22/6/2009

في 24 يونيه 1979، في عز سنوات الرصاص وفي أجواء القمع السياسي والنقابي والثقافي الرهيب الذي كان يعيشه المغرب، بالموازاة مع الشعارات البراقة حول المسلسل الديمقراطي، بادرت وبشجاعة مجموعة من المناضلين والمناضلات من مختلف المشارب الفكرية والسياسية الديمقراطية إلى تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كإطار للدفاع عن حقوق الإنسان بمفهومها الكوني وبكافة أبعادها السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

إن الجمعية، بفضل مواقفها الواضحة والثابتة من قضايا حقوق الإنسان، وبفضل نضالاتها الجريئة والمشروعة دفاعا عن دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة وعن الكرامة وكافة حقوق الإنسان للجميع، وبفضل تصديها بشجاعة لعدم الإفلات من العقاب في سائر المجالات، وبفضل نشاطها المشترك مع التنظيمات الحقوقية الأخرى ومع القوى الديمقراطية المؤطرة للمجتمع المدني ــ إعمالا لشعار وحدة العمل للدفاع عن حقوق الإنسان ــ، قد أصبحت تحظى بإشعاع واسع وسط المجتمع المغربي وهو ما يتجلى في تأسيسها لأزيد من 80 فرعا محليا و 08 فروع جهوية وتوفرها على حوالي 10 آلاف عضو وتعاطف عشرات الآلاف من المواطنين والمواطنات معها. كما يتجلى هذا الإشعاع في دورها الكبير داخل مختلف الشبكات الوطنية المؤسسة من أجل الدفاع المشترك عن حقوق إنسانية ملموسة، وفي توسع علاقاتها الخارجية وانضمامها لعدد من الشبكات الحقوقية الدولية والقارية والجهوية والإقليمية، ناهيك عن علاقاتها القوية مع المنظمات الحقوقية ذات النفوذ الدولي.

ويتجلى إشعاع الجمعية كذلك في اضطلاعها المتزايد بالنهوض بثقافة حقوق الإنسان كما يتجسد ذلك بالخصوص في إشرافها على مئات أندية حقوق الإنسان، في تنظيمها للعديد من المخيمات الحقوقية للشباب وفي البرامج التحسيسية بحقوق الإنسان الموجهة للتلاميذ والطلبة ونساء ورجال التعليم.

إن كفاح الجمعية المغربية لحقوق الإنسان منذ 30 سنة قد أدى، ضمن نضال كافة الحقوقيين والديمقراطيين ببلادنا، مدعومين من طرف الرأي العام الديمقراطي الدولي، إلى العديد من المكتسبات، لكن الجزئية والهشة على مستوى الحقوق السياسية والمدنية في ظل التدهور عموما للأوضاع على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واستمرارية نفس الإطار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وانعكاساتها على حقوق الإنسان ببلادنا في تفاعل مع الإنعكاسات السلبية للعولمة الليبرالية المتوحشة ومع تزايد الهيمنة الإمبريالية المنافية لحق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

وعلى عكس الخطاب الرسمي وتصريحات المسؤولين، إن حقوق الإنسان ليست بخير ببلادنا.

فالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ورغم الاعتراف لها بصفة المنفعة العامة، لا يسمح لها بممارسة كافة اختصاصاتها، ويتم تهميش مواقفها على مستوى الإعلام الرسمي. بل إنها مازالت تعاني من القمع كما وقع في 09 دجنبر 2000 حيث تم اعتقال 36 مناضلة ومناضلا مسؤولي وأعضاء الجمعية وهيئات حقوقية صديقة، وفي سنة 2007 عندما تم اعتقال ومحاكمة 17 من مناضليها بتهمة المس بالمقدسات، وفي 15 يونيه من نفس السنة عندما تم قمع الوقفة الجماعية التي حاولت تنظيمها أمام البرلمان والتي تميزت بالاعتداء على عدد من مناضلي وقياديي الجمعية وفي مقدمتهم رئيسة الجمعية نفسها. كما أن عضوين من الجمعية بفرع طانطان مازالا يقبعان في السجن بعد الأحكام الجائرة والقاسية الصادرة ضدهما. وأخيرا وليس آخرا هناك محاكمة رئيس فرع الجمعية بخنيفرة بإيعاز من بعض ذوي النفوذ بهذه المنطقة المتمتعين بالحصانة المخزنية رغم ما اقترفوه من جرائم شنيعة ضد السكان.

