1 ديسمبر 2004
بقلم: مفتاح
منذ استشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في 11/11/2004، ولم ينفك المسؤولين الاسرائيليين والغربيين وبخاصة الأميركيين على وجه التحديد في القول بأن الفرصة بعد عرفات أصبحت سانحة لاستثناف محادثات السلام الفلسطينية الاسرائيلية لاقامة السلام بين الشعبين اللذين استنزفا بشريا واقتصاديا لدرجة أخذت فيها تتفاقم أزمة الفقر وتزايد اعداد الفقراء الهائمين على وجوههم في كلا الطرفين.
ففي الجانب الفلسطيني، المتضرر الأكبر جراء دائرة العنف المتواصل، فتشير تقارير البنك الدولي الى انه خلال السنوات الأخيرة من العنف، اصبح 52% من الفلسطينيين تحت خط الفقر، ولردم فجوة الفقر، يتعين على السلطة الفلسطينية انفاق 400 مليون دولار اميركي سنويا، هذا ناهيكم عن تراجع الدخل الفردي الى الثلث منذ العام 1999.
أما في الجانب الاسرائيلي، فبحسب تقرير مؤسسة التأمين الوطني الاسرائيلية، فان عدد الفقراء في اسرائيل، التي تعد نفسها في مصاف الدول المتقدمة، وصل في العام الماضي الى 1.427 مليون بمن فيهم 652 طفل.
وفي ضوء المتغيرات الاخيرة الاقليمية والدولية، المتمثلة، فيما يخصنا، بطرح شارون لخطته للانسحاب أحادي الجانب من غزة وانتخاب الرئيس بوش لولاية جديدة واستشهاد الرئيس ياسر عرفات، وأخيرا، استعداد حماس للهدنة، يتعين على الجميع الوقوف وقفة تقييمة والعمل بجد على استخلاص الدروس والعبر والعمل حقيقة على تغيير سياستهم التي انتهجوها في السنوات الأخيرة الماضية التي شهدت سقوط المئات من الضحايا، وتكبيد الطرفين خسائر اقتصادية فادحة، فلقد آن الأوان للاحتكام للحوار ونبذ العنف وبخاصة العنف الاحتلالي.
وعليه، فاذا كانت القيادة الاسرائيلية جادة فعلا بانتهاز الفرصة الراهنة، عليها المبادرة الى التخفيف من المعاناة المفروضة على الشعب الفلسطيني حتى يشعر فعلا بالتغيير، الا أن المتتبع للأحداث الأخيرة والتصريحات الناجمة عن اكثر من مسؤول اسرائيلي حول رفضهم القيام بتخفيف المعاناة عن الفلسطينيين، يثير اكثر من تساؤل حول صدق النوايا الاسرائيلية.
فعلى سبيل المثال، أوصى جهاز المخابرات الاسرائيلي مؤخرا بمنع الفلسطينيين من استخدام مطار بن غوريون خلال السفر، مما يترتب عليه زيادة المعاناة وتكلفة السفر للفلسطينيين، مما يفاقم من أوضاعهم الاقتصادية.
كما ان شارون وموفاز صادقا مؤخرا على المسار الجديد لجدار الفصل الذي اقترحته الأجهزة الأمنية، علما انه سيضم 400 ألف دونم من اراضي الضفة الغربية الى الأراضي الاسرائيلية أي ما نسبته 8% من الضفة.
ولا يفوتنا استذكار التصريحات الصحافية التي ادلى بها دوف فايسغلاس، مدير مكتب شارون لصحيفة هآرتس الاسرائيلية، من أن الهدف من خطة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة هو إلغاء حل الدولتين. ومما يؤكد ذلك تزايد وتيرة الاستيطان في مناطق الضفة الغربية ومحيط القدس.
وفي مجال الاستيطان، فبالرغم من تعهد حكومة الاحتلال إزالة بعض المواقع الاستيطانية، الا انه بحسب بيانات حركة السلام الآن الاسرائيلية، يتواجد في المناطق الفلسطينية 97 موقعا استيطانيا أقيم منها 52 بعد آذار 2001 .
هذا، ناهيكم عن شبكة الطرق البديلة في الضفة التي تسعى إسرائيل لتجنيد التمويل لاقامتها لغرض إحكام سيطرتها على المناطق الفلسطينية التي ستبقى فيها معظم المستوطنات، حيث انه وبحسب هذه الخطة، فان الطرق التي ستخصص لتنقل الفلسطينيين ستصبح أطول. فعلى سبيل المثال، أن السفر ما بين طولكرم ونابلس سيستغرق 73 دقيقة عوضا عن 22 لأن طول الطريق سيصل الى 40 كلم بدل الطريق الحالي التي تصل الى 28 كلم.
ويرى الخبير الجغرافي دي يونغ، العامل في دائرة شؤون المفاوضات الفلسطينية بأن كلفة المواصلات الفلسطينية وتسويق المنتجات الزراعية والصناعية الفلسطينية سترتفع مما سيؤثر سلباً على آمال الإنتعاش والتنمية للاقتصاد الفلسطيني، مما سيضر بقدرة المنتجات الفلسطينية على المنافسة مع مثيلاتها الاسرائيليات.
وبالطبع لا يغيب عن بالنا مواصلة بناء جدار الفصل العنصري الذي يلتهم حوالي 51% من أراضي الضفة الغربية، وبضمنها أخصب الأراضي الزراعية الفلسطينية ومئات آبار المياه، مما يشكل ضربة قاسمة للقطاع الزراعي الفلسطيني.
وما زلنا نشاهد ونسمع في وسائل الاعلام عن تواصل سياسية الاغتيالات وهدم المنازل والممتلكات الفلسطينية والاعتقال اضافة الى استمرار الممارسات الممتهنة لكرامة الانسان على الحواجز المتناثرة في انحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا في حين تزداد معاناة المعتقلين خلف قضبان الأسر ويمنع المصلين من الوصول الى دور العبادة وغيرها من الممارسات التي لم يشعر المواطن الفلسطيني أنها تغيرت.
فالحال يسير من سوء الى أسواء ومعاناة الفلسطيني آخذه في التفاقم، ولا يشعر بأي اجراء يعبر عن حسن نية من جانب الحكومة الاسرائيلية انها تريد مد جسور الثقة مع الشعب الفلسطيني وأنها تنوي التوقف عن مصادرة استقلاله وحريته.
التطورات على الأرض بخاصة من الجانب الاسرائيلي وبخاصة تعزيز الاستيطان في الضفة والقدس يؤكد ان الطرف الاسرائيلي لم ينضج بعد لاقامة سلام عادل ودائم وشامل مع الشعب الفلسطيني وتمكينه من اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس في حدود العام 1967 وحل مشكلة اللاجئين الذين يمثلون ثلثي الشعب الفلسطيني حلا عادلا حسب المواثيق والاعراف الدولية. وما نشاهد يوميا على الأرض يشكل القتل البطيء لأي إمكانية للحل القائم على أساس الدولتين. واذا كان هذا ما يريده ويسعى اليه الجانب الاسرائيلي، فهل هو على الاستعداد للحل على اساس دولة ديمقراطية واحدة، يعيش فيها المسلم والمسيحي واليهودي والعلماني جنبا الى جنب في شكل يتساوى فيه الجميع بالحقوق والواجبات؟!