دمشق ، 1 تموز / يوليو 2004
متأخرة عشرين عاما عن تاريخ اعتمادها ، وسبعة عشر عاما عن بدء سريان مفعولها ، وقعت الحكومة السورية اليوم الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب باستثناء المادة 20 منها ، وهو ما يفرغ التوقيع من أي معنى ويفقده أي قيمة . وفي خبر تافه لا يتجاوز خمسة أسطر ذكرت وكالة أنباء ” سانا ” الرسمية أن الرئيس بشار الأسد أصدر اليوم المرسوم 39 للعام 2004 ، الذي يقضي ” بانضمام الجمهورية العربية السورية الى تفاقية /مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة / التى اعتمدتها الجمعية العامة للامم المتحدة ” ، مضيفة أن المرسوم التشريعي المذكور نص ” على عدم اعتراف الجمهورية العربية السورية باختصاص لجنة مناهضة التعذيب المنصوص عليه فى المادة /20/ من الاتفاقية المذكورة ” . ولم توضح الوكالة كيف أنشأ المرسوم ربطا لا منطقيا بين استثناء المادة 20 من التوقيع من جهة ، وبين إسرائيل من جهة أخرى .
وفي حديث لموقع ” إيلاف ” الإلكتروني نشر اليوم ، وصف الدكتور جورج جبور ، عضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان ، والمستشار السابق للرئيس الراحل حافظ الأسد ، توقيع الاتفاقية بأنه ” خطوة ممتازة وهي منسجمة مع الدستور السوري” ، مشيرا في الآن نفسه إلى ” ان الفقرة 3 من المادة 28 من الدستور السوري تنص على انه لا يجوز تعذيب أحد جسديا أو معنويا أو سوء معاملته ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك ” .
لكن الدكتور جبور ، المعروف عنه بأنه من أبرز المهتمين بقضايا حقوق الإنسان في العالم والمتواطئين ضدها في الآن نفسه ، لم يبين كيف أسفر التعذيب في السجون السورية على مدار العقود الماضية ، وبشكل خاص حين كان مستشارا للرئيس الراحل ، عن أكثر من خمسة آلاف مشوه ومعاق بسبب التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له ، وكيف سمحت الفقرة الثالثة من المادة 28 من الدستور السوري ، التي يتمسح بها ، بارتكاب هذه الجرائم ضد الإنسانية وبقاء أكثر من سبعة عشر ألف مواطن سوري وعربي في عداد المفقودين بعد اعتقالهم ، وكيف أن الموت تحت التعذيب لا يزال مستمرا ، حيث سقط آخر ضحاياه قبل عدة أسابيع وحسب !
يشار إلى أن الاتفاقية المذكورة اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 39 /46 المؤرخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1984 الذي حدد تاريخ نفاذها في26 حزيران / يونيو 1987 كما تنص الفقرة الأولى من مادتها السابعة والعشرين . وتنص المادة العشرون منها على حق اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب القيام بزيارات مفاجئة للسجون وأماكن الاعتقال في الدولة التي تصادق عليها في حال ورود معلومات عن ممارسة التعذيب فيها من دولة أخرى عضو في الاتفاقية . كما وتنص المادة نفسها على حق أي دولة عضو في الاتفاقية بلفت نظر دولة أخرى عضو فيها إلى أنها لا تلتزم بالاتفاقية. ولعل هذا هو السبب غير المنطقي الذي ساقه المرسوم لتبرير عدم اعترافه بالمادة المذكورة ، مفترضا ضمنا أن إسرائيل يمكن أن ترسل رسائل للحكومة السورية على هذه الخلفية !
إن ” المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية ” ، وإذ يأخذ علما بانضمام الحكومة السورية إلى هذه الاتفاقية ، فإنه يعتبر التحفظ على مادتها العشرين بمثابة إفراغ كلي لهذا الانضمام من أي معنى أو أهمية ، ويجعل منه أمرا كأنه لم يكن . فالدولة التي تحتقر دستورها الخاص لا يمكن لها أن تحترم أي اتفاقية دولية إلا بالقوة التي تتضمن إجراءات زجرية وعقابية من المجتمع لدولي ، وهو أمر لم يزل بعيد المنال حتى الآن في الحالة السورية ،على الأقل بسبب تشابك المصالح السياسية ،الإقليمية والدولية ، للجهات المفروض أنها تسهر على حماية المواثيق الدولية من العبث والاحتقار .
ومن جهة أخرى ، فإن ” المجلس ” يأمل بأن لا تسارع المنظمات السياسية والأهلية السورية ـ كعادتها في مثل هذه الحالات ـ إلى الترحيب بهذه الخطوة التي لا تريد منها السلطة إلا تلميع الوجه القبيح للديكتاتورية في وقت يساق فيه بعض القتلة في منطقة الشرق الأوسط ، ولأول مرة في تاريخها ،إلى المحاكم بسبب ما اقترفته أيديهم من جرائم ضد شعوبهم وجيرانهم !