31/8/2006

أخي الفلاح – أختي الفلاحة,

حالة من الفزع تنتاب الفلاحين وتجار الماشية في محافظات جمهورية مصر العربية عامة، وبنى سويف والفيوم والجيزة والبحيرة والمنوفية والدقهلية والشرقية خاصة ، نتيجة عودة ظهور مرض “الجلد العقدي” مرة أخرى وموت الآلاف من الأبقار بسبب الإصابة به و “الجلد العقدي” من الأمراض الوبائية المتوطنة في مصر منذ بداية ظهوره عام 1988 شفى محافظتي السويس والإسماعيلية، من خلال شحنة أبقار تم استيرادها من كينيا ، وعقب ظهوره تم إنشاء برنامج سنوي للتحصين المجاني منذ عام 1990 .

وقد سبب خسائر اقتصادية كبيرة خلال هذه الفترة وعاد للظهور مرة أخرى خلال الشهور الماضية وأدى إلي نفوق ( موت) آلاف الأبقار .

التطور التاريخي للمرض

ان من خصائص المرض اختفاءه لفترات زمنية تختلف من المرض لآخر معاودة الظهور مرة أخرى حين ينشط الفيروس مع وجود الظروف المناسبة له مناخيا وصحيا ، لذلك ظهر “الجلد العقدي” مرة أخرى في محافظتي الفيوم والمنيا عام 1998 ، ولأنه ظهر في صورة وبائية بمحافظة الشرقية اعتبارا من يوليو 2005 ، وبدأ في تعدى حدود المحافظة الى الغربية والبحيرة وباقي محافظات الدلتا والفيوم والجيزة وبنى سويف والوادي الجديد.

ما هو مرض الجلد العقدي

لقد أصبحت ثرواتنا الحيوانية من الأبقار والماشية في خطر بعد انتشار مرض الجلد العقدي وهو فيروس يسمى ” كامب اسكاى ديزيز ” يصيب الأبقار ويظهر في صورة بؤر تمتلئ بما يشبه الصديد بشكل عنقودي على جلد الحيوان، ويؤدى في النهاية إلى نفوق الحيوان ، وعند الاصابه بالمرض وعندما يستقر الفيروس في جسم الحيوان وحتى النفوق يمتنع الحيوان عن الأكل ويبدأ وزنه في الهبوط تدريجيا ويتحمل الحيوان هذا المرض حسب حالته الصحية وغذائه ومقاومة جهازه المناعي الذي يختلف حسب عمر الحيوان نفسه، وينفق الحيوان بعد أصابته بالمرض من أسبوع إلي عشرة أيام ، وهذا المرض ينتقل كعدوى سريعة الانتشار في حين أن هذا المرض غير معدي للإنسان ، وأيضا لا خوف من منتجات الألبان واللحوم ، حيث أن فيروس “الجلد العقدي” يقتل عند درجة حرارة (65مئوية) لمدة 15 دقيقة ، وكلما ارتفعت درجة الحرارة والغليان يمكن أن يقل الوقت اللازم لقتل الفيروس.

مبررات الحكومة لأسباب ظهور مرض الجلد العقدي

تعزو وزارة الزراعة ظهور المرض الآن عام 2006 إلي إهمال الفلاحين لدورية التحصين ومتابعته اعتقادا منهم بعدم ضرورته أو خوفهم من تأثيره على إنتاج ألبان أبقارهم أو حدوث أمراض للحيوانات العشار وقد اسهم اختفاء المرض لفترة طويلة في اعتقادهم بتلاشيه من مصر نهائيا ، كما يؤكد الحجر البيطري التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي أن الفيروس الآن لا يمكن تسربه إلى البلاد لوقف استيراد الماشية منذ ستة شهور إلى جانب اتخاذ إجراءات وقائية لمنع دخوله وذلك عن طريق دراسة الموقف الوبائي للدول المراد الاستيراد منها طبقا لمعلومات المنظمة العالمية للصحة الحيوانية ، حتى لا يتم الاستيراد من مناطق موبوءة ، كما يتم فحص الحيوانات في بلد المنشأ والتأكد من حالتها الصحية وخلوها من الأمراض الوبائية تحت أشراف لجنة من أطباء الهيئة العامة للخدمات البيطرية ومعهد بحوث الصحة الحيوانية ، كما تصاحب الشحنة شهادة صحية من سلطات بلد المنشأ البيطرية ، كما يتم فحص الحيوانات على سطح الباخرة للتأكد من خلوها من الأمراض ، علاوة على التأكد من خلوها من الأمراض، علاوة على التأكد من عدم مرور المراكب التي تحملها على أي بلد آخر في الطريق .

