16/11/2005

1. مرة أخري تعود الرابطة الى مشكلة التدنى غيرالمقبول للرواتب والأجور والحماية غيرالكافية، بصفة عامة، لقطاع الموظفين والعمال الذى تناولته فى منشورها المؤرخ فى 9 يناير 2005 تحت عنوان: “الى متى ستستمر انتهاكات حقوق الليبيين الإقتصادية والإجتماعية ؟”. ونعود هذه المرة الى الموضوع بمناسبة تناوله من طرف رئيس الحكومة، السيد شكرى غانم، فى مقال نشره فى موقعه على الأنترنات والذى عزى فيه التدنى المفرط فى مستوىالأجورالى التضخم فى عدد الموظفين الذى حدده ب 800.000 موظف مؤكدا ان رفع الأجور مرهون بتقليص هذا العدد وبان الحكومة لن تتناول هذا الموضوع الا فى هذا الإطار. وللتاكيد علىهذا التضخم استدل السيد غانم بتونس التى قال بأن ” عدد موظفى الدولة فيها قرابة 310.000 موظف يقدمون خدمات لشعب تعداده يصل الى 10 ملايين نسمة”.
هذا واكد السيد غانم أيضا بأن مشكلة تدنى الرواتب والأجور هي انعكاس للفساد الإقتصادى والإدارى والرشاوى المنتشر فى جميع مرافق الدولة الليبية مشددا على ان “الفساد والرشاوى لا تتعلق بمجرد رواتب وإنما هي قضية يمكن فهمها بسبب عدم تطبيق القوانين وعدم وجود رقابة حقيقية وعدم وجود رادع أخلاقى وعدم وجود نظام صحيح يعاقب المسئ ويثيب المحسن”. هذا هو الوصف الذى اختاره المسؤول الأول عن أجهزة الدولة االتنفيذية لوصف الكيفية التى تدار بها الشؤون العامة فى ليبيا والتى تخلف كل يوم آثارا غاية فى الخطورة على حياة الناس اليومية. هذا هو الوضع السيئ الذى مانفكت الرابطة تطالب، منذ تأسيسها فى سنة 1989، بإصلاحه أوتغييره.

2. تؤكد العودة الى موضوع الرواتب والأجورمن جديد عن الأهمية التى توليها الرابطة لهذا الموضوع المتعلق بحياة الناس والذى يعد أحد اهم حقوق الإنسان الذى يمكن الإنسان من تلبية احتياجاته والتمتع بالعديد من حقوقه الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. وفى هذا السياق فإن كل اتفاقيات حقوق الإنسان تؤكد بوضوح، لايقبل التأويل على أهمية حق المواطن فى التمتع بثمرة الثروة الوطنية وبأوضاع اقتصاديةعادلة، بما فيها مرتبات كافية، تحفظ كرامة الإنسان. وقد أكدت تلك الإتفاقيات على حق الفرد فى العمل وفى شروط عمل عادلة ومرضية وحقه فى أجر ومكافأة عادلة. وقد اعتمد العهد الدولى الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، الذى يفترض أن يكون نافذا فى ليبيا، أحكاما عديدة فىهذا الخصوص. فالمادة 6 منه تنص على الحق فى العمل للجميع والمادة 7 تنص على الحق فى التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية والمادة 8 تنص على الحق فى تكوين النقابات المستقلة وفى الإنضمام إليها والمادة 9 تنص علىالحق فى الضمان الإجتماعى. أما مادتها 11 فتنص على حق كل شخص فى مستوى معيشى كاف. هذا وتنص اتفاقيات دولية اخرى، ومنها إعلان الحق فى التنمية، على حق الناس فى الوصول الىالموارد الأساسية والتعليم والخدمات الصحية الملائمة والغذاء والإسكان والعمل والتوزيع العادل للدخل.

3. هذا هو الإطار الذى يفترض ان تناقش فيه مسالة الرواتب والأجور واي محاولة لإخراجها منه لن يكون مقبولا من منطلقات حقوق الإنسان خاصة وان ليبيا هى عضو فى جميع الإتفاقيات والمعاهدات المذكورة والتى لها علاقة وطيدة ومباشرة بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. أما فيما يخص القانون 15 الخاص بالرواتب والأجوروالمعمول به الآن فقد تم سنه فى سنة 1981 فى إطار الأوضاع الإقتصادية السائدة آنذاك بما فيها مستوى الدخل القومى والأسعاروحجم الصادرات والواردات ومستوى المعيشة والمرتبات السائدة الى آخره..
