8/3/2006

مرة أخري ينفجر خزان التوتر الطائفي المكتوم بين المسلمين والمسيحيين، مرة أخري يندلع العنف بين عنصري الأمة. هذا العنف والقتال الذي قد يبدأ من اضعف الأسباب أحيانا بسبب مشاجرة عادية أو حتى خناقة بين أطفال أو عند اختفاء أحدى الفتيات أو غالبا بسبب رغبة الأقباط في إقامة شعائرهم والتعبد في كنائسهم. فتشتعل البلدة بأكملها والبلاد المجاورة، ويسقط الجار صريعا بيد الجار.

في خلال فترة قصيرة انفجرت أحداث محرم بك بالإسكندرية وحادثة العديسات بالأقصر وحادثة عزبة واصف بالجيزة وحادثة قرية إسنا ولا يكاد يمر شهر دون حدوث توترات عقب اختفاء فتيات مسيحيات.

وعادة ما تنتهي تلك الحوادث بشكل مشابه، إذ يتدخل الأمن ليفض الشغب ويفرض سيطرته علي المنطقة ويلقي القبض علي أفراد من الجانبين بشكل عشوائي، كأنها محض (خناقة في فرح). ثم تعقد جلسة صلح بين الطرفين بحضور الأطراف الدينية من الناحيتين ويردد الناس خلالها عبارات والمحبة والتعايش والسلام.

ورغم تكرار الجانبين المسلم والمسيحي تأكيدهم الدائم علي انه (طول عمرنا عايشين مع بعض في سلام) وان ما حدث لا يعدو أن يكون حادث عابر، فأن هذا السلام الهش الذي ينهار علي أهون الأسباب،. لا يعدو أن يكون سلام إرغام يقايض فيه الأقباط سلامتهم من العنف مقابل قبولهم تقييد حقوقهم وحريتهم الدينية هو سلام هش ينهار في أي لحظة وتعاد الكرة العنف كل مرة بشكل اقوي.

حادثة عزبة واصف حادثة جديدة في سلسلة من الحوادث المماثلة قد لا تحمل بمفردها دلالات مفزعة إلا إنها في سياق تواتر وتعدد وقوع مثل هذه الحوادث المماثلة تحمل دلالات قوية علي تدهور الأوضاع.

تقرير البعثة

تقع عزبة واصف غالي باشا علي مسيرة حوالي ربع ساعة بالسيارة من مدينة العياط بمحافظة الجيزة.

بدأت أحداث العنف فيها يوم الأحد 19/2/2006 عندما قام مسيحيو القرية افتتاح مبنى خاص بهم اشترته المطرانية وحصلوا علي موافقات الجهات المختصة علي إعادة افتتاحه، حيث كانت العزبة نفسها قد شهدت أحداث عنف قبل 3 سنوات علي ذات المبنى.

في نفس يوم الأحد عصرا قام مسلمي القرية من الرجال والنساء الهجوم علي جيرانهم المسيحيين وتحطيم وحرق بعض المنازل وفي اليوم التالي هاجم العزبة أعداد غفيرة من مسلمي القرى والعزب المجاورة يحملون العصي وينددون بالمسيح والمسيحيين إلا إن الأمن منعهم من دخول العزبة. تم القبض علي عدد من المسلمين والمسيحيين وأفرج عن بعض منهم عقب الصلح الذي اتفق فيه علي افتتاح جزء من المكان والسماح للمسيحيين بإقامة مدارس للأولاد فيه واجتماعات.

