3/9/2005
حتى لا يصنع التاريخ في غفلة منّا، وجب تفعيل الحوار، بيد أنّ المدخل إليه يكمن في مدى حريتنا. فالحرية والتعدّدية، هما الإطار الذي تستطيع الثقافة من خلاله مساءلة الواقع وتناول المسكوت عنه، من خلال الحوار النقدي السلمي الإيجابي.
نطرح الحوار هنا، بمعنى التواصل بين كافة الأطراف، التي تؤمن قولاً وفعلاً وثقافةً بالخيار الوطني الديمقراطي.
فالدولة الوطنية الديمقراطية التي ننشد، هي الدولة التي تستطيع فيها مؤسسات المجتمع المدني المختلفة أن تلجمها، حين تحاول الخروج عن مسار دولة القانون والمؤسسات وتتنكّر لقيم المجتمع ودوره.
ولابدّ أن نوضح، أنّ ما نقصده بالمجتمع المدني هنا، هو جملة المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، العاملة في ميادينها المختلفة، في استقلال نسبي عن سلطة الدولة.
وتعمل هذه المؤسسات لتحقيق أهداف متعدّدة، منها ما هو سياسي يتمثّل في المشاركة بصنع القرار على المستوى الوطني، كالأحزاب السياسية مثلاً، ومنها ما هو ثقافي، كاتحادات الكتّاب والمثقفين والجمعيات الثقافية، التي تهدف لنشر الثقافة الديمقراطية المدنية في المجتمع.
ومنها أيضاً ما هو نقابي،كالدفاع عن المصالح الاقتصادية لأعضاء النقابة والتعبير عن مصالح أعضائها بوجه عام، ومنها ما هو اجتماعي للإسهام في العمل الاجتماعي لتحقيق التنمية.
ظهر مفهوم الحرية مرتبطاً بما للأفراد من حق ّ في المجتمع، لذا فإنّ هذا المفهوم يوجّه عمل الناس نحو السير في طريق تجاوز هيمنة الدولة على المجتمع والأفراد على حدّ سواء، ويقترن بمفهوم المواطن.
وعندما يسود مفهوم الحرية في المجتمع، فإنه يعطي للفرد حق العمل من أجل تفعيل دور مجتمعه. يكمّل مفهوم المساواة مفهوم الحرية، لأنه يضمن العدالة للجميع أمام القانون ويسمح لقوة القانون أن تصبح شاملة لجميع الناس
كما يوفّر توزيعاً عادلاً للثروة بين المواطنين ويلغي الاستغلال.
وقد ظهر بالارتباط مع مفهوم المساواة، مفهوم التعاقد،لأنّ الأفراد عندما يكونون أحراراً متساوين، فإنّ بناء الدولة وتنظيم المجتمع يتّخذ صيغة تعاقد مجتمعي يؤسس سلطة الدولة ذاتها.
ولم تعد الدولة، بالفهم المعاصر، مجرد شعب وإقليم وحكومة، إنما أصبحت تتحدّد بوجود معيار المؤسسات واعتبار الدولة نفسها مؤسسة المؤسسات واعتبار الحكّام ممارسين لاختصاصات معينة محدّدة سلفاً، وفقاً لقواعد معينة وليسوا ملاّكاً لسلطة الدولة.
إنّ تشدّد الدولة في الآونة الأخيرة، تجاه كافة الأنشطة الاجتماعية السلمية، خاصةً،بعد انتهاء أعمال المؤتمر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي واستخدام القسر لمنع أي نشاط سلمي، قد خلق علامات من الدهشة والاستغراب في هذا الظرف الدقيق الحسّاس، الذي تتعرّض فيه سوريا لأخطار إقليمية ودولية
نحتاج من أجل مواجهتها إلى جهود كل الوطنيين السوريين، وإلى خلق حالة من الانفراج والانفتاح على كل القوى الوطنية الديمقراطية، المناهضة للمشروع الأمريكي – الصهيوني، التي تعتبر أنّ تبنّي الخيار الوطني الديمقراطي وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، هي السبيل الوحيد لكسر أي عدوان مبيّت محتمل ضدّ وطننا الغالي.
ترى لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا، أنّ ما يحتاجه وطننا في هذا الظرف الدقيق الحسّاس، هو مباشرة حوار وطني ديمقراطي شامل على أرض الوطن تحديداً، تشارك فيه كافة القوى الوطنية الديمقراطية في سوريا، لمناقشة الأوضاع الدقيقة الحسّاسة، والبحث في الأسباب الداخلية والخارجية، على حدّ سواء، لأزمتنا وكيفية الخروج منها.
وقد لاحظت لجان إحياء المجتمع المدني في الفترة الأخيرة، تعدّد الدعوات لعقد اجتماعات ولقاءات خارج الوطن، وتستفيد من هذه المناسبة، لتعلن رفضها المشاركة في أي لقاء واجتماع يعقد خارج سوريا، فأرض الوطن هي المكان الوحيد للحوار.
إنّ الاستمرار في سياسة إغلاق كافة النوافذ على الصعيد الداخلي، لا يفيد أحداً، ولن تثنينا هذه السياسة الضارّة، كما نرى، عن التمسك بثقافة الحوار ولغة العقل سبيلاً وحيداً لحلّ مشاكلنا وخلافاتنا. فالحوار يتّخذ دلالة التفكير بالتشارك والاهتمام بما يعود إلى الآخر من أفكار وتصورات وهو ما نراه عين الصواب.
فهناك دائماً، حاجة ملحّة لتوضيح الأفكار، من أجل المضيّ بها قدماً خطوات أخرى إلى الأمام، الأمر الذي يكون الحوار شرطاً من شروطه. فالسياسة يصنعها المجتمع في إطار الدولة، والدولة في إطار المجتمع، وهي أيضاً حوار بين مواطنين أحرار.
والحرية هي الخضوع للقانون الذي يختاره المواطنون الأحرار لأنفسهم، كما أنّ الديمقراطية لا تعمل بغياب الحريات.
فالحوار وحده، هو الذي يهيئ وسيلة العيش مع الآخرين في علاقة تتسم بالتسامح المتبادل. إننا نعيش مرحلةً أحوج ما نكون فيها إلى تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة.