19/5/2008

منذ اللحظة الأولى نبهنا ونبه الكثيرون من المحامين المهتمين بالنشاط النقابي إلى خطورة إعداد مشروع قانون لمهنة المحاماة دون دراسة كاملة وتداول الأمر بين جموع المحامين وأعضاء النقابات الفرعية للمحامين ومختلف التيارات السياسية بالنقابة ، ولم يحدث هذا للأسف مع المشروعين التي طرحهما كل من نقيب المحامين أو مجموعة أعضاء المجلس المنتمين للإخوان المسلمين ، ورغم وجود عدد من المواد قد قصد منهما خلق فرص للعمل للمحامين ، الا انه في المجمل تم صياغتهما لأغراض انتخابية أخرى ولم يكن وضعهما لصالح المحامين الذين لم يكونوا طرفا في صياغتها وبالتالي لم يدركوا مدى خطورة بعض التعديلات على المدى الطويل .

وفي النهاية وجدت الحكومة ضالتها في مضمون مشروع نقيب المحامين مع حذف وإضافة بعض المواد الأخرى التي ستؤدي إلى هيمنة جهاز الدولة على مقاليد النقابة ، بل وتنذر بعدم اجراء الانتخابات النقابية في النقابة خاصة بعد حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان العملية الانتخابية لانتخابات 2005 الصادر في 10/2/2008 ، وتأييد هذا الحكم من قبل المحكمة الإدارية العليا .

وهو الحكم الذي أعتبر بمثابة هدية إلى نقيب المحامين و الذي جعله يستطيع أن يرشح نفسه لمدة ثالثة ، لأن المدة الثانية لن تحسب له . (ينص قانون المحاماة 17 لسنة 1983 على عدم تولي النقيب أكثر من مدتين متتاليتين) .

ووافقت لجنة الاقتراحات والشكاوي بمجلس الشعب على هذا المشروع ، وأحيل يوم 18/5/2008 على رئيس المجلس ، وطرح المشروع عدد من التعديلات على 17 مادة ، كما يضيف ثلاث مواد جديدة على القانون الحالي .

ومن أخطر ما ينص عليه المشروع في مادته الأولى تشكيل مجلس مؤقت برئاسة أخر نقيب عام منتخب و عضوية نقباء النقابات الفرعية ويستمر هذا التشكيل لمدة عام من تاريخ صدور هذا القانون ، وتكون مهمته بالإضافة إلى صلاحياته المقررة قانونا ضبط جداول الجمعيات العمومية للمحاكم الجزئية ، كما تستمر مجالس النقابات الفرعية لحين الدعوى إلى إجراء انتخابات جديدة بعد إعداد الجداول طبقا لأحكام هذا القانون .

و يشير سامح عاشور نقيب المحامين إلى أنه طلب أن يشمل المجلس المؤقت كل أعضاء مجلس النقابة بالإضافة إلى نقباء المجالس الفرعية ، مشيرا إلى أنه يرفض المقترح بشكل كامل ، رغم أن كافة المواد المنصوص عليها بالمشروع هي بالتطابق الكامل التي قدمها النقيب في مشروعه مع بعض التغييرات الطفيفة.

وبمقارنة مشروع النقيب بالمشروع الحكومي ، سنجد تطابقا في صياغة المادة 13 الخاصة بشروط طلب القيد مع بعض التغييرات في صياغة البند رقم 1 ، التطابق الكامل في الصياغة في المواد( 14/3 ، 29/1 ، 31 ، 50 ، 59 ، 60/1 ، 71 ، 85 ، 102 ، 131 ، 135 ، 152 ، المادة 227 )

ـ حدوث تغيير طفيف في المادة 84 (المشروع الحكومي يشير إلى وجود عضو من مجلس النقابة الفرعية بلجنة الوساطة بين المحامي وموكله ، في مقابل عضوين بمشروع قانون النقيب) .

وهناك تطابق كامل أخر بين المواد التي تم إضافتها وهي المواد أرقام ( 46 مكرر ، 202 /2 ، 229 ، 156 مكرر) ويتضمن المشروع تغييرا في تشكيلة مجلس النقابة العامة ، من خلال تعديل نص المادة 131 حيث يشير إلى أن يشكل مجلس النقابة من نقيب المحامين . عضو عن كل محكمة ابتدائية تنتخبه جمعيتها العمومية وتمثل كل محكمة ابتدائية تزيد جمعيتها العمومية عن عشرين الف محام بعضوين .

