26/5/2008

  1. تابعت الرابطة الليبية لحقوق الإنسان الحملة الإعلامية – التي دارت مؤخرا – حول إعداد دستور دائم للبلاد وقد تجنبت الرابطة الدخول فى مثل هذه الحملة لعدة أسباب أهمها أن الأوضاع السياسية السائدة الآن فى ليبيا لا تسمح بسن دستور ديموقراطى ولا حتى بنقاش جاد حول هكذا مشروع. إن النقاش الجاد حول أهم وثيقة للمجتمع تتطلب أول ما تتطلب مناخ ديموقراطى تعددى يضمن الحد الأدنى من التمتع بحرية الرأي والتعبير وحرية التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكاروتلقيها ونقلها الى أخرين وحرية التجمع السلمى وحرية تكوين الجمعيات والأحزاب السياسية. إن النقاش الجاد لمثل هكذا مشروع يتطلب ضمن ما يتطلب حد أدنى من استقلال القضاء. إن النقاش الجاد لمثل هكذا مشروع يتطلب ضمن ما يتطلب تحرير الإعلام .. الصحافة المقروئة والمسموعة والمرئية .. من قبضة السلطة ورقابتها وإرجاعها الى الناس لتنقل لهم وعليهم حقيقة الأوضاع كما هي على أرض الواقع وليس كما يتخيلها إعلام السلطة الذى ما انفك يوما عن تصوير “الجماهيرية” على انها الفردوس الأرضى. كل هذه العوامل هي فى حقيقتها عوامل تحول دون توفر أدنى المتطلبات الضرورية لسن دستور يكرس سيادة القانون، وما لم يشرع فى استبدالها بخلق مناخ ديموقراطى لن يكون لطرح أي مشروع دستور أية قيمة.
  2. لا بد أن يكون واضحا للجميع بأن صياغة دستور، أي دستور، هو عمل مهم إلا ان الأهم من الصياغة هو محتوى الدستور ومدى ملائمة المحتوى لتطلعات وطموحات مواطني الدولة المعنيين بالدستور وما يحققه لهم من غايات. من هنا تأتى أهمية إتاحة المشاركة الديموقراطية لكل الموطنين على مختلف توجهاتهم السياسية. ليس المطلوب فى هذه المرحلة ان نبتعد عن شخصنة المشروع فحسب بل لابد من الإبتعاد عن التسييس الضيق لإعطاء الدستور محتوا ذا أبعاد وطنية شاملة. لا بد ان يكون الدستور المقترح تشريعا للمجتمع الليبى يعكس كل المصالح المشتركة للمواطنين بغض النظر عن أصولهم ومشاربهم ومواقعهم ومعتقداتهم وأرائهم. ويجب ان يفهم على كونه عقد بين المواطنين، جميع المواطنين، لينظموا، بحرية، حقوقهم ومسؤولياتهم وشكل مؤسساتهم التى تدير أمورهم التشريعية والخدمية والقضائية فى إطار احترام حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا.
  3. من الضرورى العمل على توسيع رقعة المشاركة فى مناقشات الدستور وإفساح المجال لأكبر عدد من مكونات المجتمع المدنى والتيارات السياسية الليبية داخل وخارج الوطن وتمكينهم من المشاركة الجدية فى مناقشة وصياغة أية مسودة للدستور والتى لا بد ان تعرض على الشعب فى استفتاء عام وبالإقتراع السرى بعد حملة يشارك فيها الجميع مؤيدي المسودة ومعارضيها.
  4. ويتطلب هذا بدوره البدء فى تهيئة المناخ الذي يتيح المناقشات الحرة للجميع وهو – بمعنى آخر – كفالة الحق فى حرية الرأي والتعبير بما فى ذلك حرية الصحافة وحرية التجمع السلمى وتكوين الجمعيات كما هو مبين فى المنظومة الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من طرف ليبيا. لا بد كذلك من إخراج القضاء من التبعية السياسية وإقرار استقلاله باعتباره قضاء وطنى مستقل لطمأنة الناس على سلامتهم وتشجيعهم على المشاركة المستقلة. وتطالب الرابطة فى هذا الخصوص السلطة بالعمل الجاد من أجل التسريع بتحقيق هذه الأهداف النبيلة والتى بدونها لا يمكن سن حتى قانون عادل ناهيك عن إعداد دستور للدولة، … كما تطالب الرابطة بالاسراع بتفعيل بنود الإتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية التى صادقت عليها ليبيا فى مايو 1976. إن مثل هذا التفعيل القانونى من طرف الدولة سوف يلغى تلقائيا كل القوانين المصادرة للحريات والتى فى مجملها تخالف بوضوح روح ونص تلك الإتفاقية الدولية. والجدير بالملاحظة فى هذا الخصوص أن الإتفاقيات الدولية تعد بعد المصادقة عليها بمثابة تشريع تجعله الدول في مرتبة أعلى من القانون الوطني الذى يخضع لأحكامها.
