14/4/2008

تفاقمت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة بسبب تشديد قوات الاحتلال الإسرائيلي لحصارها، ومنعها تزويد القطاع بالوقود والمحروقات، بعد نحو ستة أشهر على تقليصها للكميات التي تسمح بمرورها. وكانت قوات الاحتلال عمدت إلى تقليص كميات الوقود والمحروقات إلى مستويات تقل كثيراً ليس فقط عن مستوياتها السابقة بل وعن القدر الذي يسد حاجة السكان.

وحسب عمليات الرصد التي يقوم بها المركز فإن منع إدخال الوقود والمحروقات انعكس بشكل بالغ الخطورة على حياة السكان المدنيين في قطاع غزة، يهدد بكارثة إنسانية حقيقية، ويتسبب في انتهاك جملة حقوق الإنسان ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقواعد القانون الدولي الإنساني. وتشير مصادر البحث الميداني في المركز أن حالة من الشلل شبه التام طالت عمل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بعد أن توقفت بشكل شبه تام حركة النقل والمواصلات بين المدن والبلدات والمخيمات وداخل المنطقة نفسها في قطاع غزة.

هذا وبدأ الشلل التدريجي يصيب قطاع التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي، سواء الحكومي أو التابع لوكالة الغوث الدولية (UNRWA)، بعد أن تعذر وصول مئات المدرسين إلى مدارسهم، خاصة أولئك الذين يسكنون في مناطق بعيدة عن مكان عملهم. كما أن تغيب الطلاب عن المدارس أصبح واضحاً بسبب عدم توفر وسائل النقل الداخلي. أما التعليم الجامعي فهو شبه متوقف ولاسيما بعد أن تعذر على عدد كبير من الأساتذة والطلبة والطالبات الوصول إلى جامعاتهم. والأمر نفسه ينطبق على قطاع الصحة الذي يعاني أصلاً، حيث أجبر عدد كبيرمن العاملين على التغيب عن العمل بسبب عدم تمكنهم من الوصول إلى أماكن عملهم. كما يواجه قطاع الصحة مشكلة نقص الوقود اللازم لتشغيل سيارات الإسعاف التي تتولى نقل الجرحى والمرضى بين المستشفيات وتلك التي تقوم بمهام إخلاء المرضى والجرحى والقتلى من الأماكن التي تكون مسرحاً لعمليات حربية، حيث تواصل إسرائيل عدوانها المتصاعد على قطاع غزة.

كما يسهم انقطاع الوقود والمحروقات في دفع القطاع نحو كارثة بيئية، بحيث ستتوقف محطات معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك محطات الضخ الأمر الذي يزيد من احتمال تدفق مياه الصرف الصحي في الطرقات والأزقة لاسيما في جباليا ومخيمها وأنحاء من بلدتي بيت حانون وبيت لاهيا، التي تضخ مياه الصرف الصحي بعد تجميعها إلى الأحواض الشمالية وكذلك الأمر في بقية المدن. والجدير ذكره أن شواطئ بحر قطاع غزة تشهد نسب مرتفعة من التلوث، بسبب ضخ مياه الصرف الصحي إلى البحر دون أن تتم معالجتها. وفي أحيان كثيرة يتم ضخ المجاري إلى البحر دون معالجة تذكر، الأمر الذي يفاقم من أزمة البيئة والصحة العامة التي تعاني من تدهور مستمر.

وبدأ النقص في الخضروات واضحاً في الأسواق، كما تضاعفت أسعارها نتيجة لهذا النقص. وتسبب عدم تمكن المزارعين من نقل منتجاتهم إلى الأسواق في نقص كمياتها في الأسواق، وهو أمر انطبق بنسب متفاوتة على السلع الأساسية أيضاً. ويجدر التذكير بأن الوقود من المواد اللازمة للزراعة بحيث تعمل معظم مضخات آبار المياه على السولار. وكذلك الأمر فيما يتعلق بمضخات رش الأدوية والمبيدات، مما يهدد بتلف المزروعات. وتسبب ارتفاع أسعار الخضروات في جعلها ليست في متناول أغلبية السكان، حيث يشهد قطاع غزة انتشاراً غير مسبوقاً لظاهرتي البطالة والفقر.

كما بدأت مقدمات أزمة في توفر الخبز في الأسواق تظهر، بعد أن بدأت تنفذ مخزونات المخابز من غاز الطبخ، وهو أمر سيهدد بتوقف المخابز بشكل تام إذا واصلت إسرائيل منع إدخال غاز الطبخ إلى القطاع، هذا بالإضافة إلى المشكلة الكبيرة التي ستنشأ في المنازل جراء عدم توفر غاز الطبخ، حيث ستتحول مهمة توفير الوجبات الغذائية المطبوغة عسيرة، وهو أمر يفاقم من مشكلة سوء التغذية وأمراض فقر الدم المنتشرة في قطاع غزة أصلاً.

وتجدر الإشارة إلى أن الوضع مرشح لأن يتحول إلى كارثة حقيقة إذا استمر الإغلاق المشدد على هذا النحو لأيام معدودات، فيما سيشهد القطاع كارثة حقيقية فيما لو توقفت محطة توليد الطاقة عن العمل بسبب عدم توفر الوقود الصناعي اللازم لتشغيلها، وحسب مصادر في المحطة، فإن استمرار إنتاج المحطة أمر مستحيل إذا استمر الإغلاق، حيث لا يتوفر للشركة مخزون احتياطي سوى (1500) متر مكعب من الوقود الصناعي، وهي كمية قادرة على تشغيل المحطة القدرة الحالية التي لا تتجاوز (45 ميجاوات) حتى مساء الجمعة الموافق 18/04/2008، فيما تتقلص تلك المدة فيما لو رفعت المحطة طاقتها الانتاجية.

مركز الميزان لحقوق الإنسان يعبر عن استنكاره الشديد لاستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة وتشديده على هذا النحو الخطير، الذي يشكل انتهاكاً جسيماً لقواعد القانون الدولي الإنساني، ويؤكد على رفضه تبرير دولة الاحتلال وقفها تزويد القطاع بالوقود والمحروقات، كما يجدد رفضه المطلق للادعاء، الذي ساقته قوات الاحتلال حول تقليص إمدادات الوقود والمحروقات التي تسمح بمرورها، وجاء فيه أنها تلبي الحاجات الدنيا للقطاع من المحروقات. والمركز يجدد تأكيده أنه تبرير يتناقض مع القانون الدولي الإنساني، الذي يؤكد على ضمان تلبية حاجات السكان على إطلاقها، وأن هذه القاعدة تنشئ حقاً للسكان وليس واجباً على قوة الاحتلال فقط، وأن الحاجات الدنيا هي ابتكار إسرائيلي غير مسبوق في التاريخ وليس له أي أساس في القانون الدولي الإنساني.

عليه مركز الميزان لحقوق الإنسان يجدد مطالبته المجتمع الدولي بالخروج عن صمته والقيام بواجبه القانوني والأخلاقي تجاه السكان المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولاسيما في قطاع غزة، بالتحرك الفوري لإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة ويتهدد حياة سكانه ومصادر رزقهم وينتهك جملة حقوق الإنسان بالنسة لهم، وتوفير الحماية الدولية للسكان.

انتهى
للاطلاع على مزيد من المعلومات والتفاصل حول الحصار والإغلاق وآثاره على حقوق الإنسان، يرجى مراجعة البيانات والتقرير الصادرة عن مركز الميزان على الرابط الآتي:
http://www.mezan.org/site_ar/siege/index.php