علي مطلع الطريق الضيق المؤدي إلي العزبة وقفت عربة شرطة واثنان من العسكر مسلحين بالبنادق. أوقفا السيارة وقالا في البداية انه ممنوع دخول المكان لأنه ( كان فيه خناقه)، ثم سمحا لنا بالسير. تابعنا المسير حتى لاحت مساكن العزبة فنزلنا علي الأقدام. بعد عدة أمتار أحاط بنا عدد من الرجال بعضهم بالزى الفلاحي (جلابية وطاقية)وآخرين بالزى الإفرنجي. عندما وصلنا إلي نهاية الشارع خرج من احد المنازل اثنان بالملابس المدنية (غالبا من ضباط امن الدولة) وبعد عدة إجراءات واتصالات سمح لنا بالدخول في أثرنا احد المخبرين يتتبعنا في تحركاتنا. المكان موضوع النزاع، عبارة عن مبني قديم متهدم هو جزء من سراي واصف غالي باشا القديمة ووراءه مساحة كبيرة من الأرض الفضاء محاطة بسور عال حديث البناء.
وكانت الأبواب مفتوحة وعمال يقومون بإزالة مخلفات الردم.

ترجع القصة إلي غضب المسلمين من قيام المسيحيين بشراء قطعة من الأرض وتحويلها ألي مكان لإقامة شعائرهم وأنشطتهم

يحكي السيد/ محمد مرسي:
” الأرض هنا في العزبة قليلة مافيش غير البيت ده اللي كان بتاع واصف باشا غالي وكان متزوج واحده فرنسية، الباشا ماخلفش والست أتبنت ابن الجنايني_ اسمه فتح الله احمد عبد العزيز_ ووهبته 100 فدان من ارض الباشا.

وإحنا كنا عايزين نشتري حته أرض منه نعملها مدرسة لأن ماعندناش مدرسة. قال لنا هايرد علينا وبعدين لقيناه بيهد جوه البيت، لما سألناه قال انه ها يبني مصنع مكرونة. لكن تسرب خبر إنهم يبنوا كنيسة. حصلت مشاكل بين المسلمين والمسيحيين، الكلام ده كان من حوالي 3 سنين والحكومة جت وشمعت البيت وهو ( فتح الله) مابقاش ييجي وباع الأرض من بره. ”

ويؤكد السيد ( أبو زيد محمد عبد القادر) نفس الكلام ” كنا عاوزين الحكومة تاخد الأرض وتعمل عليها مدارس، يعني الأبنية التعليمية يشتروها ويعملوا لنا مدارس. اقرب مدرسة 2 كيلو مننا، صحيح إحنا عزبة وعدد السكان قليل لكن فيه عزب تانية زينا والحكومة عاملة لهم مدارس أشمعنا إحنا.”

عند قص أحداث العنف الأخيرة فقد مال المسلمين إلي التهوين من شأن هذه الأحداث والتقليل من مدي العنف فيها كما لجأوا إلي اتهام المسيحيين بالمبالغة وإنهم المدبرين لحرق بيوتهم بأنفسهم:

“وحصلت خناقات بسيطة كده، وبيوت المسيحيين اللي ولعت هما ولعوها عشان يعملوا إشاعات، المقبوض عليهم حوالي 35 من يوم الاثنين المسيحيين حوالي عشرة والباقي مسلمين وفيه منهم من بره العزبة” .

“كل اللي حصل حريق في الغيطان، وان كان عيل ضرب عيل بس…. وان كان بيوت أتحرقت، هتلاقي حتة خشب ولعت في بيت من البيوت بس، هو مافيش ولع غير بيت جميل وبيت سامي والباقي عشش… الناس اللي عندهم عشش هم اللي عملوا الشوشرة دي والحريق عشان الحكومة تيجي وتسيطر علي الموقف “.

وفي النهاية فقد أكد الجميع علي أن الجميع يعيش في سلام “مافيش حاجة إحنا طول عمرنا أخوة وعايشين مع بعض كويسين مسلمين ومسيحيين.

أما المسيحيين فقد كانت رؤيتهم للأحداث مختلفة يقول السيد/عياد يعقوب
“الموضوع كان مخطط له. يوم الأحد بعد صلاة العصر سمعنا صوات: حريقة حريقة في بيت (جميل) رحنا جري نواحي الحريق نساعد في طفي الحريقة كل الناس ( جميل مسلم لكن كل الناس مسلمين ومسيحيين خرجنا ). وإحنا بنجري لقينا هم جايين علينا، حوالي 250 نفر، نسوان علي رجالة بعصى. ضربونا وكسروا الشبابيك ودقدقوا البيبان. إحنا رجعنا عالبيوت سكينا البيبان علينا قعدوا يدقدقوا ويكسروا طلعنا فوق وعملنا اتصالات نستنجد.. ولعوا في بيوت وفي العشش بتاع المواشي وولعوا في الزرايب عبد السيد كان عنده حماره ماتت بس قلنا الحمد لله علي قد كده إن ماحدش مننا مات. الأمن جه بسرعة لولا كده كنا انتهينا.

