16/8/2005

فى ظل تلك اللحظة التاريخية التى تعايشها مصر من إرهاصات للإصلاح الديموقراطى تتنازع الآراء والتيارات السياسية المختلفة والتى تنشد جميعها نشيد الإصلاح والديموقراطية كل على نغمته الخاصة ، تبزغ الحاجة على الإلتفات إلى الحق فى التجمع السلمى بوصفه أحد الوسائل الأساسية فى تعبير تلك التيارات عن آرائها وأفكارها معارضة أو مؤيدة . ويعد احترام الحق فى التجمع السلمى مؤشرا هاما لقياس مدى احترام الدولة لحقوق الإنسان و تحركها الصادق للإصلاح وتشجيع المشاركة السياسية والإنصات لمطالب الديموقراطية والحرية .

فبرغم ما تبديه الدولة من تشجيعها للديموقراطية ولحماية الحريات ورغبتها ف إنجاز تغييرات هامة فى البنية السياسية بدءاً من الدعوة للاستفتاء الشعبى على تعديل المادة 76 من الدستور المصرى وذلك للانتقال من عهود الاستفتاء على رئيس واحد للبقاء على قمة السلطة فى مصر إلى نظام الانتخاب بين أكثر من مرشح للرئاسة .

ودعوتها القوى السياسية المعارضة باختلاف توجهاتها للمشاركة فى الاستفتاء بل ولترشيح رموزها وقيادتها فى الترشيح للانتخابات الرئاسية ، لكنها تعود للتحرش القمعى والعنيف بالتظاهرات التى خرجت معارضة للاستفتاء ولغعادة ترشيح الرئيس مبارك لولاية رابعة فى مشاهد اقل ما توصف به بالوحشية والدموية . وذلك فى يوم الاستفتاء نفسه ، ةوعادت وحشدت قواتها الامنية ضد المتظاهرين فى أيام أخرى وتعرضت لاعداد كبيرة من المعارضين بالقبض والضرب والسحل فى الشوارع وإرهاب كل من أراد التعبير عن آرائه السياسية بحرية وبشكل سلمى . الأمر الذى يشكك فى مصداقية تحرك النظام إلى بؤرة النور فى منظومة ديموقراطية صحيحة بل يمهد للاعتقاد بأن كل ما يدور هو من قبيل التمثيلية السياسية التى يخرج بها النظام منتصرا أمام الجميع محتفظا بسلطانه بالداخل و سمعته بالخارج . مؤكدا على حرمان أبناء هذا الوطن من حقهم فى التعبير عن آرائهم أو مشاركتهم الايجابية السليمة فى إدارة شئون وطنهم .

وباعتبار أن الحق فى التجمع السلمى من الحقوق وثيقة الصلة بالإنسان وطبيعته ككائن إجتماعى يعيش فى جماعات ، لذا فإنه حقا أصيلا لا يمكن باى حال من الأحوال الإخلال به أو إنتهاكه أو الإنتقاص منه فى ظل الإدعاء بإحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون أو المناداة والدعوة للتطور الديموقراطى والإصلاح السياسى . فإنه يصعب النظر للحق فى التجمع السلمى باعتباره حقا مفرداً بذاته ، فهو لصيق بالعديد من الحقوق والحريات ومنها الحرية الراى والتعبير والإعتقاد والحق فى المشاركة السياسية الإيجابية والحق فى تكوين الجماعات والجمعيات والحق فى تداول المعلومات إلى آخره من حقوق وحريات يعد معها الحق فى التجمع بمثابة الجسد للروح والمبنى للمعنى وبدونه لا يتصور ممارسة أو التمتع بتلك الحقوق والحريات .

