22 يونيو 2004
بمناسبة صدور رد الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب على الرسالة المقدمة من وزارة الداخلية لمنظمة هيومان رايتس واتش بتاريخ 29 فبراير 2004 بخصوص البيان الذي أصدرته الجمعية تحت عنوان: أوقفوا التعذيب الآن.. نداء إلى ضمير كل مصري.. حصاد “حقوق المواطن” في 50 يوم.. مقتل 7 وتعذيب 38 داخل أقسام الشرطة ومباحث أمن الدولة.
صفحات الكتيب (متوفر في مقر الجمعية) الذي نضعه بين أيديكم اليوم تحمل ردا تفصيليا على كتاب سلمته وزارة الداخلية باليد إلى ممثل منظمة هيومان رايتس واتش أثناء زيارته لمصر. وقد جاء كتاب الداخلية ردا على بيان أصدرته الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب بعنوان حصاد “حقوق المواطن” في 50 يوم، مقتل 7 وتعذيب 38 داخل أقسام الشرطة ومقار مباحث أمن الدولة، في نفس الوقت الذي كان الحزب الوطني يعقد فيه مؤتمره الأول تحت عنوان حقوق المواطن.. لم تكن الوقائع الواردة في البيان فريدة من نوعها، ولم يكن ذلك هو البيان الأول الذي تصدره الجمعية أو أي منظمة أخرى من منظمات حقوق الإنسان. فالتعذيب ممارسة يومية وسياسية للدولة المصرية في مواجهة معارضيها أحيانا، وفي مواجهة المواطنين الفقراء في أغلبها. الجديد هو أن تهتم وزارة الداخلية، التي لا تجيب على أي نداء موجه لها من المنظمات المحلية أو الصحافة المحلية أن تقدم ردا مكتوبا للمنظمة الدولية. وكنا ننتظر أن تقدم الداخلية ردا روتينيا، أن تفسر الأمر كعادتها، على أنه تجاوز فردي لبعض قوات الأمن وضباطه. > >لكن وزارة الداخلية لم تفعل ذلك بل قدمت إجابة على كل حالة من حالات الوفاة و18 حالة من حالات ضحايا التعذيب الذين نجوا من الموت منه.. وفي كل الإجابات كان العامل المشترك هو” لم يحدث” فالضحايا إما ينتحرون من تلقاء أنفسهم، أو يتشاجرون حتى الموت مع بعضهم البعض، أو يموتون إعياء بعد يوم أو اثنين في استضافة البوليس المصري.وحيث أن الرد جاء مجافيا للحقيقة فقد قررنا أن نرد بدورنا،
وأن نستعين في ذلك بكثير من التفاصيل، بعضها من ملفاتنا والبعض الآخر من ملفات مركز هشام مبارك للقانون، والبعض الثالث من ملفات جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان إضافة إلى ما رأيناه بأنفسنا وشهدنا عليه. > >في كل حالة من الحالات أوردنا ما جاء في بياننا الأصلي، ثم ما جاء في رد الداخلية مزيد من التفاصيل والتوثيق مع تعقيبنا على رد الداخلية. > >إننا إذ نفرد هذا الكتيب للرد على وزارة الداخلية فإن ذلك لإيماننا بأنه من حق الرأي العام أن يعرف لأنه مدين لهؤلاء الضحايا ومن سيأتي بعدهم. > >إننا نشعر أن دماء هؤلاء الضحايا وآلامهم وآلام من تركوهم ورائهم أو من أجبروا على أن يعيشوا حياتهم مع ذكريات التعذيب، هي أمانة في أعناقنا وأعناق من أصبحوا يعلمون.. وزارة الداخلية تفرد صفحات من ردها للإجراءات الحمائية التي تحمي المواطنين من التعذيب، حسب ما يورده القانون وليس الواقع. > >ونحن نؤكد على أن تلك الإجراءات هي حبر على ورق.. فلا زال ضحايا التعذيب غير قادرين على طلب العدالة من القضاء المصري دون المرور بحواجز النيابة العامة التي تحفظ أغلب الشكاوى طالما أن الضحية على قيد الحياة ولم يصيبها التعذيب في مقتل.. ولازال ضباط مباحث أمن الدولة في مأمن من الملاحقة القضائية نتيجة لهذه الحماية القانونية التي تحول دون محاسبتهم.. فلم يقدم ضابط أمن دولة واحد للمحاكمة رغم ما ارتكبته أياديهم من تعذيب وجرائم، يمارسونها بحرية مطلقة تحت حماية ترسانة من القوانين الاستثنائية وفي غياب إعلام حر قادر على أن يكشف جرائمهم. > >وبرغم أن مرجعيتنا في العمل هي اتفاقية مناهضة التعذيب الصادرة عن الأمم المتحدة والتي صدقت عليها الحكومة المصرية إلا أننا في ردنا عمدنا إلى الإشارة فقط إلى القانون المصري، الذي لم يعدل بعد ليتطابق مع بنود الاتفاقية وذلك لنؤكد على أن وزارة الداخلية لا تهتم بتجاوز القانون وخرقه حتى ولو كان هو القانون الذي اعتمدته الدولة نفسها.
إنهم لا يحترمون قوانينهم ذاتها.
