3/3/2010

عقدت الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، الملتقى الديمقراطي الرابع تحت عنوان “مستقبل العمل النقابي في مصر” وذلك خلال الفترة من 27- 28 فبراير 2010، بالقاهرة، في إطار الفكرة الاوسع التى تتناول إمكانية خلق فضاءات ديمقراطية جديدة فى واقع الحياة السياسية والثقافية المصرية، وقد حضر الملتقى مجموعة من القيادات النقابية على الصعيد المهني والعمالي بالإضافة لمجموعة من النشطاء المهتمين بالعمل النقابي في مصر.

ناقش الملتقى عدد من القضايا الهامة والخاصة بالعمل النقابي في مصر؛ حيث بدأت الجلسة الأولى، بإدارة النقابي العمالى البارز فتح الله محروس، بالتعريف بماهية النقابات وأدوارها في المجتمع من خلال ورقة العمل المقدمة من أ/ إلهامي الميرغني، الباحث في الشأن النقابي والمدير التنفيذي لمركز التنمية الصحية والبيئية، بعنوان “مفهوم ودور النقابات المهنية في مصر”، وعقب عليها الأستاذ محمد عبد السلام النقابي البارز. وقد أثارت الورقة عدد من التساؤلات حول المشكلات التي تواجه العمل النقابي في مصر والتي لخصها أستاذ إلهامي في التقسيم المتعسف للنقابات بين مهني وعمالي مما خلق إزدواجية في عضوية النقابات، على خلاف الأوضاع النقابية في مختلف دول العالم التي تلتزم بتطبيق المعايير الدولية للنقابة المستقلة، كما رأى أن بعض النقابات تجمع بين العاملين بأجر، أصحاب الأعمال، المهنيين، والممثلين عن السلطة التنفيذية للدولة، مما يعني أن النقابة تجمع بين فئات لديها مصالح متناقضة ومتعارضة وأكد الحضور عل أهمية الإلتزام بالمعايير الدولية للحريات النقابية في مصر وأنها السبيل الوحيد للخروج من مأزق العمل النقابي.

وفي الجلسة الثانية بعنوان ” خبرات وتجارب نقابات دولية مستقلة” بإدارة الأستاذة بهيجة حسين، الصحفية بجريدة الأهالي والناشطة النقابية، تناول فيها المتحدثون وهم الأستاذة رحمه رفعت، مدير برامج بدار الخدمات النقابية والعمالية، والأستاذ مدحت الزاهد الصحفي معقباً، دور النقابات في بعض البلدان مثل أمريكا اللاتينية وأوروبا، وكيف إنتزع المواطنون في تلك الدول حق إنشاء وتنظيم النقابات المستقلة وفقاً للمعايير الدولية وكيف لعبت تلك النقابات المستقلة دوراً في تحسين أحوال المواطنين في تلك الدول عن طريق دعمها للحركات الإجتماعية الجديدة التي إنخرطت في أنشطة مناهضة للعولمة الرأسمالية. وكيف لعبت دوراً في تنظيم المواطنين وتحقيق مطالبهم في تحسين أحوال الديمقراطية وربطها بتحسن أحوالهم الإقتصادية والإجتماعية.

أما في الجلسة الثالثة والتي تناولت التساؤل حول هل يوجد نقابات مهنية في مصر؟، فقد تحدث فيها د.مجدي عبد الحميد، الناشط النقابي، ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، عن أوضاع النقابات المهنية في مصر من خلال ورقة أعدها بعنوان ” النقابات المهنية بين الوهم والحقيقة” وعقب عليها الدكتور أحمد رامي، الناشط النقابي، ومهندس معتز الحفناوى عضو سكرتارية مهندسين ضد الحراسة. وقد رأى د. مجدي في ورقته أن النقابات في مصر حتى الآن تقع تحت تأثير التشوه الذى احدثته الحقبة الناصرية التي عمدت إلى السيطرة على تلك النقابات للحفاظ على ولاء أعضائها المنتمين للطبقة المتوسطة والتي كانت عماد النظام الحاكم في ذلك الوقت. ثم إستعرض أزمة النقابات المهنية المتمثلة في غياب معايير الحرية النقابية عنها وفرض الشكل التنظيمي النقابي الواحد عليها وحرمانها من التعددية وجمعها بين وظيفة إعطائها رخصة للمهنيين من أعضائها

