19/9/2005

إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أخذا بعين الاعتبار النسخة المحينة لمشروع قانون 36.04 المتعلق بالأحزاب السياسية، وهي النسخة المعروضة على البرلمان حاليا من أجل المصادقة لتستأنف إبداء ملاحظاتها على هذا المشروع، مؤكدة من جديد أن قراءتها الحقوقية لهذه الوثيقة تستلزم ما يلي:

ــ ضرورة الاستناد إلى المواد الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: 18، 19، 22، 25، و التي تنص اتباعا على: الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، والحق في حرية الرأي والتعبير

والحق في تكوين الجمعيات، وحق المشاركة في إدارة الشؤون العامة إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية، دون إغفال المادة 22 التي تنص على الحق في تكوين الجمعيات والتي جاء في فقرتها الثانية: “لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديموقراطي”.
ــ الإقرار بحرية تأسيس الأحزاب السياسية على قاعدة التصريح بالتأسيس وليس الترخيص.
ــ الإقرار باستقلالية الأحزاب السياسية في تسيير شؤونها الداخلية ونسج علاقاتها على قاعدة الديموقراطية والشفافية مع اعتبار أي تدخل فيها من طرف أية سلطة جريمة يعاقب عليها القانون.
ــ الإعتراف بالقضاء وحده بالبث في المنازعات التي تنشأ بين الأحزاب والدولة.
ــ عدم تمييز الدولة بين الأحزاب السياسية على جميع المستويات بما في ذلك التمييز بينها من حيث التمويل، واتخاذ المواقف بما يخدم استقلاليتها عن السلطة الحكومية.

إن المشروع في أحكامه العامة لا ينص صراحة على أن الهدف الجوهري لأي حزب سياسي في إطار التنافس لتدبير الشأن العام هو الوصول إلى السلطة من أجل تطبيق برنامجه العام بل يكتفي بحصر دور الحزب السياسي في تنظيم المواطنين وتمثيلهم وفي المساهمة في نشر الثقافة السياسية ومشاركة المواطنين في الحياة العامة، مما يجعل من الحزب مجرد “شريك” ينفذ التوجهات العامة لسياسة الدولة.

إن تأسيس الأحزاب على مبادئ عنصرية أمر منبوذ، إلا أن تأسيسها على أساس جهوي لا يمكن أن ينزل منزلة النزاعات العنصرية، بل ينبغي تشجيعه ليس فقط لكون ذلك مرتبط بحرية الرأي والتعبير، والحق في التنظيم على أساس جهوي، وإنما أيضا انسجاما مع سياسة الجهوية التي تبنتها الدولة المغربية.

وتجدر الإشارة أن المشروع لا يفسح المجال لفئات من المواطنين الكامل الأهلية للإنخراط الحزبي، وبالتالي للتعبير عن أرائهم السياسية كحراس السجون والجمركيون… (الفقرة الرابعة من المادة السادسة).

أما في الباب الثاني، المتعلق بتأسيس الأحزاب السياسية، فإن المشروع يفرض شروطا تعجيزية في التأسيس تتمثل من جهة في تقديم تصريح مكتوب ضمن الملف المودع من طرف الأعضاء المؤسسين لوزارة الداخلية، يحمل التوقيعات المصادق عليها من طرف 300 عضو مؤسس على الأقل

كما تتمثل من جهة أخرى في اشتراط أن يكون هؤلاء الأعضاء موزعين حسب مقراتهم الفعلية على نصف عدد الجهات المغربية على الأقل، دون الحديث عن كثرة المعلومات والوثائق التي يطالب بها الأعضاء المؤسسون، والإشتراط فيهم أن يكونوا مسجلين في اللوائح الإنتخابية العامة، وهذا يكبل هذه الحرية مما يستلزم رفع هذه القيود على حرية الرأي والتعبير.

