوقت من العام أي قبل بدء الفيضان حيث تجف الترع والمفروض أن يقوم مسئولو الري بغلق فتحات الري المخالفة وفتحات الاستزراع السمكي التي تستهلك الكثير من المياه”.

وفي محافظة سوهاج تتعرض مساحة 40 ألف فدان للبوار بعد أن تحمل أصحابها معاناة الشمس المحرقة وباعوا كل ما يملكونه واستطاعوا بالصبر والعزيمة أن يحولوا تلك الصحراء القاحلة إلي جنة خضراء تضاف إلي رقعة مصر الزراعية ,ورغم كل ذلك فهم يعانون من مشاكل عديدة أهمها نقص مياه الري , يقول محمد جاد الله لباحثي أولاد الأرض ” لقد خرجنا من الوادي الضيق بحثا عن لقمة العيش وذلك منذ عام 1979 وكنا نعاني الأمرين حيث أن المياه لا تصل إلي المنطقة فكنا نستخدم ماكينات رفع المياه الارتوازية التي أرهقت الجيمع لتكاليفها الباهظة حيث تتكلف الماكينة الواحدة أكثر من 70 ألف جنيها وهو مبلغ لا يستطيع أن يتحمله المزارع البسيط , وكلنا نحلم أن تستكمل وزارة الري ترعة غرب جرجا لتصل إلي غرب المنشأة ورغم انتظارنا أكثر من 27 عاما إلا أن هذا الأمل لم يتحقق وهو الأمر الذي يهدد الأرض بالبوار لأن المياه الجوفية تزيد من ملوحة الأرض مما يتسبب في تلف المحاصيل “.

وفي محافظة الشرقية تتعرض ألاف الأفدنه في قرية البلاشون مركز بلبيس للبوار والتي يتم ريها من بحر البلاشون فمع بداية فصل الصيف يتعرض المزارعون لأزمة حادة لنقص مياه الري بسبب جفاف بحر البلاشون التابع لمديرية ري شبين القناطر – قليوبية ووقوع القرية في آخر زمام ري محافظة القليوبية مما أدي إلي تلف المحاصيل وبوار ألاف الأفدنة .

  • من جانبنا …. فإن أولاد الأرض تؤكد أن نقص مياه الري لم يؤد فقط إلي بوار مئات الآلاف من الأفدنة في أقاليم مصر بل أنه أدي إلي معارك طاحنة بين الفلاحين وسقوط عشرات الضحايا منهم للخلاف علي أولوية الري بعد انخفاض منسوب المياه في الترع وانخفضت أيضا عدد أيام مناوبة الري وهو الأمر الذي يدفعنا أن نطالب وزير الري والموارد المائية بتوفير مياه الري لجميع الأراضي التي تم استصلاحها بالفعل علي مدار العام وبزيادة عدد أيام مناوبة الري بما يعطي الفرصة لكل المزارعين لري أراضيهم … كما نؤكد للسيد الوزير أن الاهتمام بالخطط المستقبلية لا يعني إهمال ما تم إنجازه بالفعل خاصة وأن مستقبل مئات الآلاف من الأسر أصبح في خطر .