وقد سن القانون فى إطار مراجعة مستوى الأجوروالمرتبات من طرف الدولة والذى عكس، بلا شك، إدراكا بأن الوضع المعيشى لشريحة العمال والموظفين (الشريحة المنتجة) قد وصل حدا من التدنى لم تعد معه الحياة الكريمة ممكنة. لقد كان التمتع بحياة كريمة هو هدف القانون 15 الذى رفع معدل الأجوروالرواتب السائدة آنذاك بنسبة 45%. وقد بدأ العمل بهذا القانون الذى حدد متوسط الرواتب ب 165 دينارا، والتى كانت تعادل 540 دولارا فى سنة 1981.
وقد كان الدولار، كما هوالحال اليوم، الوحدة الحسابية لكل صادرات ليبيا ووارداتها. وكان متوسط سعرالبيوت والشقق عند بدء العمل بالقانون الجديد لا يتعدى ال10.000 دينارا، أي مايعادل راتب 50 الى 60 شهرا لراتب وظيفة متوسطة. أما اليوم فشراء نفس البيت او الشقة يتطلب مالا يقل عن راتب 400 الى 500 شهرا لنفس الوظيفة وذلك إذا اعتبرنا أن معدل سعر البيوت لا يتجاوز ال100.000 دينار وهي فرضية غاية فى التفائل على ضوء الأسعار الخيالية، حتى للمساكن المتوسطة، فى طرابلس وبنغازى والتى كثيرا ما تصل الىربع اوحتى نصف المليون دينارا. وقد كان فى تلك الفترة بإمكان اي موظف متوسط اقتناء سيارة ذو الحجم الصغيربأقل من 9 أشهر من راتبه الشهرى فى حين يكلف الآن نفس الموظف المتوسط شراء نفس السيارة مالا يقل عن راتب 120 شهرا.
أما ثمن كيلو اللحم فقد كان يساوى، يوم دخول قانون الرواتب الجديد حيزالتنفيذ فى سنة 1982، 40 قرشا مقابل 1000 قرشا (عشرة دنانير) اليوم. كذلك فقد كان المواطن فى سنة 1981 يتمتع بمستوى جيد من الخدمات الصحية المجانية وتعليم مجانى معقول وبرامج اجتماعية متعددة، بما فيها دعم السلع الأساسية، يرجع إرسائها الى الحكم الملكى والتى اصبح يشير إليها فجأة اليوم وكأنها هي سبب الفقر التى تعيشه شرائح مهمة من الشعب الليبي حدد العقيد القذافى نفسه عددها بمليون شخصا(يعيشون تحت خط الفقر). هذه هى المعطيات التى على اساسها سن قانون 15 وهذا هو الرفاه الذى فقده المواطن الذى يجد نفسه اليوم، بعد اكثر من عشرين سنة من بدء العمل بالقانون، يواجه مستوى معيشة ليس له علاقة بالرواتب الحقيقية التى قررها ذلك القانون ولا بهدفه فى تمكين المواطن من حياة كريمة. إن التضخم الذى عرفته البلاد على مدى هذه الفترة والتى شهدت تراجع الدينار مقابل الدولار من 28 قرشا الى 150 قرشا للدولار الواحد، أي بتقليص 81% مما كانت عليه قيمة الديناريوم بدء العمل بالقانون 15.. إن تلك الفترة التى فاقت العشرين سنة لم تحدث فيها اي مراجعة لمستوى الرواتب والأجور أوتعديلات لها وذلك رغم نسبة التضخم العالية وتقلص قيمة الدينار بالنسية لجميع العملات الأجنبية والتقهقر الكبير الذى طرأ على مستوى خدمات المرافق الإجتماعية والتى كانت فى بداية تطبيق القانون الجديد تقوم بدور مهم فى الرفاه الإجتماعى والرخاء العام.

