10/12/2004
لا يزال التعذيب يمارس في تونس إلى حد اليوم بصورة منهجية ودائمة سواء كان ذلك بمحلات وزارة الداخلية أو بمراكز الأمن أو بالسجون أو حتى بالأماكن العمومية على مرأى ومسمع من الناس، مخلفا ضحايا جددا يضافون إلى العدد الكبير من الضحايا السابقين من المعتقلين السياسيين أو من معتقلي الحق العام.
إن إضافة بعض الفقرات التي تنص على “احترام حقوق الإنسان” و”ضمان حرمة الفرد” للفصل الخامس من الدستور في استفتاء 26 ماي 2002 الذي مكن الرئيس الحالي من الترشح لولاية رابعة، وإدراج فصل جديد بالمجلة الجنائية في سنة 1999 (الفصل 101 مكرر) لتجر يم ممارسة التعذيب إحدى عشرة سنة بعد مصادقة الدولة التونسية على “اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وكافة العقوبات أو المعاملات القاسية واللاإنسانية أو المهينة”، لم يغير شيئا من واقع الأمور.
وهكذا ظلت مطالبة الجمعيات والمنظمات والهيئات الحقوقية بالداخل والخارج بوضع حد لممارسة التعذيب ومحاسبة المسؤولين عنها أمرا وتنفيذا وبتحمل الدولة مسؤوليتها في توفير الرعاية الصحية لضحايا هذه الممارسة بلا جواب. كما أن السلطات لا تزال تمانع في الاعتراف بـ”الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب” التي تم الإعلان عن تكوينها يوم 26 جوان 2003 الموافق لليوم العالمي لمقاومة التعذيب. وهي لا تتورع عن ملاحقة مؤسسيها والاعتداء عليهم لمنعهم من القيام بمهمتهم.
وفي انتظار صدور تقرير شامل عن حالات التعذيب ومظاهره خلال سنة 2004 نقدم في البيان التالي بعض العينات الخطيرة سواء تعلقت بحالات تعذيب أو قتل تحت التعذيب حصلت خلال هذه السنة أو خلال السنوات الفارطة وبت فيها القضاء في المدة الأخيرة. .
I – تعذيب حتى الموت
إن أخطر حالات التعذيب أو العنف المسجلة خلال هذه السنة هي تلك التي أدت إلى وفايات. ومن بين هذه الحالات التي حققت فيها الجمعية نذكر:
أولا: حالة بدر الدين بن حسن بن مختار الرقيعي وهو شاب يبلغ من العمر 29 سنة، يسكن مع عائلته بالضاحية الجنوبية للعاصمة (مقرين).
كانت آخر مرة شاهده فيها والده تعود إلى يوم 2 فيفري 2004. وقد باءت كل محاولات العائلة لمعرفة مصير ابنها بالفشل رغم أن القانون يلزم أعوان الأمن بإبلاغ العائلة بالإيقاف ومكانه. وفي يوم 7 فيفري اتصل أعوان تابعون لمنطقة الأمن ببن عروس بالأب وطلبوا منه مدهم بصورة لابنه، دون أن يؤكدوا وجوده عندهم بحالة إيقاف. وفي يوم 9 فيفري 2004 عاد أعوان الأمن لإعلامه بـ”وفاة ابنه منتحرا شنقا بزنزانته بمركز الإيقاف ببوشوشة”.
وإثر تسلم الجثة لاحظت العائلة آثار عنف هامة في أماكن مختلفة منها. وقد أكد أشخاص كانوا موقوفين مع بدر الدين بمنطقة الشرطة ببن عروس تعرضه لتعذيب وحشي أثناء استنطاقه من أجل تهم حق عام.
كما ذكر أشخاص آخرون كانوا موقوفين ببوشوشة أن بدر الدين لفظ أنفاسه حال وصوله إلى هذا المركز وهو في حالة خطيرة.
ويؤكد كل الذين يعرفون ظروف الإيقاف بمركز بوشوشة استحالة الانتحار شنقا داخل الزنزانات الموجودة فيه لقصر حيطانها وأبوابها مما يجعل إمكانية تدلي الجسم لتحصل الوفاة مستحيلا، إضافة إلى أن محاضر البحث تفيد أن الضحية كان مغلول اليدين داخل زنزانته وهو عامل يجعله مبدئيا غير قادر على الانتحار شنقا.
ولا يزال ملف القضية إلى حد الآن منشورا لدى مكتب التحقيق الثامن لدى ابتدائية تونس تحت عدد 96555/8. وتعتبر العائلة أن الأبحاث لم تتخد إلى حد الآن مجرى جديا وهي تشير إلى الضغوط التي يسلطها البوليس على الشهود الذين اتصلت بهم وحثتهم على الإدلاء بشهادتهم “نصرة للحق”.
ثانيا: حالة العربي بن المنصف الهيشري.
في يوم الخميس 4 نوفمبر وفي ساعة الإفطار هاجم ما يزيد عن عشرة أعوان أمن تابعين لمنطقة الأمن بباردو منزل السيد المنصف الهيشري القاطن بحي التضامن فكسروا باب المنزل ودخلوه دون إذن قضائي وانهالوا ضربا على الابن الذي كان متواجدا مع والديه واسمه العربي ثم قيدوه من يديه وجروه خارج المنزل دون مبالاة بصراخ أفراد عائلته والأجوار واستغاثتهم.
وقد عمدوا إلى جره عاريا من مكان إلى آخر بالحي وواصلوا ضربه بوحشية بما كان بأيديهم من عصي وهراوات. وكان جسمه ينزف دما. ولما هب العديد من الأجوار لنجدته ألقى به الأعوان في أحد الأنهج بعد أن أجهز عليه أحدهم بضربة أخيرة على رأسه، ولاذ جميعهم بالفرار وقد تركوه خلفهم جثة هامدة.
وحسب المعلومات التي استقتها الجمعية من العائلة فإن البوليس كان يبحث في الواقع عن شقيق الضحية الأصغر، بلحسن الهيشري، المتهم بسرقة هاتف جوال على ملك سيدة يبدو أنها صديقة لمسؤول أمني. وقد برأت هذه السيدة بلحسن الهيشري لما عرض عليها من قبل الشرطة بعد وفاة شقيقه مؤكدة أنه ليس هو الشخص الذي انتشل هاتفها الجوال. ولا تزال القضية منشورة لدى مكتب التحقيق الرابع بابتدائية أريانة.
وقد بدأ البوليس مباشرة بعد حدوث هذه الجريمة في ترويج إشاعة مفادها أن العربي الهيشري انتحر عن طريق قطع عروقه بواسطة شفرة حلاقة. كما أن وزارة الداخلية استدعت رئيس تحرير أسبوعية الموقف التي نشرت بيان الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حول هذه الحادثة لتحتج عليه وتشكك في صحة المعلومات الواردة بالبيان وتعتبر أنها تنال من “سمعة رجال الأمن”.
ثالثا: حالة منير الحيزي: وهو شاب في مقتبل العمر (25 سنة) متزوج، يقطن بقرية تلابت بولاية القصرين. كان الضحية يحمل في الليلة الفاصلة بين 8 و 9 جوان 2004 كمية من القهوة المهربة على متن شاحنة صغيرة بنية الاتجار بها في الجزائر. وقد تفطن له أعوان الحرس الوطني بتالة فلاحقوه حتى بعد أن غادر منطقتهم الترابية. ولما تعذر عليهم إيقافه أطلق رئيس المنطقة النار على الشاحنة مما أدى إلى انقلابها.
وقد وجد بها منير الحيزي ميتا كما أصيب مرافقه بأضرار بدنية.
وقد زعم الجاني أنه كان يهدف من وراء إطلاق النار إلى إيقاف الشاحنة لا غير.
