26/11/ 2008
يصدر مركز الارض تقريراً حول أوضاع عمال قطاع الغزل والنسيج ضمن سلسلة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية العدد رقم 63 باعتبار أن هذا القطاع يمثل واحداً من أهم القطاعات العمالية في مصر. ويرجع ذلك إلى قدم صناعة النسيج، والطبيعة كثيفة العمالة لهذه الصناعة التي يعمل بها نحو مليون عامل، مقسمين في نحو 4000 مصنع قطاع عام وخاص. وتتعرض صناعة النسيج في الوقت الحالي إلى مشكلات جوهرية، تهدد مستقبل هذه الصناعة، وتنعكس على أوضاع عمال النسيج. يعرض التقرير لأهم المشكلات التي تواجه هذه الصناعة وتؤثر على أحوال العاملين بها، وكذلك لسبل مواجهة العمال لسياسات الليبرالية الجديدة.
وينقسم التقرير الى استعراض تاريخ عمال النسيج منذ بداية عهد الدولة الحديثة في أوئل القرن التاسع عشر، وحتى نهاية الحقبة الناصرية. ويشير هذا القسم إلى أن صناعة الغزل النسيج، التي تعود إلى العصر الفرعوني، شهدت عدة تحولات نوعية منذ القرن التاسع عشر، جعلتها الصناعة الأهم في مصر في منتصف القرن الماضي. وكان أهم هذه التحولات هو إنشاء شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى عام 1927، والذي تبعه إنشاء عدداً من المصانع الكبيرة. ولعب عمال الغزل والنسيج الدور القيادي في الحركة العمالية في الأربعينيات.
ويستعرض القسم الثانى من التقرير اوضاع عمال الغزل والنسيج في ظل الليبرالية الجديدة حيث تأثرت صناعة الغزل والنسيج بالتغيرات الجوهرية في الاقتصاد المصري خلال العقود الثلاثة الماضية. وتمثلت أهم هذه الآثار في تراجع مكانة شركات الغزل والنسيج التابعة لقطاع الأعمال العام. فنظراً لصعوبة خصخصة هذه الشركات بفعل كثافة العمالة بها، تم التوجه نحو تصفيتها وبيع أصولها، وذلك عبر اتخاذ عدد من الخطوات. كانت الخطوة الأولى التوقف عن الاستثمار في تحديث الميكنة وأساليب الإنتاج. وتمثلت الخطوة الثانية في إغراق هذه الشركات في الديون من أجل تفليسها. من ناحية أخرى، جاء تحرير تجارة القطن ليوجه ضربة موجعة لصناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهرة. وفي ظل برنامج الخصخصة، تمت خصخصة أربع شركات عاملة في مجال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، وتصفية أربع شركات أخرى.
وأدت هذه السياسات إلى انخفاض وزن قطاع الأعمال العام في صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة. من ناحية أخرى، شهدت بنية هذه الصناعة تغيرات مهمة، حيث انتقل تركز الصناعة من المحلة الكبرى وشبرا الخيمة إلى المدن الجديدة في العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر. ويرجع ذلك إلى ضراوة المنافسة أمام مصانع القطاع الخاص القديمة في هذه المناطق. من ناحية ثالثة، كان اللجوء المتزايد للعمالة النسائية. فقد أدى التوسع في قطاع الملابس الجاهزة خلال العقدين الماضيين إلى نمو وزن العمالة النسائية التي تصل نسبتها في بعض المصانع إلى 90% في هذا القطاع في حين أنها في مصانع النسيج لاتزيد عن ثلث العمالة. وتقل النسبة عن ذلك في مصانع الغزل التي تعتمد بشكل أساسي على العمالة الذكورية. ومعظم عمال هذه المصانع هن فتيات غير متزوجات في المرحلة العمرية من 17 إلى 25 سنة. وتقوم المرأة بكافة الأدوار الإنتاجية تقريبًا (القص، الخياطة، التشطيب، الفرز، الكي، التعبئة).
