24/6/2008
تشكل الحقوق المدنية والسياسية أحد أهم المكونات الأساسية لمنظومة حقوق الإنسان ، وهي حقوق أساسية يجب احترامها في زمن السلم والحرب على السواء حيث أنها تشكل قواعد قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها لعلاقتها المباشرة بالكرامة الإنسانية من جهة و لكونها أضحت جزء لا يتجزأ من منظومة القيم الحضارية للبشرية جمعاء من جهة أخرى. مما يجعل من استمرار السلطات السورية بالقيام بعمليات الاعتقال التعسفي وما يرافقه من اختفاء قسري ،هدرا واضحا لهذه الحقوق.
وتستند السلطات السورية في ذلك إلى حاضنة ” قانونية ” تسمح لها بالعصف بمجمل الحقوق الأساسية ، وهي حالة الطوارئ والقوانين والمحاكم الاستثنائية ، إضافة لغياب الإرادة السياسية اللازمة للقيام بخطوات ذات مغزى في مسار الإصلاح السياسي والقانوني ، مما ترافق مع تعميق انتشار الفساد وارتفاع نسبة البطالة والفقر والتهميش ، لتعيش شرائح اجتماعية واسعة جدا مشاعر الإحباط واليأس وفقدان الأمل .
علما أن الدستور السوري يؤكد في فصله الرابع المواد ( 25 و 27 و 35 ) ، على أن الحرية حق يضمنه الدستور ، وكذلك المواد ( 424 و 425 ) من القانون الجزائي وانه لا يجوز اعتقال أحد دون تهمة ثابتة ، وان الاعتقال التعسفي يعتبر حد للحريات ويشكل جرما يعاقب عليه القانون ، وعلى كل معتقل متهم في جريمة أن يقدم للمحاكمة أمام المدعي العام التمييزي خلال 24 ساعة أو خلال مدة أقصاها 48 ساعة ، ومن ثم يحيله المدعي العام التمييزي إلى القاضي المختص خلال 24 ساعة التالية ، أما إذا أوقف المدعى عليه بمذكرة توقيف واستمر رهن الاعتقال لأكثر 24 ساعة دون إحالته للمدعي العام التمييزي يعتبر اعتقاله تعسفيا وتخضع الجهة الرسمية أو غير الرسمية التي قامت بالاعتقال ، للملاحقة بتهمة التعرض لحرية الأفراد الشخصية وانتهاك نص المادة 358 من قانون العقوبات.
و على الرغم من ذلك كله منذ أواخر حزيران 2007 وحتى 21 حزيران 2008 – يوم المعتقل السياسي في سورية – سجلت الحكومة السورية تصعيدا ذا دلالة في انتهاك حقوق الانسان ، فيما يخص الاعتقال التعسفي خارج القانون وبدون مذكرة قانونية و الذي مورس على نطاق واسع وما رافقه من الاختفاء القسري أو غير الطوعي للأشخاص الذي يعتبر من أبغض انتهاكات حقوق الإنسان كونه شكل من أشكال التعذيب بالنسبة للضحايا الذين يظلون على جهل بمصيرهم ، وكثيرا ما يتعرضون للتعذيب ، ويعيشون حالة من الرعب الدائم بسبب الخوف على حياتهم ، وأيضا مايشكله هذا الوضع من مأساة جديه بالنسبة لذوي الضحايا ، فالغالبية لا تتم إحالتهم لمحاكمات لفترات زمنية طويلة ربما تتجاوز السنوات ، وكثيرين تتم إحالتهم للمحاكم الاستثنائية وتحديدا محكمة أمن الدولة العليا بدمشق التي تفتقر لأدنى معايير المحاكمة العادلة والتي أحيل أمامها المئات خلال السنة المنصرمة وأصدرت أحكاما جائرة بحق العشرات ، وبعضهم تتم إحالتهم للقضاء العادي الذي يفتقر للاستقلالية ، حيث تم إحالة بعض المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي للقضاء العادي بعد أن يتم توقيعهم على أقوال تؤخذ تحت التعذيب والإكراه لكي يتم توجيه التهم المحددة من قبل الأجهزة الأمنية ، ويستكمل القضاء باقي الإجراءات ,كما حدث مع معتقلي المجلس الوطني إعلان دمشق للتغير الوطني الديمقراطي ،( الدكتورة فداء الحوراني والأستاذ رياض سيف والكاتب أكرم البني ، والزميل جبر الشوفي عضو مجلس الأمناء في لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية ، والصحفي فايز سارة وعلي العبد الله ، والدكتور أحمد طعمه ووليد البني وياسر العيتي والمهندس مروان العش والفنان التشكيلي طلال أبو دان وعضو جمعية حقوق الإنسان في سورية محمد حاج درويش ، ومحمود النجار ) وكذلك بعض المعتقلين المتهمين بالانتماء إلى تيارات دينية وبعض المعتقلين السوريين من القومية الكردية. وفي التقرير السنوي الذي سيصدر قريبا عن لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية ، توثيق لأسماء المئات من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ونشطاء حقوق الإنسان ومناصري الديمقراطية في السجون السورية .
في هذا العام أيضا لم تتخذ الحكومة السورية أي إجراءات ذات مغزى فيما يخص المعتقلين السياسيين السابقين و المجردين من الحقوق المدنية والسياسية ، حيث ما زالت مصرة على معاقبة المعتقلين السابقين ، عبر الاستمرار في انتهاك حقوقهم الأساسية، فمنذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي وحتى الآن أطلق سراح بضعة آلاف من المعتقلين السياسيين، غالبيتهم الساحقة من المعتقلين الإسلاميين، إضافة لأعضاء في النقابات المهنية والعلمية وناشطين في حقوق الإنسان وأعضاء في الأحزاب السياسية المعارضة (حزب العمل الشيوعي، حزب العمال الثوري العربي، حزب الشعب الديمقراطي السوري ،وحزب البعث الديمقراطي، وحزب البعث العراقي ،وحزب التحرير ،والحزب الديمقراطي الكردستاني ) وبعض الناشطين الفلسطينيين ومعتقلين أكراد إضافة إلى آخرين بتهم سياسية مختلفة وكل معتقل يطلق سراحه يمنع من ممارسة حقوقه المدنية إما لنفس المدة التي حكم بها أو لسبع سنوات على أقل تقدير ويدمغ على الأوراق الثبوتية بأنه محكوم عليه بالمدة التي حكم بها بحيث تكون عائقاً أمام أي فرصة عمل ولا يسمح له بالسفر أو العودة إلى عمله إذا كان من موظفي الدولة أو القطاع العام، ولا يسمح له بالتملك أو تأسيس شركة أو أن يكون شريكاً في عمل ، وأن كثيراً من المطلق سراحهم يعيشون حياة مأساوية يلاحقون فيها حتى في حوانيت بيع الخضار وعلى البسطات وفي منازلهم وأماكن تواجدهم، إضافة لظهور كثير من الأعراض الصحية الخطيرة لبعضهم .مما خلق عند جميع المعتقلين السياسيين السابقين و أسرهم وأصدقائهم حالة من القلق والترقب السوداوي في انتظار المجهول
وأسوء ما في الأمر هو استمرار الحكومة السورية في تجاهل هذه الحالات الإنسانية.مع العلم أن المعتقلين السياسيين السابقين وجميع المنظمات الحقوقية توجهوا بالطلب من الحكومة السورية بالمساعدة لإيقاف هذه الكارثة المستمرة وذلك عبر إلغاء آثار الاعتقال وعودتهم إلى أعمالهم ووظائفهم مع التعويض المادي عن فترة الاعتقال السابقة وتقديم المساعدة من قبل الجهات الحكومية السورية في تأمين العلاج والدواء لمختلف الأمراض المستعصية والمزمنة.
