7/3/2008
بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين
يصادف غداً السبت الثامن من آذار ، يوم المرأة العالمي ، حيث يحتفل العالم أجمع بالمرأة أينما وجدت ، تقديراً لها وتكريماً لدورها ووفاءاً لتضحياتها ، واصراراً على ضرورة تحسين أوضاعها وانتزاع حقوقها المسلوبة .
وتقديراً مني لدور المرأة الفلسطينية عامة التي ظهرت على مدار التاريخ بصور متعددة ، ومساهمة مني في ابراز دورها ، معاناتها ، وتضحياتها الجسام ، وجدت من الأهمية بمكان أن أكتب ولو بايجاز عن المرأة الفلسطينية عامة والأسيرة خاصة في اليوم العالمي للمرأة .
نعم لقد قدمت المرأة الفلسطينية نفسها في صور متعددة ، وسجلت لنفسها تجارب أكثر من رائعة في سياق تاريخاً مشرقاً ، يستحق وبجدارة أن يشكل مفخرة لنا وللأمتين العربية والإسلامية ، حيث أنها أدركت مبكراً أن خلاصها من عبودية المجتمع ، لا يمكن أن يتحقق إلاّ بخلاصها من عبودية الإحتلال ، وبتحرير وطنها من المحتل ، ولهذا فقد اندفعت المرأة الفلسطينية إلى ساحة النضال ، وأصبح همها وهم الرجل هو تحرير الوطن المسلوب .
فشاركت بفاعلية في النضال الوطني عبر التاريخ الفلسطيني ، وفي العام 1921 شكلت أول إتحاد نسائي فلسطيني ، أسسته أميليا السكاكيني وزليخة الشهابي هدفه مناهضة الانتداب البريطاني والوقوف في وجه الاستيطان الصهيوني ، و في فترة لاحقة تم تشكيل لجنة السيدات العربيات عقب مؤتمر عام عقد في القدس في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1929 وحضرته 300 سيدة عربية . وفي العام 1948 شكل عدد من النسوة في يافا فرقة نسائية سرية للتحريض وتزويد الثوار بالأسلحة والتموين باسم “زهرة الأقحوان” ، وفي نفس الفترة شكلت جمعية ” التضامن النسائي” للقيام بأعمال التمريض والإسعاف.
ولا شك بأن المرأة الفلسطينية قد تأثرت بنكبة العام 1948 وتفتيت البنية الإقتصادية والإجتماعية واقتلاع الآلاف من الفلسطينيين من بيوتهم ، وعاشت هول النكبة وعمق المأساة، الأمر الذي عزز لديها الشعور بالانتماء للوطن كأي رجل ، مما دفع لتطور مستوى مشاركتها في العمل السياسي والكفاحي .
وبعد حرب حزيران عام 1967 حدث تطور نوعي آخر على دور المرأة الفلسطينية في انخراطها بالثورة ومشاركتها في الأنشطة المختلفة قياساً بدورها في العقود السابقة ، فساهمت في النضالات السياسية وانخرطت في منظمات المقاومة المختلفة، و شكلت بعد ذلك العديد من الإتحادات الخاصة بها بهدف توحيد طاقاتها وجهودها وتطوير عملها وأنشطتها بما يخدم أهدافها ومنها : اتحاد لجان العمل النسائي الذي تأسس في رام الله عام 1978، تحت شعار ” نحو حركة نسائية جماهيرية موحدة ” .
اتحاد لجان المرأة العاملة وتأسس في عام 1978، كمنظمة نسائية ديمقراطية، تهدف إلى تحرير المرأة الفلسطينية، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً .
اتحاد لجان المرأة للعمل الاجتماعي وتأسس عام 1981، وهدف إلى الالتزام بقضايا تحرير المرأة، والنضال من أجل حصولها على حقوقها كاملة ومساواتها التامة بالرجل مع ضمان حقوقها في الأمومة .
لجان المرأة الفلسطينية و تأسست في بيت لحم عام 1981، ولها فروع رئيسة في الضفة والقطاع .