وفي نفس الباب يمنح المشروع لوزارة الداخلية صلاحيات واختصاص البث في حالة عدم تسوية وضعية ملف تأسيس الحزب، كما أنه يجيز لها الانحشار في الشؤون الداخلية لحزب ما في حالة عدم انعقاد المؤتمر التاسيسي للحزب داخل اجل سنة يبتدئ من تاريخ الإشعار المشار إليه في المادة العاشرة من هذا القانون، أو من تاريخ الحكم النهائي الذي يقضي بأن شروط وشكليات تأسيس الحزب مطابقة لأحكام هذا القانون، أو في حالة عدم حضور 500 مؤتمر على الأقل في اجتماع المؤتمر التأسيس من بينهم ¾ الأعضاء المؤسسين بحسب مقرات إقامتهم الفعلية على نصف عدد الجهات المغربية على الأقل شرط أن لا يقل عددهم في كل جهة على 5% من هذا العدد، وتمكينها أيضا من إيقاف نشاط الحزب في حالة رفع طلب إبطال تأسيسه إلى المحكمة الإدارية وهو ما يضفي صبغة قضائية على سلطة وزارة الداخلية سابقة على السلطة القضائية الفعلية المتجسدة في حكم المحكمة.

إن اشتراط توفر عدد معين من الأفراد سواء عند التاسيس أو في المؤتمر التأسيسي لإعطاء المشروعية القانونية لقيام حزب ما، يبقى عاملا محفزا على إفساد الحياة السياسية لما سيؤدي إليه من نزوع العديد من مؤسسي الأحزاب نحو حشد العدد المطلوب من الأعضاء وبطرق غير شرعية إما ارتشاء أو إغراء، مما يضرب في العمق شرعية تأسيس الأحزاب السياسية.

إن فرض شروط تعجيزية أمام تأسيس الحزب السياسي واستبدال التصريح بتأسيسه بالترخيص لذلك، لا يعتبر انتهاكا صارخا لحرية تأسيس الأحزاب السياسية، ويفسح المجال لإفساد الحياة السياسية عبر تنشيط هذه الشروط لظاهرة شراء التوقيعات كما سبقت الإشارة إلى ذلك

كما أن السماح بالانحشار في الشؤون الداخلية للحزب ليعتبر خرقا لاستقلالية الأحزاب في تسيير شؤونها الداخلية وفق نظامها الداخلي، أيضا فإن اشتراط التسجيل في اللوائح الانتخابية للأعضاء المؤسسين هو إكراه لهم إذ أن ذلك يتعارض مع حرية الرأي والتعبير، وينقل المشاركة الانتخابية في العمق من مستوى التقدير السياسي الحر إلى مستوى الإكراه
وهو بذلك يتعارض أيضا مع المقتضيات الديموقراطية. كما أن حضور وزارة الداخلية بقوة في الحياة الداخلية للأحزاب حسب المشروع يؤكد استمرار الثقل الذي يشكله الهاجس الأمني في المشروع.

وفيما يتعلق بالأبواب (3 و4 و5 و6 و7) فإن أهم الملاحظات نسجلها كما يلي:
ــ تزكية، مرة أخرى ، للتدخل السافر لوزارة الداخلية في الشؤون الخاصة بالأحزاب السياسية وهو تعكسه المواد من 22 إلى 24.

ــ التأطير القانوني للتمييز ما بين الأحزاب السياسية من خلال ربط منح الدعم السنوي لتغطية المصاريف بعدد مقاعدها وممثليها في البرلمان، وهو إجراء فيه انتهاك لحرية الرأي والتعبير، وخرق سافر للمادة الثالثة من الدستور المغربي الذي يساوي ما بين الأحزاب السياسية من حيث مساهمتها في تنظيم المواطنين وتمثيلهم دون أن يميز – الفصل الثالث – في ذلك ما بين الحزب المؤيد لسياسة الدولة والحزب المعارض لها،

مع التأكيد والتذكير بأن الدعم المقدم للأحزاب يؤخذ من المالية العامة، أي من ضرائب المواطنين… لذا وجب التنصيص على استفادة كافة الأحزاب من الإعانات المقرر صرفها.