وهي رواية لم تقنع العائلة التي تؤكد وجود تشنج أمني ضد ابنهم مرده رفضه إعطاء الرشاوي.
وقد أثارت هذه الحادثة غضب أهالي تلابت الذين تظاهروا بالقصرين يوم 9 جوان وبتلابت يومي 10 و 11 مستنكرين قتل روح بشرية من أجل كمية قهوة مهربة. وقد واجهتهم قوات الأمن بعنف شديد وأوقفت البعض من أقرباء الضحية وأحالته على التحقيق بتهم جنائية (حرق سيارة أعوان الديوانة). وبالمقابل لم يتم إلى حد الآن أي بحث جدي في وفاة منير الحيزي.
على صعيد آخر نظرت المحاكم خلال السنة المنقضية في قضايا وفايات مشبوهة بمراكز الأمن وببعض السجون. ومن الملاحظ أنه لم تجر أبحاث جدية في هذه القضايا. كما أن الأحكام الصادرة على الجناة كانت دائما خفيفة للغاية ولا يمكن بالتالي أن تكون رادعة:
1) الطاهر بن البشير الجلاصي: وهو شاب يبلغ من العمر 32 سنة ساعة إيقافه وإيداعه بسجن قرمبالية يوم 24 جويلية 1999 بتهمة “السكر المكرر وإحداث الهرج والتشويش”. وحسب شهادة موقوفين بالسجن، رفض القضاء سماعهم، فإن الضحية تعرض عند وصوله إلى السجن إلى اعتداء بالعنف الشديد من قبل مجموعة من الأعوان أدى إلى إصابته بكسر في الرقبة كان السبب في وفاته. وجاء في شهادة لأحد الموقوفين أدلى بها إلى عائلة الضحية بحضور أحد المحامين ما يلي: “تم إيقافي في نفس اليوم الذي أوقف فيه الطاهر الجلاصي. وقد أخذنا البوليس صحبة مجموعة أخرى من الموقوفين إلى المحكمة. وبعد ذلك نقلنا إلى السجن في نفس السيارة. كان الطاهر الجلاصي في صحة جيدة. وعندما وصلنا إلى السجن طالب هذا الأخير بإخلاء سبيله محتجا على إيقافه دون أن يكون ارتكب جرما. ضربه أحد الأعوان. ثم جاء أعوان آخرون. كانوا 6 أو 8. طرحوه أرضا وضربوه بقسوة شديدة بأرجلهم. رأيت أحد الأعوان يصعد فوق رأسه بقدميه. قال أحدهم:” هيا نكوّرو بيه”. أوثقوا يديه إلى الأمام ومرروهما إلى الخلف من بين ساقيه وربطوهما إلى الباب الحديدي الذي يفصل الغرف عن الساحة بشكل بقي فيه رأسه يتدلى إلى الأمام. حوّلوا رأسه إلى كرة يتقاذفونها من جميع الجهات. كان الطاهر الجلاصي يصيح ويستغيث. بعد ذلك تركوه موثوقا وانصرفوا. في آخر النهار أدخلونا نحن الموقوفين إلى الغرفة رقم 13 وتركناه هو في مكانه. في الليل سمعت صوتا يصيح ويستغيث. عرفت ذلك الصوت. إنه صوت الطاهر الجلاصي. لست أدري إن كان وقتها يتعرض للضرب أم أنه كان يشكو من شيء آخر. لم أكن أعلم وقتها أنهم أخذوه إلى “السيلون”. وبالفعل فقد ألقي بالطاهر الجلاصي بعد حصة التعذيب التي تعرض لها بزنزانة انفرادية وهو في حالة سيئة للغاية. وقد زعمت إدارة السجن أن الضحية كان مكبل اليدين والرجلين في مستوى الكعبين وأنه سقط من فوق “السدة الإسمنتية” المعدة للنوم فـ”أصيب بكسر في مستوى الرقبة”… وقد رفضت المحكمة سماع الشهود واكتفت بتصديق أقوال الأعوان وآخذتهم على “عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتلافي ما حصل”. وحكمت عليهم بـ5 أشهر سجنا مع تأجيل التنفيذ. وهو حكم أيدته محكمة التعقيب بتاريخ 20 أكتوبر 2004. وتجدر الإشارة إلى أن التقرير الطبي فند أن يكون الضحية تناول خمرا أو أي مادة أخرى مخدرة وهو ما يؤكد أصلا الطابع التعسفي لإيقافه.
