22/3/2009
ورقة تعريفية وتسعى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في هذه المذكرة الموجزة إلى الرد على بعض أبرز الاعتراضات والحجج التي دفع بها البعض أثناء هذه المناقشات، توضيحاً لبعض المفاهيم، وتصحيحاً لبعض المعلومات الخاطئة التي يتم ترويجها حول القانون الجديد. هل يفرض مشروع القانون إجراءات معقدة لإدخال المصابين باضطرابات نفسية إلى المنشآت الصحية؟ ألا يعني ذلك أن المستشفيات سيتم إفراغها من المرضى؟ فلماذا إذن يشكو بعض الأطباء النفسيين من أن القانون الجديد سيعيقهم عن علاج المرضى ويفرض عليهم قيوداً في هذا الصدد؟ أليس من الأفضل ومن الطبيعي أن نثق في الطبيب النفسي ونمنحه السلطة الكاملة في اتخاذ القرارات لمصلحة المريض؟ وما صحة المقولة أن القانون يفرض على الأطباء النفسيين دونا عن باقي الأطباء عقوبات من شأنها التشكيك فيهم والتقليل من احترامهم والثقة بهم؟ والعقوبات في القانون الجديد ليست مخصصة للأطباء فقط، وإنما هي في أغلبها تنطبق على أي من أفراد الفريق العلاجي أو أي فرد آخر يرتكب مخالفة لأحكام هذا القانون. لا شك أن الغالبية العظمى من الأطباء تتميز بالأمانة والإخلاص وتعمل من أجل صالح المريض، لكننا شهدنا أيضا وسمعنا عن مخالفات وجرائم مريعة – أعلنت عنها نقابة الأطباء نفسها – تورط فيها عدد من الأطباء وأحيانا من كبار الأطباء، وليس آخرها ما نشر عن جرائم سرقة الأعضاء أو الاتجار بالأطفال. إن وضع عقوبات في القانون هام لضمان الحقوق ولا يجب أن تخيف الأطباء الذين يلتزمون بنصوصه. أما سواهم فان تخويفهم من ارتياد مجال الطب النفسي هو مكسب للأطباء وللمرضى وللمجتمع. غير أنه يبقى في المجال متسع لمناقشة مدى تناسب الجزاء مع المخالفة التي تستوجبه في القانون، أو مدى إحكام النص التشريعي في الدلالة على المقصود منه حتى لا يلتبس معناه على الناس. ونحن نرى أن بعض المخالفات في مشروع القانون بشكله الحالي مخالفات إدارية لا يتناسب معها توقيع العقوبات السالبة للحرية، ويمكن الاكتفاء حيالها بالغرامة أو تعليق الترخيص أو الإيقاف عن العمل أو غير ذلك من العقوبات. ولكن ألم يكن من الضروري أخذ رأي الأطباء النفسيين ودواعي قلقهم في الاعتبار عند صياغة القانون؟ ما حقيقة التصريحات التي تدعي أن القانون الجديد مستورد ويخالف تقاليد مجتمعنا؟ من الاعتراضات السهلة (كي لا نقول الكسولة) التي تم تقديمها ضد القانون، الحديث عن كونه “مستوردا من الخارج” أو “غير مناسب للبيئة المصرية”، أو “غير ملائم لثقافتنا وبيئتنا”. وهي عبارات يتم ترديدها دون توضيح أو تفصيل، وكأن مجرد ترديدها كفيل بإنهاء المناقشة دون الحاجة إلى أي إيضاح حول كيفية قياس هذا التناسب أو ماهية القيم التي يدافعون عنها. إن أنصار هذا الرأي بالرغم من أنهم يبدءون بالاعتزاز بثقافتنا “الشرقية المحلية” ورفض السماح لـ “الغزو الثقافي الغربي” بمحوها، ينتهون بتوجيه إهانات بالغة لهذه الثقافة ولنا. فكل خطوة تخطوها مجتمعاتنا في اتجاه حماية حقوق فئات تعرضت للظلم أو التهميش كالنساء أو الأطفال (والآن المرضى النفسيين) يصورونها على إنها انتصار لمخطط الغزو الثقافي الغربي. وأنصار هذا المنظور يهينون ثقافتنا عبر تصويرها في حالة تعارض (غير حقيقي) مع احترام الكرامة الإنسانية الأصيلة لكل إنسان. وإذا كانوا يرون أن ثقافتنا تقوم على التهام حق الإنسان في الكرامة والمساواة والعدل فلماذا يدافعون كل هذا الدفاع المستميت عنها؟ ولكن ألا يتعارض منح حقوق للمريض النفسي مع الدور المحوري للأسرة ودورها في رعاية أفرادها من المرضى؟ من المؤسف أن السادة المعترضين هذه المرة وهم يتحدثون عن دور الأسرة لا يتحدثون عن معرفة حقيقية. إننا ندعو السادة المعترضين، خاصة من الأطباء الذين اكتسبوا خبراتهم من العمل في المستشفيات الخاصة إلى زيارة المستشفيات العامة التي تمتلئ بالمرضى المتعافين الذين يرفض الأهل استلامهم أو حتى زيارتهم، وندعوهم ليسمعوا مئات القصص عن تحايل الأسر في التهرب من أبنائها في المستشفيات، وعن الجهود المضنية التي يبذلها العاملون في المستشفى لإقناع الأسر برعاية أفرادها هؤلاء، بدافع من الفقر وسوء الأحوال المعيشية أحيانا، أو بالرغبة في الاستيلاء على الميراث أو الممتلكات، أو بسبب الإحساس بالخجل أو العار من المريض أو حتى لمجرد الضيق به وبرعايته. إن المعترضين، يدافعون عن حق الأسر في فرض الوصاية على المريض وإجباره على البقاء خلف الأسوار وفي الامتثال لإرادتها حتى ولو ضد مصلحته. والمعترضون على منح المرضى النفسيين حقوقهم المكفولة لهم كبشر أولاً وكمرضى تالياً بدعوى الحفاظ على كيان الأسرة لا يختلفون كثيراً عن الأصوات التي اعترضت العام الماضي على حماية الأطفال من العنف والاستغلال والإيذاء داخل الأسرة عند تعديل قانون الطفل. هل يستبعد القانون مدمني المخدرات والكحوليات من قائمة المرضى النفسين؟ ولا بد هنا من التمييز بين قواعد الممارسة الطبية من ناحية وبين المخالفات الجنائية والقواعد الأخلاقية من ناحية أخرى. فالمطلوب من قانون خاص بالعلاج والرعاية النفسية أن يحدد من هو المريض المستحق للعلاج وكيف يتم علاجه، لا أن يحدد من هو المذنب أو ما هو العيب. ويجب أن ننتبه إلى أنه من الخطر الجسيم السماح بإساءة استغلال “المرض النفسي” كوسيلة لإدانة أو لعقاب أو لإجبار أي فرد على تغيير سلوكه أو معتقداته لأن المجتمع يرفضها أو لأن الدولة تعارضها. ويجب ألا ننسى أن هذا هو بالضبط المدخل الذي طالما أسيء استعماله، ومازال، في بلدنا كما في بلاد كثيرة أخرى لاضطهاد المعارضين والمخالفين سياسياً أو دينياً أو اجتماعياً. اعترض البعض على القانون لأنه لا يحل مشكلة المرضى المزمنين بالمستشفيات، والمرضى الذين ليس لهم مأوى، وأنه لا يوجد برنامج تأهيلي كامل للمرضى قبل الخروج، ولا توجد آلية حقيقية لخروج المرضى المزمنين. هل هذا صحيح؟ القانون مجرد خطوة إيجابية أولى يجب أن تتبعها خطوات أخرى. فالقانون يهدف إلى تحسين الأحوال في منشآت الصحة النفسية ووضع قواعد سليمة لاحتجاز وعلاج المرضى وهي أمور حيوية. إلا أن هذا يجب أن يتم بالتنسيق الجيد والتدريجي وبالتوازي مع إنشاء شبكة محكمة من الخدمات التي تقدم بدائل من الخدمة النفسية المجتمعية، وتعمل على تأهيل المرضى المزمنين داخل المستشفيات تأهيلاً جيداً وإخراجهم إلى المجتمع، كما تدعم دور المجتمع في تقديم المساندة للمرضى. والقانون في صيغته النهائية الحالية لا يحل مشكلة المرضى المزمنين بالمستشفيات. وفي هذا السياق، فقد طالبنا بالنص على التزام الدولة بكفالة تقديم خدمات الصحة النفسية ضمن شبكة الرعاية الصحية الأولية. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تحسين إتاحة خدمات الصحة النفسية ويقلل من الاحتياج إلى الإدخال القسري للمستشفيات. وطالبنا أيضاً بالنص على التزام الدولة بتوفير وإتاحة خدمات المعالجة المجتمعية مثل خدمات العيادات النفسية الخارجية للمرضى، وخدمات التأهيل للأشخاص الذين خرجوا من المرافق النفسية، والرعاية المنزلية الإشرافية، ودعم المصابين باضطراب نفسي، والنص على التزام الدولة بإعادة إدماج ذوي الإعاقة النفسية في المجتمع بتوفير فرص العمل والإقامة والضمان الاجتماعي. فما الذي يقدمه مشروع القانون الجديد إذن؟ وحدد المشروع الأحوال التي تجيز احتجاز المصابين باضطرابات نفسية على غير إرادتهم في مرافق الصحة النفسية بشكل يتماشى مع المعايير المهنية العالمية. وكفل القانون حق التظلم للمريض وعائلته من قرارات الاحتجاز، ونص علي كفالة الضمانات الإجرائية في هذا الصدد. وأكد مشروع القانون أيضا على حق المريض في الموافقة المستنيرة على علاجه وميز بين الدخول الإلزامي والعلاج الإلزامي وجعل لكل منهما إجراءاته الخاصة، وأخضع العلاج الإلزامي للتقييم الدوري، وأوجب على الأطباء تسجيل ومراجعة الخطة العلاجية دورياً. كما استحدث المشروع نظام الأوامر العلاجية لمعالجة المرضى خارج المستشفيات، ومنع عزل وتقييد المريض دون الالتزام بالضوابط المنظمة لذلك. ومن أهم مزايا مشروع القانون أنه نص على قائمة بحقوق المريض النفسي داخل المنشآت، وأوجب الالتزام بها ونص على عقوبات في حالة مخالفتها. ونص أيضا على ضرورة تعريف المريض والقائمين عليه بهذه الحقوق، واستحدث القانون لجنة لرعاية حقوق المرضى بكل منشأة ونص على مشاركة المجتمع المدني فيها. لمزيد من التفاصيل والمعلومات حول مشروع قانون الصحة النفسية الجديد، يمكن الاطلاع على الرابط التالي: مشروع قانون الصحة النفسية: خطوة أولى على الطريق الصحيح – دراسة تحليلية |
[an error occurred while processing this directive]