ــ إعادة التأكيد في الباب السادس المتعلق بالجزاءات على تضخيم دور وزارة الداخلية على حساب دور القضاء من حيث الاختصاص في البث في كل المنازعات التي تنشأ بين الدولة والأحزاب السياسية، وهو ما يلاحظ من خلال المادة 50 التي تمنح لوزير الداخلية الحق في توقيف الأحزاب السياسية بمبرر الإخلال بالنظام العام، والكل يعلم بالعدد الهائل لضحايا الاعتقال السياسي، النفي والاختطاف،… الذين مورست عليهم أشكال التعسف والانتهاك تحت ذريعة الإخلال (بالنظام العام)، لذلك فإن كافة النزاعات المرتبطة بالوجود القانوني لأي حزب يختص به القضاء الذي ينبغي أن يكون محايدا مستقلا ونزيها.

إن ما يعكس سلبية المادة 62 الواردة في الباب السابع ضمن (أحكام انتقالية) هي أنها موجهة للأحزاب قبل صدور هذا المشروع، الذي سيتحول فيما بعد إلى قانون، بحيث تقع دعوتها لتتلاءم مع الأحكام المتضمنة فيه، وبالتالي فإن مضمون هذه المادة 62 يتعارض بالمطلق مع الحق في التنظيم ويتنافى مع حرية تأسيس الأحزاب السياسية، ومع استقلاليتها في تسيير شؤونها الداخلية، بالإضافة لكونها تتعارض مع مبدأ رجعية القوانين المنصوص عليها في المادة الرابعة من الدستور المغربي لسنة 1996.

الخلاصــــــــــــــات

o الإقرار بأسبقية صياغة دستور ديموقراطي ينسجم في المضمون مع مبادئ وقيم ومعايير حقوق الإنسان الكونية، ويحترم شكلا إشراك ممثلي الشعب في صياغته بشكل ديموقراطي… وأن يؤكد أن الشعب هو أساس ومصدر كل السلطات، وعلى الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وبين السلطة السياسية والسلطة الدينية وبالتالي فالدستور ــ أسمى قانون في البلاد ــ هو الكفيل بتحديد الإطار العام لعمل المؤسسات والتي من ضمنها الدولة والأحزاب السياسية.

o اعتبار مشروع قانون الأحزاب هذا تراجعيا بالنسبة للقانون الحالي أي ظهير 1958 المنظم لتأسيس الجمعيات، بحكم مخالفة بعض أحكامه لقواعد دستورية، وللمقتضيات الدولية الديموقراطية وحقوق الإنسان.

o منح المشروع صلاحيات واسعة لوزارة الداخلية قبل وأثناء وبعد تأسيس الأحزاب السياسية تتعارض مع مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان التي تخول للقضاء المستقل النزيه والكفء كل السلطات اللازمة لكي يكون مرجعا وحكما بالنسبة لكل المنازعات التي تنشأ بين الدولة والأحزاب السياسية.

o فرض الدولة لشروط تعجيزية أمام تأسيس الأحزاب السياسية بمقتضى هذا المشروع ودعوة الأحزاب المؤسسة لتتلاءم مع مقتضياته، وهو ما يعد خرقا لمبدأ عدم رجعية القوانين المنصوص عليها في الفصل الرابع من الدستور المغربي، بالإضافة إلى أنه يشكل ضربا للحقوق المكتسبة للأحزاب السياسية المؤسسة في ظل القانون الحالي، كما أن اشتراطها لإعانة الأحزاب ماليا بانخراطها في العمليات الانتخابية، ليؤكد من جهة أخرى حضور الهاجس الأمني وراء هذا المشروع، كما يؤكد أيضا أن غاية الدولة لا تتمثل في تأهيل الأحزاب السياسية، من جهة ثانية يجسد هذا المشروع إرادة الدولة في تنميط وتدجين الأحزاب المؤسسة أو التي ستؤسس.

لكل هذا وغيره، فالمشروع لن يطور المشهد الحزبي المغربي بما يخدم الديموقراطية وحقوق الإنسان وسلطة القضاء كسلطة فاصلة للمنازعات في ميدان حرية الفكر والرأي والتعبير. لذا فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تعبر عن رفضها لهذا المشروع في صيغته المحينة المعروضة للنقاش والمصادقة عليه من طرف البرلمان.

عن المكتب المركزي