10/10/2007
في إطار أنشطة “مرصد حالة الديمقراطية”، تابع المرصد بقلق بالغ الانتكاسة الجديدة لحرية الرأي والتعبير، التي بدأت بملاحقة رؤساء تحرير الصحف المستقلة والحزبية بأحكام حبس صدرت متتالية في الشهر الماضي. في يوم 13 / 9 / 2007 أصدرت محكمة جنح العجوزة حكماً في القضية رقم 799 لسنة 2007 ضد كل من رؤساء تحرير صحف [صوت الأمة، والدستور، والفجر، والكرامة] بالحبس لمدة سنة وغرامة عشرون ألف جنية بعد أن قام أحد المحامين من أعضاء الحزب الوطني برفع دعوي ضد المذكورين يتهمهم بنشر مطبوعات صحفية تسيئ إلي رئيس الجمهورية وأمين سياسيات الحزب الوطني ورئيس الوزراء ووزير الداخلية، وفي 24 / 9 / 2007 أصدرت محكمة جنح الوراق في القضية رقم 6823 لسنة 2007 حكماً ضد كلاً من رئيس تحرير الوفد ونائبه ومحرر بالقسم السياسي بالجريدة بالحبس سنتين لكل منهم بعد أن قام أحدي عشر محامياً بإقامة دعوي ضد الصحفيين الثلاثة بعد قيام جريدة الوفد بنشر وقائع اجتماع حضره المستشار ممدوح مرعي وزير العدل في اللجنة التشريعية لمجلس الشوري تناول فيها الوزير تعديلات قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية ووجه فيها انتقادات لقضاة المحاكم الابتدائية وهو ما اعتبره رافعي الدعوي تشكيكاً في القضاء، كما حركت تسعة دعاوي مباشرة ضد “إبراهيم عيسي” رئيس تحرير الدستور ونظرت بجلسة 1 / 10 / 2007 أمام محكمة جنح بولاق بتهم مختلفة أهمها علي الإطلاق نشر شائعات عن صحة رئيس الجمهورية، كما حركت دعوي مباشرة من محامي وعضو في الحزب الوطني ضد “د. محمد السيد سعيد” رئيس تحرير البديل جنحة سب وقذف عن طريق الصحف ستنظر أمام محكمة جنح عابدين في يوم 17 / 10 / 2007 بالإضافة إلي شكوي قدمت ضده أمام النيابة بتهمة إثارة شائعات حول صحة الرئيس أي أنه في أقل من شهر هدد بالحبس ثلاث عشر صحفياً ومعظمهم من رؤساء الصحف الحزبية والمستقلة وحركت الدعاوي جميعاً من أعضاء في الحزب الوطني أو المقربين منه، أي أننا أمام مجزرة مدبرة لحرية الرأي والتعبير مما حدا بالصحف الحزبية والمستقلة بالاحتجاب يوم 7 / 10 / 2007 احتجاجاً علي تلك المذبحة. والمرصد إذ يبدي ملاحظاته التاليه علي تلك القضايا: أولاً: أن قرار إحالة هذا العدد من الصحفيين إلي المحاكمات وإنزال العقوبة ببعض منهم يعتبر انتكاسة جديدة لحرية الرأي والتعبير ويقضي نهائياً علي أوهام الإصلاح السياسي والديمقراطي التي أطلقتها الدولة في السنوات الأخيرة، وأعلنها الحزب الحاكم في برامجه الانتخابية المختلفة الرئاسية والتشريعية، وهو يعد حلقة جديدة في مسلسل الاعتداء علي الحقوق المدنية والسياسية والحريات العامة، والتي بدأت منذ الانتهاكات الفجة لأجهزة السلطة التنفيذية في المرحلة الثالثة من الانتخابات التشريعية لعام 2005 ثم الاستخدام المفرط للقوة في فض اعتصام اللاجئين السودانيين في نهاية العام نفسه، وإحالة برلمانيين إلي محاكمات دون مراعاة القواعد والإجراءات القانونية لرفع الحصانة عنهم وإحالة معارضين سياسيين من الأخوان إلي محاكمات عسكرية، والتدخلات الإدارية والأمنية في انتخابات النقابات العمالية واتحادات الطلاب، وقمع حركات التغيير والاعتداء علي حقوقهم في التجمع السلمي والتظاهرات، ومهزلة انتخابات الشوري والقبض علي المرشحين فيها، والازمات المتتالية مع القضاة والصحفيين والمهندسين، والتحرش الإداري والأمني بمؤسسات العمل الأهلي من باغلاق دار الخدمات وحل جمعية المساعدة القانونية، ثم يأتي التحرش بالصحف المستقلة والحزبية، والحملة المنظمة عليها من قبل أبواق الحزب الحاكم ليمثل انتكاسة جديدة لحرية الرأي والتعبير معبراً عن تدهور غير مسبوق في التطور الديمقراطي. ثانياً: اثبتت الاحكام الأخيرة ضد الصحفيين المصريين عوار البنية التشريعية والقانونية في مصر من وجود ترسانة من القوانين والتشريعات الاستثنائية و العادية تقيد حرية الرأي والتعبير و طائفة من الحقوق