ومنذ ظهور المرض في مصر فان مديريات الطب البيطري بالمحافظات تواصل جهودها لمكافحة مرض الجلد العقدي التي تعرضت له في الفترة الأخيرة ، فقد نجحت الجهود في الحد من المرض إلى حد ما وانحساره في بعض المحافظات بينما فشلت فى محافظات أخرى انتشر المرض بصورة مخيفة مثل محافظة البحيرة والتي وصلت إلى نفوق آلاف الرؤوس الأمر الذي تسبب في إلحاق خسائر فادحة للمزارعين والمربيين ، وكذلك فقد تضاربت الأرقام المذكورة عن الأعداد التي نفقت في باقي محافظات الجمهورية ، ولكن المؤشرات الأولية التي تم نشرها بالجرائد والمجلات المتخصصة على حسب تصريحات المسئولين تذكر أن هناك حوالي 400 راس نفقت بمحافظة المنوفية ، 600 رأس بمحافظة أسيوط ، 165 بمحافظة الوادي الجديد ، 50 حالة نفوق بمحافظة أسيوط ، الى جانب الدقهلية والقليوبية والفيوم والتي لا يوجد لها حصر فعلى نتيجة للتزايد المستمر والمخيف في نفوق الأبقار بهذه المحافظات في حين لا توجد حالات نفوق فى جنوب سيناء والسويس (تم ذكر أعداد الحيوانات التي نفقت أما عن أعداد الحيوانات المصابة بالمرض فهى بالآلاف).

التحصين ضد مرض الجلد العقدي

يذكر العديد من المزارعين ومربى وتجار الماشية أن العقار أو المصل المصري تحدث به بعض الأخطاء فعلى سبيل المثال يأتي المصل بنتيجة عكسية بسبب الخطأ في احتساب كمية الجرعة حيث يتم تطعيم الرأس البقرى ( وزنه 400 كيلو جرام ) بجرعة راس الضأن نفسها (50 كيلو جرام) وذلك نتيجة لعدم وعى الشخص الذي يقوم بالتحصين أو لارتفاع سعر المصل في الفترة الأخيرة وبسبب انتشار المرض بصورة كبيرة ، في حين أن استخدام اللقاح ” الروماني” والذي اثبت فاعليته حيث انه محدد الجرعة لكل رأس مما أدى لحدوث نتائج إيجابية وسريعة ووقف انتشار المرض لباقي مواشي المزرعة وقد عرف الكثير من المربين هذه المعلومة بعد استخدامهم للعقار او التحصين المصري ، بل والأكثر من ذلك أصبح الحصول على التحصين بسرعة يتم بالواسطة والحجز المسبق وارتفع سعره بصورة مغالى فيها ، وأيضا التوقيت الخاطئ للتحصين فالتحصين يجب أن يتم في شهري ديسمبر ويناير ولكن العديد من التحصينات تتم فى أى وقت من السنة مما يؤدى لعدم فاعلية التحصين نظراً لاختلاف الظروف المناخية.

مرض الجلد العقدي فى مصر مشكلة اقتصادية

تعتبر الثروة الحيوانية في مصر والتي تقدر بثلاث ملايين رأس من الأبقار ، وحوالي 2.5ملايين رأس من الجاموس، وحوالي 4ملايين رأس من الماعز والأغنام مهددة حيث أن مرض الجلد العقدي يعتبر وباء لانتشاره بصورة سريعة ومخيفة ، وان كان المزارعين والمربين اكثر الفئات تضررا ، وان اختلف الضرر على حسب قدرات المزارعين والمربيين، فأول هذه الأضرار انهيار الأسعار فالبقرة التي يتراوح ثمنها بين خمسة الى سبعة آلاف جنيه هبط ثمنها في بعض المحافظات إلى 200 جنيه بمجرد ظهور أعراض المرض عليها ، مما جعل المزار عيين وصغار المربيين وتجار الماشية يطالبون بالتحرك السريع لجميع الأجهزة المختصة لتجاوز الأزمة .

وتظهر بوضوح المشكلة الاقتصادية لهذا المرض في استغلال بعض التجار والجزارين للأزمة فعلى سبيل المثال بمحافظة البحيرة ( من اكثر المحافظات تضررا من المرض) يعرض التجار من 200 إلى 400 جنيه كثمن لشراء البقرة المصابة والتي يقدر ثمنها الحقيقي بحوالي خمسة آلاف جنيه وذلك لذبحها وعرض لحومها للبيع ، والأكثر من ذلك أن المزار عيين حاولوا أن ينقذوا ما يمكن إنقاذه بمجرد ظهور المرض بالإسراع بتحصين باقي المواشي والتي يتراوح تكلفة التحصين للرأس الواحدة بين 400 إلى 2000 جنيه للرأس الواحدة حيث تضاعف سعر المصل فى فترة وجيزة بسبب انتشار المرض ، كما تبرز المشكلة الاقتصادية فى أن المستهلك فقد الثقة فى اللحم البقرى وبالتالي قل الطلب عليه في حين زاد الإقبال على لحم الإبل والأغنام والماعز مما أدي لارتفاع أسعارها فى مقابل انخفاض سعر اللحم البقرى والجا موسى.

