1/11/2005

شدد عدد من المثقفين و نشطاء حقوق الإنسان و المجتمع المدني على أهمية معالجة مشكلات الأقباط في إطار معالجة باقي المشكلات التي يعيشها المجتمع المصري ككل و طالبوا الدولة بتعديل أسلوب التعامل مع المشكلات الطائفية و التي تقتصر على الحلول المؤقتة التي تقوم بها قوات الأمن و البيانات التي تصدر عن المؤسسات الدينية التي تؤكد على أهمية الوحدة الوطنية و التسامح و المحبة بين الطرفين و جاء ذلك في إطار فعاليات المائدة المستديرة التي عقدتها جماعة تنمية الديمقراطية بالتعاون مع مركز أندلس لدراسات التسامح و مناهضة العنف تحت عنوان

” الأقباط نظرة على حق المواطنة – المشاركة القبطية في الإصلاح السياسي “
و أدار النقاش نجاد البرعي- رئيس مجلس إدارة جماعة تنمية الديمقراطية -الذي انتقد ترشيحات الأقباط على قوائم الأحزاب و أكد أنها جاءت مخيبة للآمال بما فيها ترشيحات الحزب الوطني ، و أكد البرعي على ان مشكلات الأقباط يجب ان يساهم في معالجتها المجتمع المدني المعني بنشر ثقافة التسامح و قبول الآخر هذا بخلاف الإجراءات التي يجب ان تتخذها الدولة سواء في تعديل مناهج التعليم أو تعديل سياسات الإعلام المملوك للدولة في هذا الصدد

و أشار أحمد سميح – مدير مركز أندلس لدراسات التسامح و مناهضة العنف- إلى تقرير خريف الكراهية الصادر عن بعثة تقصي الحقائق التي أوفدها كل من مركز أندلس و جماعة تنمية الديمقراطية إلى مدينة الإسكندرية عقب الأحداث الطائفية

و أكد أن المهمة الرئيسية التي حرصت البعثة على تأديتها هو الوقوف على مدى حقيقة الشائعات التي ترددت حول مقتل الراهبة و وجود ثلاثة قتلى من المسلمين في أحداث الإسكندرية ، و انتقد أيضاً تعامل الدولة مع إشكاليات التوتر الطائفي و نفيها لوجوده و الاكتفاء بتصوير الشيوخ و القساوسة و ظهورهم معا في وسائل الإعلام و كأن هذا هو مؤشر وجود وحدة وطنية

و أكد سميح أن الإشكالية تكمن في انعدام معرفة كل طرف بالآخر و الصور الذهنية السلبية المكونة لدى الطرفين.

أما نبيل عبد الفتاح – مساعد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية -فعرض ورقته المعنونة ” الأزمات الطائفية ..الجذور ، المتغيرات ، المعالجات ” التي استعرض فيها تاريخ و جذور التوتر الطائفي في مصر الذي بدأ منذ نهاية عقد الأربعينيات و تواكب معه عزوف الأقباط عن الانخراط في الحياة السياسية مؤكداً أن مثل هذه المؤشرات تدل على أن العقد الاجتماعي الذي أسس في خضم الدولة الدستورية المناهضة للاستعمار قد خارت قواعده و أن هناك حاجة لعقد اجتماعي جديد .

نظام يوليو و بداية تهميش الأقباط
و أكد عبد التفاح أن نظام يوليو بنزعته التسلطية ساهم في خلق التوتر الطائفي من خلال استخدام الدين الإسلامي في تعبئة المواطنين و اكتساب الشرعية ، و يأتي هذا أيضاً مع فشل النظام السياسي في دمج الأقباط في الحياة السياسية المصرية عن طريق الدوائر المغلقة لهم أو عن طريق الكوتة ثم المقاعد العشرة التي يناط رئيس الجمهورية بتعيين من يشغلها و الذي غالبا ما يكونوا من الأقباط ، و أكد عبد التفاح أن سياسة الإصلاح الزراعي و تصفية الحياة الحزبية ساهمت أيضا في انحسار دور الأقباط من الحياة السياسية المصرية و خاصة أبناء الطبقة الوسطى.

عقد السبعينات و بداية التوتر الطائفي
و استطرد عبد التفاح مؤكداً أن السياسة التي اتبعها السادات أيضا ساهمت في تزايد هذا الانحسار خاصة بعد فتح المجال للتيارات الدينية السياسية و تعديل الدستور و إضافة المادة الخاصة بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع و تواكب مع هذا في تلك الفترة انتشار الصور النمطية الفقهية التي يرسمها كل طرف عن الآخر و ترتب على ذلك انسحاب الأقباط من المجال العام و أصبحت الكنيسة هي المجال العام الخاص بهم فانسحبوا عن المجال العام المشترك بينهم و بين المسلمين كما انتقد عبد التفاح ما اسماه بأسلمة المجال العام الاجتماعي الذي أدى لتفكك بعض الموحدات الأساسية التي تجمع بين الطرفين في المجتمع المصري . و ذكر عبد الفتاح وقوع 122 حادثة طائفية منذ 8/9/1972 و حتى الآن .

المؤثرات الجديدة المساهمة في إشعال الفتنة
و أرجع عبد التفاح السبب في تزايد التوترات الطائفية إلى الدور الذي لعبته مواقع الانترنت المتطرفة و القنوات الفضائية الدينية الإسلامية و المسيحية و التي أدت إلى انتشار النزعة الاستشهادية و الصراع بين الطرفين، و أكد ان هذه الوسائل استخدمت بشكل مكثف في حشد المسلمين في أحداث الإسكندرية ، و انتقد عبد الفتاح الكيفية التي تعاملت بها الدولة مع الأزمات الطائفية و اقتصارها على الدور الأمني فقط في حين أنه ملف أكثر تعقيدا.