والحريات الأساسية، وأهم القيود الواردة علي حرية الرأي والتعبير هي جرائم الرأي والتعبير في قانون العقوبات 58 لسنة 1937 ومن أبرزها الجرائم التي تقع بواسطة الصحف من المواد 171 حتي 202 الباب العاشر من الكتاب الثاني، ومواد الباب السابع من الكتاب الثالث المواد من 302 حتي 310 وهي جرائم السب والقذف وإفشاء الاسرار وهي المواد التي استخدمت في تحريك الدعاوي ضد رؤساء تحرير الصحف. ثالثاً: بالرغم من تقديرنا لاحكام القضاء المصري الجليل حصن الحريات الإ أن الاحكام المتتالية لحبس الصحفيين تفتح الباب مجدداً لمناقشة استقلال السلطة القضائية والقوانين المنظمة لعملها، التي تسمح للسلطة التنفيذية الممثلة في وزارة العدل في التدخل في شئونها بالإعارة والانتداب والترقي، وهو ما انتقده شيوخ القضاة ومجلس إدارة ناديهم في أكثر من مناسبة، كما جاء تسبيب الحكم الذي اعلنه رئيس محكمة جنح العجوزة ضد رؤساء التحرير الأربعة ليمثل انتكاسة لحرية الرأي والتعبير وهو الحكم الذي أشاد فيه القاضي الحزب الحاكم ورموزه كما تجاهل كلية رفع دعوي ضد الصحفيين، من أشحاص لاصفة لهم وهو ما يفتح الباب أمام دعاوي الحسبة السياسية رابعاً: جاء مسلسل رفع الدعاوي المتتالية من قبل محامين تابعيين للحزب الوطني الديمقراطي كاشفاً لممارسات الحزب الحاكم وطريقته في إدارة شئون الحكم واصراره علي الانفراد بالسلطة واقصاء قوي المعارضة وضيقه بحرية الرأي والتعبير، فتلك الهجمة الشرسة من قبل رموز الحزب الحاكم والصحف التابعة له ضد حرية الرأي والتعبير وإصرارهم علي المتابعة القضائية لرؤساء الصحف الحزبية والمستقلة باستغلال قوانين سيئة السمعة، والاستخدام المسيئ لحق التقاضي، ليكشف زيف ادعاء الديمقراطية والإصلاح في الحزب الوطني. خامساً: جاءت الاحكام الاخيرة وطريقة تصدي نقابة الصحفيين، لها كاشفة لاحوال النقابات المهنية في مصر، فمنذ 1952 ومصادرة وتأميم العمل السياسي مما أدي إلي تسيس النقابات المهنية، واعتبرتها التيارات السياسية والحزبية مجالا للتنافس بينها، وجاء الصراع بين السلطة التنفيذية للدولة وأجهزتها والتيار الإسلامي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي علي بسط النفوذ علي النقابات المهنية، ليقضي علي الدور الفعلي للنقابات المهنية المنوط بها القيام به، وهو التفاوض باسم أعضائها لتحقيق مصالحهم، وحماية المهنة وتطويرها والحفاظ علي القواعد والاخلاق المنظمة لها، إلي التفرغ للصراع بين الكتل والتيارات السياسية والحزبية المختلفة، وهو ما ظهر واضحاً في نقابة الصحفيين في السنوات الأخيرة، حيث لم تقم النقابة بأداء دورها في تحسين شروط المهنة وتطويرها، ولم تفعل النقابة عمل ميثاق الشرف الصحفي، وتجاهلت الشكاوي المقدمة ضد الصحفيين، مما اضعف من الإداء المهني للصحافة وجعلها فريسة للمتربصين بها من قوي الاستبداد والفساد، ولأول مرة نجد انقسام في صفوف الصحفيين المصريين، وتبادلت رموز الصحف القومية والمستقلة الاتهامات، ووصل الأمر إلي ترحيب بعض الصحفيين بإحكام الحبس علي زملائهم وتورط بعضهم في الهجمة الشرسة علي الصحف الحزبية والمستقلة. والمرصد إذ يعرب عن قلقة البالغ من تلك الهجمة الشرسة علي الصحافة المصرية فإنه يطالب بمراجعة التشريعات والقوانين وتنقيتها من القيود الواردة علي حرية الرأي والتعبير، ومن أبرزها مواد قانون العقوبات 58 لسنة 1937 التي تتناول جرائم النشر والسب والقذف بواسطة الصحف، ومراجعة القيود الواردة علي حق إصدار الصحف في القانون 96 لسنة 1996، وإلغاء مواد منع تداول الصحف والمطبوعات وتعطيلها وإلغاءها في القانون 20 لسنة 1936، كما يطالب المرصد بفتح حوار بين الأطراف المعنية بحرية الصحافة من كتاب وصحفيين وقوي سياسية ومنظمات مجتمع مدني لتحقيق الموائمة، بين حرية الصحافة وضمان عدم التعرض للحقوق الشخصية للأفراد. مرصد حالة الديمقراطية
|
[an error occurred while processing this directive]