عشرة أعضاء مقيدون أمام محكمة النقض على أن يكون من بينهم اثنان من أعضاء الرادارات القانونية الخاضعين لأحكام القانون 47 لسنة 1973 ويتم اختيارهم بمعرفة الجمعية العمومية للنقابة التي نصت عليها المادة 124 من القانون (والتي تضم محاميي جداول الابتدائي والاستئناف والنقض على مستوى الجمهورية) . وهو نفس نص مشروع النقيب .

كما نص مشروع التعديل على تولى شئون النقابة الفرعية مجلس يشكل من نقب وعدد من الأعضاء بواقع عضو عن المحكمة جزئية ممن مضى على اشتغاله بالمحاماة فعليا سبع سنوات على الأقل ويتم انتخابه بمعرفة جمعيتها العمومية على الا يقل عدد أعضاء النقابة الفرعية عن ستة أعضاء .

ونص المشروع على إضافة شرط اجتياز الكشف الطبي بإحدى المستشفيات التي يقررها مجلس النقابة للتأكد من صلاحيته للممارسة المهنة … المادة 13 من المشروع .

من ناحية أخرى حاول المشروع تسويق نفسه للمحامين من خلال الإشارة لبعض المزايا التي ستوفر عملا لشباب المحامين ، من خلال النص على عدم جواز تسجيل العقود التي تبلغ قيمتها خمسة آلاف جنيه فأكثر او التصديق عليها أو التأشير عليها بأي إجراءات .. الا اذا كانت موقعا عليها من أحد المحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية على الاقل . (المادة 58) .

ـ اشتراط ضمان العقود وأنظمة التأسيس الشركات التي يشترط القانون أن يكون لها مراقب حسابات تعيين مستشار قانوني من محامي جدول الاستئناف (المادة 60/1) .

ـ تشكيل لجنة مكونة من رئيس محكمة ابتدائية وأحد القضاة عضوا عضوية احد السادة أعضاء مجلس النقابة الفرعية يصدر بتعيينه قرار من رئيس النقابة الفرعية ، وتقوم هذه اللجنة بالوساطة بين المحامين وموكله في حالة وجود خلاف على الأتعاب بينهما .(المادة 84) .

كما يضيف المشروع شرطا آخر لقيد المحامين في جدول المحامين أمام المحاكم الابتدائية بإلزامه أن يقدم صورة من البطاقة الضريبية ثابت فيها اشتغاله بالمحاماة دون سواها ، وهو ما يمثل وضع عبء مادي على شباب المحامين الذين لا يجدون عملا بالأساس ، فكيف يصدرون بطاقة ضريبية يلتزمون بموجبها بسداد ضرائب على عمل لم يأتي أصلا .

ـ يزيد المشروع من صعوبة الاشتغال بالمهنة ، اذ يشير إلى إصدار مجلس النقابة ترخيص بمزاولة المهنة ويحدد فيه مدة سريانه ، ويربط المشروع افتتاح المحامي لمكتبه الخاص الا بعد الحصول على هذه الترخيص .

ويدخل المشروع القضاء طرفا في النزاعات بين النقابة والمحامين ، ويجيز لقاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية التابع لها المكتب المخالف إغلاق المكتب المخالف الذي لم يحصل على ترخيص بمزاولة المهنة ، بناء على طلب النقابة العامة أو النقابة الفرعية المختصة .

كما أعطى الحق لقاضي الأمور الوقتية الأمر بإزالة اللافتة أو ازالة المخالفة من أوراق المحامي وعدم قبول أوراقه أمام المحاكم ومكاتب الشهر العقاري لحين إزالة أسباب الشكوى .

ملاحظات المؤسسة :
ـ يقوم المشروع الذي من المنتظر سلقه بشكل سريع في الأيام المقبلة بالسيطرة على السيطرة على مقاليد النقابة ، خاصة في النص على وجود مجلس مؤقت ،فلماذا النص على هذا المجلس المؤقت وما معنى توليه فترة عام لضبط الجداول ، وهي إحدى مهام المجالس المنتخبة ، والواضح أن هذا المجلس في الظروف العادية سيعطل اجراء الانتخابات لمدة عام بعد انتهاء دورة المجلس (4 سنوات) . أو من ناحية أخرى في ظل وجود هذا المجلس قد تسعى الحكومة إلى تجميد أوضاع نقابة المحامين حاليا ، واستبعاد إجراء الانتخابات على مقعد النقيب ومجلس النقابة خاصة بعد الحكم ببطلان المجلس . و إعطاء الفرصة لهذا المجلس ـ غير الشرعي ـ لإدارة النقابة ، لحين موافقة اللجنة المشرفة على انتخابات النقابات المهنية المنصوص عليها في القانون 100 على مواعيد فتح باب الترشيح … وبالتالي يستمر هذا المجلس لفترات غير محددة .

