16/3/2008

في عام 1993 قامت منظمتان، أحدهما مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي، بعمل بحث ميداني للبحث في مسألة العنف ضد النساء. وقد جاءت مبادرة المنظمتين كاختبار لاعتقاد شائع بين الرسميين وبعض المهنيين وبعض القيادات النسائية بأن العنف ضد النساء هو أمر غريب على ثقافتنا وأنه يحدث نادرا ومرتبط في الأساس بفقر وأمية وجهل من يمارسوه، كما أنه حتى في الحالات التي يتم فيها ممارسة هذا النوع من العنف فإن النساء لا يبدو عليهم التضرر منه. لكن البحث الذي قمنا به أعطى نتائج مخالفة لهذا الاعتقاد الشائع. فقد وجدنا أن العنف ضد النساء منتشر وأنه غير محدود بطبقة اجتماعية أو تعليمية بعينها وأن الرجال يعترفون به ويقرون بطونه في بعض الأحول أسلوب ضروري لتصحيح أمور النساء في الأسرة. كما وجدنا، وهو الأهم، أن النساء يعانين منه. صحيح أنهن يتحملنه لكنهن لا يرحبن به وسوف يكن أكثر سعادة، لو كان بإمكانهن أن يعشن حياة خالية من العنف، شرط ألا يلفظهن المجتمع كنساء خارجات عن المألوف وشرط ألا يحرمن من صحبة أطفالهن إذا قررن أن يتركن العلاقة التي يعنفن فيها.

كان ذلك في أعوام 1994 و 1995. في عام 1995 صدر المسح الصحي الديمغرافي المصري ليتضمن من البيانات ما يدعم نتائجنا الأولية. فقد أثبت ذلك المسح معدلا عاليا لانتشار العنف ضد النساء، كما أوضح ان ذلك العنف عادة ما يحدث في إطار الأسرة وأن الحمل لا يحمي النساء منه فقد تعرضت ثلث العينة التي تناولها المسح للضرب أثناء فترة الحمل.

منذ ذلك الوقت أدرجت الكثير من المنظمات قضية العنف ضد النساء على جدول أعمالها. وأعلنت منظمات المساعدة القانونية عن خدمات خاصة تستهدف النساء المعنفات، كما طالبت الكثير من المنظمات بالحصول على تدريبات خاصة في كيفية التعامل مع هؤلاء النساء بأحسن شكل. وقد ترتب على ذلك ارتفاع في صوت النساء المتحدثات عن العنف الواقع عليهم ومنهن من أدلت بشهادتها علانية وقد تضمنت تلك الشهادات الكثير من قصص العنف الٍأسري ولفتت نظر الرأي العام إلى قضية زنا المحارم فيما مثل تحديا لمجتمع يسعى للالتزام بإطاره الثقافي والذي ينفي وينكر حدوث مثل تلك الأمور في مجتمع متدين مثل المجتمع المصري. حتى المجلس القومي للمرأة، والذي ترأسه زوجة الرئيس، تحمس لتبني الفكرة وأنشأ خطا ساخنا للنساء المعنفات وقام بتحويل عدد غير قليل من النساء لمنظمات غير حكومية مثل مركز النديم.

وعلى الرغم من أن كل ما سبق يمثل إنجازا في مجال تناول قضية العنف ضد النساء، إلا ان الموقف من النساء المعنفات يبقى في أغلب الأحوال موقف من يتعطف على مسكين، أقرب إلى العمل الخيري منه إلى العمل الحقوقي، الذي يسعى إلى تمكين المضطهدين ودعمهم في انتزاع حقوقهم، التي هي في حالتنا “حياة خالية من العنف”.

فالترابط الأسري، بأي ثمن يبقى هو الهم الأساسي لغالبية المنظمات غير الحكومية والتي كثيرا ما تبدي تعاطفا مع المرأة المعنفة لكنها في نفس الوقت تطالب تلك المرأة بالصبر والتحمل من أجل استمرار العائلة وعدم تفككها. كذلك لا زال هناك الكثيرون الذين يبحثون في سلوك المرأة ليجدون مبررا لممارسة العنف عليها، وهم حتى ولو بدون قصد يبررون بذلك للعنف الأسري ضد النساء.

إن محاولات تغيير الموقف الاجتماعي من العنف المستند إلى النوع، في حالتنا العنف صد النساء، لازالت تفتقد إلى دعم قانوني في شكل قانون يجرم العنف الأسري ضد النساء.