4. إن عدد 800.000 موظف الذى ذكرها السيد غانم فى موقعه مقارنا إياها “ب310.000 موظفا فى تونس التى يزيد عدد سكانها عن سكان ليبيا” ربما يكون مبالغ فيه ولكن يظل رقما مقبولا فى دولة مثل ليبيا، يفوق عدد سكانها الخمسة ملايين، أممت فيها جميع مرافق الحياة والغي فيها القطاع الخاص بالكامل وحرم مواطنوها من ممارسة التجارة والمقاولة وأية مهنة حرة أخرى والتى تعتبر ممارستها الى الآن جريمة يعاقب عليها قانون ” من أين لك هذا ” الذى، حسب علم الرابطة، لم يلغ ولا يزال “كامبو” تاجوراء مفتوحا “لمساءلة” كل من ينجح فى تجارته أو اعماله الحرة من قبل “لجان التطهير” التى لازالت قائمة.
إن مقارنة عدد موظفي الدولة الليبية بعدد موظفي تونس هي مقارنة غير موفقة حيث أن الأجدر بان تكون المقارنة مع دول سبقت ليبيا فى القضاء على القطاع الخاص من أمثال رومانيا تحت نظام اتشاوسسكو وبلغاريا تحت جيوكيف وكوريا الشمالية التى الغت حكوماتها، مثلما فعلت الحكومة الليبية فى الثمانينات والتسعينات، القطاع الخاص والتى لا توجد فيها أية فرصة عمل خارج الوظيفة العامة أو الحكومية والتى يستحوذ فيها موظفو أجهزة الأمن (غير منتج) المختلفة على اكثر من نصف وظائفها.
أما تونس التى رفض رئيسها الراحل الحبيب بورقيبة فى بداية الستينيات نظام ” التعاضديات” الشبيه بنظام “التشاركيات” المعمول به حتى الآن فى ليبيا، فهي تتميز بقطاع خاص نشط ومزدهر وهوالمصدر الأساسى فى توفيرفرص العمل التى تتعدى الثلاثة ملايين وظيفة ويلعب فيه التجار والمقاولون والمصرفيون والحرفيون وكبارالمزارعون وإداريو الشركات السياحة والفنادق الخاصة دورا اساسيا فى توفير الوظائف وفىتلبية حاجات سوق العمل التونسى.
كذلك تتميز تونس، برغم دخلها المتواضع والذى لا يقارن بدخل ليبيا وبرغم عدد سكانها الكبيرنسبيا .. تتميز بنظام اجتماعى متقدم فى مجال الصحة والتعليم والتقاعد لايقارن بما هو موجود اليوم فى ليبيا برغم عدد سكانها المتواضع. أما فيما يخص مقارنة الرواتب والأجور فى تونس وليبيا والتى لم يتطرق اليها السيد غانم، عن قصد او غير قصد برغم اهميتها واتصالها المباشر بصلب موضوع النقاش، فتود الرابطة التذكير بأن مستوى الرواتب والأجورفى تونس لا يقارن البتة بما هو عليه فى ليبيا حيث يحدد القانون التونسى الحد الأدنى الشهرى للأجورـ SMIG ـ بحوالى 200 دينارا تونسيا والتى تساوى بسعر الصرف الحالى حوالى 200 دينارا ليبيا. أما كبار موظفى الدولة التونسية من رؤساء أقسام ومدراء وقضاة وأطباء ومهندسين واساتذة جامعات ومعاهد فيتراوح رواتبهم بين 1200 دينارا الى 2300 دينارا شهريا. ويكافأ مدرس المرحلة الإبتدائية فى تونس نفس راتب الموظفين السامين فى الدولة الليبية أي ما يعادل 450 دينارا.

