13/6/2005

نفذت السلطة الفلسطينية في 12 حزيران 2005، أحكام الإعدام قد أصدرتها بحق أربعة مدانين في جرائم قتل وخطف وسرقة، هم جزء من قائمة من 55 محكوماً بالإعدام من بينهم 25 أدينوا بالتخابر مع سلطات الاحتلال، في خطوة رأى فيها بعض المراقبين سلاحاً أخيراً لمواجهة الفوضى والانفلات الأمني المتنامي ولفرض سيادة القانون.

المقربون من الرئيس محمود عباس قالوا أنه لم يكن متحمساً لتنفيذ أحكام الإعدام لكنه وجد نفسه مضطراً لذلك بسبب تواصل الجرائم والفوضى والانفلات وأن القرار جاء بعد دراسة قانونية وشرعية استمرت أكثر من ثلاثة شهور.

وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات، قد جمد تطبيق أحكام الإعدام في أواسط العام 2002 بعد تعرض السلطة لانتقادات واسعة من قبل دول الاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان.

الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني، توفيق أبو خوصة، قال أن تنفيذ أحكام الإعدام شنقاً بحق المجرمين: عودة محمود أبو عزب؛ صلاح خليل مسلم؛ وائل شعبان الشوبكي ورمياً بالرصاص بحق المجرم محمد داوود الخواجا بأنه “خطة في سياق كامل من خطوات أخرى أمام ارتفاع معدلات الجريمة والاعتداءات والمخالفات والخروج على القانون”.

وتابع أبو خوصة ان “لدى وزارة الداخلية خطة كاملة لانهاء حالة الفلتان الامني التي تعاني منها الاراضي الفلسطينية ومن المتوقع تحقيق نتائج ملموسة خلال فترة وجيزة”. لكنه حذر من انه “لا يمكن تحقيق نتائج قياسية ما دام الاحتلال الاسرائيلي يقف في وجه تقدم الفلسطينيين وتطورهم”.

من جانبه، برر قائد الشرطة العميد علاء حسني في حديث لوكالة فرانس برس اللجوء الى تنفيذ الاعدام بضرورة “التذكير بوجود سلطة وقانون …أمام ارتفاع معدلات الجريمة والقتل على خلفيات الشرف أو المال … وحالة من الانفلات وشعور الناس بعدم الامان”.

وكانت السلطة أصدرت 73 حكماً بالإعدام منذ تأسيسها العام 94 نفذت منها تسعة حتى تموز 2002، فيما قتل مسلحون تسعة آخرين بعد اقتحام السجون التي كانوا يحتجزون فيها.

وبدورها، رحبت بعض الفصائل الفلسطينية بعملية الإعدام، وطالب المتحدث باسم حركة “حماس،” سامي أبو زهري باستكمال هذه الخطوة والعمل على تنفيذ الأحكام الصادرة بحق العملاء والمتورطين في التخابر مع جهاز الأمن الإسرائيلي “شاباك”.

واعتبر أبو زهري أن عملية الإعدام إيجابية، مشدداً على استكمالها وضرورة أخذ السلطة الوطنية دورها في ملاحقة العملاء والجناة، وتنفيذ أحكام القضاء بحقهم، حتى لا تقوم الفصائل بأية خطوات اجتهادية. أما حركة الجهاد الإسلامي، فطالبت على لسان أحد قيادييها وهو الشيخ نافذ عزام بضرورة استكمال عملية إعدام كل المتورطين بجرائم قتل، والتخابر مع الاحتلال الإسرائيلي، معتبراً ذلك خطوة على طريق ضبط حالة الانفلات الأمني، التي يشهدها الشارع الفلسطيني، ولتوفير الأمن والأمان للمواطنين.

وشدد عزام على أهمية هذه الخطوة الإيجابية التي طالما طالبت بها الفصائل من قبل، لأن ذلك يعتبر جزءاً من احترام القضاء، وبسط سيادة القانون، ووضع حد لحالة الفوضى والفلتان الأمني التي أصبحت تؤرق الجميع وتهدد أمن وأمان المواطنين.

هذا، في حين انتقدت مؤسسات حقوق الإنسان إقدام السلطة على تنفيذ أحكام الإعدام. وقال المحامي راجي الصوراني رئيس المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة: “الإعدام لا يحل المشكلة الأمنية، كما أن هذه الإعدامات انتقائية، ولو كانت السلطة جادة في ذلك لبدأت بتنفيذ الأحكام الصادرة بحق عدد من العاملين في الأجهزة الأمنية الذين ارتكبوا جرائم وما زالوا طلقاء يرتكبون المزيد تحت حماية أجهزتهم”.

ويضيف الصوراني أن السلطة تهرب إلى الإمام في سعيها لحل مشكلة التردي الأمني ودعى إلى تطبيق فلسفة تقوم على استقلال القضاء، وتطبيق الأحكام الصادرة بحق الجميع دون استثناء.

وكانت الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن قد اصدرت بدورها بيانا عارضت فيه “فرض عقوبة الاعدام بصورة مبدئية، ومن منطلق واجبها في حماية الحقوق والحريات الأساسية، وفي مقدمة ذلك الحق في الحياة، والحق في محاكمة عادلة، وأن يحاكم الشخص أمام قاضيه الطبيعي، ترى ان الاعدام عقوبة قاسية، ولا يمكن التراجع عنها في حال تنفيذها، وأن الاتجاه الغالب لدى الكثير من المجتمعات الديمقراطية يميل نحو الغاء هذه العقوبة، والاستعاضة عنها بعقوبة الحبس مدى الحياة.”

وبدورنا، نرى أن من واجب السلطة الامتناع عن مصادرة الحق في الحياة، واللجوء الى سبل أخرى لحفظ الأمن وسيادة القانون، خاصة وأن الحق في الحياة من الحقوق الأساسية للإنسان، حيث “يحق لكل بني البشر أن يعيشوا حياتهم كاملة، ويمنع أي شخص من المساس بهذه الحياة. إن المس بالحياة أو بالجسم ممنوع ويعتبر مخالفة جنائية وأذى مدني.” وعلى طريق تعزيز سيادة القانون، نعتقد ان على السلطة البدء في تحقيق ذلك في مؤسساتها وبخاصة أجهزتها الأمنية، علما أن الكثير من الخروقات القانونية يتورط بها عناصر من الأجهزة الأمنية المختلفة، التي أضحى أفرادها بحاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، لإعادة تأهيل. وأن هناك حاجة ماسة لتعديل القوانين التي تنظم عمل هذه الأجهزة وبخاصة تعليمات إطلاق النار.

ونجزم ان تطبيق حكم الاعدام لن يحد من مستوى الجريمة على الاطلاق، ولو كان الأمر كذلك لتوقفت معدلات الجرائم في الولايات المتحدة، التي تطبق الاعدام، على سبيل المثال. ان تطبيق القانون وبدون تمييز أو استثناء وعلى الجميع بدءا من رأس هرم السلطة الى قاعدته هو الضمانة الوحيدة الكفيلة بالحد من الجريمة.