وفيما يتعلق بأثر سياسات التحرير الاقتصادي على عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، فقد شهدت أوضاع العمال في قطاع الأعمال تدهوراً على عدة أصعدة. فأولاً، تناقص مؤشر الأجور الحقيقية من 100 في 1986 إلى 61 في عام 1994. وكان الأجر الحقيقي لعمال هذا القطاع في 1999 أدنى منه في عام 1985. من ناحية أخرى انخفض انفاق الشركات على الخدمات التي كانت تمثل جزءاً أساسياً مكملاً للأجر، والمتمثلة في الرعاية الصحية والمواصلات، والإسكان. ويمثل التوسع في الجزاءات مصدراً آخر لمعاناة العمال.
أما يتعلق بعمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة في القطاع الخاص، فإن أوضاع العمل أكثر سوءا. ففي ظل سياسة الليبرالية الجديدة القائمة على تقديم كافة التسهيلات لرأس المال، تم إقرار قانون العمل الموحد عام 2003. وأباح القانون الحق المطلق لصاحب العمل في الاستخدام والفصل. وتتسم ظروف العمل في القطاع الخاص بدرجة كبيرة من القسوة حيت تصل ساعات العمل إلى 12 ساعة يومياً. ولا يتم العمل بالعلاوة السنوية التي تقرها الحكومة. وفي مصانع الملابس الجاهزة، والتي تعتمد بشكل أساسي على العمال النسائية نجد مستويات الأجور اكثر انخفاضاً حيث كان متوسط الأجر في بعض المصانع عام 2005 200 جنيه وإضافة إلى ضعف الأجور، فإن القاعدة السائدة في شركات القطاع الخاص والاستثماري هي انعدام إجرءات الأمن الصناعي والرعاية الصحية. ولاتوجد أية قيود على فصل العمال، الذي يتم لأبسط الأسباب. وتمثل محاولة تشيكل نقابي سبباً كافياً للفصل في شركات الغزل والنيسيج التابعة للقطاع الخاص والاستثماري. ويذكر أنه بين مئات من مصانع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة بالمحلة الكبرى، لايوجد أي مصنع به لجنة نقابية.
ويستعرض القسم الثالث من التقرير احتجاجات عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة خلال نحو ثلاثة عقود، وهي الفترة التي طبقت خلالها سياسة اقتصاد السوق بمراحلها المختلفة، لعب عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة دوراً مهما في الحركة العمالية—رغم أن هذا الدور شهد فترات صعود وهبوط. فقد كان عمال هذا القطاع لهم الدور القيادي في الحركة العمالية في السبعينيات. لكن خلال الثمانينيات ثم التسعينيات، تراجع دور عمال الغزل والنسيج في قيادة الحركة العمالية بفعل التراجع الذي شهدته هذه الصناعة. غير أن ذلك لا يعني أنعدام دور هذا القطاع، الذي يعد الأكثر كثافة في العمالة والأكثر تعرضاً للضغوط. وخلال الموجة الأخيرة من الاحتجاجات العمالية، عاد عمال النسيج للعب الدور القيادي في تلك الحركة.
وتنقسم احتجاجات العمال إلى ثلاثة موجات. الموجة الاولى من 1980 إلى 1989، والثانية من 1990 إلى 2004 والثالثة من 2005 وحتى اليوم. ويرجع هذه التقسيم إلى أن الفترات الثلاث عبرت عن مراحل مختلفة فيما يتعلق بوضعية الرأسمالية المصرية وردود الأفعال الشعبية.
ويعرض القسم الرابع من التقرير دراسات الحالة لعدد من المصانع في مدينة المحلة الكبرى حيث جرى دراسة حالة ثلاثة مصانع، هي مصنع قطاع أعمال عام وهو غزل المحلة، ومصنع قطاع خاص وهو السامولي، ومصنع للملابس الجاهزة يعتمد بشكل أساسي على العمالة النسائية هو الصياد. ويهدف البحث إلى التعرف على أوضاع عمال النسيج من خلال ثلاثة محاور هي ظروف العمل، والمقاومة والوعي، والعمالة النسائية.
