4/5/2009

مقدمة :
يمكن القول بكثير من الثقة أن حق التأهيل هو الحق الأكثر التصاقا بذوي الإعاقة، فتمتع الشخص بهذا الحق وفي الوقت المناسب أو عدم التمتع به يمثل نقطة فارقة بحياة الشخص، يساوي الفرق بين مشاهد شخصية (عبيط القرية( بالدراما المصرية وبين مشاهد أبطال الأولمبيات الخاصة من ذوي الإعاقة الذهنية وهم يتسلمون ميدالياتهم، فهو الحق الفاصل بين إمكانية الحياة وسط مجتمع حي متفاعل وبين الانعزال علي حافة الحياة بعيدا عن البشر، والانحصار بين جسد موصوم بالعجز وبعض رفاق العاهة.

كما يمثل التأهيل أحد أدوات الكشف عن الإمكانيات غير المحدودة للإنسان، ولعل )هيلن كلر) تمثل أحد النماذج التي تؤكد ذلك، فقبلها كان من الصعب تصور أن إنسانة فاقدة للسمع والبصر ستكون قادرة علي قيادة حركة اجتماعية لتأهيل ذوي الإعاقة، ولأنها برعت في تخصصات عديدة أدبية وعلمية وتعددت أنشطتها ما بين التأليف والسياسة حتى أنها تعلمت الكلام رغم عاهتها المزدوجة، يعتقد الغالبية أنها معجزة غير قابلة للتكرار، أما من يؤمنون بالإمكانيات غير المحدودة للإنسان وخاصة قدرته على التعلم واكتساب المعارف والمهارات باستمرار ويرتكزون على العلم كأحد أهم وسائل تحسين حياة البشر، يرون أن هيلن نجحت ليس لأنها أرادت النجاح فقط بل لأن كل من حولها أراد ذلك كما كانت محظوظة بالتأكيد بوجود معلمات تمتعن بخبرة ورؤية عميقة يندر تواجدها، وبالتأكيد لو توفر لغالبية الأطفال ذوي الإعاقة مثل تلك الإمكانيات لزالت الدهشة التي تحدثها قصة هيلن.

مفهوم التأهيل:
استغرق الوصول لمفهوم شامل للتأهيل، يجمع بين الجوانب المتعددة لحياة الإنسان زمناً طويلاً فحتى وقت قريب كان التأهيل مفهوم ملتبس ليس فقط على المستوى التطبيقي بل وأيضاً على المستوي النظري، حيث يختلف باختلاف الجانب الذي ينظر منه الباحث كما يختلف باختلاف المنهج الذي يحكم تفكيره، وقبل تناول المفهوم الشامل للتأهيل سوف نلقي نظرة أولاً علي التطور التاريخي للتأهيل.

بداية التأهيل:
يصعب تحديد البداية التاريخية للتأهيل بمعناه البسيط ” عملية تمكين الشخص ذو الإعاقة من التعايش مع البيئة المحيطة ” فبداية التأهيل تختلف باختلاف التطور الحضاري للمجتمعات، ففي أوربا بدأ داخل الكنيسة بعد إعادة تفسير الإعاقة على أنها تجسيداً لمعاناة المسيح والتخلي عن التفسير الذي يرى الإعاقة تجسيداً للغضب الإلهي، وقد قام التأهيل داخل الكنيسة على أساس الرعاية وتعليم ذوي الإعاقة بعض المهارات والمعارف المحدودة. ويقترب تفسير الكنيسة من التفسير الذي ساد بالشرق الأسيوي، حيث فسرت الثقافة البوذية الإعاقة بتجسيد ألم ومعانة البشر وبنت رؤيتها لذوي الإعاقة على حق كل إنسان في التحرر من الألم والمعاناة.

أما بالشرق العربي فالأمر يختلف قليلاً وإن اتفق جزئياً مع التراث الإنساني السلبي تجاه ذوي الإعاقة، فرغم أن التفسير الإسلامي للإعاقة هو ” البلاء والاختبار ” كما كانت النظرة تجاه مصابي الحروب على أنهم أبطال مجاهدين تعطي لذوي الإعاقة درجة اجتماعية مساوية للآخرين بل وربما درجة رفيعة أحياناً، إلا أن اختلاط هذا التفسير مع الموروث الثقافي أدى واقعياً لحالة تعايش بين أفكار ورؤى متناقضة. ومن المرجح أن التأهيل بالمعنى الطبي بدأ بالمنطقة العربية مع صعود الحضارة العربية الإسلامية لاعتمادها على المنهج العلمي التجريبي، وظهرت المستشفيات بمعناها الحديث مع صعود الدولة الأموية، وبالتأكيد بدأ التأهيل بالمعنى الطبي قبل تلك المستشفيات وإن كان المؤكد تماماً أنه كان يتم داخلها.

ويعتقد البعض أن تاريخ التأهيل بالمفهوم الطبي بدأ مع مستعمرات الجذام بأوروبا حيث كان الشخص يتخلص من العاهة الجسدية لكنه يظل حاملاً لإعاقة اجتماعية نتيجة حمله لعلامة المستعمرة.

مرحلة تنظيم التأهيل:
بعد مراحل تاريخية طويلة من المعاناة ومع دخول البشرية مرحلة الدولة الرأسمالية بمعناها الحديث، بدأت البلاد الأوربية تعيد تنظيم وضع ذوي الإعاقة حيث تم عزلهم داخل مؤسسات تقدم لهم الخدمات المادية والرعاية الصحية بعيداً تماماً عن المجتمع.

وكان مفهوم التأهيل السائد داخل تلك المؤسسات يقوم تعليم وتدريب ذوي الإعاقة على التكيف مع البيئة المحيطة بالمعني الضيق، وكان التأهيل يتم بعزل ذوي الإعاقة داخل مراكز خاصة حسب التقسيم الطبي للإعاقات، وقد بدأت تلك المؤسسات بالنمسا مع بداية القرن التاسع عشر، ورغم العيوب الكثيرة لهذا الشكل من التأهيل إلا أنه شكّل بيئة جيدة لتجريب وتطوير برامج التأهيل الطبي.

المفاهيم الحديثة للتأهيل:
يعتبر غالبية المهتمين بمجال الإعاقة أن التأهيل الاجتماعي لم يبدأ إلا منذ سنوات قليلة بعد نضوج الرؤية الاجتماعية الحقوقية تجاه ذوي الإعاقة، ولكن الحقيقة أنه رغم التداخل بين المفاهيم المتعددة للتأهيل إلا أن بداية تبلور المفاهيم الاجتماعية للتأهيل بدأ مع نهاية الحرب العالمية الأولى، فقد خلفت الحرب أعداداً هائلةً من ذوي الإعاقة في ظل توجه جماهيري يطالب قيام الدولة برعاية وتأهيل ذوي الإعاقة، كما أدت الطفرة بالنمو الرأسمالي بعد الحرب إلى الحاجة للأيدي العاملة وشكّل ذوي الإعاقات البسيطة مصدراً مهماً للعمالة، وساد مفهوم التأهيل المهني خلال تلك المرحلة حيث ساهم التحول التدريجي من مفهوم الرعاية إلي مفهوم التأهيل المهني في توفير أموال طائلة كما ساهم في استثمار طاقة عاملة كانت خارج حسابات الربح، وشهدت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية طفرة هائلة في مجال الإعاقة سواء على مستوى البنية المادية أو على مستوى تطوير الدراسات والبحوث العلمية مدفوعة بحركة مطلبيه منظمة من منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة.

وقد نتج عن التفاعل بين حركة الإعاقة خاصة في أمريكا اللاتينية من جهة وبين تطور البحوث العلمية سواء التقنية أو الاجتماعية من جهة أخرى إلى بلورة المفهوم الشامل للـتأهيل والذي سنتناوله بعد عرض لعناصر التأهيل التي لو تحققت مجتمعة لكونت صورة واضحة للتأهيل الشامل.

عناصر التأهيل:
تتعدد عناصر التأهيل بتعدد جوانب الحياة الإنسانية سواء بالمعنى الفردي ” القدرة الجسدية والنفسية على التعامل مع مكونات البيئة المادية ” أو بالمعنى الاجتماعي ” قدرة الفرد على التفاعل مع المحيط الاجتماعي ” ولكي يكون التأهيل شاملاً يجب أن تتكامل عناصره المختلفة بحيث يكون التأهيل منظومة متناغمة وليست جمع حسابي للعناصر.