2) عبد الرزاق عابد وهو شاب يبلغ من العمر 33 سنة من منطقة “منصف” (قابس) بالجنوب. أوقف يوم 29 مارس 2002 بمنزل والديه من قبل عونين من الحرس الوطني تنفيذا لحكم بالسجن لمدة شهر واحد في قضية جزائية. وفي مساء ذلك اليوم علمت عائلته عن طريق أحد معارفها أن ابنها يقيم بالمستشفى بغرفة الإنعاش بعد أن كان أعوان الحرس صرحوا لها بأنهم لا يعلمون عنه شيئا. وفي يوم غرة أفريل أي قبل وفاة عبد الرزاق بيوم جاء أعوان من الحرس الوطني وطلبوا من الأب الحضور للإمضاء على محضر يعترف فيه بأن ابنه قفز من السيارة في محاولة منه للهروب، فرفض التوقيع. وفي اليوم الموالي تم إعلام العائلة بوفاة الابن بسبب نزيف بالدماغ ناتج عن سقوطه على رأسه عند محاولته الهروب من سيارة الشرطة. وهي رواية تفندها العائلة مستندة إلى أن ابنها رافق أعوان الأمن دون تردد وبمحضر والده وأن السيارة التي أقلته أحكم الأعوان إغلاقها من الخلف. فكيف فتح الباب وحاول الهروب؟ وما الداعي إلى محاولته الهروب والحكم الصادر ضده لا يتجاوز الشهر!؟ وإلى ذلك تؤكد العائلة أن لها شهودا يفندون رواية عوني الحرس. وهي تعتبر أن ابنها مات مقتولا وأن سبب قتله يعود إلى ما كان له من “مشاكل مع الحاكم”. وقد اكتفت المحكمة بإحالة عوني الحرس من أجل جريمة القتل غير العمد الواقع عن قصور أو عدم احتياط وإهمال وحكمت عليهما وهما بحالة سراح بشهرين سجنا ولا تزال القضية منشورة أمام الدائرة الاستئنافية بقابس.
II – تعذيب وحشي وقضاء يتستر
وبالإضافة إلى هذه القضايا التي حصلت فيها وفايات ناجمة عن تعذيب أو عنف فقد سجلت قضايا أخرى تعرض فيها أصحابها إلى التعذيب الذي خلف لهم آثارا جسدية ونفسية لا تنمحي. ومن هذه القضايا نذكر:
1) قضية المواطنين فرج بن سليمان والفهري بن نسيب. وقد وقع إيقافهما يوم 20 أكتوبر 2004 من قبل الفرقة العدلية بصفاقس المدينة من أجل تهم حق عام (سرقة). وعند إحالتهما على المحكمة الابتدائية بصفاقس يوم 29 أكتوبر 2004 اتضح أنهما كانا يحملان آثار تعذيب من بينها: دماء عالقة بملابسهما، عجز الضحيتين عن الوقوف، عجز فرج عن الكلام، آثار زرقة في كامل النصف الأسفل من جسد الفهري.
وقد ذكر الضحيتان سواء لعائلتيهما أو أمام المحكمة أن أعوان الأمن ضرباهما بالعصي على كامل الجسد مع التركيز على الأماكن الحساسة. كما رفسوهما بأرجلهم وحشوا لهما الثوم المرحي الممزوج بالملح في دبريهما ووضعوا تحت أرجلهما الماء الحارق أو البارد جدا. وقد صرح الضحيتان بأنهما حاولا الانتحار من الطابق الثالث للإفلات من التعذيب.
