1 مارس 2004

قرية ميت ناجى إحدى قرى مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية ، معظم أهالى القرية من الفلاحين ويعتمدون فى معيشتهم على الزراعة .

كانت الحياة تسير فى القرية سيرها الطبيعى حتى عام 1997 .حين قامت الحكومة بتنفيذ قانون العلاقة الايجارية بين المالك والمستأجر فى الأرض الزراعية رقم 96 لسنة 1992 والذى أتاح لملاك الارض الزراعية طرد المستأجر ين وفرض قيمة إيجارية عالية لا يستطيع الفلاح المستأجر الوفاء بها .وكانت نتيجة هذا القانون أن ترك معظم الفلاحين المستأجرين الأراضى الزراعية للملاك ،وكان معنى هذا إفتقاد الفلاحين مصدر الرزق الوحيد لهم والعمل باليومية فى الأراضى الزراعية ملك الغير ونتج عن ذلك ندرة فرص العمل 00 وتزايد البطالة داخل القرية .

فلقد وجد أبناء الفلاحين أنفسهم أمام واقع مرير لا يسمح بمرور شعاع للأمل ، ولم يكن أمام هذا الشباب الضائع إلا البحث عن فرصة عمل حتى ولو خارج مصر .
وقد دفعهم اليأس والفقر إلى المغامرة ، وفى هذا المناخ المحبط ظهر صائدو الأحلام 000أحلام السفر إلى إيطاليا حيث العمل والثروة ، وأنتشرت فى قرية ميت ناجى التى لا يتعدى زمامها الزراعى ألف فدان ظاهرة السفر إلى إيطاليا حيث العمل والثروة . فمن يدفع للوسيط 14 ألف جنيه يستطيع السفر بشكل غير شرعى عن طريق ليبيا إلى إيطاليا . كان المبلغ كبيراً على الأهالى المعدمين فمنهم من باع بيته ،ومنهم من باع القراريط الضئيلة التى يملكها ، ومنهم من رهن مصوغات أبنته المخطوبة ، ومنهم من أستدان بالربا بفائدة 100% وهكذا تم تدبير تكاليف السفر .

ومع نهاية العام الماضى كان قد سافر إلى ليبيا أكثر من 150 شاباً من تلك القرية بهذه الطريقة .
وهناك فى ليبيا تم الاتفاق مع وسيط لنقلهم عن طريق مراكب إلى السواحل الإيطالية ، وقد أوجلت هذه الرحلة المشئومة أكثر من أربعين يوماً بسبب الظروف الجوية السيئة
ولأن الوسيط – على حد قول أحد الشباب الذين رفضوا ركوب القوارب المطاطية – كان يريد التخلص من هذه الصفقة بأى شكل حتى يتفرغ لصفقة أخرى ، فقد أجبر أكثر من أربعين شاب على ركوب قاربين مطاطيين حمولة القارب الواحد لا تزيد عن خمسة أفراد ،فتم حشر 23 فرداً على قارب و17 فرداً على قارب آخر .
وتم تزويد قارب واحد ببوصلة أما القارب الثانى فيكفيه أن يتعقب القارب الأول . وهكذا أبحر القاربان . وبعد ساعات قليلة فقد القارب الثانى أثر القارب الأول فى قلب البحر الأبيض المتوسط .
وظل ركاب القارب الثانى تسعة أيام كاملة بلا طعام أو ماء فمات العديد منهم من الجوع والعطش فكان يتم إلقاؤهم فى البحر طعاماً للأسماك المتوحشة . وعلى مرمى البصر لمح البقية الباقية من ركاب القارب سفينة قادمة من بعيد فقام بعضهم بخلع ملابسه وقام باشعالها حتى يتم انقاذهم .

وسقطت بعض النيران على قارب النجاة فأحرقته تماماً وغرق من عليه ،ولكن السفينة الروسية استطاعت انتشال أربعة أحياء حيث تم نقلهم إلى إحدى مستشفيات مالطة ليكونوا شاهد عيان على تلك المأساة .
أما القارب الأول فلا يعرف أحد حتى الآن ما مصيره ، ليخيم الحزن والأسى ولتكتسى قرية ميت ناجى بالسواد حزناً على شبابها بعد أن فقدت الكثير منهم . فيكفى أن نعلم أن نبيل أحمد عباس وهو أحد الضحايا قد ترك خلفه زوجة وأربعة أبناء بلا عائل .
الغريب بل المأساة ! بعد كل هذا خرج مجموعة من الشباب من قرية ميت ناجى وقرية دنديط المجاورة لها من جديد ليسلكوا نفس الرحلة معرضين حياتهم للخطر هرباً من شبح البطالة والفقر .
وكأن طوق النجاة لهؤلاء الشباب حتى ولو أدى إلى هلاكهم وموتهم أفضل من الموت سجناً داخل البطالة والفقر وانتظار السنوات الطويلة المملة بدون عمل .
وقرية ميت ناجى هى جزء من مدن وقرى مصر وليست منفصلة عنها ، ولعل أبناء قرية ميت ناجى فضلوا الموت غرقاً أو فى عرض البحر عن الانتحار مثلما فعل شباب عديدون خلال الأعوام السابقة تخلصاً من البطالة والفقر . ويتساءل مركز الأرض لحقوق الإنسان من المسئول عن تلك الكوارث ومن دفع بهؤلاء الشباب للمغامرة حتى لو دفعوا أغلى ما لديهم وهى حياتهم فى سبيل الحصول على فرصة عمل تخلصاً من البطالة ؟! ويناشد المركز السادة أعضاء مجلسى الشعب والشورى بفتح هذا الملف لاتخاذ خطوات عملية نحو وقف تدفق المفقودين والهاربين إلى الضياع والموت .
وكما يطالب المركز بأن توضع مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل للشباب على رأس أولويات الوزارات المعنية حتى نستطيع حماية أبناءنا من طلب طوق النجاة الخاطئ .
وقد تقدم المركز بطلب لوزارة التأمينات الاجتماعية لكى تقوم بصرف معاشات استثنائية لأسر المفقودين والمتوفيين لكفالة الحد الأدنى لهم من الحياة اللائقة .
وفى النهاية ينعى مركز الأرض أبناء قرية ميت ناجى المتوفيين . ويأمل بأن يتم البحث عن باقى الشباب المفقودين فى عرض البحر .