فانخرطت المرأة في النضال داخل فلسطين وخارجها، وخاضت ببسالة معارك الدفاع عن الثورة الفلسطينية في مواقع وساحات جغرافية ونضالية مختلفة ، وانضوت تحت لواء منظمات المقاومة الفلسطينية.
ووصفت المناضلة ليلى خالد التي اشتهرت بخطف الطائرات واقع المرأة الفلسطينية السابق والحالي والمستقبلي فتقول ( من المستحيل أن تكون هذه امرأة عادية، بل هي مناضلة قوية الشخصية حرة التفكير لا تهاب أي شيء مهما كبر أو صغر، همها الوحيد أن تُدافع عن حق المرأة في العيش بحرية في المجتمع العربي متساوية مع الرجل على المستوى السياسي والنضالي والاقتصادي والاجتماعي ) .
نعم صدقت أيها المناضلة فهذه ليست امرأة عادية فظهرت في عدة صور ، فهي الأم التي حثت أبنائها وبناتها على التعليم والعمل والإنتاج ، وأرضعتهم حليب الثورة وحثتهم على النضال والإستشهاد أيضاً ، وهي المعلمة التي علمت أجيال والعاملة الكادحة التي أنتجت ، والمنظمة التي قادت خلايا تنظيمية ونقلت الرسائل وسهلت اختفاء المناضلين، و هي المرأة المحرضة والداعية السياسية النشطة والقائدة الجماهيرية ، و المقاتلة ضد الإحتلال من أجل الحرية والإستقلال ، فشاركت بالقلم والحجارة وزجاجات المولوتوف وفي العمل المسلح ، فهي التي شاركت في عمليات نوعية عجز عنها العديد من الرجال كعمليات خطف الباصات والطائرات والعمليات الإستشهادية ، كما و لعبت المرأة الفلسطينية دوراً محورياً في حماية التقاليد والتراث الوطني وغرس احترام القيم الوطنية ، وكذلك كان لها دور بارع في انقاذ المقاومين المحاصرين خلال انتفاضة الأقصى .
وقدمت المرأة الفلسطينية الأم المثالية والمناضلة المميزة والقائدة الفذة ، قدمت الشهيدة الخالدة والأسيرة الصامدة والمبعدة الحالمة بالعودة ،والمحررة الصابرة التي أمضت شهور و سنوات طويلة وراء القضبان .
وكانت شادية أبو غزالة أول شهيدة فلسطينية استشهدت أثناء إعدادها قنبلة متفجرة في تشرين ثاني 1968، كما كانت فاطمة برناوي أول مناضلة فلسطينية يتم اعتقالها في تشرين ثاني 1967 بعد وضعها قنبلة في سينما صهيون في مدينة القدس، وحكم عليها بالسجن مدى الحياة.
تعرضت المرأة الفلسطينية ، كما الرجال الفلسطينيون إلى الإعتقال
نعم لقد تعرضت المرأة الفلسطينية ، كما الرجال الفلسطينيون إلى الإعتقال ، وزج بالآلاف منهن في غياهب السجون على مدار سني الإحتلال ، ليتعرضن لأبشع أنواع التنكيل و التعذيب أثناء الاعتقال ، فمنذ لحظة اعتقالها على يد الجنود الذكور تتعرض للاستفزازات مع عدم وجود مجندات ، ويتعرضن للضرب والشبح والضغط النفسي والتفتيش العاري والتهديد بالاغتصاب بل بعضهن اغتصبن فعلاً ، والعزل الإنفرادي ، والإعتداء من قبل السجينات الجنائيات الإسرائيليات اللواتي تعمد الإدارة إلى وضعهن في نفس أقسام الأسيرات الفلسطينيات، والمعاملة الإستفزازية القاسية واللاإنسانية … وازدادت معاناتهن أسوة ببقية الأسرى خلال انتفاضة الأقصى حيث استغلت إدارة السجون عددهن القليل وقامت بالاستفراد بهن وزجهن في زنازين انفرادية وحرمانهن من أبسط متطلبات الحياة الإنسانية.