وبين دورها في التفاوض باسم أعضائها لتحسين مهنتهم وظروف معيشتهم. وإختلف الحضور حول أهمية التعددية في مجال النقابات المهنية، ورأى البعض أن التعددية تعني تفتيت جهود النقابيين في مصر، إلا أن الحضور أجمع على مأزق عمل النقابات

المهنية في مصر وأهمها تدخل الإدارة في إجراء الإنتخابات وتعطيلها في 11 نقابة مهنية لمدد وصلت إلى 16 عاماً، ونادى الجميع بتعديل التشريعات المنظمة لعمل تلك النقابات كل منها على حدة، وكذلك إلغاء القانون 100 لسنة 1996 المنظم للعمل النقابي في مصر والذي إعتبروه “السيف المسلط على رقاب النقابات المهنية فى مصر”، حيث خالف الحق في التنظيم الذي أقره الدستور المصري والمواثيق الدولية.

وفي اليوم الثاني، بدأت الجلسة الاولى بتناول موضوع “الفصل بين السياسي والنقابي في العمل النقابي”، وأدارها الأستاذ عبد الغفار شكر، نائب رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية بالقاهرة، وتناول فيها الأستاذ صابر عمار، المحامي بالنقض، ورقة بعنوان “القيود التشريعية على العمل النقابي”، والتي طرحت بعض المعوقات التي تواجه النقابات المهنية في مصر وتأثير الخلط بين العمل الحزبي والنقابي وفقاً لرؤيته. حيث يرى أنه لا مجال للفصل بين العمل السياسي والنقابي بل ويحبذ الجمع بينهم، ولكنه يرفض الخلط بين العمل النقابي والحزبي. وقد أجمع أغلب الحضور على توافقهم مع وجهة نظر الباحث. كذلك إتفق المعقب وهو الأستاذ رجائي الميرغني، الصحفي والناشط النقابي، إتفق مع أغلب ما تقدم به معد الورقة، ولكنه أكد مع عدد من الحضور على أهمية الفصل بين العمل النقابي والسياسي لأن لكل منهم مجاله، وان حرمان بعض التيارات السياسية المعارضة من حق العمل السياسي خارج النقابات، حيث حرمت من تشكيل احزاب إلى إستغلال النقابات المهنية كوسيلة لتواصلهم مع أعضاء تلك النقابات المهنية من أبناء الطبقة المتوسطة. كما إنتقد الحضور الصراع الدائر بين كل من حزب السلطة التنفيذية الحاكم والتيار الإسلام السياسي المتمثل الأخوان المسلمين داخل النقابات المهنية، مما أضر بالعمل النقابي في مصر.