ويستبعد نص المادة أعضاء مجلس النقابة ، في حين يبقى على النقيب ويضيف اليه رؤساء النقابات الفرعية ، على الرغم من ان وضعهم يشبه وضعية النقيب ، وهو بذلك يبدو أن صياغته جاءت لمواجهة لحالة معينة ، لغرض استبعاد مجموعة اعضاء المجلس وخاصة المنتمين منهم لجماعة الإخوان المستقلين من المجلس .

ـ ثانيا : يغير المشروع في تشكيلة مجلس النقابة ، ويفرق بين نوعين من الانتخاب ، بالنص على انتخاب 10 من الأعضاء المقيدين أمام محكمة النقض من الجمعية العمومية للنقابة ا لعامة والتي تتكون من 0المحامين المقبولين أمام محكمة النقض ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية ) ويكون من هؤلاء اثنين من أعضاء الإدارات القانونية بشركات قطاع الأعمال الخاضعين لأحكام القانون 47 لسنة 1973 . ، و النوع الثاني لانتخاب ممثلين عن كل محكمة ابتدائية يكون انتخابه مقصورا على الجمعية العمومية لكل محكمة ابتدائية ، وسمح بتمثيل كل محكمة ابتدائية يزيد جمعيتها العمومية عن عشرين الف عضوا بعضوين .

ويظهر من هذا المشروع أن الدولة ترغب في تضييق وحصر المستويات النقابية التي يمكن أن تمثل في المجلس ، وبذلك يصبح السعي إلى الهيمنة وضرب وجود قوى سياسية معارضة بمجلس النقابة ، وامكانية انجاح مرشحين حكوميين في الدوائر الصغيرة بدلا من انتخاب ممثلين عن الدوائر الاستئنافية المتسعة ، وهو ما نص عليه القانون الحالي ، بأن (يمثل المحامون في دائرة كل محكمة استئناف عدا محكمة استنناف القاهرة بعضو على الأقل وعضوين على الأكثر ) . كما قلل المشروع من تمثيل المحامون بالهيئات العامة و الوحدات الاقتصادية وشركات القطاع العام من ستة أعضاء بالقانون الحالي على عضوين فقط .

ايضا الغي المشروع فكرة تمثيل شباب المحامين وهو ما نص عليه القانون الحالي بأن يكون من بين أعضاء المجلس عضوا من المحامين الذين لا تجاوز مدة اشتغالهم بالمحاماة في تاريخ الانتخاب عشر سنوات ،ولا تزيد سن أيهما في هذا التاريخ على خمسة وثلاثين عاما . المادة 124 من القانون الحالي .

كما غير من نوعية التمثيل في المجلس فبدلا من أن يمثل أعضاء المجلس محامين مقبولين أمام محاكم الاستئناف بالدوائر الاستئنافية، رفع المشروع التمثيل إلى عشرة أعضاء من المقبولين أمام محكمة ا لنقض ، وبذلك قلص من خارطة الأعضاء الراغبين في ترشيح أنفسهم على محامي النقض ، وقصر انتخاب الأعضاء الآخرين بمجلس النقابة العامة على الجمعيات العمومية للمحاكم الابتدائية بالاستقلال عن بعضها .

أيضا تعطي المادة 102 النقيب صلاحية إحالة المحامي للتأديب، بدلا من مجلس النقابة في القانون الحالي ، وهذا خطير يضع هذه السلطة في يد شخص واحد بدلا من مجلس النقابة .

وعلى الرغم من أن بعض المبررات التي قد يسوقها أعضاء الحزب الوطني بأن المشروع يهدف إلى تحقيق اتساع التمثيل من جانب أعضاء النقابة على مستوى الجمهورية ، في إطار المحاكم الابتدائية، وتفعيل المشاركة من جانب المحامين في نطاق هذه المحاكم ، الا أن هذا المشروع من جانب آخر يعطي الحكومة امكانية للدخول طرفا في انتخاب أعضاء المجلس الممثلين للمحاكم الابتدائية .

وتطالب المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان رئيس و أعضاء مجلس الشعب بعدم مناقشة هذا المشروع في الدورة البرلمانية الحالية ، واعادته للتداول بين جموع المحامين والقادرين على صياغة قانون عادل يحقق استقلال النقابة عن أجهزة الدولة . لأن هذا المشروع لا يلبي طموحات المحامين ، خاصة أنه يغير من تشكيلة مجلس النقابة ، ويؤدي إلى وضع النقابة في يد المجلس المؤقت المشار إليه لفترات طويلة ، لحين إجراء انتخابات جديدة .

[an error occurred while processing this directive]