كثير من النساء اللاتي يلجأن إلى المحكمة طلبا للحصول على الطلاق بسبب العنف الواقع عليهن، لا يمنحن الطلاق على أساس عجزهن عن أن يثبتن الضرر الواقع عليهن بسبب ذلك العنف، أو نتيجة لتقدير القاضي بأن العنف ضد النساء لبس أمرا غريبا على الطبقة الاجتماعية للنساء.

لقد كان القانون بشكل عام مترددا في إضفاء تغييرات تمس الحياة الخاصة للنساء. فقانون الأحوال الشخصية في أحسن أحواله يسمح للنساء بطلب الطلاق في خلال عام من علمهن بزواج زوجهن بأخرى إذا استطعن إثبات أن في ذلك ضرر بهن. كما أنهن يحتجن إلى ما يثبت تعرضهن للعنف ولا يعتبر القانون المصري الاغتصاب الزوجي جريمة طالما أن المغتصب هو الزوج.

إن غياب الدعم القانوني للنشيطات في المنظمات النسائية يضاعفه غياب التعاون من قبل المؤسسات المطلوب دعمها في مساندة النساء المعنفات. فأقسام البوليس معادية للنساء اللاتي يتقدمن بالشكاوى ضد أزواجهن بسبب العنف، والأطباء الذين يستقبلون النساء المعنفات في المستشفيات يميلون إلى التقليل من آثار العنف الواقع عليهن لأنهم لا يرغبون في أن يكونوا طرفا في “تحطيم الأسرة”.

كل هذه المواقف تستند في أصلها إلى اعتقاد بأن العنف المنزلي الواقع على النساء، حتى وإن كان شيئا غير محبوب أو غير مرحب به، إلا أنه لا يصل إلى مرتبة الجريمة، لأن ما يحدث في إطار الأسرة هو شأن الأسرة ويجب الحفاظ على خصوصيته والإبقاء عليه أمرا خاصا. أما العنف في أي مجال أو مكان آخر فهو جريمة حسب القانون المصري.

لكل ما سبق فإن حملة تعمل من أجل إصدار تشريع يجرم العنف المنزلي بكافة أشكاله هي أمر هام ومطلوب.

إن مثل تلك الحملة سوف تؤدي في حدها الأدنى إلى توعية الرأي العام والمجتمع بما هو وراء استبعاد العنف ضد النساء من قائمة الجرائم القانونية وسوف تطالب تغيير هذا الأمر. لذلك فإنه يجب على تلك الحملة أن تستند إلى قصص وخبرات حقيقية وصادقة للنساء ويجب أن تسعى إلى عقد صلات وثيقة بالأطراف الإعلامية التي تلعب دورا هاما وحاسما في تشكيل الرأي العام. كما يمكن لتلك الحملة أن تستخدم الحملة الانتخابية القادمة (نوفمبر 2005) من أجل طرح هذا المطلب على المرشحين والناخبين على السواء.

الكثيرون من الناس يحتجون ان القانون وحده غير كاف لتغيير السلوك الإنساني. إننا نؤمن بذلك تماما ولا نعتقد أن القانون وحده قادر على إنجاز ذلك. ومع ذلك، وحتى إن لم يتم تنفيذ القوانين بدقة وحتى وإن لم تكن الناس في كثير من الأحوال تحترم القوانين إلا أنها ولا شك خطوة للأمام، ان يدرك الناس، أن يدرك الأزواج أنهم يخرقون القانون حين يعنفون زوجاتهم وبناتهم بدلا من أن يشعروا بأنهم يفعلون ذلك تحت حماية الثقافة السائدة التي تمدهم بالتبريرات لسلوكهم.

لذلك نرى أن حملة تستهدف تجريم العنف المنزلي بالقانون ليس هامة وحسب وإنما هي الخطوة المنطقية التالية في الحملة ضد العنف ضد النساء التي بدأناها في عام 1993.

وإنه مما يزيد من قوة تلك الحملة أن لا تقتصر على مصر فقط وإنما أن يتم تنظيمها بشكل متزامن مع باقي أعضاء سلمى ومنظماتهن النشطة والتي تتشارك في واقع متشابه سياسيا واقتصاديا وثقافيا هو الواقع العربي.