ويلاحظ أن وزارة الداخلية حرصت في ردها على التأكيد في عديد من الحالات على أن ضحايا التعذيب عاطلون أو مسجلون خطر أو يحملون أفكارا متطرفة أو سبق اتهامهم في قضايا سرقة أو تجارة مخدرات إلخ وكأن ذلك في حد ذاته مبرر لممارسة التعذيب عليهم، ونحن نؤكد أنه ما من جريمة يرتكبها إنسان تبرر تعذيبه، حنى ولو كانت تلك الجريمة جريمة قتل، حتى ولو كانت تلك الجريمة ممارسة التعذيب على آخرين. التعذيب جريمة جبانة تستدعي محاكمة عادلة وعقوبة عادلة تتفق مع ما ورد في القانون. أما التشفي وإخضاع البشر عن طريق الإرهاب وهم معصوبي العيون ، مقيدي اليدين، فإن ذلك إجرام بغض النظر عن ضحية التعذيب، بغض النظر عن هوية القائمين عليه أو مراكزهم .
>أخيرا، جاء في رد وزارة الداخلية على منظمة هيومان رايتس واتش أن مسئولي الجمعية يصعدون هجومهم على وزارة الداخلية ويحاولون الإساءة لجهودها وسياساتها المطبقة والتشهير بها أمام الرأي العام بالداخل والخارج.
والحقيقة إننا سوف نستمر في التصعيد لأن وزارة الداخلية وضباطها يصعدون من التعذيب، كما تشهد بذلك الحالات التى ترد إلينا كل يوم، فلو أننا أصدرنا بيانا آخر اليوم عن حصاد حقوق المواطن فى الخمسين يوما الماضية لما اختلف فيه شئ غير أسماء الضحايا عن بياننا السابق. أكرم زهيرى اليوم مسعد قطب بالأمس، طلاب هندسة القاهرة اليوم طلاب جامعة حلوان بالأمس …الخ >لكي نتوقف عن التصعيد فإن الطريق لذلك بسيط:
ليتوقفوا هم عن التعذيب، وساعتها لن نطالبهم سوى باعتذار لمن عذبوهم وبرقابة مدنية وشعبية على أقسامهم وأماكن احتجازهم وبمحاسبة من خرقوا القانون والدستور وكافة الاتفاقيات التي صادقت عليها دولتهم. >ثم تستطرد الداخلية بأن نشر البيان المشار إليه مع صدور تقريرين عن (منظمة العفو الدولية – منظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية) في وقت متزامن وشمولهم على العديد من الادعاءات المماثلة التي ترتكز حول تصاعد عمليات التعذيب في مصر.. هو أحد أشكال الحملة المنظمة المشبوهة ضد البلاد في مجال حقوق الإنسان خاصة إذا ما وضع في الاعتبار عملية تسييس قضايا حقوق الإنسان.
ونحن نقول أن تلك المنظمات تنشر لأننا نراسلها، وقبلها نراسل المنظمات المصرية والمنظمات العربية والصحافة المصرية.. وسوف نراسل العالم أجمع، مثلما نراسله الآن بشأن التعذيب الواقع على أسرى العراق في السجون الأمريكية في داخل العراق المحتل.. فقد أثبتت الخبرة أن الخفاء هو التربة الخصبة لنمو الجرائم.. وأن كشف الجريمة لا يكون سوى بالحديث عنها.. وقد أثبتت الداخلية، التي لا ترد على أحد منا، أنها لا تضع اعتبارا سوى للمنظمات الدولية.. لا يزعجها عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين وأسرهم المشردة.ز لا يؤلم ضميرها سجلات الموتى الذين قتلوا في سجونها، لا تكترث بآلاف المصريين المعلقين في زنازينها، المصعوقين بكهربائها، المنتهكين جسديا ونفسيا وجنسيا من ضباطها.. لكنها تنزعج من أمرين.. من تكاتفنا وملاحقتنا لجلادي الشعب في الشارع والقسم وعند النائب العام ومن صورتها أمام العالم. وسوف لن نتوقف عن الملاحقة. >إننا نؤكد لكل مصري ومصرية.. للسيد وزير الداخلية ومن يأتمرون بأمره.. لكل مؤسسات هذه الدولة ومنظماتها وإعلامها نقول لسنا طرفا في حملة مشبوهة ضد البلاد في مجال حقوق الإنسان.. إننا طرف في حملة مستمرة علنية، ليس ضد البلاد وإنما ضد من ينتهكون حقوق الإنسان في أي مكان.
وسوف نواصل العمل من أجل تعبئة أوسع قطاعات المجتمع والمنطقة والعالم ضد بطش السلطات التي تحتكم على جيوش الأمن وترسانات القوانين المقيدة للحريات وآلاف الزنازين المعتمة وأدوات التعذيب الجهنمية.. مناهضة التعذيب سوف تبقى مهمتنا وميثاقنا، بغض النظر عن الجلاد، بغض النظر عن الضحية.. وما من ظرف سياسي أو اجتماعي أو قومي سوف يجعلنا نغض الطرف عن مواطنين ساقهم قدرهم إلى حيث يكونون تحت رحمة جهاز بوليس لا يعترف بالقانون ولا يحترمه.