13/8/2005
تعالت عديد أصوات يمنية (حقوقية – سياسية – قانونية وغيرها) تطالب الحكومة اليمنية بالتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
واذا كانت المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة فإن عدم التعرض للتعذيب حق يجب حمايته في كل الظروف على اعتبار ان التعذيب من الأمور المحظورة وتشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان
وعلى جميع الدول تعزيز حماية الأشخاص المحرومين من حريتهم من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة..
كما على كافة الدول اتخاذ جملة من التدابير المتنوعة التشريعية والادارية والقضائية وغيرها.
ولأن طرق هذا الموضوع يعتبر اقتحام حقل بكر لم نألفه في ثقافتنا السياسية فإن ثمة حالات تعذيب حدثت في اليمن وعلى الأخص في السنوات الخمس الاخيرة..
يقول المحامي عبدالعزيز البغدادي في حلقة النقاش التي نظمها المرصد اليمني لحقوق الإنسان حول التعذيب في اليمن 16/7/2005 ان واقع التعذيب في اليمن يندرج ضمن الاعتداء في الحق على السلامة الشخصية فإن ثمة حالات تعذيب حصلت في عديد من محافظات الجمهورية ولعل اشهر حالات التعذيب تلك التي تعرض لها المواطن سامي الشرجبي من قبل ضباط ينتمون الى البحث الجنائي بمحافظة تعز بداية العام 2003
وتعذيب أولاد جلبة في ذمار وفي مارب تعذيب الجندي القعقوع من قبل أحد الضباط،.
ويضيف البغدادي ان ثمة ضباط عذبوا مواطنين ايضاً في ذمار وتعز وتعرض العلامة أحمد محمد حجر للتعذيب
والتعذيب الذي تعرض له يحيى الديلمي ومحمد مفتاح في السجن المركزي بصنعاء والشاب علي مهيوب غيلان الذي تعرض للتعذيب في البحث الجنائي بتعز في العام 96 عندما كان الدكتور رشاد العليمي مديراً لأمن محافظة تعز ولا زال والده الى اليوم يتابع الداخلية ووزيرها لأخذ التعويض والدية المقترحة على تعذيب ابنه حتى الموت ولا يزال يطالب الداخلية بالدية خاصة وان وزير الداخلية على علم بالجريمة لكنه لم يدفع لوالد علي مهيوب غيلان دية ابنه الذي مات من شدة التعذيب حسب تقرير الطبيب الشرعي على ايدي رجال البحث الجنائي بتعز.
هنا في اليمن تضمن دستور الجمهورية في المادة (47) الفقرة (ب) حظر تعذيب أي شخص جسدياً أو نفسياً أو معنوياً وحظر القسر على الاعتراف أثناء التحقيقات وجعلت للإنسان الذي تقيد حريته الحق في الامتناع عن الإدلاء بأية أقوال إلا بحضور محاميه
كما نصت الفقرة على حظر حبس أو حجز أي انسان في غير الأماكن الخاضعة لقانون تنظيم السجون وتحريم التعذيب أو المعاملة غير الانسانية عند القبض أو اثناء فترة الاحتجاز أو السجن.
وتضمنت الفقرة (ج) من المادة المذكورة مدة الاحتجاز الاحتياطي بسبب الاشتباه في ارتكاب جريمة، يقول المحامي البغدادي ان الفقرة (د) أوجبت عند القاء القبض على أي شخص لأي سبب اخطار من يختاره المقبوض عليه وكذلك عند صدور أمر قضائي باستمرار الحجز فاذا تعذر على المقبوض عليه الاختيار وجب ابلاغ اقاربه أو من يهمه الأمر..
ويضيف: الفقرة (هـ) اشارت الى ان القانون يحدد عقاب من يخالف احكام أي فقرة من فقرات المادة (47) كما يحدد التعويض المناسب عن الاضرار التي قد تلحق بالشخص من جراء المخالفة..
