11/10/2005
رؤية قانونية لأوضاع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بعد إخلاء قطاع غزة
قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء قطاع غزة من التواجد العسكري و جميع المستوطنات التي كانت متمركزة به في العديد من المحاور و النقاط العسكرية و التي كانت تغطي قطاع غزة من شماله وحتى جنوبه، إضافة إلى المستوطنات الإسرائيلية التي كانت تبتلع ما يقارب 39% من أراضي قطاع غزة. وقد جاء إخلاء قطاع غزة بعدما أقرت حكومة الاحتلال خطة من جانب واحد تقتضي بالانفصال و إخلاء قطاع غزة وتسليم إدارته و السيطرة عليه إلى السلطة الوطنية الفلسطينية.
و أمام هذه التغييرات التي بدأت تؤسس لمجموعة من التوجهات والرؤى المتباينة و المتضادة، وفي ظل ما تشهده الساحة من خطى محمومة نحو قراءة المستقبل والاستنباط به ومحاولة استكشافه، فإننا نضع هذه الورقة لتقديم تصور قانوني بما يتناسب مع فهم و قراءة المؤسسة لمجموعة المتغيرات من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب والتي تعتبر القاعدة والمعيار القانوني الدولي الذي يتم الاحتكام إليه لقياس مدى اتفاق وانسجام تلك المتغيرات مع القانون الدولي الإنساني، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بأوضاع الأسرى و المعتقلين الفلسطينيين بعد إخلاء قطاع غزة.
لقد جاء الاحتلال الحربي الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة خروجا و إبداعا عن كل حالات الاحتلال التي شهدها التاريخ الحديث، و استخدم من الوسائل والآليات ما لا يقارن بأي نموذج آخر لإبداعه المستمر والدائم، وحاول على مدار احتلاله إعطاءه صبغة الشرعية القانونية و الانسجام بأحكام ومعايير القانون الدولي و القانون الدولي الإنساني.
منذ ذلك التاريخ و لم تدخر دولة الاحتلال أي جهد لتسويغ تصرفاتها و قراراتها بما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة على أنها منسجمة مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وتجلت تلك التصرفات والقرارات خاصة بما يتعلق بالأسرى و المعتقلين الفلسطينيين في سجونها ومعتقلاتها.
وأمام هذه المعطيات فإننا ومن خلال هذه الورقة سنقدم تصور قانوني لأوضاع الأسرى و المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي خاصة معتقلو قطاع غزة بعد إخلائه من التواجد العسكري الإسرائيلي.
تزعم دولة الاحتلال الإسرائيلي بأن ما قامت به من إخلاء لقطاع غزة هو انسحاب و تحاول تسويقه أمام الرأي العام الدولي على أنه كذلك، و لكن المتطلع و المتفحص لما قامت به دولة الاحتلال يجد أن الأمور ليست كذلك بل أن حالة الاحتلال الحربي الإسرائيلي لقطاع غزة لم تزل قائمة بشقيها المادي والقانوني.
ولتخصيص هذه الورقة حول أوضاع الأسرى و المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال بعد إخلاء قطاع غزة من التواجد العسكري الإسرائيلي، فقد عقدت العديد من المؤتمرات والأوراق سواء على الصعيد الرسمي أو الأهلي و قدمت موقفا واحدا و محددا حول الوضع القانوني لقطاع غزة بعد إخلاءه من التواجد العسكري الإسرائيلي وتم إعطاء تصور واضح حول ذلك وانعكس ذلك على الخطاب الرسمي الذي تتبناه المؤسسة الرسمية في تعاطيها مع هذا الحدث، و التي تؤكد في كل المناسبات و المنابر على عدم انتهاء حالة الاحتلال لقطاع غزة على الرغم من إخلاءه فعليا من التواجد العسكري الإسرائيلي.
أما فيما يتعلق بملف الأسرى و المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد إخلاء قطاع غزة وإعادة الانتشار فيه فإنه يجب النظر إلى بعض المحددات وذلك لمحاولة توصيف الملف من الناحية القانونية.
تحتكم دولة الاحتلال الإسرائيلي في معالجة ملف الأسرى والمعتقلين إلى الأوامر العسكرية الإسرائيلية والتي تنظم عملية الاعتقال منذ لحظة الاعتقال الأولى وحتى الإفراج عن المعتقل.
تستخدم دولة الاحتلال ما يسمى ” الاعتقال الإداري” بحق المعتقلين الفلسطينيين حيث الاعتقال دون وجود أية تهمة بحق المعتقل و يتم اعتقاله بموجب قرار صادر من القائد العسكري الإسرائيلي للمنطقة التي يخضع المعتقل لإدارتها.
تنظر جميع القضايا الخاصة بالأسرى والمعتقلين الفلسطينيين محاكم عسكرية مكونة ومشكلة من قضاة عسكريين تكون مهمتهم تنفيذ الأوامر العسكرية الخاصة بهذا الشأن.
على مدار الاحتلال استخدمت دولة الاحتلال هذا الملف كأحد الوسائل الضاغطة والمؤثرة لإحداث أكبر ضرر وألم في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
اعتقال الفلسطينيين في سجون و معتقلات داخل إسرائيل و ليس بالأراضي المحتلة.
و أمام هذه المحددات فإننا نجد أن هذا الملف قد حظي باهتمام خاص من جانب دولة الاحتلال بإمعان الانتهاك السافر لحقوق الإنسان و للقانون الدولي الإنساني و محاولة إحداث أكبر ضرر وألم ممكن في صفوف هذه الفئة من المدنيين الفلسطينيين.