إننا في لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية, وبمناسبة يوم المعتقل السياسي السوري, نؤكد من جديد على المطالب و التوصيات، التي رفعناها إلى الحكومة السورية كخلاصة لما ورد في جميع تقاريرنا السنوية وفي جميع أدبياتنا , علما أن الحكومة السورية لا تزال تتجاهل هذه المطالب و التوصيات رغم أنها تشكل ركيزة أساسية في مسار التحول الديمقراطي المنشود في سورية ،مما فتح الباب واسعا لازدياد ملحوظ في الانتهاكات الواقعة على مختلف جوانب حقوق الإنسان في سورية :
-
- 1- إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين،ومعتقلي الرأي والضمير و إغلاق ملف الاعتقال السياسي و إزالة جميع الآثار الناتجة عنه و جبر الضرر عن طريق التعويض عن فترة الاعتقال و تسوية الأوضاع الوظيفية و الصحية للمعتقلين.
-
- 2- رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية و إلغاء المحاكم الاستثنائية،وإلغاء جميع الأحكام الصادرة عنها والآثار السلبية التي ترتبت على أحكامها بما ينسجم مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان و إلغاء القانون -49- الخاص بعقوبة الإعدام للمنتمين لحركة الإخوان المسلمين و إلغاء كافة اللوائح الأمنية والخاصة بالممنوعين من السفر خارج القطر أو الراغبين بالعودة إليه.
-
- 3- العمل على تسوية ملف المحرومين والمجردين من الجنسية ،من المواطنين الأكراد السوريين.وإلغاء كافة أشكال التميز والاضطهاد القومي والديني والسياسي بحق المواطنين السوريين ،والعمل على إيجاد حل ديمقراطي عادل لقضية الشعب الكردي في سورية ،وفق العهود والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
-
- 4- تطبيق مفهوم المصالحة و الإنصاف بما يضمن المصلحة الوطنية من خلال العمل على إيجاد حلول قانونية وإدارية بما يخص ،الذين فقدوا واختفوا في المعتقلات السياسية والأمنية،وتصفية أمورهم الإدارية ،والتعويض لعائلاتهم.
-
- 5- ضمان الدولة حماية فعالة للمواطنين من جريمة التعذيب و فق مقتضيات معاهدة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي وقعت وصادقت عليها الحكومة السورية، و الدستور السوري وتفعيل المادة –391-من قانون العقوبات التي يعاقب فيها المشرع السوري على ممارسة التعذيب.
-
- 6- إصلاح قانوني شامل ،وبمشاركة مختلف الخبرات القضائية والقانونية والحقوقية،الحكومية منها وغير الحكومية ،من اجل صياغة ديمقراطية و حضارية للقوانين التي تنظم عمل الجمعيات المدنية والأهلية ، والعمل الحزبي السياسي و للإعلام و الأحوال الشخصية و العقوبات .
-
- 7- اتخاذ التدابير الدستورية و التشريعية و الإجرائية لإقرار القضاء كسلطة مستقلة و لتطهيره من الفساد و ضمان استقلاليته و نزاهته وكفاءته
-
- 8- إقرار مبدأ سمو المواثيق والاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريعات الوطنية، مع التنصيص على هذا المبدأ في الدستور.وذلك عبر:
-
- أ- إعمال مبدأ الملائمة عبر إلغاء القوانين و المقتضيات القانونية المنافية لحقوق الإنسان .
- ب- احترام سيادة القانون في الممارسة على كافة المستويات و نهج أسلوب المساءلة و عدم الإفلات من العقاب للمنتهكين كيفما كان مركزهم و مبرراتهم و هو ما سيساهم بقوة في القطيعة مع عهد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
أخيرا وقبل كل شيء، فإننا في ل دح ندعو السلطات الحكومية إلى تصحيح العلاقة مع المجتمع وإعادة الثقة بين الدولة والمواطن ، من خلال فتح حوار واسع وجدي مع جميع الفعاليات المجتمعية , يشكل مدخلا و أرضية لتحقيق هذه المطالب و التوصيات.
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا مكتب الأمانة