ويعتبر المزارع الذي يعتمد فى دخله على زراعة المحاصيل أن البقرة التي يمتلكها هي أحد عناصر الإنتاج فهو يستخدم روثها كسماد بلدي لزيادة خصوبة التربة الزراعية علاوة على استخدام هذا الحيوان فى تدوير الساقية فإذا ما أصيب بمرض الجلد العقدي أصبح المزارع مطالب بنفقات تحصينه وبالتالي يضطر إلي تقليل تكاليف العمليات الزراعية بالإضافة لتعطل العملية الإنتاجية .

وهناك العديد من الأسر الريفية يعتبر مصدر رزقها الوحيد هو تربية الأبقار ، فالأسر الصغيرة الفقيرة فى الريف المصري والتي تقوم باستئجار قطعة ارض زراعية لا تتعدى قيراط او اثنين من أجل زراعتها برسيم لتغذية رأس أو أثنين من الماشية بغرض أن يدر اللبن ومنتجاته دخل معقول ، فإذا ما فقدت هذه الأسر البقرة التي تعتبر مصدر دخلها الوحيد فماذا تفعل ؟؟..وخاصة إذا كانت تلك الأسر تعولها امرأة لعدم وجود الزوج لأي سبب من الأسباب يعيشون من هذه البقرة حيث تقوم بصناعة منتجات ألبان ( كالجبن والزبد والقشدة والسمن ) وتذهب لتبيعها بالسوق لترعى أسرتها الصغيرة المعدمة .

كما أن هناك أسر كثيرة قامت بالحصول على قروض لتربية رأس او اثنين من الأبقار على الأكثر كمشروع اقتصادي يدر دخلاً في مقابل تسديد القرض ، وبمجرد ظهور المرض ( الجلد العقدي ) تجد الأسر نفسها مطالبة بالتحصين بسعره المرتفع نسبيا بالنسبة لدخلها والتي لا تستطيع توفيرها وبالتالي تمتنع عن التحصين لماشيتها لعدم وجود سيوله نقدية (حيث أن الدخل اليومي لهذه الأسر منخفض ويكفى بالكاد) وتصبح مواشيها عرضة للإصابة بل والنفوق وتتعرض تلك الأسر للتعثر في تسديد القرض، وربما يؤدى ذلك إلى الحجز والحبس، وبالتالي يلجأ البعض إلى بيع مواشيه بأسعار زهيدة لا تتناسب مع سعرها الحقيقي هربا من الخسارة الكلية في حالة نفوق الحيوان أو هربا من أسعار التحصين المرتفعة وعدم الثقة في جدوى هذا التحصين .

وبالإضافة الى ذلك فان انتشار مرض الجلد العقدي فى الفترة الأخيرة الى جانب مرض الحمى القلاعيه وعدم مواجهتها من قبل المسئولين بما يتناسب مع حجم المشكلة قد أدي إلى عزوف ( رفض ) الكثير من المزار عيين والمربيين لحيازة المواشي لان المخاطرة غير مضمونة فى ظل عدم الثقة فى الجهود الحكومية المبذولة لمواجهة هذه الأمراض مما أدى إلى تعطل المزارع المتخصصة والكبيرة نسبيا والتي تعتمد على تربية الكثير من الأبقار والجاموس وبالتالي تسريح العمالة التي تعمل بتلك المزارع مما يؤدى الى زيادة نسبة البطالة في الريف ، بل ونفس الأمر لتلك المصانع التي تعتمد على تصنيع منتجات الابقار من الألبان والجبن والزبد والقشدة والسمن وزيادة هجرة العمالة داخليا بالهروب من الريف بمشاكله الى المدن مما يفاقم من حجم المشكلة من جهة ويهدد سمعة المنتج المصرى فى الخارج من جهة أخري علاوة على انخفاض الثروة الحيوانية ككل .

مرض الجلد العقدي مشكلة بيئية

غالبا ما يصاحب أي وباء أو عدوى مشاكل متعددة الأبعاد فإلى جانب الخسائر المالية التى لحق بالمزارعين والمربين من جراء انتشار المرض نجد أننا أمام مشكلة أخرى لا تقل في الأهمية عن المشكلة الاقتصادية ، بل وتعتبر الأخطر وهى التعرض لكارثة بيئية ناتجة من عدم الوعي لدى المزارعين بمدى خطورة إلقاء الحيوانات النافقة في الترع والمصارف أو على جانبي الطرق (تم انتشال 700 حيوان نافق من ترعة الإبراهيمية ).