ويجب الإشارة هنا إلى أن التصنيف الطبي مازال هو الأساس – حتى الآن- لكل برامج التأهيل حتى الاجتماعي منها، فتعريف الإعاقة يفتقد للجانب الاجتماعي بدرجة كبيرة رغم المحاولات المستمرة لتطوير وبلورة تعريف اجتماعي للإعاقة، ورغم أهمية التقسيم الطبي في تحديده للخصائص الطبية المشتركة لكل فئة على حدى إلا أن من الناحية الاجتماعية أدى الاعتماد المطلق على هذا التقسيم إلى عزل تلك الفئات بمؤسسات خاصة معزولة عن المجتمع وهو ما يتناقض مع هدف المفهوم الشامل للتأهيل وهو الدمج الاجتماعي، ويمكن حصر العناصر المختلفة للتأهيل في:

1) التأهيل الطبي :
وهو محاولة استعادة أقصى ما يمكن توفيره للشخص ذو الإعاقة من قدرات بدنية سواء عن طريق علاج هذه الحالة بالأدوية أو بالعلاج الجراحي أو بالعلاج الطبيعي أو تركيب أجزاء تعويضية أو العلاج بالعمل أو علاج عيوب النطق والتخاطب مع الاستعانة بالأجهزة المساعدة.

ويشهد هذا العنصر من عناصر التأهيل طفرات هائلة منذ نهاية القرن العشرين، فقد صارت الكثير من أحلام ذوي الإعاقة حقائق ملموسة بعد تطور العمليات الجراحية المعالجة للعاهات التي كانت تصنف على أنها عاهات مستديمة، مثل إعادة حاسة السمع بعد إعادة الاتصال جراحياً بين مركز السمع بالمخ وبين الأذن الوسطى، وعلى نفس الطريق ينتظر فاقدي البصر مفاجآت سعيدة بعد نجاح تقنية زرع كاميرات صناعية لتقوم بنفس عمل العين، كما يتوقع أن يشهد التأهيل الطبي طفرة أكبر بعد تطور علم الجينات الوراثية، ورغم تلك التطورات الهائلة إلا أن تصور أن بعض العاهات الجسدية صارت بطريقها للزوال تصور غير صحيح، فالفقر يقف حائل بين استفادة الغالبية الكاسحة من ذوي الإعاقة من التطور العلمي، ومن ثم فالمستفيدين فعلياً من ذلك التطور التقني هم قلة من الأغنياء.

2) التأهيل المهني:
هو تلك المرحلة من عملية التأهيل المتصلة والمنسقة التي تشمل توفير خدمات مهنية مثل التوجيه المهني والتدريب المهني والاستخدام الاختياري بقصد تمكين الشخص ذو الإعاقة من ضمان عمل مناسب والاحتفاظ به والترقي فيه.

وكثيراً ما يتم تناول التأهيل المهني بمعنى التأهيل الاجتماعي حيث يمثل التدريب على العمل أحد محددات التأهيل الاجتماعي، والفرق النظري بين العنصرين يكمن في الهدف؛ فهدف التأهيل المهني هو تمكين الشخص ذو الإعاقة من الحصول على عمل يضمن له مستوى اقتصادي مناسب، أما التأهيل الاجتماعي فيهدف إلى خلق حالة من التوافق النفسي مع الإعاقة وممارسة الأدوار الاجتماعية الطبيعية.

3) التأهيل التربوي:
هو تنفيذ وتحقيق أهداف البرامج التربوية من حيث إعداد الوسائل التعليمية والتقنية التي تعد ضرورة لنماء الجوانب المعرفية والعقلية لذوي الإعاقة، مع الاهتمام بالبرامج الوقائية التي تحد من الإصابة.

4) التأهيل النفسي الاجتماعي:
العمل على تكيف الشخص ذو الإعاقة مع نفسه من جهة ومع العالم المحيط به من جهة أخرى ليتمكن من اتخاذ قرارات سليمة في علاقته مع هذا العالم، كما يهدف التأهيل النفسي إلى الوصول بالشخص ذو الإعاقة لأقصى درجة ممكنة من درجات النمو والتكامل في شخصيته وتحقيق ذاته.

كما يعد التأهيل النفسي جزءاً من عملية التأهيل الطبي بشكل عام ويجب أن يتكامل الجانبين العضوي والنفسي ليتمكن الشخص ذو الإعاقة من الاستفادة من باقي عناصر التأهيل.

5) التأهيل المرتكز على المجتمع:
إستراتيجية أو منهجية تقوم على استثمار الموارد والخدمات المحلية المتاحة في كل مجتمع سكاني وتسهيل إمكانية استفادة ذوي الإعاقة من تلك الموارد والخدمات بالمساواة ببقية أفراد المجتمع.

وقد تبلور هذا المنهج ليتناسب مع البلاد الفقيرة التي لا يمكنها مجارة الدول الغنية في توفير التجهيزات المادية والتقنية للتأهيل، فالتكاليف المادية للاستفادة من التقنيات العلمية المتطورة بمجال التأهيل تمثل رفاهية ليست بمتناول ما يزيد عن %90من ذوي الإعاقة، ويعتمد هذا النهج على الاستفادة القصوى من الإمكانيات المتوفرة بالبيئة المحلية، وقد بلورت هذه الإستراتيجية نظرياً منظمة الصحة العالمية في الثمانينيات من القرن الماضي.

6) التأهيل الاجتماعي:
عملية منظمة تشمل مجموعة من الخدمات الهادفة لإحداث تغييرات أساسية في تقبل الفرد ذو الإعاقة لقدراته والتوافق مع أدواره الاجتماعية سواء بالنسبة للعمل أو الأسرة وعلاقاته مع الآخرين وتوفير فرص حياة أفضل بالنسبة له، وذلك لمقابلة متطلبات الحياة في المجتمع مع تقديم خدمات ما بعد التأهيل بصفة عامة.

والحقيقة أن هذا التعريف الذي يبدو واضحاً يخلق التباسات عديدة في الواقع حيث يتشابه مع التأهيل الشامل نظرياً ويكمن الفرق فقط في التنظيم، حيث يتم تنظيم التأهيل الاجتماعي بحيث لا يمثل العمل عنصر جوهري، فالهدف المطلوب هو تحقيق أعلى مستوى من التوافق مع المجتمع.

مفهوم التأهيل الشامل
بعد أن استعرضنا التطور التاريخي للتأهيل وعناصره المختلفة، يمكن تحديد مفهوم التأهيل الشامل والذي بعني ( عملية متبعة منظمة لاستخدام الإجراءات الطبية والاجتماعية والتأهيلية مجتمعة في مساعدة الشخص ذو الإعاقة على استغلال وتحقيق أقصى مستوى ممكن من طاقاته وقدراته والاندماج في المجتمع( فهذا التعريف يحدد شمول التأهيل للعناصر المختلفة مجتمعة، ويحدد الهدف الخاص لعملية التأهيل الشامل بتحقيق أقصي مستوي من استغلال القدرات الفردية للشخص، كما يحدد الهدف العام بالدمج الاجتماعي.

ويلتقي مفهوم التأهيل الشامل مع المنهج الحقوقي بنقاط عديدة منها، الارتكاز على فلسفة قبول الآخر ورفض التمييز بسبب الإعاقة، والمقصود برفض أو مناهضة التميز هنا ليس المساواة الحسابية بين الجميع بل إتاحة تمتع كل فئة اجتماعية بحقوقها الخاصة، كما يتفق مفهوم التأهيل الشامل مع المنهج الحقوقي من حيث التكامل والشمول فالمنهج الحقوقي ينطلق من مبدأ أن حقوق الإنسان منظومة متداخلة تهدف للكمال، ولا يمكن فصل حق من حقوق الإنسان عن باقي الحقوق، وبالتالي طبقا للمنهج الحقوقي يجب أن يكون التأهيل شاملاً لكل العناصر التي يحتاجها الشخص أو الأشخاص محل التأهيل وهادفاً للوصول لتمكين الشخص من التفاعل مع المجتمع بشكل طبيعي كما يجب أن يكون متاح لكل إنسان يحتاج له بصرف النظر عن وضعه الاجتماعي والاقتصادي ويعد الحرمان منه كليا أو جزئيا انتهاك لهذا الحق يستوجب المحاسبة والتعويض.