وفي وصف أقبية التحقيق والزنازين التي توضع بها الأسيرات قالت إحداهن ” أن الزنزانة التي وضعوني بها لونها رمادي غامق وخشنة الملمس وتفيض بها المجاري التي لا تطاق، أما الفرشات والبطانيات فهي وسخة وقذرة ومليئة بالبق والحشرات، والضوء فيها باهت جدا مزعج للنظر، ويوجد مكيف هواء أحيانا يتم إغلاقه مما يسبب ضيقاً في التنفس، ولا يوجد شبابيك فيها، وفي بعض الأحيان يحضر السجانون الذكور، ويفتحون باب الزنزانة بشكل مفاجئ ما يسبب خوفا وإهانة أخلاقية للأسيرة”.
فمعاناتها تتعدى الوصف فهي الأم التي أنجبت خلف القضبان ولم يفك قيودها إلا قبل الولادة بربع ساعة فقط ، وهي الأم التي تركت أولادها الصغار لتمضي سنوات خلف الأسر ، وهي الطفلة البريئة التي لم يرحموا طفولتها لتزج هي الأخرى في زنازين الإحتلال ، وهي الأسيرة التي تمضي حكماً بالسجن المؤبد عدة مرات .
صور من العذاب.. روايات تصلح لأن تكون سناريوهات في سينما “هوليود”… قد يخيل للبعض أنها روايات مبالغ فيها … ولعل المشكلة عدم وجود أي إثبات سوى الروايات التي تقدمها الأسيرات الفلسطينيات.
وبالرغم من ذلك أثبتت الأسيرة الفلسطينية كما المرأة الفلسطينية عامة أنها عصية على كل مؤامرات الإحتلال في الحط من عزيمتها ، فخاضت منذ بداية تجربة الاعتقال العديد من النضالات والخطوات الاحتجاجية في سبيل تحسين شروط حياتهن المعيشية وللتصدي لسياسات القمع والبطش التي تعرضن لها ، وقد شاركت جنباً إلى جنب مع الأسرى بالعديد من الإضرابات المفتوحة عن الطعام استمر بعضها إلى أسابيع وشهور ، واستطاعت الأسيرات بفعل نضالاتهن وصمودهن تحقيق العديد من المنجزات وبناء المؤسسة الاعتقالية باستقلالية داخل السجن .
وفي سجل تاريخ الحركة النسوية الأسيرة مواقفاً أسطورية عجز الرجال عنها كما حصل عام 1996 عندما رفضن الأسيرات الإفراج المجزوء عنهن على أثر اتفاق طابا وطالبن بالإفراج الجماعي ودون ذلك فضلن البقاء في السجن واستطعن أن يفرضن موقفهن في النهاية ليتم الإفراج عن جميع الأسيرات في بداية عام 1997 .
وخلال إنتفاضة الأقصى صَّعدت قوات الإحتلال من حملات الإعتقال ضد النساء والفتيات نظراً لدورهم المتصاعد ، فاعتقلت خلالها قرابة ( 720 ) مواطنة ، بقى منهن لحتى الآن ( 102 ) مواطنة رهن الإعتقال ، وجميعهن اعتقلن خلال الإنتفاضة ، بينهن ( 4 ) أسيرات فقط من قطاع غزة ، فيما الباقي من المناطق الفلسطينية الأخرى ، ومنهن ( 4 ) أسيرات قاصرات وأقل من 18 عاماً .
كل هذه الصور النضالية تؤكد كم هي المرأة الفلسطينية طاقة نضالية ، يجب علينا احترامها وتعبئة إمكانياتها وتوظيفها في نضالنا العادل ، والتاريخ أثبت أنه عندما تتاح لها الفرصة لا تتوانى ولا تتقاعس عن تأدية واجبها الوطني والإجتماعي والإنساني .
فكل التحية للمرأة الفلسطينية في يوم المرأة العالمي .