4/4/2006
أعلن المشاركون في مؤتمر “دور القضاة في الإصلاح السياسي في مصر والعالم العربي” الذي انعقد في القاهرة في الفترة من 1-3 إبريل (نيسان) سنة 2006، أن استقلال القضاء وتوفير حصاناته ليس فقط ضمانا للعدل ولحرية المواطنين، بل هو شرط الحفاظ على حرية الأوطان ذاتها في العالم العربي، وهو ما أدركه بوعي عالٍ يستحق التقدير قضاة مصر في كفاحهم من أجل استقلال القضاء والقضاة على مدار عدة عقود، ويؤكد جدارتهم بقضاء وطني مستقل عن السلطتين الأخريين، وهم يعتبرون تجربتهم مثالا يحتذى في كل المنطقة العربية وسائر دول العالم الثالث.
جدير بالذكر أن المؤتمر نظمه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالتنسيق مع الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، وبدعم من المفوضية الأوروبية، بمشاركة نحو 120 مشاركة ومشارك من القضاة والحقوقيين والمحامين والكتاب والأكاديميين من 11 دولة عربية (المغرب، الجزائر، تونس، السودان، السعودية، البحرين، الإمارات، سوريا، لبنان، اليمن، مصر) فضلا عن فرنسا وألمانيا وأمريكا، وعدد من المؤسسات الدولية والدبلوماسيين العرب والأجانب بصفة مراقب، وعدد من الصحفيين
وقد تابع المجتمعون بقلق بالغ ما يلوح في الأفق من بوادر أزمة جديدة بإحالة ستة من نواب محكمة النقض في مصر إلى التحقيق، وسبق توجيه تنبيهين إلى اثنين من رؤساء دوائرها باتهامات تدور حول ممارستهم لحقوقهم الدستورية في التعبير وإبداء الرأي في وسائل الإعلام وفي ناديهم، مما يعيد إلى الأذهان ذكرى مذبحة القضاء سنة 1969. وللأسفٍ أن هذه الإجراءات الأخيرة صدرت بتوافق كامل بين وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، في بيانات وتصريحات روجتها وسائل الإعلام الحكومية: فضائية مرئية ومسموعة ومطبوعة.
وإذ يعتبر المشاركون في المؤتمر أن ما يقوم به قضاة مصر في سبيل استقلال القضاء وتصديهم لمحاولات تفريغ النصوص من محتواها، هو في واقعه سعي جاد لوضع المباديء الأساسية لاستقلال القضاء والمعايير الدولية لحقوق الإنسان موضع التنفيذ العملي، فإنهم يأسفون من:
1- موقف كل من الحكومة المصرية ومجلس القضاء الأعلى من القضاة المطالبين بالإصلاح القضائي وبنزاهة الانتخابات، ويؤكدون على التضامن معهم، ويطالبون كل الفعاليات المدنية والسياسية العربية والمنظمات الدولية ببذل مساعيها لوقف الإجراءات التعسفية التي تتخذ ضدهم، كما يرفضون كل إجراء أو قرار من شأنه حرمان أي قاضٍ من حقه في التعبير وفي إبداء الرأي عبر وسائل الإعلام، ومن خلال منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، ومن بينها منظمات القضاة. ويرفضون بشدة الحملة الإعلامية التي ترعاها الحكومة المصرية والموالون لها على نادي قضاة مصر والقضاة المدافعين عن استقلاله واستقلال القضاء، لمجرد ممارستهم لحقهم المشروع في التواصل مع الرأي العام والمنظمات الوطنية والدولية، وبغرض حجب الحقائق عن الرأي العام الوطني والعالمي.
2- موقف الحكومة التونسية وتدخلاتها السافرة في شئون جمعية القضاة التونسيين وتحرشها ضد أعضاء مكتبها التنفيذي وهيئتها الإدارية، وبصفة خاصة كل من القضاة: مختار اليحياوي ومحمد خليفي وعبد الباقي كريب وأحمد الرحموني وكلثوم كنو وروقية قرافي ووسيلة الكعبي وليلة بحرية، ويدعون المنظمات الدولية إلى عدم الاعتراف بالتغييرات التي تمت في الهيئة الإدارية لجمعية القضاة التونسيين تحت ضغط الحكومة التونسية، وإدانة ما تبثه من فرقة بين قضاتها.
3- ممارسة بعض الحكومات العربية للضغوط على القضاة للانضمام للحزب الحاكم، وبصفة خاصة في سوريا والسودان واليمن، والتأكيد على أن انضمام أي قاضٍ إلى أي حزب سياسي يفقده صلاحيته للقضاء، لتعارضه مع ما يجب أن يتوفر له من حياد واستقلال.
4- موقف غالبية الحكومات العربية لإهدارها للمبادئ الأساسية لاستقلال القضاء، خاصة في القضايا التي تكون الدولة طرفا فيها، وقضايا الرأي والحريات الأساسية والصحافة.
5- موقف السلطات المصرية لمنعها لعدد من القنوات الفضائية من نقل وقائع هذا المؤتمر، مما يدل على رغبتها في حجب ما طُرح فيه من آراء وحقائق عن القضاة واستقلال القضاء عن الرأي العام في مصر والعالم.
كما أن المشاركين في المؤتمر، يؤكدون على ما يلي:
أولا: إن استقلال القضاء والفصل بين السلطات الثلاث هو المدخل الصحيح والبداية الضرورية لأي إصلاح سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو اجتماعي في أي دولة، والوسيلة الوحيدة لتحاشي إحالة ملفات وطنية إلى جهات تحقيق ومحاكم دولية، ولذلك فإنهم يساندون نادي قضاة مصر – الممثل الشرعي الوحيد والمنتخب من قضاة مصر – في مطالبته بإصدار مشروعه بتعديل قانون السلطة القضائية والمتضمن:
أ- أن تكون رئاسة وعضوية مجلس القضاء الأعلى ومنصب النائب أو المدعي العام وسائر المناصب القيادية في القضاء بالانتخاب من القضاة أنفسهم دون تدخل من أي سلطة أخرى.
ب- حظر تعيين أو ندب أحد من القضاة لغير الوظائف القضائية.
ج – أن يكون للسلطة القضائية ميزانية مستقلة عن تدخل السلطتين الأخريين فيها.
د – أن يحظر على أي سلطة – بخلاف مجلس القضاء الأعلى المكون من أغلبية منتخبة – التدخل في تعيين أو تقييم أو ترقية أو نقل أو تأديب القضاة بأي طريقة فعلية أو قانونية.
هـ – أن يتم توزيع القضايا على المحاكم والقضاة وفقا لقاعدة عامة مجردة مسبقة، وانعدام كل نص أو إجراء من شأنه أن يتيح لأي سلطة أو شخص توجيه دعوى معينة لينظرها قاض بعينه.
ثانيا: ضرورة ضمان حرية القضاة في إبداء الرأي والتعبير والاجتماع، وتشكيل روابطهم بحرية واستقلال. إن تفعيل حق القضاة في إنشاء روابط مدنية وطنية وإقليمية للقضاة في المنطقة العربية، هو ضمانة حيوية لاستقلال القضاء، وهى وسيلتهم المشروعة في تنظيم جهودهم لرعاية استقلالهم ومصالحهم، والمكان الطبيعي لممارسة حقوقهم في الرأي والتعبير والاجتماع وتبادل الخبرات، شريطة أن تكون مستقلة عن أي سلطة في الدولة، وألا تخضع إلا لسلطان جمعياتها العمومية، وأن يتم تشكيل مجلس إدارتها وكل تشكيلاتها وفروعها بالانتخاب الحر المباشر. ويتعهد المشاركون في المؤتمر بتقديم الدعم اللازم لإنشاء هذه الروابط في المنطقة العربية، ولضمان قيامها برسالتها، وحث جميع الدول والمنظمات الدولية على المساهمة في دعمها.
ثالثا: ضرورة إلغاء كافة المحاكم الاستئنائية وتوحيد جميع جهات القضاء في سلطة قضائية واحدة، وإلغاء حالة الطواريء في الدول العربية التي تفرضها دون مقتضٍ، ووضع الضوابط التي تقيد الحق في فرضها، والعمل على إنشاء شرطة قضائية تتولى تنفيذ الأحكام وإدارة السجون بكل أنواعها، ولا تخضع إلا للسلطة القضائية.