27/2/2005
سعاد القدسي- WFRT
– الثامن من مارس هو يوم المرأة العالمي الذي تحتفل فيه جميع نساء العالم في الأرض من خلال التجمعات والمنظمات النسائية ومنظمات الأسرة وحقوق الإنسان من أجل نبذ التمييز ومحاربة الاستغلال ومن أجل التضامن ..
– وكما أن الأمم المتحدة تراه من الأيام الأكثر أهمية .. والكثير من حكومات العالم المتقدم تعتبره يوما وطنيا وعطلة رسمية ..
– وبالرغم من الحدود والفوارق الإقليمية والعرقية والسياسية والاقتصادية والثقافية تلتقي النساء في هذا اليوم في فضاء عالمي تملؤه روح الكفاح من أجل الحرية والعدالة والمساواة والسلم والتقدم الاجتماعي ….
– وظهرت فكرة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة مع بداية القرن الماضي متزامنا بالثورة الصناعية وتزايد السكان وتنامي الأفكار الثورية وبروز تجمعات ضد الاستغلال والاستبداد واضطهاد النساء… وقصة الثامن من آذار هي قصة النساء العاديات اللواتي ساهمن إلى جانب الرجال في صنع التاريخ والحضارة وتحقيق السلام .. ومنذ الحضارات الإنسانية الأكثر قدماً وحتى اليوم، و في بيئات القمع والإرهاب والتخلف والتمييز والاستغلال، ناضلت المرأة وما زالت تناضل من أجل الحرية والعدالة للجميع ومن أجل المساواة مع الرجل في الحقوق الأساسية. أما وكيف بدأ هذا اليوم يتوطد في أذهان كل النساء والعالم .. لا بد من هذا السرد المختصر للتاريخ ……
– ففي الولايات المتحدة الأمريكية أصدر الحزب الاشتراكي الأمريكي بياناً في عام 1909 يدعو نساء الولايات إلى اعتبار آخر يوم أحد من شهر فبراير من كل عام يوماً للمرأة الأمريكية تحتفل به وتؤكد مطالبها العادلة والمشروعة وتحرض على رفض التمييز بين الرجال والنساء في العمل والحياة المدنية …
– وفي كوبنهاغن أقر اجتماع أكثر من مائة من النساء من 17 دولة أوروبية وغيرها عقد في عام 1910 بينهن مناضلات عالميات وعضوات برلمانات وأحزاب وخرجن بضرورة تحديد يوم عالمي خاص للدفاع عن حقوق المرأة الكاملة وخاصة حقها في التصويت والترشح للمناصب السياسية ..
– وفي العام التالي مباشرة .. اتفق على اعتبار يوم 19 من مارس (آذار) يوماً عالمياً للمرأة .. في ذلك اليوم تظاهرت أكثر من مليون امرأة تعبيراً عن التضامن من أجل حقوق المرأة في العمل والانتخاب وتولي المناصب القيادية والمساواة التامة مع الرجال في كافة نواحي الحياة المدنية ..
– مع تصاعد كوارث الحرب العالمية بين 1913 و 1914 اشتدت معارضة النساء في أوروبا للحرب ومطالبتهن الحكومات بإيقافها فوراً .. عشرات المظاهرات ضمت ملايين من النساء ضد الحرب المدمرة سارت في شوارع المدن الأوروبية .. وفي الثامن من مارس 1914 عمت المدن الأوروبية مرة أخرى مسيرات تندد بالحرب وتطالب بإيقافها وتحقيق السلام ..
– وفي عام 1917 بينت سجلات ضحايا الحرب بعد انتهائها مقتل مليوني امرأة روسية مما حدا بنساء روسيا إلى التظاهر تحت شعار (من أجل الخبز والسلام) وبالرغم من محاولات النظام القيصري آنذاك قمع المسيرات وإيقافها إلا أنه فشل أمام التضامن الكبير لنساء روسيا وكذلك تضامن نساء أوروبا معهن في مسيرات مماثلة مما أجبر القيصر على الموافقة على إعطاء المرأة حقوقها الانتخابية وفسح المجال أمامها لتكون عنصراً فعالاً في المجتمع إلى جانب الرجل .. كان ذلك في 23 من فبراير والذي استبدل وثبت في التقويم الحديث إلى الثامن من مارس (آذار).
– ومنذ ذلك التاريخ والثامن من مارس يوم ذو مكانة لدى نساء العالم .. في كافة القارات والبلدان .. وهو أيضاً يوم يعبر فيه المجتمع الدولي عن التضامن بين الشعوب من أجل السلم والديمقراطية وحقوق الإنسان .. ومن أجل التطور الاجتماعي ومكافحة الفقر والبطالة والأمراض والتخلف والأمية والتمييز العنصري والعرقي والديني والطائفي والجنسي وكذلك من أجل تحقيق المزيد من الحريات في الفكر والإبداع والانتماء والتضامن والتعبير ضماناً لمجتمعات خالية من القمع والإرهاب والتسلط والاستغلال واحتلال أراضي وممتلكات الغير بالقوة وممارسة السياسات الاستعمارية .. ويؤكد على الدور الإنساني والفعال للمرأة في هذا النضال ..
– وهذا العام 2005 .. يطل يوم المرأة العالمي علينا ونحن نشهد تطورات فائقة السرعة وبالغة الشمولية وعميقة التأثير على كافة المجتمعات الإنسانية .. فالعولمة بمظاهرها المختلفة وتجلياتها وما لها وما عليها أصبحت هاجس الأسرة بجميع أفرادها في كافة بلدان العالم والانفتاح الثقافي بين الشعوب مع ردود الأفعال المتباينة تبعاً لقابلية متمايزة على التفاعل والاندماج .. وأزمات العالم الاقتصادية وما تركته من آثار سياسية واجتماعية ازدادت معه حدة الفوارق الطبقية والمعاشية على كافة المستويات وكذلك الأزمات السياسية الحادة الناجمة عن التباين الثقافي والحضاري من جهة .. وعن السياسة الاستغلالية والاستعمارية للرأسمالية العالمية الجديدة من جهة ثانية، مع ما خلقته هذه الأزمات من حالات حروب ونزاعات نتائجها القتل والدمار والبؤس والتشرد والفقر والمرض والبطالة في كل بقاع الأرض ..
– إن هذا الواقع الأليم الذي تعيشه شعوب البلدان الفقيرة والمحتلة والمتخلفة يؤكد من جديد على الحاجة الملحة للتضامن العالمي من أجل السلام والديمقراطية والعدالة ولا غرابة أبداً أن تقر جميع منظمات العالم حرصاً على السلام والتطور الاجتماعي وحقوق الإنسان أن الحرية والنمو والتغلب على كافة الأزمات يبدأ بحرية المرأة ومساواتها التامة بالرجل وإعطائها دوراً مكافئاً له في السياسة الوطنية , وفي قيادة المجتمع والإنتاج..
– أما المرأة العربية فهي بحاجة، ربما أكثر من غيرها من نساء الأرض، إلى الحرية الفكرية والاجتماعية واكتساب الحقوق المدنية في التعلم والعمل والإبداع والترشح إلى المناصب التمثيلية والإدارية والتصويت الحر وكذلك في كافة الحقوق المتعلقة بالزواج والميراث والمسائل القضائية والأحوال الشخصية والإجراءات التنفيذية للقوانين ..
– وتمكين المرأة في العالم العربي لا بد وأن يبدأ بإعادة النظر في جوهر المناهج التربوية المبنية أصلاً على أسس ومفاهيم ذكورية لا تعترف للمرأة بحقوقها الإنسانية وتضعها في الدرك الأسفل من المجتمع .. ولا بد للمجتمع المتطلع إلى التطور والرقي ومواكبة مسيرة الحضارة الكونية من عكس قناعاته الإيجابية تجاه المرأة من خلال مناهجه التعليمية , وسياسته الإعلامية, وأدبه وفنه وهيئاته الاجتماعية والعلمية والإدارية والسياسية ..
– عندما يتحقق ذلك يمكن فقط للمرأة العربية أن تساهم في إحياء مجتمعاتنا وتحقيق النهضة المرجوة وتخليص رجالنا من عقد الذكورة والأنانية والتعالي والتفرد والفوقية ومن الثقافة السيئة التي تكرس في كافة مقولاتها هذه العقد وتنقلها عبر الأبناء إلى الأجيال القادمة ..
– وبتخليصنا من هذه العقد سنضمن انتفاء القوقعة والانعزالية وانتهاء التعصب والتزمت والتمسك بمسببات ومسوغات الفكر الإرهابي والقمعي في المنزل وخارجه وستكسب الأوطان يداً منتجـة ونزيــهة , وعقلاً نيراً وقلوبــاً تنبض بالحياة والمحبة والحنان ..
– وفي مجتمعات كهذه ستتضامن النساء والرجال في نضال مشترك من أجل نصرة المظلومين والمقهورين والمستغلين ومن أجل العدالة والسلام والتقدم الاجتماعي ..
– بهذه المناسبة أسمح لنفسي أن أمثل من يشاطرني القناعة بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة وأتقدم إلى المرأة اليمنية والعربية بالتهنئة القلبية بيوم المرأة العالمي، يوماً لانتصار وازدهار المجتمع المدني التقدمي الإنساني تقف المرأة فيه مع الرجل في عمله وكفاحه ونضاله وفي حياته السعيدة المليئة بالعطاء والرخاء .. وأخص بالتهنئة أمهاتنا وأخواتنا في فلسطين والأراضي المحتلة في العراق ولبنان وكل من هم في القائمة .. وهن يقاومن أشرس وأفظع القامعين وأكثرهم وحشية ورجعية حتى وإن لم يسجل لهن التاريخ الذكوري دورهن .. وأتمنى للمرأة في كل بلدان العالم الحرية والانتصار على التمييز وثقافاته وعلى التخلف والفقر والاستغلال أيا كان نوعه ومصدره …..