إعادة التأهيل:
يفرق الخبراء بين مفهوم التأهيل من جهة وبين إعادة التأهيل من جهة أخري، ويعرف المختصين إعادة التأهيل على أنه ( مساعدة الشخص المعاق على استغلال وتحقيق أقصى مستوى ممكن من قدراته وطاقاته، بهدف تنمية قدرات الشخص ذو الإعاقة وتوظيفها والإفادة منها ) والحقيقة أن التفرقة تبدو غير دقيقة علميا وتثير الخلط، فلا يختلف مفهوم التأهيل عن مفهوم إعادة التأهيل إلا من حيث عنصر الوقت، فالمفهوم الثاني يقوم على تأهيل الشخص الذي يصاب وهو كبير السن وليس وهو طفل أي إكساب الشخص مهارات جديدة غير تلك التي فقدها بعد الإصابة، ومن المنظور الحقوقي يصبح التأهيل حق للشخص أي كان وقت أو سبب أصابته، ويبقي الفرق النظري الوحيد طبقا لرأي الخبراء هو احتياج الشخص الذي يتعرض للإعاقة الجسدية وهو كبير السن إلي برامج خاصة تبدأ من التأهيل النفسي للحد من تأثير الإصابة، والحقيقة أن هذه التفرقة أيضا غير صحيحة، فالتأهيل الشامل يبدأ بالنسبة للغالبية بالتأهيل النفسي كما أن برامج وخطط التأهيل تختلف دائما من شخص لأخر ويظل عنصر الوقت حاسما بالنسبة للجميع.

المرجعية الحقوقية لحق التأهيل
يعكس تطور المرجعية الحقوقية للحق في التأهيل التطور التاريخي للتأهيل ومفاهيمه المختلفة، ولكنه انعكاس يأتي متأخرا فدائما يسبق التطور الاجتماعي الذي ينشأ حقوق مكتسبة لفئة اجتماعية معينه التنظيم القانوني لهذه الحقوق.

– التوصية رقم 99 الصادرة عن منظمة العمل الدولية سنة 1955 . والتي عرفت التأهيل
( مرحلة من العملية المسترسلة والمتناسقة للتأهيل وإعادة التأهيل التي تتضمن الوضع على ذمة المعاقين لخدمات من شأنها أن تسمح لهم بالاكتساب والاحتفاظ بعمل مناسب، وتتضمن هذه الوسائل خاصةً التوجيه والتكوين المهني والتشغيل الاختياري )

– توصية التأهيل المهني والعمالة (المعوقين) رقم 168لسنة 1983
( تمكين ” المعوق ” من ضمان عمل مناسب والترقي فيه ومن تعزيز إدماجه أو إعادة إدماجه بالمجتمع )

– اتفاقية التأهيل المهني والعمالة (المعوقون) رقم 159لسنة 1983.

أخزت بتعريف التوصية 186 .

سبقت منظمة العمل الدولية هيئات الأمم المتحدة في تقنينها لحق التأهيل، ولمواثيق منظمة العمل الخاصة بذوي الإعاقة فائدة نظرية كبيرة، فرغم أن ركزت على التأهيل المهني إلا أن تعريفاتها للتأهيل وإعادة التأهيل تضمن العناصر المختلفة التي تمكن الشخص من الحصول على عمل مناسب، وبالتالي تضمنت الكثير من عناصر الاجتماعي شكلت خلفية نظرية لتطور مفهوم التأهيل الشامل، والحقيقة أن غالبية بلاد العالم وخاصة بلاد بالعالم الثالث ومنها البلاد العربية مازالت تتناول التأهيل المهني بمفهوم التأهيل الشامل وتعد مصادر منظمة العمل الدولية المرجعية الأساسية بالنسبة لها، وتبقي الفجوة الهائلة بين الالتزام النظري لتلك البلاد بتلك المواثيق وبين السياسات الداخلية للتأهيل، هي المقياس الأول لمدي قيام الدولة بواجبها في توفر المستلزمات المادية والتقنية للتأهيل.

أما بالنسبة للمرجعية الصادرة للإعلانات الأمم المتحدة فنجد أول تأصيل لحق التأهيل بالمادة السادسة من إعلان الأمم المتحدة لحقوق( المعاقين ) 1975

( للمعوق الحق في العلاج الطبي والنفسي والوظيفي بما في ذلك الأعضاء الصناعية وأجهزة التقويم، وفي التأهيل الطبي والاجتماعي، وفي التعليم، وفي التدريب والتأهيل المهنيين، وفي المساعدة، والمشورة، وفي خدمات التوظيف وغيرها من الخدمات التي تمكنه من إنماء قدراته ومهاراته إلي أقصي الحدود وتعجل بعملية إدماجه أو إعادة إدماجه في المجتمع ) ولم يعرف الإعلان التأهيل وأن كانت المادة قد أوردت عناصر التأهيل الشامل وحددت الهدف بالدمج الاجتماعي.

وبعد ذلك تأتي المادة ( 24 فقرة 1 ) من اتفاقية حقوق الطفل والتي نصت علي ( تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي. وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه )

ومن العيوب الظاهرة لتلك المادة عدم توضيحا للتأهيل الشامل وخلطها بين الحق في التأهيل وبين الحق في الرعاية الصحية.

غير أن الحق في التأهيل لم يقنن طبقاً للمرجعية الدولية بالمعني الإلزامي إلا عام 2007بصدور الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي نصت في المادة(26) على التالي:
1- تتخذ الدول الأطراف تدابير فعالة ومناسبة، بما في ذلك عن طريق دعم الأقران، لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من بلوغ أقصى قدر من الاستقلالية والمحافظة عليها، وتحقيق إمكاناتهم البدنية والعقلية والاجتماعية والمهنية على الوجه الأكمل، وكفالة إشراكهم ومشاركتهم بشكل تام في جميع نواحي الحياة.

وتحقيقا لتلك الغاية تقوم الدول الأطراف بتوفير خدمات وبرامج شاملة للتأهيل وإعادة التأهيل وتعزيزها وتوسيع نطاقها، وبخاصة في مجالات الصحة والعمل والتعليم والخدمات الاجتماعية، على نحو يجعل هذه الخدمات والبرامج:

أ- تبدأ في أقرب مرحلة قدر الإمكان، وتستند إلى تقييم متعدد التخصصات لاحتياجات كل فرد ومَواطن قوته على حدة؛

ب- تدعم إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة ومشاركتهم في المجتمع المحلي وفي جميع نواحي المجتمع، وأن تتاح للأشخاص ذوي الإعاقة على أساس طوعي وفي أقرب مكان ممكن للمجتمعات المحلية، بما في ذلك في المناطق الريفية.

2- تشجع الدول الأطراف على وضع برامج التدريب الأولي والمستمر للأخصائيين والموظفين العاملين في مجال تقديم خدمات التأهيل وإعادة التأهيل.

3- تشجع الدول الأطراف توفر ومعرفة واستخدام الأجهزة والتقنيات المُعِينة، المصممة للأشخاص ذوي الإعاقة، حسب صلتها بالتأهيل وإعادة التأهيل.

وطبقا لهذه المادة أصبح التأهيل حق لذوي الإعاقة بالمعني القانوني وهو حق يقابله التزامات واضحة على عاتق الدولة، ولهذا النص فوائد نظرية منها؛ وضع تفاصيل الحق في التأهيل بمفهومة الشامل. ولكن على مستوى الواقع تظل الصياغات التقليدية للمواثيق الحقوقية والتي تعطي للبلاد النامية حق التحجج بضعف الإمكانيات، حائل قانوني بين الشخص ذو الإعاقة وبين حقه في المطالبة بحق التأهيل والمطالبة بالتعويض عن الحرمان منه.

والحقيقة أن الاتفاقية قد أوجدت حالة من التخبط بكثير من البلاد التي سارعت بالتوقيع والتصديق عليها وخاصة البلاد العربية، فالاتفاقية تنطلق من رؤية نظرية متقدمة جدا عن واقع البلاد العربية سواء على المستوي الثقافي والمعرفي أو على مستوي البينية المادية بمعناها الواسع أي بما تشمله عناصرها من إمكانية تعامل الجميع معها، وعلى سبيل المثال يعيش العاملون والمهتمون بمجال الإعاقة على المستويين الرسمي والأهلي حالة تناقض بين برامج التأهيل التي تقوم نظريا على منهج التأهيل الشامل وبين نشاط الجمعيات الذي يقوم على نظرة الإعالة والعطف ويمكننا التأكيد أن الغالبية العظمي من جمعيات التأهيل تفتقد لرؤية تفصيلية للاتفاقية، أما على المستوي الرسمي فحدث ولا حرج، فالمؤسسات الرسمية تمارس مناهج وبرامج تدريب متخلفة في نفس الوقت بصحبة دعاية حقوقية واسعة حول الاتفاقية وأهميتها.. ولهذه الحالة جانب إيجابي يتمثل في الدفع نحو الفهم النظري للرؤية الاجتماعية للإعاقة والتي كانت محصورة خلال الأعوام السابقة بين نخبة قليلة جدا، كما أن لهذه الحالة جانبها السلبي خاصة على المستوي الرسمي، فالدولة صارت ملتزمة بواجبات عديدة على المستوي الرسمي، وتجربة مصر التاريخية بمثل تلك الحالات بمجال حقوق الإنسان يؤكد مسارعة الدولة إحداث تطوير شكلي وطرح نماذج حديثة كتجارب مستمرة للتطوير، ويأتي القانون بصدر سلوكيات مصر وهي تعد فعلا لإصدار قانون جديد ينظم حقوق ذوي الإعاقة، أعتقد أن يصدر دون دراسة عميقة مصحوب بدعاية واسعة حول وضع الدولة لذوي الإعاقة بأولوية أهدافها.

