30/4/2005
في جلسة الاستماع لشهادات المحامين المنظمة بالرباط يوم 30 أبريل 2005
السيدات و السادة
ها نحن نلتقي اليوم في نشاط عمومي آخر ينظمه المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان في إطار برنامج “شهادات بدون قيود من أجل الحقيقة”
لقد تضمن البرنامج الذي انطلق يوم 12 فبراير الأخير بالرباط ست جلسات للاستماع لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي، جلسات نظمت بالرباط و خنيفرة والحسيمة و مراكش و في مدينة سان دوني بضاحية باريس من ضمنها جلسة خصصت للنساء ضحايا الانتهاكات الجسيمة والجلسة التي نظمت بفرنسا والمخصصة لشهادات ضحايا النفي القسري خارج الوطن.
ونحن إذ نعبر عن سرورنا لنجاح الأنشطة العمومية الستة التي نظمتها الجمعية لحد الآن، نشكر وسائل الإعلام المستقلة والديموقراطية التي ساهمت في تغطيتها و في تعريف الرأي العام بفحواها، ونجدد استنكارنا لتجاهل الإعلام العمومي السمعي البصري الرسمي لهذه الأنشطة ونعبر عن أسفنا كذلك لتجاهل السلطات لدعوتنا لها لحضور هذه الأنشطة الموجهة بالخصوص للوزير الأول ووزراء الداخلية والعدل والتربية الوطنية ورئيسي المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة.
السيدات و السادة
إن النشاط العمومي الذي ننظمه اليوم هو النشاط العمومي ما قبل الأخير في إطار برنامج الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المنظم تحت شعار “شهادات بدون قيود من أجل الحقيقة”. و كما هو معلوم سنختتم هذا البرنامج يوم السبت 14 مايو القادم بالمحاكمة الرمزية للمسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقق الإنسان.
إن نشاط اليوم يتمثل في الشهادات التي سيتطوع بها بعض المحامين من أجل المساهمة في الكشف عن وجه آخر للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي و المتجسد في الانتهاكات ذات الصلة بنظام العدالة والقضاء وتنفيذ العقوبات ببلادنا.
إن الشهادات التي أدلى بها ضحايا الانتهاكات الجسيمة أثناء جلسات الاستماع، سواء منها تلك التي نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أو تلك التي نظمتها هيئة الإنصاف و المصالحة، أظهرت بما لا يدع مجالا للشك الدور السلبي بل و ألإجرامي أحيانا لنظام العدالة و القضاء ببلادنا. فماذا فعلت العدالة والقضاء لمواجهة الاختطاف والاعتقالات التعسفية و التعذيب و محاضر الاستنطاق المزيفة؟ و كيف تصرف القضاء أثناء عشرات المحاكمات السياسية الصورية و غير العادلة التي عرفتها بلادنا منذ الاستقلال إلى الآن، مثل محاكمة الاتحاديين المتهمين بالمشاركة في ما سمي بمؤامرة يوليوز 1963 و محاكمة مراكش الكبرى في 1971 و محاكمة المتهمين بالمشاركة في أحداث مارس 1973 و محاكمتي العسكريين المتهمين بالمشاركة في انقلابي يوليوز 1971 و غشت 1972 و محاكمات مجموعات اليسار الجديد في 1973 و 1977 و 1986 و محاكمة المتهمين بالمشاركة في أحداث يونيه 1981 وأحداث يناير 1984 ومحاكمات المجموعات الإسلامية في الثمانينات و محاكمات السلفية الجهادية بعد أحداث 16 ماي 2003؟ ثم ما هي الظروف الانتقامية التي ميزت تطبيق العقوبات السجنية و المتسمة بتغييب الشروط الدنيا لمعاملة السجناء المتعارف عليها عالميا؟ ألم يزكي القضاء ملفات طبعتها خروقات فظيعة ؟ ألم يزكي تدخل السلطات العمومية في الحياة الداخلية للعديد من المنظمات النقابية والسياسية والحقوقية والجمعوية وما لازم ذلك من ملفات مطبوخة عرضت عليه بدعوى مخالفات قانونية؟
لقد تمكننا من خلال شهادات ضحايا الانتهاكات الجسيمة من معرفة عدد من الأجوبة على الأسئلة المطروحة و لاشك أن شهادات المحامين اليوم ستمكننا من الجواب بشكل أفضل على هذه الأسئلة و من كشف الدور المشين الذي قام به نظام العدالة ببلادنا. وإذا كنا اليوم محتاجين إلى عدالة انتقالية و إلى لجنة وطنية للحقيقة كما أوصت بذلك المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة المنظمة في نونبر 2001، فلأن النظام القضائي المغربي قد حاد عن دوره و أصبح أداة بيد الحاكمين للقمع خارج نطاق الحق و القانون لكل المعارضين .