إذن فمخالفة دولة الاحتلال للقانون الدولي الإنساني وعلى وجه الخصوص اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب وقانون حقوق الإنسان هو المعيار والمنهج الذي انتهجته طوال فترة احتلالها. ولنا في سبيل استعراض المخالفات والانتهاكات التي ارتكبتها ما لا يتسع المجال هنا لاستعراضه وتوضيحه.
أما ما يتعلق بأوضاع الأسرى و المعتقين بعد إخلاء قطاع غزة فإن الأمر للا يختلف كثيرا حيث مسلسل الانتهاكات والمخالفات القانونية مازال مستمرا وتواترا ومتصاعدا ولكن هنا يجب استعراض بعض العناصر وهي:
1. بعد إخلاء قطاع غزة من التواجد العسكري الإسرائيلي فإن الجيش الإسرائيلي قد أصدر منشور يعلن فيه إنهاء الحكم العسكري لقطاع غزة وتسليم الإدارة و السيطرة على القطاع إلى السلطة الفلسطينية.
2. بانتهاء الحكم العسكري لقطاع غزة وفقا لهذا المنشور قامت حكومة الاحتلال بالعديد من الخطوات وهي:
أ- تم إلغاء المحكمة العسكرية و كذلك النيابة العسكرية في إيرز ” شمال قطاع غزة”.
ب- تم نقل جميع القضايا المتعلقة بالمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة إلى المحاكم المدنية وإلى المدعي العام المدني.
ت- ابتدعت إسرائيل مفهوما جديدا في تكييف اعتقالها لبعض المعتقلين الفلسطينيين تحت مفهوم “مقاتل غير شرعي حيث كانت قد أصدرت قانونا يجيز بموجبه لرئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي بأن يصدر أمر باعتقال اثنين من المعتقلين الإداريين وهم رياض سعدي عياد 32 عاما من غزة و حسان مسعود عياد 32 عاما من غزة.
وأصدرت بتاريخ 12/9/2005 أمرا عسكريا يقضي باستمرار اعتقالهم باعتبار أنهما ” مقاتلان غير شرعيان “.
وبناءا على ما تم استعراضه تبين لنا حجم الخروقات و الانتهاكات و الاستهتار و الاستخفاف الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى و المعتقلين الفلسطينيين وكم هي الوسائل والآليات التي تحاول تسويغها لإضفاء الشرعية القانونية على جميع التصرفات والقرارات وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بقضية الأسرى و المعتقلين في سجونها.
وكما ذكرنا سابقا فإن دولة الاحتلال تحاول تسويق ما قامت به في قطاع غزة على أنه انسحاب بالمفهوم المادي و القانوني وذلك لتحقق من خلال تعميق تلك التصورات و القناعات العديد من النتائج التي تتفق وتنسجم مع مصالحها و فهمها لطبيعة الصراع و منحنياته التي يجب أن يمر من خلالها.
فموقف القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بحالة الأسرى و المعتقلين بعد جلاء الاحتلال من الأراضي المحتلة واضح و محدد.
فقد أكدت المادة (76) من اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب على أن ” يسلم الأشخاص المحميون الذين اتهموا أو أدانتهم المحاكم في الأراضي المحتلة مع الملفات المتعلقة بهم، عند إنهاء الاحتلال إلى سلطات الأراضي المحررة “.
وعليه ووفقا للقانون الدولي الإنساني فإنه يجب على دولة الاحتلال في حال الانسحاب من الأراضي التي تحتلها أن تسلم جميع المعتقلين لديها إلى السلطة التي تتولى الأراضي المحررة.
وعليه فإن مؤسسة الضمير تؤكد على الآتي:
1-ان ما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي من إخلاء لقطاع غزة و إعادة الانتشار فيه لا يمثل انسحابا لا بالمعنى المادي ولا القانوني. واستمرار اعتقال المواطنين من قطاع غزة على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي إنما هو أحد الدلائل والمؤشرات لذلك.
2-ان ما تسوقه قوات الاحتلال الإسرائيلي على أنه إنهاء لحالة الاحتلال في قطاع غزة إنما هي محاولة لتضليل الرأي العام الدولي وصولا إلى التهرب من المسؤوليات والالتزامات القانونية المترتبة عليها و ذلك تطبيقا وإعمالا للقانون الدولي الإنساني و اتفاقيات ومواثيق حقوق الإنسان.
3-استمرار الانتهاكات والمخالفات بحق الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي إنما يمثل رؤية ومنهاج تتبعه قوات الاحتلال في استهتار واستخفاف واضح وبيّن للقانون الدولي الإنساني وقاموس حقوق الإنسان.
4-إلغاء المحكمة العسكرية في إيرز شمال قطاع غزة و النيابة العسكرية و صدور منشور يلغي من خلاله الحكم العسكري لقطاع غزة وأخذ مجموعة من الإجراءات القانونية الجديدة لا يعتبر مؤشرا قانونيا بأي حال من الأحوال على إنهاء حالة الاحتلال لقطاع غزة الأمر الذي يعني استمرار مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين وانطباق اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب على قطاع غزة.
5-الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال هو أحد الاستحقاقات الرئيسية الذي يجب أن تلتزم بها حكومة الاحتلال لما تسميه إنهاء الحكم العسكري لقطاع غزة.