وقد رفضا الاعتراف بما نسب إليهما والإمضاء على المحاضر التي حررها أعوان الأمن.
لكن هؤلاء أجبروهما في النهاية على التوقيع تحت التعذيب. ومن الملاحظ أن إدارة السجن لم تقبلهما قبولهما إلا بعد أن أمضيا على محضر يؤكد تعرضهما للتعذيب قبل وصولهما السجن. وقد اضطرت المحكمة تحت إلحاح الضحيتين ولسان الدفاع وبالنظر إلى فظاعة آثار التعذيب إلى قبول مطلب العرض على الفحص الطبي.
لكن إدارة السجن ماطلت في تنفيذ المأمورية في انتظار أن تنمحي الآثار. وقد تقدم لسان الدفاع بشكوى ضد مدير السجن لعدم امتثاله لقرار المحكمة. كما تقدم بشكوى جزائية في التعذيب ضد رئيس الفرقة وعونين من أعوانه.
وقد سجلت قضية فرج تحت عدد 71644 وقضية الفهري تحت عدد 71643. وإلى حد الآن لم يجر أي بحث قضائي في الموضوع.
2) وفي يوم 8 ديسمبر الجاري أقرت محكمة التعقيب الحكم الصادر على مجموعة شبان جرجيس من قبل محكمة الاستئناف بتونس والقاضي بسجنهم مدة 13 سنة بضعة أشهر رغم الطابع الملفق للقضية التي اتهموا فيها بتهم إرهابية ورغم الخروقات والتجاوزات الخطيرة التي حفت بها وخاصة منها ما تعرض له معظم الموقوفين في القضية من تعذيب شنيع رفض القضاء في مختلف مراحل القضية التحقيق فيه وعرض الضحايا على الفحص الطبي. كما تجاهل الشكوى المرفوعة من قبل 5 منهم والمسجلة بوكالة الجمهورية بتونس تحت عدد 2003/7027025 بتاريخ 14/06/2003 وارتكز في قراراته وأحكامه على الاعترافات المقتلعة تحت التعذيب.
لقد ذكر عمر راشد أثناء محاكمته أنه تعرض عند استنطاقه بوزارة الداخلية لدى فرقة أمن الدولة إلى التعليق والضرب على كامل الجسد والفلقة وأنه جراء الضرب على مستوى الجهاز التناسلي تبول الدم أكثر من مرة. كما أن الأعوان هددوه باغتصاب والدته وأخته الوحيدة.
وأكد حمزة محروق أنه تعرض إلى نفس أساليب التعذيب وكان قد كشف لمحاميه عن آثار على مستوى رجليه وعلى مستوى إصبع اليد اليسرى الذي كان منتفخا.
كما ذكر أن أذنه اليمنى التي انتفخت جراء الضرب سببت له آلاما حادة ظلت تمنعه من النوم مدة طويلة.
أما عمر فاروق شلندي فقد ذكر أنه حاول الانتحار جراء التعذيب الوحشي الذي تعرض له والمتمثل في التعليق من معصميه وهو عار تماما والضرب على كامل جسده ورفس أصابع ساقيه بالأحذية.
وقد كشف لمحامييه عن آثار على مستوى أصابع يديه ورجليه.
وذكر عبد الغفار قيزة من ناحيته أنه زيادة على الطرق المذكورة كان الأعوان يرغمونه على الركوع أمامهم وهو عار تماما ثم ينخزونه بالعصا ويضربونه على الجهاز التناسلي وهم يقهقهون ويسخرون من لونه الأسود. كما كانوا يضربونه بسلسلة حديدية.
وقد أصبح في وقت من الأوقات عاجزا عن المشي.
