29/8/2005

وجهت الرابطة الليبية لحقوق الإنسان الرسالة التالية للسيد سيف الإسلام القذافى، رئيس “مؤسسة القذافى العالمية للجمعيات الخيرية” بشأن بعض مفاهيم حقوق الإنسان المهمة التى تطرق إليها فى مداخلة يوم 20 أغسطس 2005. وقد ارسلت الرسالة فى 29 اغسطس2005 بالفاكس وعبر البريد الإلكترونى.

السيد سيف الإسلام القذافى
رئيس مؤسسة القذافى العالمية للجمعيات الخيرية
صندوق بريد: 1101
طرابلس ـ ليبيا
السيد سيف الإسلام القذافىالمحترم
تحية طيبة وبعد،

1. تابعت الرابطة الليبيّة لحقوق الإنسان باهتمام ما جاء فى كلمتكم، يوم السبت 20 أغسطس 2005، التي قدّمتم بها تقرير “منظمة القذافى العالمية للجمعيات الخيرية” عن الأعوم 2000 ـ 2004.

ونحن في الرابطة نرحب بما جاء في الكلمة؛ خاصة الفقرات المتعلقة بأوضاع حقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة التى وصلت الى حد التصفية الجسديّة لخصوم سياسيين؛ لم تكن جريمتهم سوى المطالبة بقضاء عادل، ونقد سلمي للكيفيّة التىكانت تدار بها الشؤون العامة أنذاك والتى تطرقتم الى بعض جوانبها بالنقد الحاد خلال كلمتكم.

واسمحوا لنا في أن نسلط الضوء على بعض القضايا التي جاءت في كلمتكم بغية تحديد مفهومها وطرح وجهة نظرالرابطة فيها.

2. إنّ ما يهمنا بالدرجة الأولى هو مفهوم انتهاكات حقوق الإنسان الذى كثيرا ما يختزل فى إطلاق سراح بعض السجناء، أو إصلاح السجون وتحسين أوضاعها.

ونحن إذ نثمّن هذا العمل ونؤكد على أهميته بالنسبة للمساجين وذويهم وللمجتمع ككل، إلا أننا نعتقد بأنّ الذي يسبقه في الأهميّة هو قانونيّة العقوبة ذاتها.

ماذا فعل نزلاء السجن السياسى حتى يودعوا السجن؟ وهل كان وجودهم فى السجن مطابقا حقا للقانون؟ هل تم الإعتقال حسب القواعد القانونيّة وتحت إشراف القضاء المستقل؟ هل وجهت تهمة رسميّة الى هؤلاء المعتقلين ومن طرف أية جهة؟ هل تم التحقيق مع “الجناة” بحضور محاميهم؟ هل سجلّوا فى سجل السجون؟ هل حوكموا فى محكمة تتوفرفيها شروط المحاكمة العادلة؟ .

هذه هى بعض الأسئلة المهمة التىلا بد من طرحها إذا ما أردنا حقا لقضيّة حقوق الإنسان أن تتقدم وتتطور فى بلدنا. إن مأساة حقوق الإنسان فى ليبيا تتمثل في أنّ “أشخاصا”، وليس القانون، هم من يقررمن يسجن ومن يطلق سراحه، ولايوجد ما يمنع هؤلاء الأشخاص من إعادة سجن من تقرر إطلاق سراحه من قبل.

ولن يكتب الإحترام لحقوق الإنسان وإفراغ السجون حقا من معتقلي الرأي والضمير فى بلادنا إلا يوم تكون السيادة للقانون- ولا شئ غير القانون- في مسائل التجريم والعقوبة.

ليس هناك اثمن من سيادة القانون فى إقامة دولة العدل واحترام حقوق الإنسان، وأنه لايمكن أن يوجد عدل وإنصاف في غياب سيادة القانون، وأنّ الأشخاص مهما علت مناصبهم فى الدولة، ومهما اوتيوا من حسن نية، ومهما كان عدد المساجين المعفى عنهم لا يمكن لهم ان يحلوا محل القانون دون الإساءة الى العدل والى احترام حقوق الإنسان.

3. أن انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها التصفية الجسديّة، والإختفاء القسري، والسجن التعسفى والإحتجاز والإعتقال والمحاكمات غير العادلة والإنتهاكات الأخرى، لن تتوقف بمجرد إبداء حسن النية والعفوعن مساجين سياسيين إذا لم تتخذ خطوات جدية لمعالجة الأسباب التى أدت لتلك الإنتهاكات والمرتبطة ارتباطا وثيقا بهيكل الدولة الليبية السائد.

