8 أغسطس 2004

في ليلة 11 يوليو 2004 قامت لجنة من وزارة الصحة بالتهجم على مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي. لم تهتم اللجنة بتعريف نفسها بطريقة هادئة ولائقة، ولم يستطع أحد التأكد من هوية أعضائها. وبدون استئذان وفي سابقة لم تعرفها العيادات أو المستشفيات في مصر تجولوا في أنحاء المكان رغم احتجاج مساعد الطبيب الذي وقف يحتج هنا وهناك ويدعوهم إلى انتظار الأطباء، ولم يحترم أطباء اللجنة حتى زملائهم أطباء المركز حين وصلوا.. رفعوا أصواتهم، وفتحوا الأدراج والخطابات الخاصة بهم وفتحوا ملفات المرضى والصناديق المغلقة وفتشوا تحت الكتب وراحت إحداهن تصور بالكاميرا على حين أمسكت الأخرى بخطاب تحويل يخص أحد ضحايا التعذيب السوادنيين وراحت تهتف في احتجاج لا يخلوا من النشوة “اتصالات أجنبية.. وما هذه منظمة كاريتاس هل عندكم تصاريح للاتصال بهذه الجهات!!!”. وراحت تصور بكاميرا ديجيتال!! ملفات تخص أوراق بعض منظمات حقوق الإنسان. كما وصل الأمر أن سجلت رئيسة اللجنة في محضر الضبط!!؟ انه لا يوجد جهاز ضغط أو سماعة بعد أن احضر الأطباء الأجهزة أمامها.

لو لم يكن هناك مرضي يشاهدون الواقعة.. ولو لم يكن هناك تهديد بإحضار البوليس وتشميع المكان “في غياب أصحاب التراخيص” لكان لزملائنا تصرف آخر
في يوم 20 يوليو استلمنا من بواب العمارة الرسالة التالية موجهة للمدير الفني للعيادة، هذا نصها:
محافظة القاهرة
مديرية الشئون الصحية
منطقة عابدين الطبية
إدارة العلاج الحر
السيدة الدكتورة / عايدة عصمت سيف الدولة
المدير الفني للعيادة المشتركة نفسية وعصبية مركز النديم
3أ شارع سليمان الحلبي من شارع رمسيس شقة 8 الدور الثاني القاهرة.
تحية طيبة وبعد:
بناء على تعليمات وزارة الصحة والسكان وموافقة السيد الأستاذ الدكتور/ رئيس القطاع الصحي بالقاهرة. بشأن المؤسسات الغير حكومية نوجه نظر سيادتكم نحو تلافي المخالفات الآتي ذكرها في مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ وصول كتابنا هذا لسيادتكم وحتى لا نحملكم المسؤولية المترتبة في حالة عدم التنفيذ طبقا للمادة 11 للقانون 51 لسنة 81 والمعدل بالمادة 13 من القانون نفسه والمخالفات المطلوب إزالتها هي:

    • 1- المركز يدار لغير الغرض المرخص له كمنشأة طبية.

 

    • 2- المنشأة بوجه عام لا تحمل شكل المنشأة الطبية إلى جانب عدم وجود التجهيزات الطبية اللازمة للعيادة والموجودة بالملف عند الترخيص.

 

    • 3- عدم توفر وسائل الإسعاف كما وجدت بالمعاينة.

 

    • 4- عدم تواجد المدير الفني.

 

    • 5- وجود طبيبة تدعى منى حامد لم يتم الإخطار عن وجودها ولا توجد لها أوراق بالملف

 

    6- استخدام تذاكر طبية بالمركز مدون عليها عنوان سابق بالدقي.

لذا: يرجى بإزالة هذه المخالفات في مدة أقصاها ثلاثون يوما كما ذكر وحتى لا نحملكم المسؤولية المترتبة في حالة عد التنفيذ وذلك طبقا للقانون المشار إليه.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
19/7/2004

مدير العلاج الحر: د/نبيل علي عيد
المدير العام: د/مايسه محمود فهمي
تم الاستلام 20/7/2004

كان يمكن أن نمضي هذا الوقت في علاج ضحايا العنف والتعذيب والإهانة في أقسام البوليس ومراكز الاعتقال.. لكن كتب علينا أن ننفق قدرا غير قليل من الطاقة والوقت في الرد على افتراءات الجهات التنفيذية. القانون الذي يشير اليه الإنذار ينص في الفقرة الخامسة من مادته الثالثة عشر أنه يلغى الترخيص بالمنشأة الطبية إذا أديرت المنشأة لغرض آخر غير الغرض الذي منح من أجله الترخيص.

وعليه فإننا نوضح لأصدقائنا أن النديم عيادة نفسية.. أثثناها بحيث تكون مكانا مريحا لمن يبغي التنفيس عما في صدره من آلام.. استبعدنا منها مراوح السقف وكشافات النور التي تستدعي للذاكرة مشاهد التعذيب فتثير الرعب في قلوب مرعوبة مما خبرته من القسوة والإجرام..

كما أن النديم مركز لعلاج وتأهيل ضحايا العنف.. يستقبل الضحايا بغض النظر عمن مارس العنف ومن مورس العنف ضده.. ويؤهلهم ويحاول دعمهم في استعادة شعورهم بكرامتهم وإنسانيتهم بكل ما يحمله التأهيل من احتمالات باستثناء الانتقام بالعنف.

إن جهل أعضاء اللجنة بطبيعة العيادة التي جاءوا للتفتيش عنها لن يعفيهم أو يعفي من هم وراءهم من مسئولية خرق ابسط أسس أخلاقيات المهنة وهي احترام المرضى أولا ثم احترام زملائهم الآخرين.. ولن يغنيهم حتما من محاسبتهم على الأقل أمام نقابتهم.

رسالة الوزارة تعطينا مهلة ثلاثين يوما لتصحيح الأخطاء وإلا فسوف يحملونا المسئولية ويغلقون المكان. والأرجح انهم سيحاولون إغلاق المكان فالمخالفات غير قابلة للتصحيح.. إن الرجوع للقانون الذي تستند إليه الوزارة لا يحمل مما ورد في رسالة وزارة الصحة سوى بند واحد هو : “إذا أديرت المنشأة لغرض آخر غير الغرض الذي منح من أجله الترخيص”. لقد حضرت لجنة التفتيش فوجدت أربعة من المرضى ومساعد العيادة وطبيبين أحدهما رئيس مستشفى المطار للصحة النفسية سابقا والذي تم نقله في اليوم التالي لمستشفى الخانكة!!! وعبثت بملفات 2200 مريض وكانت تعلم انها ملفات مرضى. ماذا كان يمكن أن تجده أكثر من ذلك لتدرك أنها في عيادة نفسية؟ وأي غرض آخر وجدته في العيادة كي تعتبر ان هذا المكان لا يشبه العيادة النفسية؟

الإسعافات الأولية التي لم تجدها كانت أمامها لكنها رفضت أن تسجلها. الأوراق المعنونة على عنوان في الدقي هي أوراق قديمة نستخدمها كورق “دشت” لكنها لم تكن جاهزة للنظر في الروشتات التي تحمل العنوان الحالي. المديرة الفنية لا يوجد في القانون ما يفيد بضرورة بقائها في العيادة 24 ساعة في اليوم. أم شكل العيادة فلا يمكن تغييره فذلك هو الشكل الذي يسمح للمرضى أن يكسروا جدران الصمت وأن يبيحوا بما يجيش في صدورهم من خوف وما تعرضوا له من قسوة.

لقد تقدمنا بشكوانا للنائب العام وتم استجوابنا من قبل النيابة بشأن ما تعرضنا له من تحرش وانتهاك لكل مبادئ ممارسة المهنة، واللجنة الآن مستدعاة للمثول أمام نيابة الأزبكية للتحقيق فيما نسب إليها من تعدي على العيادة والمرضى والأطباء. كما تقدمنا بالشكاوى ومعنا أصدقاءنا في مصر والعالم العربي والعالم إلى كل من وزير الصحة ونقابة الأطباء. وحيث أننا واثقين من حاجة المقهورين في هذا البلد لما نقوم به من عمل، وحيث أننا واثقين من الدوافع التي جاءت بتلك اللجنة إلى مركزنا وأنها دوافع أبعد ما تكون عن الاهتمام بمصلحة المرضى، فسوف نواصل، كعهدنا دائما، انحيازنا التام والمطلق لمرضانا، ومن يحتاج لمساعدتنا وفي مواجهة كل من يتسبب في المرض النفسي والخوف والذعر.