والأكثر من ذلك أن بعض مربي الأسماك يستخدمون هذه الحيوانات النافقة كعلف للأسماك مما يهدد بعواقب وخيمة وكارثة بيئية في المدى الطويل والجهود الحكومية التي تبذل لاحتواء هذا الوباء لا تستطيع بمفردها أن تنهى هذه المشاكل. ولابد من توعية المزارعين والمربين من خلال برامج تنظمها المحافظة والمجالس المحلية تحث فيها على التخلص من الحيوانات النافقة بالطرق الصحية السليمة إما بالحرق او الدفن فى أماكن يتم تحديدها خصيصا لذلك وتحت إشراف بيطري وإلا تحول هذا الوباء الذي يصيب الماشية إلى أمراض متوطنة تصيب ريف مصر.

كيف نواجه مرض الجلد العقدي

ان مرض الجلد العقدي مشكلة خطيرة متعددة الأبعاد يجب أن تتحد الجهود لمواجهتها ، فالجهود الحكومية المبذولة حتى الآن لم تستطيع القضاء على المرض او حتى على الأقل الحد من انتشاره وكسب ثقة المزارعين والمربيين لذا فانه يجب على المنظمات الاهليه و التعاونيات المتخصصة والجمعيات التنموية المساعدة فى توعية الفلاحين بأخطار انتشار المرض والحد من الانتشار لهذا الوباء وذلك بعقد الندوات وورش العمل لتوضيح كل ما يتعلق بهذا المرض بمراحله المختلفة بدءا من توضيح كيف يصاب الحيوان وكيف ينتشر المرض ، و ما هى طرق الوقاية من الإصابة وأعراض ظهور الجلد العقدي وطرق التعامل معه بصورة سليمة فى مراحله الأولي وكيفية فصل الحيوانات المصابة عن باقى الحيوانات السليمة ، وكيفية الحصول على المصل اللازم للتحصين وما هى المصادر الموثوق منها للحصول على المصل والاعتماد فى ذلك على استخدام طرق إرشادية ووسائل تعليمية بسيطة تتناسب مع المزارعين والمربيين كالدورات التدريبية العملية و تقديم نشرات فنية وملصقات توضيحية وعرض شرائط فيديو لحيوانات مصابة بالمرض وكيف يتم التعامل معها بصورة عملية وماهى سبل الحد من انتشار الوباء وطرق العلاج .

يجب أن يتم إرشاد الفلاحين للسبل الصحيحة التي يسلكوها فى حالة نفوق الحيوان وكيفية الدفن او الحرق ، وما هي الجهات المسئولة لمساعدة المزارعين والمربيين على الخروج من محنتهم وتحديد أماكن العلاج والإعلان عنها بصورة واضحة للجميع وعرض طرق الحد من الانتشار لهذا الوباء وطرق الوقاية، والتعرف على السياسات الحكومية التي تم التخطيط لها لتقليل خطورة المرض، والحد من انتقال العدوى بين المحافظات المختلفة وذلك بعدم نقل الأبقار من محافظات مصابة لمحافظات أخرى سليمة ، وكذلك عمل كردون لمحاصرة المرض عند اكتشاف بؤرة مصابة، وأيضا تحديد الأماكن التي يتوجه إليها المزارعون سواء على مستوى القرية او على مستوى المركز فى حالة الإصابة والإعلان عن الأماكن المخصصة بكل منطقة لحرق او دفن الحيوانات النافقة.

ومن جهة أخرى يجب على المسئولين في الحجر البيطري وهيئة الخدمات البيطرية ومسئولي الإنتاج الحيواني بوزارة الزراعة ومسئولي معهد بحوث صحة الحيوان تقديم برامج توعية من خلال وسائل اتصال جماعية وجماهيرية (كالإذاعة والتلفزيون) لزيادة الوعي لدى المزارعين بكل ما يتعلق بالمرض وكذلك تنظيم قوافل بيطرية ومتابعة دورية للتحصين والاهتمام بالأماكن الموبوءة بالمرض وعمل تحصين إجباري بها للحيوانات السليمة بعد فصلها عن الحيوانات المصابة والاهم من ذلك يجب على مسئولي الإنتاج الحيواني بصفة عامة سن قوانين وتشريعات تمنع انتقال المواشي بين المحافظات في هذه الفترة ألا من خلال أشراف بيطري وللحاجة الملحة لمنع تفشى الوباء بين محافظات الجمهورية .

تليفون وفاكس / 5750470
البريد الإلكتروني:Lchr@thewayout.net – lchr@lchr-eg.org
Website www. Lchr-eg.org