وفي الجلسة الثانية من اليوم الثاني طرح تساؤل “هل هناك إختلاف في الأدوار بين النقابات المهنية والعمالية”، وقد تحدث فيها الأستاذ صابر بركات، القيادي العمالي البارز، من خلال ورقته بعنوان “النقابات العمالية والنقابات المهنية أوجه التشابه والإختلاف” على أن العاملين في المجال النقابي في مصر يفتقدون إلى الإبداع الذي يمكنهم من طرح أشكال نقابية مستقلة عن الطريقة التي فرضتها السلطة التنفيذية طوال السنوات الماضية والتي فرضت وصايتها على النقابات جميعها، وقد رفض الفصل بين كل منها وعرف النقابات بأنها ” هي منظمة جماعية اختيارية يؤسسها وينضم إليها وينسحب منها الأفراد، بغير تمييز، وبحرية، ودون الحاجة إلى إذن مسبق. ولأعضائها وحدهم، طبقا لاختيارهم وبغير تدخل، تحديد بنيانها ونظمها الأساسية ولوائحها الداخلية”. وبناء عليه فهو يرى أنه لا حل للخروج من مأزق العمل النقابي في مصر سوى إعمال المعايير الدولية للحريات النقابية التي تمكن المواطنين من حقهم في تنظيم وإنشاء النقابات وأكد على ضرورة إعمال مبدأ التعددية. حيث أقرت الورقة بأنه “لا يمكن تصور وجود حركة نقابية سليمة في مجتمع لا يقر ولا يحترم الحقوق الأساسية لمواطنيه، فالنقابات مثلها مثل كل المنظمات الديمقراطية لا تنمو إلا في المجتمعات التي تحترم حقوق مواطنيها وحرياتهم، في إبداء الرأي والتعبير، والإجتماع، واللجوء للقضاء المستقل، وحماية حياتهم وسلامتهم، وإحترام مقدراتهم ومراسلاتهم واتصالاتهم، وتخلو من الاستبداد والعنف. وكلما قربنا من توافر

تلك المعايير كلما كنا أمام تنظيمات نقابية حقيقية، وكلما افتقدنا بعض هذه المعايير كلما بعدنا عن مفهوم النقابة ومضمون الحريات النقابية”. وقد عقبت د. هويدا عدلي، الباحثة في الشئون الإجتماعية، على ما جاء في ورقة الأستاذ صابر بركات، مشيدة

بأهمية الورقة وأهمية الآراء التي جاءت فيها إلا أنها إختلفت معه في بعض النقاط، فهي كباحثة أكاديمية ترى أن مسألة حرية تكوين النقابات، ومحاولة إنشاء نقابات مستقلة عن الدولة، ليست هي المعركة الحقيقية، وأن الأصل هو أن تلك التنظيمات النقابية هي

تنتظيمات وسيطة بين الدولة والمجتمع، وعليه فإن المعركة لا يجب أن تكون من أجل إحداث قطيعة بين تلك التنظيمات والدولة، ولكن يجب أن تكون بغرض تصحيح هذه العلاقة.

وفي الجلسة الأخيرة، والتي ترأسها، الأستاذ أحمد فوزي، المحامي، ومدير برنامج تنمية الديمقراطية بالجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، تناول المتحدثون وهم، الأستاذ طلال شكر (ممثلاً لإتحاد المعاشات)، المهندس طارق النبراوي (ممثلاً لحركة مهندسون ضد الحراسة)، والأستاذ خالد علي (ممثلاً للجنة التنسيقية)، بعض التجارب التي حاول فيها بعض النقابيون والعمال إقتحام العمل النقابي بأشكال جديدة على الرغم من كل المشكلات التي ناقشها الحضور في الجلسات السابقة. كما تناول الحضور كيفية تكوين تلك الأشكال الجديدة وكيفية تنظيم العمل بداخلها.

وفي نهاية المناقشات أكد الحضور على انه لا مستقبل للديمقراطية في مصر دون إصلاح أحوال النقابات، فالنقابات هي الرافعة الرئيسية للديمقراطية. كما أكد الجميع على ضرورة تحقيق الحرية النقابية الواردة في الإتفاقات الدولية وأكد عليها الدستور المصري. كما طالب الحضور بتعديل التشريعات المنظمة للعمل النقابي في مصر والتى وتسمح بتدخل السلطة التنفيذية في أعمالها عن طريق فرض جهات إدارة تابعة لها تعلوا سلطاتها على سلطات الجمعيات العمومية صاحبة الحق في الإدارة والإشراف على تلك النقابات. كما دعا الحضور إلى تبني الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية لمائدة مستديرة تعمق النقاش حول بعض الإشكاليات مثل إقرار مبدأ التعددية النقابية و الفصل بين النقابات العمالية والمهنية والتداخل بين العمل السياسي والنقابي.

الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية