7/2/2006

اتخذت قضية الموقف من الرسوم الكارتونية المسئية لمشاعر المسلمين أبعاداً خطيرة فى ظاهرها دينى بينما تخفى ورائها مضامين سياسية واقتصادية بل واجتماعية عميقة، لم تتوقف عند حدود العالم العربى والإسلامى بل شملت دول أوروبية عديدة. كما امتدت ردود الأفعال تجاه الرسوم لتشمل استخدام العنف والعنف المضاد بصورة باتت تثير القلق من تصاعد الأزمة إلى ما هو أبعد من مجرد مظاهر الإحتجاج السلمى. حيث احرق عدد من السفارات الغربية فى سوريا ولبنان، كما ارتفعت اصوات اليمين السياسى فى الغرب داعية إلى استخدام العنف ضد المسلمين، فى الوقت الذى يلتف فيه المسلمون فى الشرق حول دعوات اليمين الدينى بالقصاص والإنتقام بينما تبنت العديد من الصحف الأوروبية إعادة نشر الرسوم بحجة الدفاع عن حرية الرأى والتعبير.

إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان إذ يدين بشدة أية خطوة من شأنها إلحاق الأذى المعنوى أو المادى بجماعة من الناس على أساس الدين أو العرق أو اللون، فإنه يؤكد على أن المفجر الحقيقي للأزمة يتجاوز حدود الرسوم الكرتونية إلى مناخ عام فى الغرب منذ احداث الحادى عشر من سبتمبر تسوده الدعوة لكراهية الآخر بل ومحاربته فى إطار ما يعرف بالحرب على الإرهاب. ونتيجة لذلك قامت العديد من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبى بتفصيل عدد من القوانين القمعية والمقيدة للحريات والتى لم تمس فقط المهاجرين ومن بينهم العرب والمسلمين وإنما امتدت لتشمل مواطنى تلك الدول أنفسهم.
وكذلك تشديد قوانين الهجرة واللجوء فى تلك الدول بدعوى حماية حدودها من خطر الإرهاب.

فالملايين من المهاجرين فى أمريكا وأوروبا وخاصة القادمون من الشرق الأوسط وأفريقيا وكذلك الذين يحملون جنسيات تلك الدول يعانون من التهميش والعزلة والعنصرية ويعيشون فى تجمعات مغلقة غير قادرين على الإندماج ثقافياً واجتماعياً فى تلك المجتمعات، والملايين غيرهم يتعرضون لأبشع انواع الإستغلال فى سوق العمل غير الرسمى بدعوى أنهم مهاجرون غير شرعيون بينما لا يتمتعون بأى حق من الحقوق الإنسانية. هذا فى الوقت يواصل فيه قادة الدول الكبرى الحرب الاستعمارية ضد العراق وأفغانستان.

إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان إذ يؤكد على أن ردود فعل المسلمين فى الشرق والغرب على قضية الرسوم والتى وصل بعضها إلى حد المبالغة هو نتيجة مباشرة لهذا المناخ، فإنه يحذر من أن الوضع مؤهل للأسوأ حيث لن تكون تلك الأزمة هى الأخيرة من نوعها طالما ظل قادة الدول الكبرى وحلفائها ومنظريها الرسميين يواصلون حملتهم التى تتستر خلف دعاوى مكافحة الإرهاب، بينما تعتمد على سياسات العنصرية والإحتلال وتزييف الوعى.

فردود فعل قادة الدول الكبرى على قضية الرسوم تنطوى على الكثير من عدم الإتساق إذا يتجاهل هؤلاء القادة الذين يتحدثون عن وضع حدود لحرية الرأى والتعبير واقع أنهم السبب الحقيقي فى خلق هذا المناخ العدائى الذى تنتهك فيه مبادئ المساواة وعدم التمييز واحترام الآخر من أجل مصالحهم السياسية والإقتصادية ، وكذلك من أجل تغييب مواطني تلك الدول عن سياساتهم الفاسدة بتوجيه غضبهم فى إتجاه آخر.

كما جاءت مواقف الحكومات العربية متناقضة مع مواقفها من السياسات الاستعمارية للدول الكبرى. ففى حين لجأت تلك الحكومات إلى إدانة الرسوم ومباركة الدعوة للمقاطعة الإقتصادية للدانمارك، والسماح للمتظاهرين بإحراق السفارات، بل وسحب سفراء بعض الدول لدى الدانمارك بدعوى أن تلك المواقف ناتجة عن الإرادة الشعبية، لم تحترم الحكومات نفسها المطالب العادلة لشعوبها فى إتخاذ مواقف حاسمة تجاه احتلال العراق وفلسطين بل دعمت ولازالت تدعم الدول الكبرى عسكرياً واقتصادياً وسياسياً فى اعتدائاتها السافرة على الأبرياء فى المنطقة. فى الوقت الذى تتبع فيه تلك الحكومات سياسات أبعد ما تكون عن الديموقراطية والشفافية والعدالة تاركين الغالبية العظمى من المواطنين الذين يعانون الفقر والبطالة والقمع فريسة سهلة لقوى اليمين الدينى والسياسى التى تعمل على تأجيج مشاعر الناس وتوجيه غضبهم واستغلال معاناتهم فى القضايا التى تحقق مصالحهم الضيقة فى الصعود، مبتعدين بهم عن الجذور الحقيقية للواقع المرير الى يعيشون فيه.

إن أى تصعيد لأزمة الرسوم سواء بالقيام بأعمال عنف ضد السفارات الغربية فى الدول العربية والإسلامية أو بقيام جماعات اليمين الفاشى فى أوروبا وأمريكا بدعاوى تحض على الكراهية والعنف لن تقع مسئوليته على صحيفة ولا على عشرات الصحف وإنما سيكون المسئول الأول عنها هى الأنظمة التى تدفع بقيم المساواة ونبذ العنصرية واحترام الآخر إلى طريق مسدود.

إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان يؤكد على أن السبيل الوحيد والحتمى لتجنب المزيد من الغضب والمزيد من الدماء للأبرياء فى الشرق والغرب لن يكون فى قوانين جديدة لقمع حرية الرأى والتعبير تعتمد ثقافة المنع والحظر. وإنما فى السعى نحو خلق مناخ يحترم حقوق الإنسان تتوقف فيه المصالح الاقتصادية والسياسية عن ان تكون الدافع وراء صناعة حروب ثقافية وعسكرية تستغلها جماعات اليمين الدينى والسياسى فى الشرق والغرب للتلاعب بمعاناة الشعوب بل وزيادتها، علاوة على سياساتها الاقتصادية الفاسدة.

إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان إذ يدعو إلى التصرف بحكمة وبأقسى درجة من درجات ضبط النفس مخافة أن تتحول الأزمة إلى كارثة إنسانية، فإنه يؤكد على ضرورة وقف الحملات الوهمية ضد ما يعرف بالإرهاب وإنهاء السياسات العنصرية ضد المهاجرين فى الغرب والاستعمارية ضد دول العالم النامى. كما يؤكد على ضرورة إعلاء ثقافة احترام الآخر ونبذ قيم الكراهية والعنصرية.

إن سيادة احترام حقوق الإنسان الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على قدم المساواة ودون تمييز على أساس اللون أو الدين أو الجنس أو العرق، هو السبيل الوحيد نحو عالم خالى من كل أشكال الإرهاب تتعايش فيه المجتمعات الإنسانية على أسس من الإحترام والتفاهم.