أما الطفل عبد الرزاق بورقيبة الذي كان يبلغ من العمر عند إيقافه 17 سنة وأحيل على محكمة الأطفال فقد تعرض زيادة عن الفلقة والركل والرفس إلى عض أذنيه وتم صفعه بشدة مما أضر بحاسة السمع لديه. وقد صرح لمحاميه أن ذاكرته ضعفت بشكل كبير وأنه كثيرا ما يشعر بالدوخة.
وأكد هؤلاء جميعا أنهم قضوا أكثر من 20 يوما في الاحتفاظ.
وأن التعذيب مورس عليهم طيلة الـ10 أيام الأولى.
كل هذه التصريحات أهملت تماما.
وما من شك في أن رفض القضاء عرض الضحايا على الفحص الطبي إلى آخر مراحل من مراحل التقاضي زيادة على كونه منافيا لكل المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية، فهو يؤكد خشية السلطات من الوقوف على آثار تعذيب حتى بعد مرور أكثر من عام على إيقاف الضحايا.
III – الأوضاع في السجون التونسية: موت بطيء
لا تزال الأوضاع في السجون التونسية مزرية سواء في ما يتعلق بظروف الاعتقال أو بأساليب المعاملة. فالسجناء سواء كانوا سجناء سياسيين أو سجناء حق عام عرضة للتعذيب النفسي والجسدي والحرمان من أبسط حقوقهم والعزلة عن عائلاتهم وعن العالم الخارجي عامة.
وقد دفعت هذه الأوضاع بالعديد من المساجين إلى خوض إضرابات طويلة عن الطعام (أضرب السجين السياسي عبد اللطيف بوحجيلة الموقوف منذ أكثر من 6 سنوات والمحكوم بإحدى عشرة سنة سجنا العديد من المرات ولمدة جملية تفوق 500 يوما من أجل حقوقه الدنيا وخاصة منها العلاج).
أو تعريض حياتهم للخطر سواء بالاعتداء على ذواتهم (قطع العروق أو تناول مواد سامة…) أو بمحاولة الانتحار. ومن المعلوم أن السجون التونسية سجلت خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الوفايات سواء جراء إضرابات جوع طويلة أو الإهمال الصحي أو سوء المعاملة. وقد تعرضت تقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية في الداخل والخارج إلى هذه الحالات بإسهاب (انظروا على سبيل المثال التقرير الأخير للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان حول الوضع في السجون بعنوان “جدران الصمت”)
ولعل من أفظع حالات سوء المعاملة والتعذيب القائمة اليوم في السجون التونسية حالة العزلة التي يعيش فيها عدد من المساجين السياسيين (الصادق شورو وحمادي الجبالي وغيرهما من المحكومين في قضايا “حركة النهضة”) منذ سنوات عديدة رغم أن قانون السجون ينص على العزلة كإجراء عقابي لا يتجاوز في كل الحالات 10 أيام. وما من شك أن إمعان السلطات في إبقاء هؤلاء المساجين في حالة عزلة تامة ليس له من هدف سوى السعي إلى تدميرهم نفسيا وذهنيا.
وعلى صعيد آخر يعيش المحكومون بالإعدام الذين ما انفك عددهم يتزايد من سنة إلى أخرى في أوضاع مادية ونفسية لاإنسانية. فهم لا يعرفون شيئا عن مصيرهم. كما أنهم في عزلة تامة عن عائلاتهم وعن محاميهم وعن العالم الخارجي بشكل عام. فهم لا يتمتعون بالزيارة ولا بالقفة ولا يتلقون الرسائل والحوالات البريدية ولا أي شيء آخر. وهذه الأوضاع أدت إلى إصابة عدد منهم بأمراض نفسية وعقلية عصيبة. مع العلم أن عدد الدول التي ألغت عقوبة الإعدام أو حدت مجال تطبيقها في تزايد مستمر بينما يبقي النظام في تونس على هذه العقوبة التي نص عليها في 54 جريمة.
IV -إجراءات عاجلة
وبناء على ما تقدم فإن الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب:
1 – تدين استمرار ممارسة التعذيب بمختلف أشكاله.
2 – تعتبر أن الإفلات من العقاب هو أحد الأسباب الرئيسية التي تفسر تمادي أعوان الأمن والسجون في ممارسة التعذيب.
3 – تحمل القضاء مسؤولية أساسية في استمرار ممارسة التعذيب لتجاهله الشكاوي التي ترفع إليه وعدم فتح أبحاث بشأنها واعتماد الاعترافات المقتلعة تحت التعذيب أساسا لأحكامه والتغطية على التجاوزات والخروقات القانونية المرتكبة لدى باحث البداية وخاصة منها عدم احترام مدة الاحتفاظ القانونية وحق الموقوفين في المطالبة بالعرض على الفحص الطبي وتعمد منع ضحايا التعذيب أثناء استنطاقهم من ذكر ما تعرضوا له من اعتداءات ومعاملة قاسية ومهينة بمراكز الأمن أو بالسجون وإصدار أحكام جد خفيفة لا تناسب مطلقا خطورة الأفعال المرتكبة وذلك في الحالات القليلة التي أحيل فيها بعض الجناة على المحاكم.
4 – تطالب بمراجعة التشريعات المعمول بها لتوفير كافة الضمانات التي من شأنها حماية الموقوفين من التعذيب ومن بينها:
-
- – النزول بمدة الاحتفاظ إلى 24 ساعة غير قابلة للتجديد.
-
- – تمكين المحامي من الحضور إلى جانب منوبه أثناء استنطاقه من قبل باحث البداية
-
- – التنصيص على إلزامية العرض على الفحص الطبي بطلب من الموقوف، أو من عائلته أو من محامييه واعتبار عدم قيام باحث البداية بذلك مخالفة تستوجب العقاب.
- – تجريم عدم احترام باحث البداية لمدة الاحتفاظ واعتبار ذلك مبررا لبطلان الأبحاث المجراة.
5 – اعتبار التستر على ممارسة التعذيب سواء من قبل أعوان الأمن أو من القضاة أو من الأطباء أو من الإداريين أو المسؤولين السياسيين أو أي طرف آخر مطالب بحكم مهنته بالالتزام باحترام أو ضمان الحرمة الجسدية والمعنوية للأشخاص، جريمة تستوجب العقاب.
6 – اعتبار التعذيب جريمة غير قابلة للتقادم.
7 – فتح ملف التعذيب وإماطة اللثام عن ظروف وفاة عدد كبير من التونسيين تحت التعذيب ومحاسبة المسؤولين عن ذلك أمرا وتنفيذا وتقديم التعويضات الضرورية لضحايا التعذيب عما لحقهم من أضرار بدنية ومعنوية وتكفل الدولة بتوفير الرعاية الصحية لهم مدى الحياة.
8 – فتح تحقيق جدي ومستقل حول ظروف الاعتقال والإقامة بالسجون التونسية ونشر نتائج ذلك التحقيق وتمكين المنظمات الحقوقية والإنسانية من زيارة السجون التونسية ووضع حد بشكل فوري لنظام العزلة، وإصدار قانون جديد للسجون مطابق للمعايير الدولية حتى يضمن الحقوق الأساسية للمساجين ويجرم انتهاكها.
9 – تمكين المحكومين بالإعدام من كافة الحقوق المنصوص عليها بقانون السجون واستبدال عقوبة الإعدام المسلطة عليهم بالسجن.
10 – إطلاق سراح كافة المساجين السياسيين وسن العفو التشريعي العام. .
11 – الاعتراف القانوني بالجمعية التونسية لمقاومة التعذيب وكل الجمعيات الحقوقية والإنسانية الراغبة في ذلك. والكف عن عرقلة نشاط المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان. .
تونس في 10 ديسمبر 2004.
عن الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب .
الرئيســــة:
راضية النصراوي
الهاتف الجوال: 0021698339960
الهاتف القار: 0021671242754
0021671242756