4/5/2006
قالت هيومن رايتس ووتش اليوم أن أشهر السجناء السياسيين في ليبيا، وهو فتحي الجهمي، يواجه احتمال صدور حكم عليه بالإعدام بتهمة القذف بحق الزعيم الليبي معمّر القذافي والتحدث إلى مسؤول أجنبي يحتمل أن يكون دبلوماسياً أمريكياً. وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تبذل الحكومة الليبية قصارى جهدها للظهور بمظهر ديمقراطي أمام العالم، لكنها تبدو مستعدةً لإعدام من ينتقد زعيمها أو يتحدث إلى مسؤولين أجانب. وهذا ما يبين مدى الشوط الذي ما زال عليها اجتيازه”.
وقامت قوات الأمن الليبية باعتقال الجهمي لأكثر من عامين. وقد قامت هيومن رايتس ووتش بطلب إطلاق سراحه الفوري كدليل على نية ليبيا على الإصلاح.
وأردفت ويتسون: “لقد نبذت ليبيا الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل في محاولةٍ للعودة إلى المجتمع الدولي؛ أما الآن فإن عليها القيام بخطوات أخرى لترك المنتقدين السياسيين يعبرون عن آرائهم”.
وقد بدأت محاكمة الجهمي في أواخر عام 2005 طبقاً لما تقوله الحكومة الليبية، لكن السلطات لم تفصح عن التهم الموجهة إليه. وقد قال المحامي الذي عينته المحكمة أنه يواجه تهماً بموجب المادة 206 من قانون العقوبات، إضافةً إلى اتهامه بجرائم أخرى؛ لكن المحامي لم يكن مطلعاً على التفاصيل.
وتفرض المادة 206 من قانون العقوبات عقوبة الإعدام بحق من يدعون “إلى إقامة أي تجمّع أو منظمة أو جمعية يحظرها القانون”، وكذلك بحق من ينتمون إلى هذه التنظيمات أو يؤازرونها.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد زارت الجهمي في مركز احتجاز خاص بطرابلس في مايو/أيار 2005. وفي ذلك الوقت قال أنه يواجه ثلاث تهم بموجب المواد 166 و167 من قانون العقوبات، وهي محاولة الإطاحة بالحكومة، وإهانة القذافي، والاتصال بجهات أجنبية. كما قال أن التهمة الأخيرة جاءت بسبب حديث دار بينه وبين دبلوماسي أمريكي في طرابلس.
وتقضي المادة 166 من قانون العقوبات بإعدام كل من يتحدث أو يتآمر مع مسؤول أجنبي من أجل التحريض على مهاجمة ليبيا أو ما يؤدي إلى ذلك. أما المادة 167 فتفرض الحبس المؤبد على من يتآمر مع مسؤولين أجانب من أجل الإضرار بمركز ليبيا العسكري أو السياسي أو الدبلوماسي.
لقد شهدت العلاقات الليبية الأمريكية دفئاً متزايداً في السنوات الأخيرة، رغم عدم استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة، ورغم بقاء ليبيا على اللائحة الأمريكية للدول التي تدعم الإرهاب. وقد أبدت حكومة الولايات المتحدة، سراً وعلانيةً، استياءها إزاء قضية الجهمي، كما دعت مراراً إلى إطلاق سراحه.
وكان الجهمي البالغ 64 عاماً قد اعتقل للمرة الأولى على يد قوى الأمن الداخلي يوم 19 أكتوبر/تشرين الثاني 2002 بعد انتقاده حكومة القذافي ودعوته إلى إلغاء الكتاب الأخضر وإجراء انتخابات حرة في ليبيا وإطلاق حرية الصحافة والإفراج عن السجناء السياسيين. وقد حكمت عليه إحدى المحاكم بالحبس خمس سنوات.
وفي الأول من مارس/آذار 2004 التقى عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جوزف بيدن مع القذافي وطلب منه الإفراج عن الجهمي. وبعد تسعة أيام قضت محكمة الاستئناف بحبس الجهمي سنة واحدة مع وقف التنفيذ، ثم أطلق سراحه في 12 مارس/آذار.
وقد رحب الرئيس الأمريكي جورج بوش بالإفراج عن الجهمي، وقال: “أفرجت الحكومة الليبية في وقت سابق من هذا اليوم عن فتحي الجهمي، وهو مسؤول حكومي سابق سُجن في عام 2002 بسبب دعوته إلى الديمقراطية وحرية الكلام. وهذه خطوة مشجعة صوب الإصلاح في ليبيا؛ ولا بد أنكم سمعتم بأن ليبيا قد بدأت تغيير مواقفها من أمور كثيرة”.
وفي نفس اليوم أجرت محطة “الحرة” التي تمولها الولايات المتحدة مقابلة مع الجهمي دعا فيها إلى إحلال الديمقراطية في البلاد. وقد أجرت معه “الحرة” مقابلة ثانية في 16 مارس/آذار دعا فيها القذافي بالديكتاتور، وقال: “لم يبق إلا أن يعطينا سجادةً للصلاة ويطلب منا الركوع أمام صورته وعبادته”. كما قال لمحطة “العربية” في 25 مارس/آذار: “لست أعترف بالقذافي قائداً لليبيا”.
وفي اليوم التالي دخل رجال الأمن منزل الجهمي بطرابلس واعتقلوه مع زوجته فوزية وابنه الأكبر محمد. وقد احتجزتهم إدارة الأمن الداخلي في مكان مجهول مدة ستة أشهر دون أي اتصال بأقاربهم أو محاميهم. وفي 23 سبتمبر/أيلول أفرجت السلطات عن ابن الجهمي، ثم أفرجت عن زوجته في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني.
وطبقاً لمدير جهاز الأمن الداخلي الليبي العقيد تهامي خالد، فقد قامت قوات الأمن الليبية باحتجاز الجهمي في مركز خاص حرصاً على سلامته ولأنه “”مختل عقلياً”. وقد قال لهيومن رايتس ووتش: “إنني أتحمل مسؤولية رعايته صحياً ومسؤولية احتجازه؛ وأود أن أقول: لو لم يحتجز هذا الرجل بسبب تحريضه الناس لكانوا هاجموه في منزله. ولهذا فهو يواجه المحاكمة… وهو محتجز في مركز خاص لأنه مختل عقلياً ولأننا قلقون من أن يسبب لنا مشكلة”.
وقد أكدت السلطات الليبية لهيومن رايتس ووتش مراراً أن الجهمي يلقى الرعاية الطبية اللازمة والزيارات العائلية المنتظمة. لكن عائلة الجهمي قالت أن الحكومة منعت أقاربه من زيارته منذ يونيو/حزيران 2005 حتى أبريل/نيسان 2006. وقال محمد، شقيق فتحي الجهمي الذي يقيم في الولايات المتحدة: “لقد تمكن ابنه أخيراً من زيارته لمدة 15 دقيقة يوم 5 أبريل/نيسان، وذلك في حضور رجال الأمن. لقد هزل فتحي كثيراً، ونحن قلقون على صحته في سجنه المنعزل”؛ كما قال أن فتحي يطالب بمحامٍ دولي.
وفي 2 مارس/آذار 2006 أصدرت الحكومة الليبية عفواً عن 132 سجيناً سياسياً، وهو ما رحبت به هيومن رايتس ووتش بوصفه “إشارة تبعث الأمل على الإصلاح”.
قالت ويتسون: “لقد أبدت الحكومة الليبية بعض الاستعداد لتحسين حالة حقوق الإنسان في السنوات الماضية. وآمل أن تستمر على هذا التوجه وأن تطلق سراح فتحي الجهمي”.