1/11/ 2007
يوم 24 أكتوبر توجهت بعثة لتقصي الحقائق بشأن وفاة المواطن نبيه إبراهيم عبد القادر الشامي، 25 سنة، “غرقا” في عزبة برج مغيزل، مركز مطوبس، محافظة كفر الشيخ، حسبما ورد في الخبر المنشور في جريدة المصري اليوم بتاريخ 11 أكتوبر 2007.
تكون فريق البعثة من أعضاء بمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف ومركز هشام مبارك للقانون.
عزبة برج مغيزل عزبة صغيرة جدا، يفصلها فرع رشيد عن مدينة “رشيد” التي تبدو مدينة كبيرة ومبهجة على الضفة الأخرى من الطريق الساحلي، كما يسمونه هناك.. وهو طريق غير ممهد، بالكاد يتسع لسيارة واحدة وعلى جانبيه تلتصق المباني الصغيرة والضيقة.. وحيث يوجد أي فراغ بين المنازل يوجد مقهى صغير يتجمع فيه الشباب، خاصة في ليالي رمضان..
هكذا حكى لنا عم إبراهيم كيف خرج ابنه نبيه يوم الخميس الموافق 23 رمضان بعد الإفطار ليجلس مع الشباب على المقهى.. على حين كانت الأسرة منشغلة بضيوفها داخل المنزل.. انتظروا نبيه ليتناول معهم وجبة السحور لكنه لم يحضر.. افترضت الأسرة انه “سرح مع أصحابه أو خرج في رحلة صيد بالمركب مثلما اعتاد أن يفعل كثيرا.
بعد آذان الفجر، خرج عم إبراهيم يوصل ابنته لتعود إلى منزل زوجها في الإسكندرية.. لم يلحظ عم إبراهيم شيئا غريبا.. الوقت كان متأخرا والناس نيام.
في اليوم التالي، يوم الجمعة، ذهب عم إبراهيم للصلاة.. وشعر بأن الناس تتحدث بالغمز واللمز.. وحين سأل قالوا له “كان فيه ضرب نار امبارح.. المباحث هاجمت القهوة.. ويمكن كان فيه 50 ولا 60 شاب رموا نفسهم في الميه “.
قالوا له أن درويش غرق.. ودرويش هذا تعتبره القرية مجرما وتاجر مخدرات وتكاد البلدة أن تكون سعيدة بغرقه. بعد الصلاة امتلأت البلدة بعربيات الشرطة.. عساكر يحملون الدروع.. والتف الناس جميعا ما بين الشط وعلى الشرفات.
يستطرد عم إبراهيم:
“بعدها ندهوني أتعرف على الجثة.. شفت ابني.. والدم نازل من بقه ومناخيره.. قالوا لي روح دلوقتي وتجينا بكره بعد الضهر يكون الطبيب الشرعي جه.. الساعة واحدة بعد نص الليل ندهوني تاني وقالوا لي الطبيب وصل.. عمري ما شفت غريق ينزل من بقه ومناخيره دم.. وعمري ما شفت غريق يلاقوه في نفس اليوم.. ده احنا كنا نخرج يومين ولا تلاته لما نلاقي الغريق.. اللي عرفته انهم جابوا غطاس من البلد في نصف الليل وقالوا له انه فيه مسدس وقع مننا هنا انزل جيبه.. وان الغطاس لما نزل صرخ وقال: غريق.. قالوا له خلاص اسكت وامشي.. ربطوه من رجله في مركب لحد ما عربيات الأمن جت من كفر الشيخ.. وحطوا في جيبه مسدس وأنا ابني عمره ما شال مسدس.. ومع إني متأكد إن الحكومة قتلت ابني إلا إني استلمت الجثة.. إكرام الميت دفنه.. وأنا لسه رايح مني ولد في البحر ما عداش عليه ست شهور وما دفنتوش.. لما النيابة استدعتني وقلت لهم اني شاكك في انه مات مقتول، قالوا لي هات لنا الغطاس.. الغطاس اختفى.. مش لاقيينه.. المجرم هرب على إسكندرية وابني هو اللي راح..
الأم تبكي طوال المقابلة: بيتي اتخرب.. قتلوا ابني.. التاني مات غريق مفيش ست شهور.. والتالت ساب البلد وطفش.. احنا طول عمرنا في حالنا.. عمر ما كان لنا علاقة بالبوليس ولا بحاجة.. ولادي مؤدبين وفي حالهم.. البلد صغيرة والناس كلها عارفة بعضها.. المجرم أهو هرب والحكومة اللي مفروض تحمي الناس هي اللي ما بتعرفش حق حد.
لما سمعت ان فيه غريق قلبي أكلني على ابني.. جريت على الشط.. العساكر منعوني.. البت دي (تشير إلى اخت نبيه الصغيرة التي تبلغ من العمر 5 سنوات) جريت ورايا ودخلت ما بين رجلين الناس وشافت أخوها.. من ساعتها وهي بتصحى من النوم بالليل مفزوعة وتفتح باب البيت وتخرج تصرخ.. نقول لها مالك: تقول مفيش حاجة!
عم إبراهيم بداخله العديد من الأسئلة تنهش قلبه كمدا على ابنه:
” إزاي يفزعوا الشباب ويخلوهم يرموا نفسهم في الميه.. وليه يقبضوا على مجرم معروف انه قتال قتله وهو في وسط الشباب.. ليه ما راقبهوش وشافوا شغلهم من غير ما يؤذوا حد.. وليه كل الأمن ده.. عربيات.. وكبارات.. خايفين ليه إذا كانوا ما عملوش حاجة.. وليه ما طلعوهوش إلا الصبح لما العربيات جت رغم إنهم عارفين انه ميت من بالليل؟” إننا كمواطنين نضم صوتنا إلى صوت عم إبراهيم.. ونتساءل مثله: من المسئول عن إطلاق يد الشرطة لتبث الرعب بين المواطنين فتحرق من تحرق وتغرق من تغرق وتصعق من تصعق ثم تمضي في طريقها نحو مزيد من القتلي والضحايا دون حساب أو محاسبة؟
وكأطباء نتساءل: منذ متى تؤدي الذبحة الصدرية إلى نزيف في المخ كما يدعي تقرير الطبي الشرعي الذي فحص جثة المواطن الشاب نبيه إبراهيم عبد القادر الشامي وقرر انه توفى نتيجة ذبحة صدرية أدت إلى اختناق في الشريان التاجي ونزيف بالمخ! هل تتحرك نقابة الأطباء لتحاسب أطباءها لتسترهم على جرائم التعذيب والقتل خارج القانون.. هل أصبحت طاعة وزارة الداخلية من البنود السرية لقسم ممارسة المهنة؟