فالحق فى التجمع السلمى هو حق الأفراد فى اجتماعهم حول رأى أو وجهة نظر أو تيار فكرى أو سياسى و يتبادلون فيه الراى وممارسة أفكارهم وتداولها وإعلانها للغير مهما كانت طالما لم تمثل تهديداً أو إرهاباً للمجتمع وأمنه أو خطراً على سلامة أفراده أو مؤسساته . ويتبدى هذا الحق فى عدة صور منها قيام الافراد أو الجماعات بعقد الاجتماعات اللقاءات وتنظيم الجماعات والطوائف وتكوين الجمعيات والمنظمات والمؤسسات وكذلك فى تنظيم المظاهرات والمسيرات و إضرابات والإعتصامات ، التى قد تمثل معارضة للنظام أو مطالبة بمطالب سياسية أو اجتماعية أو اجتماعية وغيرها .

وقد حرصت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على إقرار الحق فى التجمع السلمى و حمايته وإلزام الحكومات والأنظمة برعايته واحترامه و تنظيمه فى تشريعاتها الوطنية وفى ممارستها العملية .

وياتى على راس تلك المواثيق الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى نصت المادة (20 ) منه على ” لكل شخص حق فى حرية الإشتراك فى الاجتماعات والجمعيات السلمية ولا يجوز إرغام أحد على الإنتماء إلى جمعية ما ” وكذلك ما ورد فى العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فى المادة ( 21 ) منه والتى نصت على ” يكون الحق فى التجمع السلمى معترفا به ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التى تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية فى مجتمع ديموقراطى لصيانة الأمن القومى أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب أو حماية حقوق الآخرين أو حرياتهم ”

وما أكده الإعلان العالمى لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان فى المادة ( 5 ) التى نصت على ” لغرض تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية يكون لكل فرد الحق بمفرده أو بالإشتراك مع غيره وعلى الصعيدين الدولى والوطنى فى 1- الإلتقاء أو التجمع السلمى 2- تشكيل منظمات أو جمعيات أو جماعات غير حكومية والإنضمام إليها أو الإشتراك فيها ”

كما حرص الدستور المصرى على التعرض للحق فى التجمع السلمى فى المادة (55) حيث قرر ” للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين فى القانون ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معادياً لنظام المجتمع أو سرياً أو ذا طابع عسكرى ”

وذلك كله لما يمثله الحق فى التجمع السلمى من ملمحاً مهماً للمجتمع الديموقراطى الذى يحترم إرادة ورغبات أفراده ويشاركون بأنفسهم فى صناعة سياساته ونظمه السياسية والاجتماعية . كما يمثل الحق فى التجمع السلمى إحدى محركات وركائز المجتمع المدنى ومؤسساته ويعد مؤشرا لفاعليته وتأثيره فى المجتمع بشكل عام وقدرته على القيام بالدور المنوط به .

ولكن الممارسة العملية – خاصة فى مجتمعات العالم الثالث المتخلفة ومنها مصر ، تعكس انتهاكا صارخا لهذا الحق وما يمثله من مؤشر لعدم احترام الحكومة المصرية لمنظومة حقوق الإنسان وحرياته بشكل عام . حيث انه فى الوقت الذى تتشدق فيه تلك الحكومة باحترام المواثيق الدولية وما جاء بها ، كما تكرر فى وسائل اعلامها رغبتها فى الإصلاح السياسى والديموقراطى والنهوض بالمجتمع اجتماعيا واقتصاديا. تأتى ممارساتها العملية مجافية لكل هذا خشية إنفلات الأمور من قبضتها الحديدية أو مخافة أن تطيح رياح الإصلاح بمصالحها الدكتاتورية ومكاسبها الإستبدادية وتتخلخل سياساتها القمعية و دولتها البوليسية .

وتأتى لحظتنا التاريخية التى نعيشها تلك الأيام لتطرح اهمية الإلتفات للحق فى التجمع السلمى وأهمية حمايته فالمحاولات المستميتة للوصول إلى أفق التغيير والإصلاح تقف امامها متاريس الأمن والقمع .