واعتبرت التعذيب الجسدي أو النفسي عند القبض أو الاحتجاز أو السجن جريمة لا تسقط بالتقادم ويعاقب عليها كل من يمارسها أو يأمر بها أو يشارك فيها..
وتكفل المادة (48) من الدستور ما نصه ان الدولة تكفل للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم ويحدد القانون الحالات التي تقيد فيها حرية المواطن فلا يجوز تقييد حرية أحد إلا بحكم من محكمة مختصة، ومثلها قضت المادة (6) من قانون الاجراءات الجزائىة (بحظر تعذيب المتهم أو معاملته بطريقة غير انسانية أو ايذائه بدنياً أو معنوياً لقسره على الاعتراف وكل قول يثبت انه صدر من أحد المتهمين أو الشهود تحت وطأة شيء مما ذكر يهدر ولا يعول عليه”.
يقول المحامي البغدادي ان المادة (166) من قانون العقوبات نصت على انه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن عشر سنوات كل موظف عام عذب اثناء تأديته وظيفته أو استعمل القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الادلاء بأقوال أو معلومات من شأنها الإضرار به، وذلك دون إخلال بحق المجني عليه في القصاص أو الدية أو الارش.
ونصت المادة (167) منه على انه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة كل موظف عام أمر بعقاب شخص أو عاقب بنفسه بغير العقوبة المحكومة عليه بها أو بأشد منها أو رفض تنفيذ الأمر باطلاق سراحه مع كونه مسؤولاً عن ذلك أو استبقاه عمداً في المنشأة العقابية بعد المدة المحددة في الأمر الصادر بحبسه ويحكم في جميع الاحوال بعزل الموظف من منصبه.
ومثلها تقول المادة (168) من قانون العقوبات “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل موظف عام استعمل القسوة مع الناس اعتماداً على سلطة وظيفته بغير حق بحيث اخل بشرفهم أو احدث آلاماً بابدانهم دون اخلال بحق المجني عليه في القصاص والدية أو الارش ويحكم في جميع الاحوال بعزل الموظف من منصبه”..
تلك هي المواد في الدستور والقوانين التي تحرم التعذيب وتعاقب الفاعلين له، وبالقاء نظرة سريعة بين نصوص الدستور والقوانين اليمنية ذات الصلة بحق الانسان في صون كرامته وآدميته وحمايته من التعذيب بكل صوره واشكاله الجسدية والنفسية ومقارنتها بما تحتويه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية سواء منها التي وقعت عليها اليمن وصادقت عليها أو لم توقع ولم تصادق يقول المحامي عبدالعزيز البغدادي:
نلاحظ ان هناك تفصيلات مهمة اشتملت عليها الاتفاقيات المناهضة للتعذيب من ذلك مثلاً ما نصت عليه اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والتي اعتمدتها الجمعية العامة للامم المتحدة وفتحت باب التوقيع عليها في ديسمبر 1984 وبدأ تاريخ النفاذ في 26 يونيو 1987 ووفقاً للمادة 27/(1)
حيث اشتملت الاتفاقية على (33) مادة تفصل ما يقصد بالتعذيب بكل صوره واشكاله والاسس القانونية واللاإنسانية والفلسفية التي قامت عليها الاتفاقية وكذا الاجراءات الواجب اتخاذها من قبل الدولة لمنع وقوع التعذيب أو المعاملة القاسية في نطاق الدولة..،
إلا انه ورغم عدم وجود تفصيلات في الدستور والقوانين اليمنية شبيهة بهذه التفصيلات غير ان النصوص التي وردت آنفاً هي مفيدة جداً في حال الالتزام بتطبيقها والتمسك بها نظراً لانها قد نصت بشكل صريح على تجريم التعذيب بكل معانيه وسواء كان جسدياً أو نفسياً ونص على معاقبة من يقوم بذلك بالعقوبات المبينة.
ويضيف البغدادي: اننا نعتقد ان الاشكالية تكمن وطنياً في عدم وجود آلية محلية لمراقبة ومتابعة تنفيذ ما نص عليه الدستور والقانون في هذا المجال ودور المنظمات غير الحكومية في مجال الرقابة الشعبية على اعمال الادارة لمؤسسات الدولة بكل تفرعاتها.
البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية هو ملحق بالاتفاقية المعتمدة من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 ديسمبر 1984 وصادقت عليها اليمن في 5 نوفمبر 1991 واعتمد البروتوكول في 18 ديسمبر 2002 وفتح باب التصديق عليه والانضمام اليه بدءاً من الأول من يناير 2003..
لهذا البروتوكول آلية الحماية الدولية وبموجب الاتفاقية شكلت لجنة مناهضة التعذيب تتولى اللجنة النظر في تقارير الدول الاطراف التي تقدم اليها بشأن التدابير التي اتخذتها تنفيذاً لتعهداتها بمقتضى الاتفاقية وتدرج ملاحظاتها في تقريرها السنوي الى جانب ملاحظات الدولة المعنية
الى جانب ذلك يقول د.محمد المخلافي انه يتم اجراء تحقيق سري عبر عضو أو اكثر من اعضاءها وبالاتفاق مع الدولة الطرف يمكن ان يشمل التحقيق زيارة اراضي الدولة المعنية وذلك في حالة وجود معلومات موثوق بها تدل على ممارسة التعذيب على نحو منظم
وتسلم بلاغات من الدول الاطراف ضد الدول الاطراف الأخرى تعترف بهذا الاختصاص والنظر في البلاغات وتسلم بلاغات واردة من افراد أو نيابة عن افراد اذا اعلنت الدولة الطرف قبولها بهذا الاختصاص للجنة..
والهدف من البروتوكول هو إنشاء نظام وقائي لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة يقوم على زيارات منتظمة لاماكن الاحتجاز والحبس.
للجنة مناهضة التعذيب سلطات – يضيف المخلافي- انها يمكن لها ان تنزل الى أماكن الاحتجاز ودراسة أوضاع المحتجزين وتقديم التوصيات الى السلطات واقتراح تغيير التشريع وتكون السلطات ملزمة بالحوار مع الآلية الوقائية الوطنية حول تدابير تنفيذ توصياتها والدولة
ملزمة بنشر وتوزيع التقارير السنوية الصادرة عن الاليات الوقائية الوطنية والاتفاقية حتى يتم سريانها ونفاذها تحتاج الى تصديق عشرين دولة وغير مسموح بالتحفظات ولكن يجوز تأجيل التنفيذ لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد الى خمس سنوات
وتتميز الاتفاقية ان على الدولة المصادقة تحصل على دعم لانفاذ التدابير التشريعية والقضائية والادارية لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وحماية كافة الاشخاص المحرومين من حرياتهم.
ان الدور الآن على منظمات المجتمع المدني وكافة الفعاليات والاحزاب للضغط على الحكومة للتصديق على البروتوكول الاختياري الخاص بالتعذيب حتى لا تحرم اليمن اكثر مما حرمت منه عندما رفضت التصديق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
و إذا كان ثمة تعذيب حصل في اليمن خلال السنوات الخمس الماضية – كما وردت آنفاً – فإن التعذيب يجب ان ينتهي من اليمن لأنه يمثل حالة إجرامية وحالة لا إنسانية منافية لكل الأخلاق و القيم و الضمير الإنساني و كافة الشرائع السماوية.
والتعذيب هو اسلوب العاجزين وان من تعرضوا لاعمال تعذيب يجب على الحكومة ان تقوم بتعويضهم تعويضاً عادلاً وتقديم الجناة للعدالة لاخذ جزاءهم العادل حتى لا يتكرر اسلوب التعذيب من قبل نافذين وبحق مظلومين يجب ان ينتصر لهم القضاء وحتى لا تُصنف اليمن من الدول التي تمارس التعذيب على مواطنيها
ولكي لا تُصنف عليها ان تثبت حسن النوايا من الآن
وتبادر بالتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة فإن تأخير التصديق بالتأكيد سيكون في غير صالح اليمن.