إن السبب الأساسى لانتهاكات حقوق الإنسان وهجرة آلاف الليبيين يكمن فى عدم وجود دستور عصرى للبلاد يؤكد على المساواة بين جميع الليبيين أمام القانون، وعلى فصل السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، ويوضح هيكل الدولة واختصاصات مؤسساتها ويحدد مهمات حاكميها ومسؤولياتهم والكيفية الديموقراطية التى يختارون بها.

أن هكذا دستور- والذى لا بد من تعزيزه باختيار الحكام فى انتخابات دورية عن طريق الاقتراع العام والتصويت السرى- لهو الكفيل الوحيد والضامن الأساس للحد من انتهاكات حقوق الإنسان فى ليبيا، وصيانة الحريات العامة للمواطنيين.

لقد سئم الليبيون تلقى أنباء الإفراج عن معتقلين سياسيين من حين إلى آخر، مع تأكيدات بأنهم آخر السجناء ما تلبث أن تنتفي باكتشاف أفواج أخرى من المعتقلين والمفرج عنهم مرات تلو مرات.

إنّ المطلوب هو توسيع هامش الحريات القانونيّة بشكل يضمن لكل الليبيين تعاطي الشأن العام في أجواء تصون حرية النقد والمساءلة والنشر والتنظيم والترشح والانتخاب وغيرها من الحقوق الأساسيّة والقانونيّة والشرعية التي يجب أن تكفل لكل مواطن.

إن ضيق هامش الحريات فى ليبيا يشكل تهديدا ماثلا، وانتهاكا مستمرا لحقوق الناس، خاصة الحقوق المدنيّة والسياسيّة منها، وهو السبب الرئيس وراء حملات الإعتقال المتكررة من طرف هيئات أمنيّة ولجان ثوريّة لا زالت تعتقد في أن ممارسة المواطن لأي من حقوقه جريمة.

وعليه فتوسيع هذا الهامش بالشروع فى طرح برامج واسعة للإصلاح وفتح باب حق التمتع الكامل بجميع الحريات- بما فيها حرية انتخاب ممثلى الشعب- على مصرعيه هو الطريق الصحيح لصيانة حقوق الإنسان الليبي وترسيخ السلم المدنى على المدى البعيد.

4. اما فيما يتعلق بليبي المهجر فللرابطة موقف مبدئي راسخ بشأنه يتمثل في أنّه لا يجوز تجزئة مسألة حقوق الإنسان فى ليبيا بين ليبي الداخل والمهجر. ويجب أن يكون احترام حقوق الإنسان محطة جذب لجميع الليبيين أينما كان مكان إقامتهم، وينبغي تجنب تناول مشاكل مجموعة من المواطنين بمعزل عن الإطار الوطنى الليبى العام. وعليه فحقوق ليبيي المهجر لا ينبغي فصلها عن الحقوق العامة لكل الليبيين.

وحيث أن الرابطة ساهمت فى تسوية كثير من ملفات اللجوء والإطلاع على أسبابه ، فإنها تؤكد بأنّ الغالبيّة العظمى من اللاجئين اضطروا الى الهجرة بسبب مصادرة حقوقهم المدنية والسياسية وخاصة تلك الحقوق المتعلقة بالسلامة الشخصية وحرية الرأي والتعبير وحرية تكوين الجمعيات والأحزاب والنقابات المستقلة وبحقهم فى المحاكمة العادلة وحقهم فى إدارة الشؤون العامة عن طريق انتخابات دورية بالإقتراع العام وبالتصويت السري.

5. وعليه فإن الرابطة تأسف للمحاولات المتكررة من قبل مسؤولي الدولة- بما فيهم مسؤولين من “مؤسسة القذافي للأعمال الخيرية”- في تعمد اختزال دوافع هجرة الليبيين في الأسباب الماديّة مثل الإستيلاء على الأملاك، والتجاهل المتعمد للأسباب الجوهريّة لهذه الهجرة.

وإننا نرى بأن تجاهل الأسباب الحقيقيّة للأزمة قد تسبب فى تعميق هوة عدم الثقة بين النظام ومعارضيه، وفي الفشل فى إيجاد أرضيّة مشتركة تمكن الطرفين من فتح حوار متحضر؛ يمكنهما من إيجاد صيغة تعايش وتداول سلمى وديموقراطى للسلطة.

إن الرابطة، كمنظمة مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان، تكرر تأكيدها بأنّ تواجد الليبين خارج حدود الوطن هو حالة فرضها غياب القانون والشرعيّة الدستورية التي تحمي حياة المواطن وتصون حقوقه وكرامته.

وبالتالي فالدعوة لعودتهم، إذا كنا جادينا فيها، ينبغي أن يسبقها ضمانات قانونية تكفل لكل القوى السياسيّة الليبية- بجميع أطيافها- المشاركة في الحياة السياسيّة، وفي صياغة مشروع للإصلاح الوطني تتفق عليه جميع الأطراف، ويضمن مشاركة الجميع في تنفيذه على قدم المساواة.