لما الأمن جه في الليل الدنيا هديت بس تاني يوم بعد صلاة العشا لقينا اكتر من 3000- 4000 فرد من جميع الجهات هاجمين علينا والهتافات لا اله إلا الله عيسى عدو الله.

الأمن استدعى قوات إضافية ووقفوا لهم يمنعوهم من الدخول وضربوا نار في الهواء عشان يفرقوهم لولا الأمن كانوا موتونا. حرقوا العشش اللي من بره العزبة ومشيوا. من يوميهتا قافلين علي نفسنا البيوت، خايفين نخرج، البهايم ماكانتش لاقية تأكل.

ثاني يوم لما اخويا خرج يجيب حشيش مسكوه( يقصد المسلمين) دقوا ذراعه كسروها. إحنا عالجناه ومابلغناش علشان اللي بيبلغ بيقبضوا عليه. أول يون نشم نفسنا أول يوم نفتح بيوتنا امبا الأمن جه بسرعة إحنا لولا كده كنا انتهينا رح بعد الصلح .كل ده حصل عشان عاوزين نفتح الكنيسة. الكنيسة فيه موافقة علي فتحها. من 3 سنين مشمعينها، برضه أول ما قالوا كنيسة قاموا وولعوا البلد، المطرانية اشترت المكان من فتح الله لكن ما لحقناش نصلي فيها وجت الحكومة شمعتها.

عملنا صلح قعدنا وفلنا كلنا حبايب والحكاية والرواية وهاتتفتح مدارس احد واجتماعات. الناس لسه محجوزين ابننا فيهم.

وفي نفس المنزل قابلنا السيدة/ جمالات وكانت يدها اليسري في الجبس ومعلقة الي الرقبة بالشاش:
“أنا لما سمعت العراك والصوات والناس واخدين العصي وبيخبطوا في البيبان، خفت علي عيالي، عيالي في الغيط خرجت أجيبهم، لقيت الناس مقابلني بالعصي، رجعت ألف من ناحية تانية قابلني (حسين عمر ) في الشارع راح ضاربني بالعصاية علي دراعي هنا وهنا خبطتين. رحت المركز عشان ابلغ واعمل محضر، في المركز سألوني اتهم مين؟ اتهمت حسين، هو اللي خابطني، اتهمته هو بس. ماخدوهوش لأنه هربان.
هو حسين عمر ده سبب المشاكل بيخطب في المسجد والناس بتسمع منه، أول هجمة كانت منه هو.

إحنا كنا واقفين قدام البيت والأطفال دول معانا خبطوا العيال بالعصي برضه. دخلوني الحجز مع 3 ستات مسلمات قعدوا يلقحوا بالكلام كنت باسمع ومااردش.

ودونا المستشفي في العياط بالليل، دخل علينا 2 دكاترة المسلمات اتعمل لهم الواجب، واحدة عملت خياطة وواحدة ماكانش فيها حاجة لفوا لها رجلها بالشاش وأدوها تقرير بعلاج اكتر من 21 يوم، وأنا ماعملش لي أي حاجة أيدي كانت وارمة لا عمل أشعة ولا حاجة سابوني نصف ساعة وبعدين الدكتور قال ودوها المركز.

فضلت أيدي وارمة في المركز ما رضوش يطلعوني أعالجها علي حسابي ولا أعطوني أدوية. أبونا جاب لي مراهم وأقراص لما طلعت امبارح رحت العياط كشفت علي حسابي وعملت أشعة وجبس أتكلفت 200 جنيه.