السيدات والسادة
إن جلسة اليوم وهي كذلك مناسبة بالنسبة إلينا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لتكريم ذلكم المحامين الشجعان وذوي الضمائر الحية الذين تحدوا الطغيان والخوف والتهديدات و التعسفات للوقوف إلى جانب الحق والقانون ولمؤازرة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
فشكرا للأخت والإخوة الذين تجاوبوا مع دعوة المكتب المركزي للجمعية للمساهمة بشهاداتهم في هذه الجلسة العمومية السابعة، و من خلالكم نشكر ونحيي بحرارة ونقدر عاليا المحامين والمحاميات الذين آزروا ومازالوا يؤازرون ضحايا الانتهاكات الجسيمة وضحايا خرق حقوق الإنسان بصفة عامة.
السيدات والسادة
إذا كان هناك من لايزال يتساءل حول أهداف الجمعية من وراء أنشطتها العمومية المكثفة بشأن ملف الانتهاكات الجسيمة. فنحن نذكر بما يلي:
- إن الجمعية تريد أولا وقبل كل شيء تكريم ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وإبراز أنها كانت منذ نشأتها ومازالت وستظل إلى جانبهم إلى حين المعالجة الشاملة والعادلة للملف، ونريد كذلك تكريم كل الذين آزروا الضحايا بشكل أو بآخر.
- ثانيا، إن الجمعية من خلال هذه الشهادات تترجم مطلبا مشتركا للحركة الحقوقية ببلادنا حول الكشف عن الحقيقة، كل الحقيقة بشأن واقع الانتهاكات التي عاشتها بلادنا منذ الاستقلال إلى الآن.
- ثالثا، إن الجمعية واستنادا إلى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تتشبث بالمساءلة، ولذلك طالبنا وما زلنا نطالب وبشكل واضح الدولة المغربية بأن تتحمل مسؤولياتها بشأن مساءلة المتورطين في الانتهاكات الجسيمة و اتخاذ الإجراءات اللازمة لمتابعتهم قضائيا في ظل قضاء مستقل، كفء ونزيه، يوفر شروط المحاكمة العادلة.
- رابعا، إن الجمعية تطالب بالإنصاف، إنصاف الضحايا و ذويهم، إنصاف الجماعات والمناطق المتضررة، إنصاف المجتمع ككل، الذي عانى و ما يزال من الرعب من جراء الانتهاكات الجسيمة.
- خامسا، إن الجمعية تريد أكثر من هذا وذاك، مستقبلا بدون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان و هو ما يستوجب أولا وقبل كل شيء اعتراف الدولة وبشكل صريح بمسؤولياتها عن الانتهاكات الجسيمة مع تقديم اعتذار رسمي وعلني بشأنها. إن مستقبلا بدون انتهاكات جسيمة يستوجب كذلك في نظرنا كجمعية إصلاحات واسعة وعميقة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وقانونية ومؤسساتية وقضائية وفي مقدمتها إقرار دستور ديموقراطي. ومن هنا مغزى الشعار الذي اختارته الجمعية لمؤتمرها السابع المنعقد في أبريل 2004 “من أجل دستور ديموقراطي في خدمة حقوق الإنسان ومغرب بدون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.هذه هي الشروط الأساسية لضمان المصالحة التي تطمح إليها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان و سائر القوى الديموقراطية ببلادنا. لكن أي مصالحة نعني و نريد؟ إنها طبعا مصالحة المواطن والمواطنة و المجتمع ككل من جهة، مع الدولة، التي هي المسؤول الأول و الأخير عن الانتهاكات الجسيمة، من جهة أخرى. وإن الانتقال من دولة تسودها العلاقات المخزنية إلى دولة الحق والقانون هو الشرط الأساسي للمصالحة المنشودة.
و ما دون ذلك سيظل ملف الانتهاكات الجسيمة مفتوحا و لن يتمكن أي قرار سياسي أو إداري أو قانوني من إغلاقه، تماما كما وقع في الماضي حيث كل محاولات الإغلاق التعسفي للملف على أساس الحلول الجزئية و غير العادلة باءت بالفشل.السيدات و السادة
قبل إنهاء هذه الكلمة، لا بد أن نشير بأن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مع حلفائها في الحركة الحقوقية، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، وداخل هيئة المتابعة لتوصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة، اعتبرت أن تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة هو مكسب لنا، جاء بفضل نضالات الحركة الديموقراطية ومن ضمنها الحركة الحقوقية وعائلات الضحايا. إلا أنه مكسب لم يستجب سوى جزئيا لمطالب الحركة الحقوقية وهو ما يفسر اختيارنا كحركة حقوقية لشعار المواكبة النقدية والاقتراحية لعمل هيئة الإنصاف و المصالحة واختيارنا كجمعية بالخصوص لمواصلة عملنا المستقل والموازي لعمل الهيئة والذي يتجسد بالخصوص في الأنشطة العمومية التي تنظمها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تحت شعار “شهادات بدون قيود من أجل الحقيقة”.كلمة أخيرة: إننا نشكر كل من ساهم في توفير شروط تنظيم هذا النشاط من ضمنهم…….
ومجددا نتوجه بالشكرللمحامين المشاركين في هذه الجلسة العمومية ومن خلالهم لكل من ناضل ولازال ضد الطي غير العادل لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
والسلام عليكم