حق التأهيل في القوانين العربية :
تتفق القوانين العربية على الاعتراف بحق ذوي الإعاقة في التأهيل وقد تطور بعضها ووصل لجعل التأهيل واجب إلزامي على أسرة ذوي الإعاقة مثل القانون العراقي والليبي، لكنها تتباين من حيث تطور التنظيم القانوني له، ويعود ذلك لتباين الأوضاع الاقتصادية من جهة ومدى تطور الرؤية الرسمية والاجتماعية تجاه ذوي الإعاقة من جهة أخري وإن كان يجمعها سمات مشتركة مثل:

• الخلط بين المفاهيم :
تخلط غالبية القوانين العربية بين مفهوم التأهيل الشامل الذي تقصد به التأهيل المهني، وبين التأهيل الاجتماعي والذي تقصد به رعاية الفئات غير القادرة علي العمل، فالقانون السعودي يعرّف التأهيل بـأنه) عملية منسقة لتوظيف الخدمات الطبية والاجتماعية والنفسية والتربوية والمهنية لمساعدة المعوق في تحقيق أقصى درجة ممكنة من الفاعلية الوظيفية، بهدف تمكينه من التوافق مع متطلبات بيئته الطبيعية والاجتماعية، وكذلك تنمية قدراته للاعتماد على نفسه وجعله عضواً منتجاً في المجتمع ما أمكن ذلك).

غير أن القانون ينظم بعد ذلك التأهيل بمراكز التأهيل المهني، كما ينظم بالمادة 21 ما عرّفه بالتأهيل الاجتماعي الذي يقوم على الإيواء الكامل والرعاية الصحية والنفسية والتدريب على الاعتماد على النفس، ويتشابه الوضع بالقانون المغربي الذي ينظم التأهيل بالمعنى الشامل على أساس التأهيل المهني.

ويشذ عن تلك القاعدة كلا من القانون التونسي والأردني، فلتونس تجربة خاصة أثرت على التنظيم القانوني للتأهيل حيث اعتمدت على السياسات بحيث تلتزم كل جهة رسمية بمهام محددة تدخل في سياق المفهوم الشامل للتأهيل، وقد استفادت تونس من تطوير تجارب جيدة تعتمد رؤية اقتصادية مختلفة حيث تحسب تكلفة التأهيل بمنطق استثماري، أي ينظر لتكلفة التأهيل بما توفره على ميزانية الدولة وليس كعبء على الميزانية، فمن المعروف عالميا أن كل دولار ينفق على التأهيل يوفر على الدولة تسع دولارات.

أما تطور القانون الأردني الحادث بقانون تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2007، فيعود بالأساس لحداثته واعتماده على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة كمرجعية له، ويبقي أن ننتظر ما ستكشف عنه السياسات التطبيقية لهذا القانون التقدمي.

• العزل :
إن القاعدة بالقوانين العربية على اختلافها هي أن التأهيل يتم بمراكز ومؤسسات خاصة، والاستثناء أن يتم التأهيل بالبيئة الطبيعية للشخص ذو الإعاقة.

والسبب الجوهري لذلك يعود لنسخ التجربة الأوربية ومحاولة الاستفادة من التطورات العلمية والتقنية بمجال الإعاقة دون تطوير تجارب محلية تعتمد على الميزات النسبية للمجتمعات العربية، ويضاف لذلك بالطبع التقسيم الطبي الذي ينتج العزل الفئوي كبديهية منطقية. فحتى التأهيل المهني يتم كقاعدة بمراكز تدريب خاصة ويتم التدريب على بعض المهن المحددة غالبيتها مهن حرفية يدوية.

• سيطرة رؤية الرعاية :
يعكس تنظيم القوانين العربية لحق التأهيل الرؤية القائمة على الرعاية، فعدد من القوانين العربية ينظم التأهيل بحيث يوفر للشخص ذي الإعاقة كل ما يلزمه ويبالغ بتوفير المستلزمات بحيث يحد من قدرة الشخص على الاعتماد على ذاته وبالتالي يحد من قدرته على الاستقلال، ويمثل القانون الليبي النموذج الواضح على ذلك يليه عدد من قوانين البلاد الخليجية مثل السعودية والبحرين والإمارات، ويعود ذلك لقلة عدد الأشخاص ذوي الإعاقة بالنسبة لمجمل السكان بالإضافة لوفرة الموارد المالية للبلاد النفطية.

حق التأهيل في القانون المصري
يحكم التأهيل بمصر القانون 139 لسنة 1975، والذي عرف التأهيل ( تقديم الخدمات الاجتماعية، والنفسية، والطبية، والتعليمية، والمهنية، التي يلزم توفيرها ” للمعوق ” وأسرته لتمكينه من التغلب على الآثار التي تخلفت عن عجزه )

والحقيقة أن رغم شمول هذا التعريف لعناصر المفهوم الشامل وخاصة شموله لأسرة الشخص إلا أنه ينطلق بوضوح من نظرية العجز، ويعد ذلك أحد سمات القوانين المصرية التي تتناول الحقوق الاجتماعية حيث تبدأ غالبا بتعريفات واسعة ومتقدمة ثم تحد بعد ذلك من الحقوق الفعلية ( قانون حماية الطفل المصري – قانون محاكم الأسرة – قانون العمل… ) فقانون التأهيل بعد هذا التعريف يقتصر نظريا وواقعيا على تنظيم جانب من جوانب حق العمل، وهو فرض نسبة محددة من فرص العمل المتاحة لصالح ذوي الإعاقة، ولا يشمل القانون تنظيم ولو بسيط للتأهيل الشامل، وما يؤكد ذلك، الهدف المحدد للقانون تمكين الشخص من الحصول على فرصة عمل وقد تناولنا ذلك تفصيلا بتقرير حق ذوي الإعاقة في العمل.

قانون الطفل المصري:
أعترف قانون الطفل المصري بحق التأهيل بالنسبة للطفل بالمادة ” 77 ” والتي نصت علي( للطفل المعاق الحق في التأهيل، ويقصد بالتأهيل تقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية والطبية والتعليمية والمهنية التي يلزم توفيرها للطفل المعاق وأسرته لتمكينه من التغلب على الآثار الناشئة عن عجزه )

ويعد قانون الطفل المصري أحد القوانين المتأثرة بالمرجعية الدولية وهي هنا اتفاقية حقوق الطفل ورغم ذلك، يتبني القانون رؤية العجز بوضوح شديد، كما يتميز هذا القانون ببعده الواضح عن الواقع المصري سواء على المستوي الثقافي ومدي تطور الوعي بحقوق الفئات الأكثر ضعفا، أو علي مستوي البنية المادية والتنظيم المؤسسي والإداري، والحقيقة أن هذا القانون لم يؤثر كثيرا بواقع التأهيل، وطبقا للأساليب المتبعة رسميا للتأهيل:

  1. تبدأ خطوات التأهيل الاجتماعى بالدراسة الاجتماعية لحالة المعوق، وتقضى ظروفه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمهنية لكل فرد على حدى.
  2. التشخيص الطبي والنفسي لتقرير درجة العجز وطبيعته وقياس القدارت البدنية وتحديد مواصفات العمل المناسبة.
  3. الفحص النفسي باستخدام الاختبارات النفسية وقياس القدرات العقلية واكتشاف المهارات والمواهب الخاصة للشخص.
  4. الإعداد البدني لتحسين قدراته الجسدية بتزويده بالأجهزة التعويضية والأطراف الصناعية وتدريبه على استخدامها وتنمية قدراته بالعلاج الطبيعى وفقاً لحالته.
  5. الإرشاد والتوجيه المهني بمعاونة الشخص على فهم حقيقة مشكلته ومساعدته على التكيف مع وضعه الجديد واختبار المهنة الملائمة له.
  6. التدريب على العمل المناسب ، ويشمل التدريب البدني والذهني الذى يتفق ومطالب العمل الموجه إليه، وتنمية المهارات اللازمة بما يعني التدريب المهنى اللازم لمزاولته لهذا العمل.
  7. تقديم الخدمات الاجتماعية كإعانة الأسرة ومصروفات الانتقال، وثمن الأدوات والخامات اللازمة للتدريب أو لبدء العمل الجديد.
  8. التشغيل فى عمل يتفق مع قدراته البدنية والذهنية ويتناسب مع التدريب المهني الذي أعد له.
  9. متابعة الحالة للتأكد من استقرار الشخص في حياته الجديدة والمساعدة في حل مشكلاته الاجتماعية تمكيناً له من الاستمرار في عمله والإفادة من الجهود التي بذلت والمعاونات التي قدمت وذلك من خلال وسائل الخدمات التأهيلية المختلفة.

