12/1/2009
● نعيش هذه الأيام أجواء استقبال السنة الجديدة. ولا يسعنا بهذه المناسبة إلا أن نتمنى لجميع البشر ببلادنا وعبر العالم سنة جيدة وسعيدة، مع العلم أن مقومات السعادة تكمن أولا وقبل كل شيء في احترام معايير حقوق الإنسان بمفهومها الكوني والشمولي.
● لقد غادرنا سنة 2009 في أجواء عالمية لا تبعث على التفاؤل بالنسبة لمصير حقوق الإنسان والشعوب على المدى القريب؛ فيكفي للتأكد من ذلك أن نستحضر الهجمة الصهيونية الإجرامية على غزة بمباركة الإمبريالية العالمية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وبتواطؤ مخجل للنظام الرسمي العربي، والهجوم الإمبريالي الشرس على حق الشعوب في تقرير مصيرها، والأزمة الاقتصادية العالمية المتوسعة والمتعمقة مع ويلاتها الاجتماعية، والهجوم الكاسح على الحريات باسم محاربة الإرهاب أو محاربة الهجرة غير النظامية.
لكن الوجه الآخر للواقع العالمي قي مطلع هذه السنة هو مقاومة الشعوب المتنامية للإمبريالة وللعولمة الليبرالية المتوحشة ولانتهاك الحريات مهما كانت الذريعة، وهو كذلك التضامن بين مختلف القوى الساعية إلى عالم يسوده السلم والرخاء والحرية والمساواة والتضامن، عالم يضمن الكرامة لكل إنسان.
● وعلى المستوى الداخلي، فرغم الأهمية التي أولتها السلطات للاحتفال بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والخطاب الرسمي المتفائل بالنسبة لواقع حقوق الإنسان ومصيرها ببلادنا، فإن المعطيات والمؤشرات تبرز أن الانتقال نحو دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة الذي تسوده حقوق الإنسان مازال محجوزا لأسباب هيكلية من ضمنها الدستور اللاديمقراطي الحالي. وهذا الوضع المحجوز يبدو جليا من خلال انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف المجالات، وفي عجز السلطات على تطبيق مخططاتها مثل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة و الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان، وعجزها على تفعيل التزاماتها في مجال إصلاح القضاء وعلى تطبيق عدد من من القوانين كما هو الشأن بالنسبة لمدونة الشغل التي تنتهك بشكل سافر على مرآى ومسمع الجميع أو بالنسبة للمقتضيات القانونية المتعلقة بتجريم التعذيب وبتجريم نهب المال العام.
وفي ظل هذه الأوضاع، إن الشعب المغربي إجمالا لم يعد ينخدع للأطروحات الوهمية حول العهد الجديد الذي لم ير منه سوى استمرارا للعهد القديم بترميمات جزئية. دليلنا على ذلك نسبة 20% في المشاركة في انتخابات شتنبر 2007 وكذا النضالات والاجتماعية المتصاعدة المعبرة عن رفض الواقع المزري وعن الطموح لغد أفضل.
إننا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نعتقد أن مستقبل حقوق الإنسان هو ما ستصنعه جماهير بلادنا بشبابها ونسائها ورجالها وكادحيها وطلابها ومعطليها وقواها الديمقراطية المكافحة من أجل ديمقراطية شمولية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ومن أجل مجتمع المواطنة الذي تسوده قيم الكرامة والحرية والمساواة والتضامن والذي يتمتع فيه كل مواطن ومواطنة بكافة الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
● بالنسبة لنا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ،إن السنة الجديدة هي سنة الذكرى الثلاثين لتأسيس الجمعية التي رأت النور في 24 يونيه 1979. وإننا طبعا نأمل أن تكون هذه السنة أفضل في مجال حقوق الإنسان من السنة الماضية دون أن تكون لنا ضمانات لتحقيق هذا الطموح.
إلا أننا عاقدون العزم على مواصلة الجهد والنضال من أجل تسريع بزوغ مغرب الكرامة. وفي هذا المجال سنعمل في اتجاهين أساسيين:
ــ أولا، تقوية الجمعية عبر ضمان انسجام وتفاهم أكبر بين أعضائها ومكوناتها لتعزيز وحدة الإرادة، عبر تأسيس فروع جديدة وتفعيل كل الفروع التي يجب أن تشتغل كهيئات حقوقية محلية تحظى باستقلال ذاتي واسع، عبر توسيع العضوية خاصة في اتجاه الشباب والنساء ومختلف فئات الشغيلة والمثقفين الديمقراطيين، عبر التكوين الحقوقي المستمر الذي يضمن فعالية أكبر لكل عضو(ة) بالجمعية، وعبر تعزيز إعلامها ومبادراتها النضالية للتصدي للانتهاكات والدفاع عن حقوق الإنسان في كل المجالات.
ــ ثانيا، تفعيل أكبر لشعار وحدة العمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. إننا في الجمعية ندرك أن الجمعية مهما كبرت قوتها وفعاليتها لن تتمكن لوحدها من فرض احترام حقوق الإنسان ببلادنا. نفس التقدير ينطبق على كافة القوى الحقوقية والديمقراطية الأخرى. لهذا رفعنا شعار وحدة العمل منذ مؤتمرنا الثالث في دجنبر 1991 وخطونا خطوات مهمة في هذا المجال.
ونحن مطالبون هذه السنة بتعزيز منحى وحدة العمل عبر تحيين الميثاق الوطني لحقوق الإنسان بعد مرور أزيد من 18 سنة على المصادقة على صيغته الأولى وعبر وضع أسس العمل التنسيقي الجماهيري والمعقلن في كل المجالات. ونحن هنا نذكر بقرار مؤتمرنا الأخير بتفعيل أربع شبكات أو تنسيقيات كبرى:
ــ شبكة مناهضة الإمبريالية المهتمة بالتضامن مع الشعبين الفلسطيني والعراقي ومع كافة الشعوب المعرضة للقهر الإمبريالي والمهتمة كذلك بالتصدي لكل أوجه التواجد والهيمنة الإمبريالية هنا ببلادنا.
ــ شبكة الدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية.
ــ شبكة الدفاع عن حقوق المرأة بكل أبعادها.
ــ شبكة التضامن الاجتماعي وهي تنسيقية للنضال الاجتماعي، غايتها التصدي لغلاء المعيشة والدفاع عن سائر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إن فعالية هذه الشبكات تكمن في تأسيسها على المستوى المحلي والوطني وفي توسيع طابعها الجماهيري والحرص على احترام متطلبات النضال الاجتماعي الجماهيري.
● كلمة أخيرة، نحن لا نستطيع الجزم بأن سنة 2009 ستكون أفضل من سابقتها على مستوى احترام حقوق الإنسان، رغم أننا نتمنى ذلك وبقوة. لكننا عازمون على أن نجعل من هذه السنة، سنة الذكرى الثلاثين لتأسيس الجمعية، سنة لتعزيز النضال الحقوقي للجمعية ولتعزيز النضال الديمقراطي بشراكة مع كل الفعاليات الديمقراطية ببلادنا وعبر العالم.
التضامن