تناولت دراسة حالة شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة حركة الإضراب التي شهدتها الشركة في عامي 2006 و2007، وكذلك الأزمة التي حدثت في إبريل 2008، وذلك من خلال حوار مع عدد من القيادات العمالية في المصنع. وأهم المشكلات التي يواجها العمال هي أن الكثير منهم يضطرون للعمل سبعة أيام في الأسبوع من أجل تعويض ضعف الأجر. وتقوم إدارة الشركة بالتوسع في الجزاءات ولاتقوم بإجراءات الأمن الصناعي. وفيما يتعلق بالانتخابات النقابية التي أجريت عام 2006، فقد تم تزويرها بشكل كامل، مما جعل القيادات النقابية غير ممثلة للعمال. وقام العمال بإضرابين في ديسمبر 2006، وسبتمبر 2007. وقد اشارت التجربة النضالية للعمال إلى عدد من النتائج. فأولاً، برزت قيادات الإضراب بشكل تلقائي من خلال النضال. وثانياً، ركزت الإضرابات على القضايا المطلبية. وثالثاً، فإن الغالبية الساحقة من العمال ليس علاقة بالسياسية، ورابعاً، لم يكن للأحزاب أو القوى السياسية تاثيراً يذكر في حركة الإضراب. وخامساً، شاركت كافة العاملات في الإضراب جنباً إلى جنب مع زملائهن العمال، وسادساً، طرح الإضراب للمرة الأولى منذ عقود مسألة التعددية النقابية، حيث قام أكثر من عشرة آلاف عامل بتقديم طلبات لسحب الثقة من النقابة، وسابعاً، أدى الخلاف بين القيادات العمالية حول 6 إبريل إلى حدوث حالة من الارتباك أسفرت عن تمكن الأمن من منع الإضراب والقبض على عدد من العمال.
الحالة الثانية هي مصنع السامولي الذي يعمل به نحو 2500 عامل، وتتمثل ساعات العمل في 12 ساعة يومياً. وتنقسم الأجور إلى ثلاثة مستويات، يحث يبلغ أجر رؤساء الأقسام وعمال النسيج وفنيي الصباغة أكثر من 1000 جنيه شهرياً. باقي العمال منقسمين إلى عمال يتقاضون أجوراً متوسطة تبلغ نحو 750 جنيها شهرياً. ويتقاضى 50% من العمال أجوراً لاتزيد عن 250 جنيهاً شهرياً.
وفيما يتعلق بالأمن الصناعي، فإن مصنع السامولي، كشأن 90% من منشآت الغزل والنسيج في مصر، يوفر الأمن الصناعي للمعدات والآلات، بينما لا توفر الأمن الصناعي للعمال. لذلك لا يستخدم العمال سدادات للأذن ولا أحذية واقية ولاكمامات غاز. حاول العمال تشكيل لجنة نقابية في عام 2003 بتكوين لجنة إدارية تابعة للنقابة العامة كي تقون مقدمة لإقامة لجنة نقابية، لكن الإدارة أجهضت المحاولة بحل اللجنة وفصل العمال الممثلين بها.
الحالة الثالثة تمثل مصنع الصياد للملابس الجاهزة، والذي يضم 1200 عاملة وعامل، الأغلبية من العاملات. ويبلغ أجر العاملة الجديدة 215 جنيهاً، في حين يبلغ أجر العاملة بعد خمس سنوات 353 جنيهاً شاملة الحوافز التي تخصم حال غياب العاملة ثلاثة أيام في الشهر. وإضافة إلى انخفاض الأجر، تعاني العاملات من أوضاع عمل مجحفة حيث يتم إجبارهن على العمل أيام الجمعة عند وجود طلبيات، وتتعرض العاملات للإهانات المستمرة من قبل المشرفين، ولا توجد دار حضانة في المصنع، وهو ما يعد مخالفاً للقانون، ولا يتم الالتزام بالعلاوة الدورية التي تقرها الدولة، ولا توجد نقابة للعمال. وإزاء هذه الأوضاع، طُرح بين العاملات أكثر من مرة التحرك لأجل تشكيل نقابة، والقيام بإضراب لأجل الحصول على العلاوة الدورية، لكن الخوف من بطش الأجهزة الأمنية حال دون تحول هذه الأفكار إلى أفعال.