  5. من المسلم به أنه لا يمكن ممارسة الديموقراطية فى غياب مرجعية دستورية مقرة ونافذة .. إلا ان وجود دستور لا يمثل، باي حال من الأحوال، ضمانة لممارسة الديموقراطية وإرساء قواعدها. فكثير من الدول لها دساتير ولكنها مع ذلك لا يوجد بها ممارسة ديموقراطية حقيقية . كثير من البلدان توجد بها دساتير على مستوي رفيع من حيث الصياغة الدستورية بل انها تتكلم عن احترام حقوق الأنسان وحرياته على نحو مبهر . ومع ذلك فلا صلة لهذه الدساتير بالواقع الذي يعيشه الناس من قهر ومصادرة للحريات . كذلك لا صلة لهذه الدساتير بالانقلابات التي تحدث في بعض البلدان من اجل الاستيلاء علي السلطة أو المحافظة عليها وتحقيق الكثير من المغانم والتمادي في إفقار الشعوب واضطهادها. لا بد ان يكون واضحا ان الدستور هو في جوهره إيمان بدولة المؤسسات وإنهاء لمفهوم دولة الفرد وإيمان بان السلطة يمارسها أشخاص معينون وفقا لقواعد قانونية و في حالة خروج هؤلاء الأشخاص على القواعد القانونية المنظمة لاختصاصهم يعد ذلك مخالفة للقانون يحاسبون عليها . ولتجنب أي التباس فالإشارة الى دولة المؤسسات تعنى تلك الدولة التى تنشأ السلطات فيها وفقا لقواعد قانونية سابقة تحدد كيفية إسناد السلطة إلى فرد أو أفراد معينين . ثم تحدد القواعد القانونية بعد ذلك اختصاصات كل فرد أو مجموعة من الإفراد أو جهة من الجهات أو هيئة من الهيئات تحديدا واضحا بحيث يكون التصرف داخل هذه الاختصاصات قانونيا ومشروعا ويكون التصرف خارج هذه الاختصاصات غير قانوني وغير مشروع .
  6. إننا بحاجة الى دستور ينص على إصلاحات أساسية تضمن الممارسة الفعلية للديمقراطية وسيادة دولة القانون ومبادئ الحكم الرشيد والمساواة بما يضمن لليبيين، كل الليبيين، المشاركة الفعلية في صنع القرار السياسيّ والتنمويّ بصورة تتجاوب مع حاجياتهم وتطلعاتهم. إننا بحاجة الى دستور يمكن الشعب من تقرير مصيره بنفسه وفي جميع مجالات الحياة ومناحيها …فى المجال السياسى بتفعيل دستور ديموقراطى تكون السيادة فيه للشعب ويصبح الشعب بسبب تلك السيادة مقررا لمصيره عن طريق انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالإقتراع العام وبالتصويت السرى، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية تنبثق عنها حكومة تعكس الإرادة الشعبية وتعمل على خدمة مصالح الناس بشفافية ونزاهة… و فى المجال الإقتصادى ينص على التوزيع العادل للثروة الوطنية على جميع المواطنين وفق مقاييس محددة… وفى المجال الإجتماعى يؤكد على تمكين جميع الناس على قدم المساواة من الإستفادة بالخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية والسكنية ويكفل لهم الحق في العمل والترفيه… وفى المجال الثقافي بإتاحة الفرص لجميع الناس من الوصول الى وسائل التثقيف الذاتي والجماعي والتعامل مع المكونات الثقافية المختلفة بنفس الكيفية.
  7. لقد آن الأوان لنضع حدا للإعلان عن الرغبة فى الإصلاح قولا والبدء فى تقديم الإثباتات بالأفعال التى تؤكد جدية المزاعم وتعطيها مصداقية يلمسها المواطن الذي لا يزال محتارا من كثرة النقد الذي يقرأه في الصحف ويسمعه فى الخطابات على شاشات التلفزيون من جهة واستمرار الأوضاع السياسية السيئة ذاتها فى تسيير الشؤون العامة وكأن شيئا لم يتغيرمن جهة أخرى. ألم يحن الوقت لحكومة وحدة وطنية انتقالية من شخصيات وطنية مشهود لها بالنزاهة والإخلاص لتناط بها رسميا مهمة إعداد دستور ديموقراطى للبلاد بغية الخروج بها من التخبط الإدارى والسياسى الذى عاشته لسنوات طويلة. إن مثل هكذا خيار سوف يكون له آثارإيجابية واسعة على التعجيل بإعداد الدستور حيث سوف ينقل الى المواطن رسالة بسيطة مفادها ان مرحلة جديدة قد بدأت فعلا وبأن القائمين عليها جادون فى توجهاتهم وبأنهم يضعون مصالح الوطن قبل مصالحهم ومنافعهم فعـلاً و قـولا.ً

ولنتذكرمقولة الأستاذ عبد الرزاق السنهورى، استاذ القانون المعروف بأن “أسوأ الدساتير{صياغة} مع عدالة التطبيق لهو أفضل من أحسن الدساتير{صياغة} مع سوء التطبيق”

allibyah@yahoo.com