والحقيقة أن هذا التنظيم النظري يتناقض مع البنية المادية الموجودة فعلاً وهو أقرب للشكلية المثالية أكثر من قربه من الواقع، وربما كان يجب هنا مناقشة دور المجلس الأعلى للتأهيل في جمهورية مصر العربية والمنوط به وضع السياسات العامة والإجراءات التفصيلية للتأهيل، ولكن وتماشياً مع تمسك الحكومة بالشكلية المفرطة حتى على حساب الدور الموضوعي، لم يمارس المجلس المنشأ نظرياً منذ عام1975 مهامه المنوط بها. حيث يتشكل المجلس من تمثيل لكافة الوزارات المعنية بجانب عدد من المختارين من مؤسسات المجتمع المدني، وهي عناصر من المستحيل عملياً أن تجتمع شبه مكتملة لسبب بسيط أن هذا الاجتماع لم يحصل على مدار 34 عاماً.

وضع حق التأهيل بالبلاد العربية
كما تتباين القوانين العربية في تنظيمها لحق التأهيل تتباين كذلك وقائع التأهيل، فالتأهيل حق اجتماعي واقتصادي وثقافي وبالتالي يرتبط في أحد جوانبه بالمستوى الاقتصادي للدول أكثر من ارتباطه بالثقافة والوعي النظري، فإذا كانت نظرة الرحمة والشفقة هي السائدة في الثقافة العربية تجاه ذوى الإعاقة فإن تحول مشاعر العطف هذه إلي فعلٍ يحتاج لتكاليف مادية مرتفعة، ويمكن حصر واقع التأهيل بالبلاد العربية بنموذجين أساسيين:

• نموذج الإعالة الكاملة:
يتسم هذا النموذج بالمبالغة الشديدة بتقديم الخدمات التأهيلية للدرجة التي تأتي بنتائج عكسية، وتعد ليبيا المثال الواضح على ذلك، وبنفس الطريقة نجد كلا من السعودية والأمارات والبحرين حيث توفر للشخص الخاضع للتأهيل كل المستلزمات، أما الكويت فتدفع للشخص الخاضع للتأهيل مبالغ مالية تغنيه تماماً عن العمل، وتكمن خطورة هذا النموذج في التأثير السلبي بوعي الشخص ذو الإعاقة بحيث يتبني موقف سلبي تجاه ذاته ويعتقد بعجزه ويحصر حياته بنطاق ضيق حيث يعتمد في اقتصاديا على الدولة ويحصر حقه بالإعالة المادية.

• نموذج البحث عن التطوير :
يقوم هذا النموذج على الاعتراف الشكلي بالحق في التأهيل الشامل ويتم التنظيم بالواقع للتأهيل المهني وإلقاء العبء الأساسي في التأهيل الشامل على المنظمات الأهلية وأسرة الشخص ذو الإعاقة وتمثل المغرب والجزائر والسودان تجسيداً لهذا النموذج بدرجات متفاوتة، كما تقترب تونس من هذا النموذج ولكن بدرجة أقل حيث تعمل على تطوير المفهوم الشامل للتأهيل من منظور اقتصادي يهدف لتوفير الأموال على أساس أن كل دولار ينفق على التأهيل يوفر9 دولارات، وتتشابه معها بذلك الأردن التي طورت بنيتها التشريعية والتنظيمية بدرجة كبيرة جداً خلال الأعوام القليلة الماضية. وبشكل عام يتسم هذا النموذج بالبطء الشديد واعتماده على الدعم الخارجي المادي والمنهجي بشكل مبالغ فيه حتى أن تجاربها بالتأهيل الشامل لا يستفيد منها سوى أعداد قليلة جدا.

واقع التأهيل بمصر
صدمة.. قلق.. خوف.. قبول.. معانة دائمة.

توصف الكلمات الأربع الأولى من العنوان السابق المراحل التي تمر بها الأسرة منذ لحظة اكتشاف أن طفلها من ذوي الإعاقة، وتمثل الجملة الأخيرة واقع أسرة الشخص ذو الإعاقة بعد ذلك. فالتأهيل رحلة طويلة من المعاناة النفسية والمادية حتى بأفضل الظروف الاقتصادية فما بالك إذا كنت بمجتمع يحوّل كل خطوة بسيطة إلى كابوس خاص تكتشف قبل نهايته أنك تدخل كابوس جديد، ويبقى السحر الخاص لابتسامة الطفل ذو الإعاقة هو الدافع الوحيد للاستمرار بتلك الرحلة الغامضة. سنحاول خوض تلك التجربة معاً في هذا التقرير قدر الإمكان وإن كان ذلك يمكن أن يبعدنا قليلاً عن المفهوم الشامل للتأهيل كحق لكل شخص من ذوي الإعاقة إياً كان عمره أو بداية إصابته، ولكن إذا كان الأصل مفقود فما فائدة البحث عن الفروع؟.

عقبات منطقية:
تواجه محاولة الوصول لصورة كاملة عن مدى تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بحق التأهيل في مصر عقبتين أساسيتين؛ الأولى ضرورة دراسة واقع المؤسسات والجمعيات والمراكز المختصة بالتأهيل ميدانياً وهو ما يخرج عن نطاق هذا التقرير ويحتاج لدراسة خاصة، والعقبة الأخرى هي تباين المفاهيم الشائعة حول التأهيل وتناقضها أحياناً، فهناك من يتناول التأهيل المهني بمعنى التأهيل الشامل كما يخلط البعض بين التأهيل المجتمعي وبين التأهيل المرتكز على المجتمع. ومحاولة للتغلب على العقبة الأولى اعتمدنا على شهادات حية موثقة لعدد من أمهات أطفال من ذوي الإعاقة يترددن على مراكز التأهيل، بالإضافة لشهادات موثقة لعدد من النشطاء بمجال الإعاقة الذين ترددوا على عدد كبير من مراكز ومكاتب التأهيل لسنوات طويلة، وبالنسبة للعقبة الثانية سوف نعرض الواقع من منظور حقوقي شامل بحيث نتناول البنية المادية للتأهيل وأسسها النظرية في علاقتها من حيث قدرتها على توفير الحق والحماية من فقده.

البداية الزمنية للتأهيل :
يمثل الزمن أحد العوامل الحاسمة لحق التأهيل، فمن المفترض أن يبدأ التأهيل لحظة اكتشاف الإصابة الجسدية وكل تأخير بعد ذلك يمثل انتهاك لهذا الحق، حيث يؤثر على قدرة الشخص على اكتساب المهارات المطلوبة للتعامل مع البيئة المحيطة، ومن الضروري أن يبدأ التأهيل بالنسبة للعاهات التي تتضح مبكراً في الأيام الأولى من عمر الطفل ذو الإعاقة أياً كانت الإصابة التي يعاني منها، وتختلف بداية اكتشاف الإصابة باختلاف درجات وعي الأسرة ومعرفتها بدلائل الإصابة، وبالطبع يرتبط ذلك بمدى تطور المجتمع وموقع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية من أولويات نظامه السياسي، وبالتالي تختلف بداية اكتشاف العاهة من شخصٍ لأخر زمنياً ولكن تبقى الصدمة عامل مشترك لدى الجميع، صدمة تختلف نسبتها أيضاً باختلاف الوعي السائد تجاه ذوي الإعاقة، وبعد الصدمة تأتي مرحلة التشخيص الطبي وانتظار نتائج الفحص بقلق محاط بمئات من علامات الاستفهام عن مستقبل أصبح ضبابياً فجأة، وبعد التشخيص والقبول بالواقع تبدأ الأسرة بكل أفرادها حياة جديدة تماماً مليئة بالمهام، وتعيد الأسرة ترتيب حياتها وتنظيم مواعيدها وبالتأكيد على الجميع أن يبتكر أساليب للتوفير المالي والادخار لتغطية تكاليف التأهيل الباهظة هذا بالنسبة للأسر المتوسطة، أما الأسر الفقيرة وهي الغالبية فتفضل غالباً التخلي عن التأهيل والرضا بقصر حقوق الطفل على حق الحياة وتعمل قدر طاقتها على تلبية احتياجاته المادية وأن تبتكر وسائل تقليدية للتواصل، وسائل تبدو مدهشة أحياناً لكنها غير كافية بالتأكيد، وسنعرض في السطور التالية تحليل بسيط للمرحلة الأولى للتأهيل حيث يتحدد تنظيم جديد لحياة كل أفراد الأسرة يختلف تماما عن ما سبق.

تنويه:
من الصعب جدا فصل حقوق الإنسان المختلفة عن بعضها حتى على المستوي النظري، ويزيد الأمر صعوبة بالنسبة للحقوق التي تنبني على الأخرى، والمقصود هنا بالنسبة للتأهيل هو تداخل هذا الحق مع كلا من الحق في الصحة، والحق في التعليم، بحيث يؤثر كل منهما على حق التأهيل تأثير مباشر وحاسم أحيانا، وسوف يستبعد التقرير هذين الحقين على أساس أن ” حقوقي” ستتناول حق ذوي الإعاقة في الصحة بتقرير خاص وتكتفي هنا بالتكلفة المادية لتشخيص الإصابة، أما حق ذوي الإعاقة في التعليم فيحتاج لدراسة خاصة يتم الإعداد لها حاليا:
– عدد مراكز التشخيص المركزية: 2

– يتم التشخيص بالمستشفيات المركزية للمحافظات.

– يتم التشخيص بالمستشفيات والعيادات الخاصة بحسب توفر التجهيزات الطبية المناسبة.

– التكلفة التي تتحملها الأسرة: 150 جنيه تقريبا ( حسبت التكلفة على أساس متوسط ما تتكبده أسرة طفل متوسط الإصابة، وتتضاعف تلك التكاليف بالنسبية للإصابات الشديدة والمتعددة كما تتضاعف بإضافة تكلفة الانتقال بحالة الاحتياج للتوجه للمراكز الموجودة بالعاصمة فقط )

خلال تلك المرحلة تكون الأسرة بحالة صدمة نفسية تختلف حدتها باختلاف درجة وعي الأسرة، ومن المفترض أن تبدأ إستراتيجية التأهيل الشامل بالدعم النفسي والمعرفي للأسرة وهذا بالتأكيد لا يتم، فطبقا لشهادة حية لأم أحد الأطفال ذوي الإعاقة بمحافظة القاهرة، وهي وزوجها حاصلين على مؤهل عالي ( كنت تايها ومش عارفة حاجة وحتى الممرضة بالنسبة لي بقت خبير مهم مستنية رأيها بفارغ صبر ) أن تحول العمل بمرحلة تشخيص الإصابة إلي روتين يومي خالي من الجانب الإنساني والاجتماعي يفقد حق التأهيل أحد أهم جوانبه، فمهما زاد عدد مراكز التأهيل والخدمات التي تقدمها ستظل الأسرة هي وأفرادها هما مركز التأهيل الطبيعي –إذا جاز التعبير – فأي أخصائية تأهيل مهما كانت خبرتها لن تملك صبر ودأب أم ترغب بأن يصبح أبنها مثل باقي الأطفال، ويزيد الأمر خطورة كلما بعدنا عن المركز ففي قري الصعيد مثلا تعد مرحلة التشخيص مأساة بحد ذاتها، فبعد أن تكتشف الأسرة أن الطفل من ذوي الإعاقة يحدث غالبا الأتي:
_ الصراع التقليد بين أب يري ذلك قدرا عليه قبوله وبين أم تصر على السير حافية بكل الدروب لتعرف مرض وليدها.

– التوجه للمستشفي المركزي لتكتشف الأسرة أن حالة الطفل تحتاج لأجهزة طبية أما غير موجودة أو معطلة.

– التوجه للقاهرة ” غالبا للمركز القومي لبحوث الوراثة ” وبالطبع على الأسرة أن تدبر أولا تكاليف الانتقال للقاهرة والإقامة بها عدة أيام.

وكأن الصدمة والخوف والجهل بكل إبعاد الموقف لا يكفي الأسرة ألم ولابد من ألم إضافي نفسي ومادي، وبالتأكيد يصبح التعريف القانوني للتأهيل الوارد بالقانون 139 مجرد لغو لا معني واقعي له، فما هي الخدمات النفسية والمادية التي تتلقها الأسرة التي تحدثنا عنها من المؤسسات الرسمية؟ لا أحد يعرف على وجه الدقة ما هي تلك الخدمات وكيفية الحصول عليها، وكثير من الأسر متوسطة الحال تلجأ للمستشفيات والعيادات الخاصة كلا بحسب القدرة المالية، حيث يعد نشاط التأهيل الخاص من الأنشطة المربحة بدرجة كبيرة لكون غالبية الإصابات مستمرة وتحتاج لمتابعة دائمة.

التأهيل الاجتماعي:
بعد التشخيص تتقبل الأسرة وجود فرد من ذوي الإعاقة بينها، وتبدأ مرحلة تأهيل الطفل ذو الإعاقة، والمفهوم السائد عن التأهيل الاجتماعي بمصر على المستويين الرسمي والأهلي هو تقديم مجموعة من الخدمات الرعاية والتأهيلية محاولة لتنمية قدرة الشخص ذو الإعاقة، ويختلف هذا المفهوم عن التعريف العلمي السابق، وطبقاً للمفهوم السائد محليا يتم تنفيذ برامج تأهيل خاصة لكل فئة من فئات الإعاقة على النحو التالي، ويضطلع المجتمع المدني بالجانب الأكبر من هذا المستوى من التأهيل وإن كان تحت الإشراف المباشر من وزارة التضامن الاجتماعي.

– مراكز التأهيل الرسمية: 24 مركز
– التوزيع الجغرافي: القاهرة ألكبري 16 مركز، الإسكندرية 6 مراكز، باقي الجمهورية مركزين.
– عدد المستفيدين: غير معروف ( لعدم استمرار الخدمات ومتابعتها )

– التكلفة التي تتحملها الأسرة: 100 جنيه أسبوعيا تقريبا ( متوسط ما تتكلفه أسرة لديها تفضل ذو إعاقة متوسطة وهي 10 جلسات أسبوعية تكلفة الجلسة 10 جنيه، وتزيد التكلفة بحسب جسامة الإصابة، وتتضاعف إذا كان الطفل لديه إصابات متعددة، يضاف لذلك تكلفة الانتقال العالية خاصة بالنسبة للمحافظات البعيدة عن العاصمة وعدم صلاحية وسائل المواصلات العادية لغالبية حالات الإعاقة )

وتواجه الأسرة بتلك المراكز أول مشاكلها الجوهرية، فعليها أن تقبل بمدة جلسات التأهيل الموحدة والتي لا تناسب أبسط الحالات ( الجلسة الفردية مدتها 15 دقيقة – الجلسة الجماعية من 30 إلي 40 دقيقة ” كما عليها أن تدبر تكلفة جلسات التأهيل التي تفوق عناصرها متوسط دخل الأسرة المصرية المتوسطة، فتكلفة جلسات التأهيل الأساسية فقط تزيد عن 500 جنيه، وتبقي المشكلة ألكبري وهي التوزيع الجغرافي لتلك المراكز حيث تفتقد الكثير من المحافظات لمراكز التأهيل. كما أن المراكز الموزعة على المحافظات تفتقد للكثير من مستلزمات التأهيل خاصة بالنسبة لحالات تعدد الإصابات، وطبقا لشهادة أحدي الأمهات مقيمة بمحافظة البحر الأحمر ( كنت بركب لمصر بالليل علشان أوصل القاهرة الصبح وبعد جلسات التأهيل أرجع على طول، وبعمل المشوار ده مرتين كل أسبوع ) الحقيقة أن ما ورد بتلك الشهادة يمثل القاعدة وليس الاستثناء ويعد أحد العوامل التي تدفع الأسرة للتخلي عن تأهيل الطفل أو تتوجه للجمعيات الأهلية العاملة بمجال التأهيل.

– عدد الجمعيات العاملة بالتأهيل: 460 جمعية موزعة على محافظات الجمهورية المختلفة

– عدد المستفيدين: غير معروف ( لعدم استمرار عملية التأهيل وتنقل الأسر بين الجمعيات مما يؤدي لتكرر أرقام المستفيدين )

– التكلفة التي تتحملها الأسرة: تساوي نفس التكلفة بالمراكز الرسمية تقريبا.

– عدد الحضانات المعدة خصيصا للأطفال ذوي الإعاقة: 86

– عدد الأطفال المستفيدين: 2984 طفل

– التوزيع الجغرافي: 6 قاهرة – 3 جيزة – 2 بعدد 4 محافظات – 16 محافظة بها حضانة واحدة، باقي المحافظات لا يوجد.

– التكلفة التي تتحملها الأسرة: 35 جنيه تقريبا.

تناولنا بتقرير سابق إشكالية الإحصاءات الخاصة بالإعاقة وبالنسبة للتعداد على وجه التحديد، واخترنا حينها الاعتماد على الإحصائية الخاصة بمنظمة الصحة العالمية بوصفها أقرب المصادر إلي الدقة، ولكننا سنعتمد ونحن بصدد تقيم واقع التأهيل بمصر على إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ليس لأنه قريب من الدقة ولكن لأنه برغم احتوائه على تقديرات تقل كثيراً عن الواقع إلا أنه يعبر عن فجوة كبيرة للغاية.

وطبقا لهذا التقدير تبلغ نسبة الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية فقط 4% وهو ما يعادل مليون وسبعمائة ألف تقريبا، وإذا أضفنا لذلك الأطفال ذوي الإعاقات البدنية سيكون لدينا ما يزيد عن 2 مليون طفل، وبنظرة سريعة على المعلومات السابقة نكتشف أن عدد الحضانات الخاصة وتوزيعها الجغرافي وعدد المستفيدين لا تمثل نسبة تصلح للمقارنة مع أقل التقديرات لعدد الأطفال ذوي الإعاقة، وهو الأمر الذي يشكل عائق كبير أمام أسرة الطفل خصوصا بالنسبة للأطفال ذوي الإعاقات الشديدة، والحقيقة أن وضع تلك الحضانات طبقا لشهادة عدد من الأمهات رديئة جدا والغريب أن عدد من الأمهات قد اخترن كلمة ” زبالة ” لوصف تلك الحضانات، فكما ورد بأحد الشهادات ( أبني كان كويس قبل ما يروح الحضانة وبعد ما راح الحضانة حالته ساءت وتعلم سلوكيات وحشة كنير، واكتشفت أن المسئولة عن الفصل بتسيب الأولاد لوحدهم؟؟ ) وبالطبع تضاف تكلفة الحضانة رغم أنها تبدو بسيطة لعناصر التكاليف التي تتحملها الأسرة.

ومن جهة أخرى ونتيجة غياب متابعة لعملية التأهيل بمعناها الشامل لا يمكنا قياس التقدم الذي تحدثه جمعيات التأهيل، فغالبية الجمعيات تقوم على تأهيل ذوي الإعاقة الذهنية وبأعداد قليلة جدا نتيجة ضعف إمكانيات وموارد تلك الجمعيات وقيام أغلبها على التطوع والتبرع غير المنظم، وغالبا ما تطر الجمعيات لبيع خدمات التأهيل بمقابل يفوق إمكانيات الأسرة المصرية.

ويبقي لنا بالنسبة للتأهيل الاجتماعي مؤسسات التثقيف الفكري ( أماكن معدة للإيواء الكامل للأطفال ذوي الإعاقة الذهنية من الأيتام والمتروكين ) عدد المؤسسات: 24 مؤسسة

التوزيع الجغرافي: 11 بالقاهرة و 3 بالإسكندرية و بالشرقية، واحدة بكل من محافظات الغربية وبورسعيد والمنيا والبحيرة وكفر الشيخ.

ونؤجل تحليلنا لهذه المؤسسات نظرا للحاجة الشديدة لدراسة تلك المؤسسات بعيوبها ومخاطرها التي تفوق التصور، ويكفي للتدليل على وضع تلك المؤسسات أنها البيئة التي أنتجت ” التوربيني ورفاقه ” الذين كانوا ضحية نظام حكم عليهم بالعزل خلف الأسوار ليتعلموا الجريمة ثم أعدمهم لارتكابهم الجريمة التي أهلهم لارتكابها، فقط نشير هنا إلي أن هناك نخبة من المتطوعين الذين حاربوا كثيرا وسلكوا كل السبل لإنقاذ الأطفال داخل تلك المؤسسات، ولكن تماشيا مع القاعدة الشهيرة ” تمام يافندم كله تحت السيطرة ” تم إبعاد المتطوعين بل ومنع ” المشاغبين منهم ” من دخول تلك المؤسسات، وبالتأكيد تضع ” حقوقي ” مهمة كشف واقع مؤسسات التثقيف على أجندتها.

التأهيل المهني:
يختلط مفهوم التأهيل الاجتماعي بمصر مع مفهوم التأهيل المهني، فالدور المحدد لتلك المكاتب هو تقديم خدمات تشمل الجوانب البدنية والنفسية بهدف التوجيه المهني للحصول على عمل:

– مكاتب التأهيل الاجتماعي: 158 مكتب

عدد المستفيدين: لا توجد أرقام دقيقة وحديثة عن عدد المستفيدين، وطبقا لعام 2003 بلغ عدد المستفيدين 1178 شخص.

– عدد المصانع المحمية: 6 مصانع.

رغم الأعداد المحدودة جدا من الأشخاص ذوي الإعاقة التي تستفيد من هذه المكاتب إلا أنها لا تعكس جانب من حقيقة الواقع، فالتنظيم الإداري لتلك المكاتب مبالغ فيه جدا حيث تشمل أخصائيين طبيين ونفسيين ومهنيين بالأضافة للمهام الإدارية، وبجانب التنظيم الشكلى المعقد توجد لجان لفحص وقبول طلبات التأهيل من حيث توفر الشروط الشكلية أولا ثم بعد ذلك الظروف الموضوعية للشخص ولإمكانيات المكتب، ومن الشروط العجيبة للتقدم لتلك المكاتب هو ألا يكون الشخص مصاب بأمراض نفسية أو عقلية، هذا على الرغم من أن من خدمات المكتب الدعم النفسي ويتضمن فريق العمل أخصائي نفسي؟؟ والحقيقة أن غالبية مكاتب التأهيل طبقا لشهادات حية تحولت تدريجيا إلي مكاتب إدارية يذهب إليها الشخص ذو الإعاقة للحصول على ” شهادة التأهيل ” التي يحصل عليها فعليا في لحظات بعد تقديم البطاقة الشخصية والشهادة الطبية التي تثبت الإعاقة، وطبعا يكتب بخانة ” العمل الذي يصلح له ” عبارات متكررة أشهرها ” ما يناسب مؤهله الدراسي – ما يناسب قدراتها – العمل الذي يصلح له ” أما المكاتب الباقية فتعمل بشكل تقليدي جدا ويتم تدريب ذوى الإعاقة من غير الحاصلين على شهادات دراسية علي مهن محددة هي النجارة، والخرزان وإعمال المعاونة والسعاه فقط، وما يؤكد صحة الشهادات السابقة ما وصلت إلية دراسة هامة طبقت على عدد من مكاتب التأهيل بمحافظة المنيا، وجاءت نتائجها أن 92% يذهبون للمكاتب للحصول على شهادة التأهيل بوصفها أحد المستندات الرسمية المطلوبة لتعيين ذوي الإعاقة، أما بالنسبة للمصانع المحمية فنكتفي بما ورد بالتقرير السابق من كونها منافية للحق في العمل ومتناقضة مع المفاهيم الحقوقية للدمج الاجتماعي.

التأهيل الطبي:
المفهوم السائد عن التأهيل الطبي بمصر يختزل بتأهيل ذوي الإعاقة الحركية ويحصر التأهيل الطبي على برامج العلاج الطبيعي، ولكن بالتأكيد للتأهيل الطبي مفهوم أوسع من ذلك كما سبق عرضه كما أن المفهوم الدقيق للتأهيل الطبي مدرج ضمن مفهوم التأهيل الاجتماعي.

– عدد مراكز العلاج الطبيعي : 60مركز موزع على مستوى الجمهورية

– التكلفة : 40 جنيه تقريبا.

– عدد العيادات النفسية:
يسمح القانون المصري بإجراء هذا النوع من التأهيل البدني بالمستشفيات وبالعيادات الخاصة وبالتالي يصعب حصر المستفيدين فعليا من هذا النوع من التأهيل، كما يصعب حساب التكلفة لخضوعها لمتغيرات عديدة، ويبقي أن نوضح هنا أن جلسات العلاج الطبيعي يحتاج إليها غالبية الأطفال ذوي الإعاقة.

– مصانع الأجهزة التعويضية: 14 مصنع.

