2/7/2007
مع تفاقم الأزمة الفلسطينية الداخلية الراهنة وتعميق الفصل ما بين الضفة والقطاع، تصاعدت التصريحات المطالبة بايفاد قوات دولية الى الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أوردت بعض الصحف تفاصيل العديد من الخطط الهادفة لوضع الضفة الغربية تحت انتداب عسكري وارسال قوات دولية الى قطاع غزة. تأتي هذه الدعوات في هذه المرحلة رغم افشال جميع المطالب الفلسطينية على مدار تاريخ القضية الفلسطينية بضرورة ارسال قوات دولية الى الأراضي الفلسطينية هدفها توفير الحماية للشعب الفلسطيني.
لكن السؤال الذي يطفو الى السطح يتمحور حول ماهية شكل التدخل الدولي المطلوب وهدفه بخاصة في ظل موازين القوى الراهنة؟ وهل تضمن القوات الدولية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينية وبخاصة في تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمة القدس الشريف بعد ان نجح الاحتلال في القضاء على عملية السلام وخلق حقائق جديدة على الأرض؟ ومن بين المقترحات في هذا الصدد:-
نشر قوات دولية على الحدود بين مصر وقطاع غزة
وهو المقترح الذي يقوم الاحتلال بدراسته ويتلخص بنشر قوات دولية على الحدود بين مصر وقطاع غزة تنحصر مهمتها بوقف تهريب الأسلحة الى القطاع، وللخشية من تهريب صواريخ أرض جو ومتفجرات وتسلل نشطاء تقول اسرائيل أن إيران دربتهم – حسب ما صرح الناطق باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية مارك ريغيف.
إحالة قطاع غزة لمسؤولية الجامعة العربية
وتقدم بهذا المقترح عضوا الكنيست من ميرتس افشالوم فيلان وزهافا غالئون، وهو يطالب بإحالة مسؤولية القطاع الى الجامعة العربية وادخال قوات متعددة الجنسيات اليه بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، بحيث يكون ذلك جزءا من رزمة صفقة تبدأ مع بدء المفاوضات بين الممثلين العرب والاسرائيليين حول المبادرة العربية للسلام. وفي المرحلة اللاحقة يتم إجراء عملية تبادل الجندي الاسرائيلي الأسير جيلعاد شليت مع المعتقلين الفلسطينيين، يعقبها التوصل الى وقف متبادل لاطلاق النار، فيما تتقدم الرباعية لمجلس الأمن الدولي باقتراح نشر قوات متعددة الجنسيات، وذلك لمدة تتراوح ما بين سنتين الى ثلاث سنوات وتضطلع بأدوار أمنية واقتصادية. وبحسب المقترح، ستنشر القوات متعددة الجنسيات على الحدود المصرية الغزية لمنع تهريب الأسلحة ولمنع اطلاق صواريخ القسام باتجاه الأراضي الاسرائيلية. ومن الناحية الاقتصادية، ستعمل هذه القوات على اعادة بناء البنية التحتية في قطاع غزة ومساعدة الغزيين على إعادة تأهيل مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنع انهيار الخدمات الاجتماعية.
الوصاية الأميركية على الأراضي الفلسطينية المحتلة
وهذا ما طرحه مارتن انديك، بحيث دعا الى وضع الأراضي الفلسطينية تحت الوصاية الأمريكية بتفويض من الأمم المتحدة الى حين التوصل لاتفاق على الوضع النهائي، وذلك في مقاله نشرها في مجلة فورين افيرز (Foreign Affairs) في حزيران 2003. وكان أنديك يريد بذلك وضع آليات تنفيذ للتعويض عن غياب ذلك في خارطة الطريق التي وضع عليها شارون 14 تحفظا.
ويحدد أنديك فترة 3 سنوات لإنهاء مفاوضات الوضع النهائي، كما يدعو لتشكيل هيئة وصاية لتقدير مدى التزام الفلسطينيين ببنود التسوية، وأن يقوم المجلس التشريعي بلعب دور استشاري لتلك الهيئة. ويعتقد أنديك بأن خطته تحتاج لقوات دولية قوامها عشرة آلاف جندي بقيادة الولايات المتحدة وتضم وحدات عسكرية بريطانية واسترالية وكندية.
الوصاية الدولية على الأراضي الفلسطينية المحتلة
في أكتوبر عام 2003، طالب البرلمان الأوروبي المجتمع الدولي بحث إمكانية وضع فلسطين تحت وصاية دولية في حال فشل تطبيق خارطة الطريق. كما تبنى في جلسته المنعقدة في 23/10/2003 في ستراسبورغ قرارا ينص ايضا على إرسال “قوة فصل ومراقبة دولية” تكون تحت سلطة اللجنة الرباعية.
نموذج ناميبيا
طبق في العام 1988 قرار مجلس الأمن الدولي رقم 435 (1978) الداعي لاستبدال قوات جنوب افريقيا المحتلة بقوات دولية والسماح بعودة اللاجئين والمنفين وتنظيم استفتاء شعبي حول تقرير المصير، جرى بعده انتخابات رئاسية وإعلان الاستقلال بعد 75 عاما من الاحتلال لهذا البلد الغني باليورانيوم والذهب والنحاس، وذلك في غضون عامين. لكن يلاحظ في هذا النموذج ان دولة الاحتلال كانت قد قررت التخلي عن احتلالها.
نموذج تيمور الشرقية
بعيد استقلالها عن الاستعمار البرتغالي عام 1975، خضعت تيمور الشرقية لاحتلال القوات الأندونيسية بدعم أميركي، إلا أنه عقب انهيار نظام سوهارتو في التسعينات من القرن الماضي بعد الأزمة الاقتصادية في جنوب شرق آسيا، فتح باب تقرير المصير على مصراعيه أمام شعب تيمور الشرقية، بحيث نظمت الأمم المتحدة استفتاءا شعبيا عام 1999، كان من إفرازاته أن استقلت البلاد التي نظمت انتخابات عامة عام 2001 وأعلنت الاستقلال في 20/5/2003. ويتشابه نموذجا تيمور الشرقية وناميبيا من حيث أن القوة المحتلة قد وافقت على إنهاء احتلالها لتلك المناطق.
الحالة الفلسطينية
في ضوء الاختلافات ما بين النماذج آنفة الذكر والوضع الفلسطيني الذي ترفض فيه إسرائيل إنهاء احتلالها، بل حتى لا تعترف بأن الأراضي الفلسطينية محتلة وتعتبرها أراض متنازع عليها، يتعين الإصرار على المشروع الوطني الفلسطيني وإحياء المبادرة السياسية والتأكيد على سقف الشرعية الدولية كمرجعية لإنهاء الاحتلال. لكن ذلك يتطلب توافقا وطنيا وبخاصة فيما يتعلق بحدود الدولة وشكل المقاومة المنسجم مع القانون الدولي، اضافة الى قضايا الأمن الداخلي. وهناك حاجة أيضا لإعادة الاعتبار للمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ويجدر سرعة التحرك لأن الوقت لا يعمل في صالح ذلك.
خلاصة القول أن الفلسطينيين يعيشون حالة من الضعف لا تؤهلهم لفرض شروطهم. لهذا عليهم الاستعداد لخيار التدخل الدولي، وبخاصة بعد فشل كل الجهود الفلسطينية الداخلية للخروج من الأزمة الراهنة التي لا يمكن فصلها عما يجري دوليا وإقليميا. لكن، يتعين رفض كل شكل من أشكال التدخل الذي من شأنه الانتقاص من المشروع الوطني الفلسطيني، هذا رغم الاقرار بأن المشروع الوطني غير قابل للتحقق في الأمد المنظور. وأن ما حدث في غزة، من انقلاب لحماس قد بعث بدعوة لتدخل دولي سلبي لغرض ضرب المشروع الوطني. لهذا، يتعين رفض أي تدخل دولي ينحصر في غزة فقط دون الضفة ولا يتضمن حماية الشعب الفلسطيني والعمل على تأمين حقوقه.
وأمام تلك التطورات تبرز مخاطر قيام المجتمع الدولي بفرض قرار من مجلس الأمن على الشعب الفلسطيني ذات طابع أمني، وقد لا ينسجم مع الأمن القومي المصري، حيث انه سيعني أن الحكومة المصرية فشلت في القيام بمسؤولياتها الأمنية. أي أن المجتمع الدولي قد يفرض تدخلا بالقوة، وهو ما قد يشكل مآساة وطنية. ويحبذ عدم طلب الوصاية الدولية، لأن هذا المطلب يشترط حل السلطة الفلسطينية اولا وإنهاء الاسرائيليين لسلطتهم على الأراضي الفلسطينية المحتلة.