وبرغم ما أورده الدستور المصرى الذى كفل الحريات العامة والشخصية إلا أنه ترك أمر تنظيمها للقانون ، الأمر الذى اهدر حرية الرأى والتعبير والحق فى التجمع السلمى سواء فى التشريع أو فى الممارسة ، وجعل من هذه القوانين سيفا مسلطا على رقاب الجميع ، وأفرغ هذه الحقوق من مضمونها وجعلها مجرد أفكار أو اطر نظرية بلا تطبيق فعلى .

وتمتلئ الذاكرة التشريعية بالعديد من صور التشريع القامع لتلك الحقوق ومن أمثلة ذلك :-

1- قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1964 والذى كان مسخا للقانون الملكى الذى صدر فى 18 اكتوبر 1914 فى ظل الإحتلال الإنجليزى للبلاد إبان الحرب العالمية الاولى وصدر لمواجهة حالة الحرب وباعتباره قانون استثنائى اقرب إلى الاحكام العرفية والتى تعطى سلطات مطلقة لرجال السلطة التنفيذية لمصادرة حريات الأفراد ، فهذا القانون ليس قاصرا على تشديد العقوبة على الجرائم التى ترتكب بواسطة التجمهر بل إنه يعاقب مجرد التجمهر المؤلف من خمسة أفراد على الأقل دون إرتكاب جريمة.
وقد نسخ المشرع فى الستينات هذا القانون دون النظر لمقتضياته وعواقبه بل إمعانا فى كبت الحريات وقمعها بحجة الحفظ على الأمن القومى والعديد من الشعارات الفضفاضة التى تغتال بها الحريات وتنتهك بها الحقوق .
وبرغم الطبيعة الإستثنائية لهذا القانون تم تعديله بقرار رئيس الجمهورية رقم 87 لسنة 1968 بإضافة المادة 3 مكرر والتى ضاعفت الحد الأقصى للعقوبة المقررة لأية جريمة إذا كان مرتكبها أحد المتجمهرين .

-2- قانون الاجتماعات والمظاهرات رقم 14 لسنة 1973 وقد صدر هذا القانون فى فترة كانت فيها البلاد خلوا من مجالسها التشريعية وضمن جملة من القوانين سيئة السمعة وتضمن هذا القانون ثلاث قواعد أساسية تشكل قيداً صارخاً على حرية الأفراد فى التجمع وهى :

    • أ) ضرورة إخطار البوليس قبل عقد الاجتماع .

 

    • ب) حق البوليس فى منع الاجتماع قبل عقده .

 

    ج) حق البوليس فى حضور الاجتماع واختيار مكانه الذى يستقر فيه وحقه فى حله .

-3- ويضاف إلى هذه القائمة السوداء قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1957 والذى يكرس فيه التشريع القوانين الاستثنائية وتوسع فى الصلاحيات للسلطات الإدارية بحيث يمكنها التحرش بلا خجل أو وجل بكافة أشكال الحياة السياسية والاجتماعية من منع وحظر و مراقبة وتقييد وتصل لحد الاعتقال والاحتجاز والقبض والتفتيش وقمع الأفراد حال ممارستهم لحقوقهم وحرياتهم .

من هذا المنطلق خصصت جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان صالونها الفكرى لمناقشة الحق فى التجمع السلمى بين الشرعية الوطنية والدولية وبين الممارسة العملية التى تشهد بانتهاك صارخ لهذا الحق ، مؤكدة أن أى خطوة نحو الإصلاح السياسى أو التحرك نحو الديموقراطية لا يمكن بأى حال من الاحوال أن تنتج أو أن تكون صادقة إلا باحترام الحق فى التظاهر و التجمع السلمى فلا يمكن تصور شعبا يمارس حقوقه ويشارك فى صنع مستقبله السياسى والاجتماعى وهو قعيد ومقيد ومكمم الأفواه .

تدعوكم جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان لحضور ” صالون المساعدة الفكرى ” السابعة مساءاً من يوم الخميس 18 / 8 / 2005 بمقر الجمعية فى 2 شارع معروف تقاطع طلعت حرب -الدور الرابع -وسط القاهرة .