وينتهى التقرير بخاتمة توضح بناء على العرض السابق للمشكلات التي تواجه صناعة الغزل والنسيج وأوضاع عمال هذه الصناعة ودورهم في الحركة العمالية، خلص التقرير إلى مايلي:
- تتعرض صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة في قطاعيها العام والخاص منذ عقود لأزمة أصبحت تمثل تهديداً حقيقياً لمستقبل هذه الصناعة.
- أدت الأزمة التي تواجهها هذه الصناعة إلى انخفاض ملحوظ في عمال الغزل والنسيج في قطاع الأعمال العام. وفي المقابل شهد القطاع الخاص صعوداً في عدد العمالة. وحدثت تغيرات مهمة في بنية الصناعة، حيث حدث تراجع في وزن قلاع الغزل والنسيج الأساسية في شبرا الخيمة وحلوان والمحلة الكبرى لصالح المناطق الصناعية الجديدة، في العاشر من رمضان والسادس من اكتوبر وبعض مدن القناة. ومع بروز دور القطاع الخاص، توسعت صناعة الملابس الجاهزة بشكل غير مسبوق.
- كان من نتائج تلك الأزمة أنه في الثمانينيات والتسعينيات تراجع دور عمال الغزل والنسيج والملابس عن الدور القيادي الذي كانوا يلعبونه في الحركة العمالية المصرية.
- في إطار تجربة تصاعد الحركة العمالية في الأعوام القليلة الأخيرة، بدا أن عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، استعادوا دورهم القيادي في هذه الحركة، ولعبوا بالفعل دور القاطرة التي جذبت أعداداً واسعة من الطبقات العاملة في الصناعة والخدمات، وحتى الحكومة،
- ظهر أن حركة عمال النسيج والحركة العمالية الأخيرة بشكل عام بعيدة عن السياسة. فقد نشأت الاحتجاجات بشكل عفوي ولتحقيق مطالب نقابية، ولم يظهر لأي من القوى السياسة تأثير يذكر على مجريات الأحداث. ويرجع ذلك إلى ضعف القوى السياسية، وتحديداً اليسار الذي كان فاعلاً في الحركة العمالية في فترات سابقة. أما جماعة الإخوان، فتوجهها المحافظ وتركيزها على الطبقات الوسطى والمهنيين، حال دون أرتباطها بالحركة. وأفرزت الحركة جيلاً جديداً من القيادات لديه الثقة في جدوى المقاومة ولم يعان من الهزائم التي شهدتها الأجيال السابقة.
- طرحت الحركة للمرة الأولى منذ عقود مسألة التعددية النقابية. وبالرغم من ذلك، يصعب القول أن المستوى الحالي للحركة يسمح بفرض التعددية النقابية، خاصة في ظل كون مسألة وحدة التنظيم النقابي هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للدولة باعتبارها أداة أساسية من أدوات السيطرة على حركة الطبقة العاملة. ومن ثم فإن الأمر يحتاج إلى حركة أوسع نطاقاً، حتى يمكنها أن تجبر الدولة على القبول بهذا التحول.
- بالرغم من الدور الذي لعبته حركة عمال الغزل والنسيج، إلا أن هذه الحركة اتسمت بالتفتت والانعزالية. فلم يحدث تنسيق بين الاحتجاجات وبعضها البعض سواء على مستوى عمال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة في قطاع الأعمال العام، أو في القطاع الخاص.
- أن نقطة الضعف الأساسية في الحركة العمالية الأخيرة هي التفتت، خاصة وأنه لا يمكن التأكيد على أن الدولة سوف تستمر في اتباع أسلوب المهادنة مع الحركة العمالية. ومن ثم تظل مسألة ابتكار أشكال للربط بين الحركات العمالية مسألة حياة أو موت كي تكون هذه الحركات قادرة على التقدم خطوة للأمام.
تليفون وفاكس / 25750470
البريد الإلكتروني:Lchr@thewayout.net – lchr@lchr-eg.org
الموقع : www.Lchr-eg.org