– تكلفة الاستعانة بالأجهزة التعويضية: تتراوح ما بين 100 إلي 20000 تقريبا ( حسبت هذه النسبة التقريبية على أساس أن الرقم الأول سعر أقل جهاز وهو السماعة متوسطة الجودة، والرقم الثاني يمثل ثمن الطرف الصناعي المتطور الذي يستجيب لإشارات المخ، أما الحد الأقصى للتكلفة فيصعب تحديده ) وتكمن المشكلة الأساسية بالنسبة للتأهيل الطبي بالتكلفة العالية سواء بخصوص جلسات العلاج الطبيعي والإحتياج لعدد كبير منها خصوصا أول عامين من عمر الطفل، أو بالنسبة لتكلفة الأجهزة التعويضية حيث يفضل غالبية ذوي الإعاقة الاستعانة بأجهزة رخيصة الثمن قليلة الكفاءة، وتترج التكلفة بحسب حالة الأسرة حيث يفضل الأغنياء شراء كل خدمات التأهيل أما بالمراكز المتخصصة بالخارج أو بالمستشفيات الخاصة.

التأهيل المرتكز على المجتمع:
مشروعات التأهيل المرتكز على المجتمع بالمعني الدقيق:
– عدد مشروعات التأهيل المرتكز على المجتمع: 12 مشروع خلال عامي 2005 – 2006 مشروع
– المستفيدين: 981 شخص

دون جهد كبير نكتشف أن هذه المشروعات تعد تجريبية إلي حد كبير حيث ترتكز على دراسة عميقة للبيئة المحلية لتمكين الشخص ذو الإعاقة من الاستفادة من الخدمات والفرص المتاحة بالمجتمع المحلى، ومن المسلم به ضعف وندرة الخدمات المحلية بمصر وتباينها ما بين الحضر والريف، وبالتأكيد لا يمثل عدد المستفيدين نسبة تذكر من ذوي الإعاقة، ومع الاعتراف بالأهمية الخاصة والكبيرة لمثل تلك المشروعات إلا أن طرحها على إنها إنجاز متقدم يمثل تطور التأهيل بمصر خطأ كبير كما يمثل ترويجها إعلاميا حجب لواقع تمتع ذوي الإعاقة بحق التأهيل.

استخلاصات ختامية

  • تتحمل أسرة الشخص ذو الإعاقة العبء الأكبر في التأهيل يليها الجمعيات الأهلية، وبنهايتها تأتي الدولة بأجهزتها الرسمية.
  • ضعف البنية المادية للتأهيل وعدم تناسبها مع أعدد ذوي الإعاقة فالمستفيدين فعليا أقل من 10%.
  • تمثل التكاليف المالية التي تتحملها الأسرة انتهاك للحق في التأهيل.
  • عدم عدالة التوزيع الجغرافي للمؤسسات والمراكز الرسمية خاصة بمحافظات صعيد مصر والمحافظات الحدودية.
  • غياب السياسات الخاصة بالتأهيل الشامل وتجميد دور المجلس الأعلى للتأهيل
  • ضعف المنظور الحقوقي.
  • هيمنة الشكلية والروتين الحكومي على الاتجاهات الرسمية مما يؤثر سلبا على تطوير الكوادر البشرية.
  • التنظيم القائم للتأهيل يمثل عقبات ومعاناة للشخص ذو الإعاقة وأسرته.
  • تمثل التكاليف المالية التي تتكبدها الأسرة أكبر العقبات حيث تفضل الأسر الفقيرة التخلي عن تأهيل الشخص لعدم القدرة المالية.
  • غياب رؤية اقتصادية واضحة تقيم التأهيل كوسيلة لتوفير الأموال واستثمار الطاقات مما يمثل عبء على أسرة ذوي الإعاقة.

خاتمة:
يحتاج تطوير واقع التأهيل بمصر لرؤية تتجاوز الحلول التقليدية وتعتمد بالأساس على الميزات النسبية والإبداع الإنساني، فالتأهيل عملية تفاعلية حية يقوم على التواصل الإنساني قبل قيامها على البرامج والتجهيزات التقنية المتطورة، فإذا كانت الإشكالية الأساسية تكمن بضعف الإمكانيات المادية والتقنية فيمكن للطاقات البشرية المهدرة أن تعوض ذلك الضعف بسهولة، فما تنظر له الدولة على أنه عقبة من الممكن أن يكون هو الحل لو فكرنا قليلا، والمثال الواضح على ذلك تناول إشكالية ضعف وندرة الكوادر العاملة بمجال التأهيل وخاصة التخصصات الدقيقة مثل مهارات التخاطب وتعليم النطق ولغة الإشارة وغيرها، فالدولة تعمل على حل تلك الإشكالية عن طريق تطوير كليات ومعاهد الخدمة الاجتماعية وكأنها تبحث بشارع مضاء عن ما ضاع منها بشارع مظلم، فلو تناولت التأهيل على أنه تفاعل إنساني لعرفت بسهولة أن الحل يكمن في الأشخاص ذوى الإعاقة أنفسهم ثم أفراد أسرهم الذين اكتسبوا خبرات عملية ربما تفوق في أهميتها الخبرات النظرية يضاف لذلك الراغبين إراديا العمل بهذا المجال. أن التأهيل كمهنة يحتاج لتركيبة خاصة تجمع بين دقة الاحتراف وإبداع الهواية ولا تتناسب وسائل التوظيف التقليدية هذا المجال بل وتتناقض مع أهدافه، ويجب أن أن تعترف الدولة بأن الكادر البشري العامل بالتأهيل كادر خاص بالمعني الحرفي ويجب أن ينال التقدير الأدبي والاكتفاء المالي، ونظرا للأهمية الخاصة التي توليها ” حقوقي ” لهذا التقرير فسوف يتم الإعداد لورشة عمل لنقاشه والخروج بتوصيات تساهم في تمكين ذوي الإعاقة من التمتع بهذا الحق.

المصـــادر

  • الكتاب الإحصائي السنوي 2007 ، 2008الهيئة العامة للاستعلامات المصرية. http://www.sis.gov.eg/Ar/default.htm
  • الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – التعداد السكاني 2006- جمهورية مصر العربية.
  • المجلس القومي للطفولة والأمومة ( الموقع الإلكتروني للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة http://www.specialneeds.org.eg)
  • منظمة العمل الدولية – التوصية رقم 99 سنة 1955
  • اتفاقية التأهيل المهني والعمالة (المعوقون) رقم 159لسنة 1983
  • توصية التأهيل المهني والعمالة (المعوقين) رقم 168لسنة 1983
  • إعلان الأمم المتحدة لحقوق المعاقين 1975
  • الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة 2007

القوانين العربية:

  • سوريا : القانون المتعلق بتربية وتأهيل المكفوفين مهنياً وتشغيلهم، عدد 144 الصادر سنة 1958، ثم القانون عدد40 لسنة 1970 الخاص برعاية الصم.
  • لبنان : قانون 1973/110
  • مصر : القانون الجديد رقم39 لسنة 1975
  • العراق : قانون رقم 126 لسنة1980
  • اليمن : قانون الضمان الاجتماعي رقم 2 لسنة 1980
  • تونس : قانون رقم 46 لسنة 198
  • الجزائر : قانون.1979
  • المغرب : قانون 1981 الخاص برعاية المكفوفين، وقانون 1992 الخاص بالرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين.
  • الأردن : قانون رقم 12 لسنة 1993 الخاص برعاية المعوقين.
  • ليبيا : قانون رقم 3 لسنة 1981، والقانون رقم 5 لسنة 1987
  • شهادات حية موثقة لعدد من أمهات أطفال من ذوي الإعاقة، بالإضافة لشهادات موثقة لعدد من النشطاء بمجال الإعاقة.
  • عدنان الجزولي ، الإعاقة في التشريعات المعاصرة، دراسة لبعض التجارب الوطنية في دول العالم الإسلامي . http://www.isesco.org.ma/arabe/publications/iaaka/Menu.ph
  • changes and corrections to the Disability Rights Timeline http://www.wnyilp.org/timelines
  • حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية، دراسة مقارنة، عبد العزيز يوسف المطلق.
  • إسهام مكاتب التأهيل الاجتماعي للمعاقين، رسالة ماجستير، حمدي وهبة الله محمد.

فريق عمل التقرير
غريب سليمان
رمضان عيسي
هند نظير

جمعية حقوقي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ” تحت التأسيس”
4 ش نوال أحمد عوض- المريوطية – فيصل” محطة مخزن الأنابيب”-
جمهورية مصر العربية
تليفون / فاكس :- 0233846157
الاميل : houqouqi@gmail.com houqouqihouqouqi@yahoo.com
الشخص المسئول بالاتصال :- غريب سليمان – المدير التنفيذي 0109240181