إن أي احتكار من طرف اللجان الثوريّة – التى قادت الى خراب بات يعترف به اصحابه ويقرون بالحاجة إلىالإصلاح- لأي مشاريع مستقبلية للإصلاح سوف يعيق أي تقدم، ويكون سببا في نكوص أي انفراج فى أوضاع حقوق الإنسان وإجهاض فرص تقنين احترامها.

6. أما بالنسبة لموضوع لجان “الحقيقة والمصالحة الوطنيّة” ففي الوقت الذي نؤكد فيه على أنّه أحد أهم المواضيع التي بدونها لن تتقدم قضية حقوق الإنسان ولن تتحقق تنمية أو سلم مدنى، إلا أننا نعتقد بأنّ الظروف الموضوعيّة للدخول فى تفاصيله وحيثياته لم تتوفر بعد.

وكل ما يمكن للرابطة قوله فى هذه المرحلة هو أن أحد أهم الحقوق الإنسانية المهمة التي يتمحور حولها حق أي شعب من شعوب العالم، بما فيهم الشعب الليبي، يتجسد في معرفة الشعب بحقيقة ما تعرض له وإلمامه بتاريخ ووقائع اضطهاده.

وتعتقد الرابطة بأنه من حق كلّ الليبيين صيانة هذه المعرفة باتخاذ التدابير اللازمة لجمع ما يمكن جمعه من معلومات حول انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها وحفظها لذاكرة الأجيال القادمة.

إن لليبيين حق غير قابل للتصرف فى معرفة تفاصيل إنتهاكات حقوقهم الإنسانية على حقيقتها بما فيها الظروف والأسباب التى أدت الى ارتكاب جرائم فضيعة ضد ليبيين مسالمين خلال العقود الماضية.

وممارسة الحق فى المعرفة ممارسة تامة وفعالة أمر أساسى لتفادى تكرار تلك الانتهاكات الخطيرة وهوقاسم مشترك لجميع لجان “الحقيقة والمصالحة” التى تكونت فى مناطق مختلفة من العالم خلال العشرية السابقة.

أما القاسم المشرك الآخر فهو متصل بطبيعة تكوين هذه اللجان التى تكونت كلها عقب الإنهاء السلمى لأنظمة دكتاتوريّة من أمثال نظام بينوشى وتشاوسسكو ونظام التفرقة العنصريّة فى جنوب إفريقيا واستبدالها بأنظمة ديمقراطيّة منتخبة.

ولم يسبق في التاريخ أن شكّلت حكومة غير منتخبة لجان “حقيقة ومصالحة” للنظر فى سجل إنتهاكاتها (هي ذاتها) لحقوق الإنسان والتى وقعت فى عهدها، وتحت مظلتها، وكشف الكيفية التى ارتكبت بها تلك الإنتهاكات، ومن ثمّ مقاضاة نفسها بنفسها (مبدأ الخصم والحكم).

7. هذه باختصارشديد مهمة لجان الحقيقة والمصالحة وهي تندرج ضمن مسارات التحول والإصلاح الديموقراطى باعتبارها مشروعا وطنيا وعملا حضاريا لبناء المستقبل ولرفع التحديات الداخلية والخارجية التى تواجهها الدول والشعوب.

إن إقامة هذه اللجان، حين تتوافر الاسباب الديموقراطية لنجاحها، تمثل بدون ادنى شك قفزة نوعية مهمة للحد من انتهاكات حقوق الانسان وهي ترمز لحيوية الشعوب التى لا تتهرب من ماضيها ولا تظل سجينة سلبياتها بل تعمل على تحويلها إلى مصدر قوة وحيوية لبناء مجتمع ديمقراطي، يمارس فيه كل الناس حقوقهم بحرية وينهضون بواجباتهم بكل وعي والتزام، في إطار دولة الحق والقانون.

وتود الرابطة فى النهاية ان تجدد إلتزامها بالدفاع عن حقوق الإنسان وقيم الحرية ذلك أن لنا، فى الرابطة، قناعة لن تلين بأن احترام حقوق الإنسان والإلتزام بالمواثيق الدولية المكرسة لهذه الحقوق ليس ضرورة تفرضها الكرامة الإنسانية لليبيين فقط وإنماتفرضها أيضا مستلزمات السلم المدنىوالإصلاح والبناء والتنمية والتقدم فى بلدنا.

مع تمنيات الرابطة لكم بموفورالصحة ولقضية حقوق الإنسان فى ليبيا وفى كل مكان التقدم والإزدهار.