وبالنسبة لمآل الحقوق السياسية والمدنية عموما، نكتفي بالإشارة إلى أنه لم يتم تسوية ملف الانتهاكات الجسيمة التي عرفها المغرب طيلة الفترة الممتدة من 1956 إلى 1999 وذلك بسبب ضعف العمل الذي قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة وتغييبها للحقيقة كما هو الشأن بالنسبة لملف اختطاف المهدي بنبركة ونتائج أشغالها المتواضعة أصلا والتي لم تفعل سوى بشكل جزئي.

إضافة لذلك، مازلنا نعيش انتهاكات جسيمة مشابهة لما حصل في الماضي، خاصة بارتباط مع ما سمي بمكافحة الإرهاب الذي يتم إنجازه وفقا للمنهجية الأمريكية في هذا المجال. ويكفي أن نذكر كذلك بالقمع الذي عرفته مدينة صفرو يوم 23 شتنبر 2007 ومنطقة سيدي إفني في يونيه وغشت 2008. ويكفي كذلك أن نشير إلى تنامي ظاهرة الاعتقال السياسي نتيجة قمع الحريات العامة: طلبة أوطم بفاس ومراكش ومكناس، المعتقلين الصحراويين، معتقلي سيدي إفني، المعتقلين السياسيين الإسلاميين، الاعتقالات والمحاكمات بدعوى المس بالمقدسات،…

إن الانتهاكات في مجال الحقوق السياسية والمدنية تصيب كافة الحريات العامة وكذا الحق في الحياة والحق في السلامة البدنية (استمرار التعذيب رغم وضع قانون لتجريمه) إضافة إلى استمرار التضييق على الصحافة والصحافيين ومحاكمتهم، واستمرار خرق حقوق أساسية للمرأة، للطفل وللسجناء. أما القضاء فيشكل عرقلة أساسية لدولة الحق والقانون نتيجة لعدم اعتباره كسلطة وللضعف المراكم على مستوى الاستقلالية والنزاهة والكفاءة.

إن الدستور غير الديمقراطي، الذي عدل لأخر مرة في شتنبر 1996، مازال يشكل قاعدة الحياة السياسية للبلاد مما يعرقل إمكانية التطور نحو دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة.

إن الانتخابات الجماعية ليوم 12 يونيه وشروطها والانتهاكات المرتبطة بها تؤكد هي الأخرى استمرار الإجهاز على الإرادة الشعبية تماما كما حصل في الانتخابات النيابية في 07 شتنبر 2007 وفي مجمل العمليات الانتخابية العامة السابقة.

وبعبارة واحدة ، إن أوضاع الحقوق السياسية والمدنية تبين لوحدها أن الانتقال نحو الديمقراطية الذي يتم الحديث عنه بإطناب منذ أزيد من ثلاثين سنة، لازال محجوزا.

إن أوضاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليست أفضل؛ ذلك أن النظام الاقتصادي السائد المندمج أكثر فأكثر، ومن موقع الضعف، في العولمة الليبرالية المتوحشة لا يسمح بالإعمال الفعلي للحق في التنمية خاصة بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية. وإذا أضفنا إلى ذلك مساوئ نهب المال العام والامتيازات اللامشروعة والتقويم الهيكلي وخدمات المديونية الخارجية والاتفاقية غير المتكافئة مع الإتحاد الأوروبي واتفاقية التبادل الحر المجحفة مع الولايات المتحدة ستتضح أسباب الانتهاكات التي تتعرض له مجمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: الحق في الشغل، حقوق العمال (بما فيها الحقوق القانونية الواردة في تشريع الشغل) الحقوق المتعلقة بالتعليم والصحة والسكن والحياة الكريمة والبيئة والهجرة والحقوق اللغوية والثقافية والأمازيغية.

انطلاقا من هذه الوضعية، رفع المؤتمر الوطني الثامن للجمعية المنعقد في أبريل 2007 شعار “جميعا من أجل دستور ديمقراطي ومغرب الكرامة وكافة حقوق الإنسان للجميع”

وبالنسبة للجمعية إن بناء مغرب الكرامة المنشود، مشروط بتوفر بلادنا على دستور ديمقراطي؛ وإن أي تأخر في هذا المجال أو أي تحايل على هذا المطلب عبر إقرار تعديلات شكلية سيزيد من تعقيد الوضعية الحقوقية. لذا فإن إحياء الذكرى 30 لتأسيس الجمعية ليس فقط مناسبة لجرد الأوضاع الحقوقية ومدى تطورها ولتقييم عملنا ووضع حصيلة لنشاطنا، ولكن كذلك مناسبة لتأكيد عزمنا الجماعي على استمرار النضال من أجل دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة بكامل الحقوق مما يفرض وكمنطلق إقرار دستور ديمقراطي.