5. تتفق الرابطة مع تحليل السيد غانم بشأن تفشى وباء الفساد على نطاق واسع فى ليبيا وهي تعتقد بأن المراجعة والنقد عموما رسالة ايجابية حيث كثيرا ما تسلط الضوء على المرض وتشخيصه. اما الإكتفاء بحالة التشخيص فقط دون تعديها الى مرحلة العلاج فيمكن أن تؤدى الى التشكيك فى النوايا واسباب النقد والرغبة الصادقة فى الإصلاح. إن النقد عمل جيد، فى حد ذاته، إلا أنه يظل غير كاف، خاصة إذا ما جاء من طرف مسؤول مثل السيد غانم الذى يتمتع، كرئيس وزراء، بجميع الصلاحيات التى تمكنه من وضع “الوصفة الطبية”،(prescription) اللازمة لاستئصال المرض والقضاء عليه، موضع التنفيذ الفورى. إن الإستمرار فى سياسة إفقار الليبيين عن طريق المحافظة على رواتب لم تعد كافية حتى لتغطية ضرورات الحياة الأساسية من مأكل وملبس تحت غطاء “دراسة الموضوع” والتأكد من “وصفة العلاج” لم تعد مقنعة ولا مبررة مهما سقنا من مسكنات زائفة. إن المليون والنصف ليبي الذين يعانون مشاكل الحياة تحت خط الفقر لم يصلوا الى هذا الوضع فى يوم واحد بل هم ضحية لسنوات عديدة لأديولوجية “دراسة الموضوع” و”التأكد من وصفة العلاج” التى ناقشها الدكتورغانم فى مداخلته على الأنترنت وناقشها من قبله ومنذ سنوات متتالية أغلب من سبقوه فى ذلك المنصب الرفيع دون القيام، فى أي وقت، باتخاذ القرار الحازم، قرار رفع الأجور والمرتبات.
يساور الرابطة قلق شديد بشان هذا الموضوع خاصة وان حوال 10.000 ليبيى يضافون الى قائمة “الليبيين تحت خط الفقر” كل شهر تتأخر فيه مراجعة الرواتب وتطوير البرامج الإجتماعية وتحسين آداءها.
إننا قلقون بشأن استثمار الحكومة لآلاف الملايين من الدولارات فى العالم بينما عدد الليبين الفقراء والعاطلين عن العمل فى ازدياد مستمر. إننا قلقون بشأن سهولة إيجاد أية مبالغ مهما كانت كبيرة للإستثمارفى مشاريع خارج ليبيا و”فشل” الحكومة المستمرفى ايجاد المبالغ الضرورية، مهما كانت هامشية، لرفع مستوى الأجور والمرتبات ولوضع خطة للقضاء على البطالة المتفشية فى ليبيا.. أليس من حق الليبيين التمتع قبل غيرهم بثروات بلادهم؟ اليس من حقهم المطالبة باستئصال الفقر من بلادهم اولا عن طريق استثمار اموالهم فى مشاريع تعالج اوضاعهم وتحل مشاكلهم؟

6. تناشد الرابطة الليبية لحقوق الإنسان الحكومة الليبية وعلى رأسها الدكتور غانم وكل من له علاقة بهذا الموضوع ب :
ـ المبادرة بأخذ خطوات عاجلة لتحسين الأوضاع المادية والمعنوية لليبيين بما فيها الزيادة الفورية للأجوروتامين احتياجات المجتمع الليبى على المستوى السياسى والإقتصادى والإجتماع ـ مراجعة الرواتب سنويا على ضوء الأسعار وتقلّباتها وتضمينها تلقائيا معدل التضخم السنوى.
ـ مراجعة سياسة الإستثمارات الخارجية بإعطاء الإستثمارات فى الداخل الاولوية بناء على الإحتياجات الحقيقية للناس حتى ولو تطلب ذلك إعادة جزء او كل الإستثمارات الخارجية الى الوطن لغرض استثمارها فى مشاريع تهدف الى القضاء عن البطالة وخلق موارد بشرية محلية تمكن الوطن والمواطن من إقامة تنمية مستدامة تضمن للأجيال القادمة الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
ـ وضع برنامج عملى لأعادة تأهيل العاطلين عن العمل لتمكينهم من إيجاد فرص عمل جديدة مناسبة لهم وتخصيص دخل ادنى لهم يمكنهم من تغطية احتياجاتهم الأساسية طوال فترة الإنقطاع عن العمل.
ـ تمكين العمال والموظفين من تشكيل نقابات مستقلة ليس فقط للدفاع عن حقوقهم بل أيضا للمشاركة الفعالة فى وضع خطط التنمية والإصلاح والمساهمة فىتنشيط الإقتصاد وزيادة معدلات التنمية باعتبار ان هذه الشريحة هي المحرك الأساسى لعملية الإنتاج