الآليات و الحلول
و طالب عبد الفتاح باتباع عدد من الإجراءات و المعالجات الوقتية أثناء اندلاع الأزمة على رأسها التعاون السياسي – الأمني – الديني ، بقيادة رجال السياسة الرسميين و المعارضين و العناصر المحلية كما أكد على ضرورة تطبيق القانون بصرامة على الأطراف التي شاركت في الأزمة أيا كانت مواقعهم الدينية أو السياسية أو الاجتماعية و طالب أيضا بضرورة إعادة النظر في ميثاق الشرف الصحفي و تطويره في ضوء المواثيق الدولية و تفعيل قواعده و إعمال مبدأ المساءلة المهنية ، كما قدم عبد التفاح عدد من المقترحات طويلة الأجل من بينها تدريب المدرسين و إعادة تأهيلهم على ثقافة المواطنة و الحريات

و لاسيما التدين و الاعتقاد و مباشرة الشعائر الدينية و التسامح ، بالإضافة إلى ضرورة إعداد مناهج جديدة في كافة المراحل التعليمية حول المواطنة و حقوق الإنسان و دولة القانون هذا بخلاف إصلاح المنظومة القانونية التي تشكل قيدا على حقوق المواطنة بين المصريين و رفع الإعاقات السياسية و التقاليد الإدارية و الأمنية و البيروقراطية أمام تفعيل مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق و الواجبات العامة .

أما سمير مرقص الكاتب والباحث فطالب بضرورة تكوين مرصد يرصد هذه التحولات الخطيرة التي تحدث في العلاقة بين المسلمين و الأقباط مشيرا إلى ان الأزمة في بداية الأمر كانت تكمن في استهداف الأقباط من قبل الجماعات الإسلامية المسلحة أما الآن فالأمر أصبح مختلفا و بالتحديد منذ أزمة الكشح حيث ان الأحداث تندلع الآن نتيجة سلوكيات أفراد و مواطنين عاديين

كما انتقد مرقس تعامل ماهر خلة مرشح الحزب الوطني عن هذه الدائرة مع الأمر مؤكدا أن إثارة فكرة انسحابه يكرس إلى التعامل مع الأقباط على أنهم كتلة و انه يدخل الانتخابات بصفته قبطياً و ليس بصفته الحزبية.

و انتقد سامح فوزي الباحث في شئون المواطنة الدور الذي نقوم به بعض الصحف في إثارة التوتر الطائفي ليس فقط في حادثة الإسكندرية و لكن استغلال الظروف العالمية و الحروب التي تشنها الولايات المتحدة على عدد من دول منطقة الشرق الأوسط و اعتبار هذه الحرب صليبية و تهييج المشاعر ضد المسيحيين مما يدفع المواطنين المسلمين إلى اعتبار مسحيي هذه الدول جزء من الحرب و أنهم سبب هزيمتهم .

أما الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية فأكد ان المجتمع المصري يعيش عدد من أزمة سياسية و جزء من ظواهر هذه الأزمة هي التوترات الطائفية مشيرا إلى أهمية تخطي و معالجة الأزمات السياسية و إعادة صياغة مفهوم المواطنة بالإضافة إلى إصلاح المنظومة الفكرية حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث .

ومن جانبه انتقد عصام الدين حسن الباحث في مجال حقوق الإنسان دور منظمات حقوق الإنسان مؤكدا أن هناك تراجع فادح في مجال رصد الانتهاكات و التجاوزات في المجتمع المصري و أشار إلى أن المنظمة المصرية في عام 1992 و قبل مذبحة ديروط الطائفية قامت بإرسال رسالة تحذيرية إلى وزير الداخلية بناء على المعلومات التي وردت إلى المنظمة و الجو العام الذي تعيشه القرية

و قارن حسن بين هذا التوقيت الذي كانت فيه منظمات حقوق الإنسان تقوم بأداء متميز في ظل ظروف و موارد محدودة و بين الوقت الحالي الذي تضاعف فيه عدد منظمات حقوق الإنسان و تتعدد مواردها المالية و البشرية و لكنها تفتقد هذا الأداء المتميز

و فيما يخص الجو العام و الشعور بالاضطهاد الذي يعيشه الأقباط أكد حسن ان هذا جزء من الجو العام الذي يعيش فيه المجتمع المصري في ظل شيوع حالات الاضطهاد حتى في الجانب المسلم بينه و بين نفسه و ضرب مثالا بما يحدث الآن للشيعة و المفكر سيد القمني و ما حدث في الماضي للمفكر نصر حامد أبو زيد و المفكر فرج فودة

فالمشكلة في رأيه تتعلق بعدم قبول الآخر في ظل ثقافة التعصب السائدة في المجتمع المصري ،و انتقد حسن المناهج التعليمية التي تتعامل مع الطلبة على أن كلهم مسلمين و التي تضع في مناهجها قدر ليس بقليل من الآيات القرآنية التي تحض على القيم الإنسانية في الوقت الذي لا يتم الإشارة فيه إلى أي من آيات الإنجيل و كأن المسيحية لا تدعو لهذه القيم و أكد أن في الوقت الذي يطالب فيه المسلمين الكنيسة بالاعتذار عن هذه المسرحية فلابد ان تعتذر الدولة عن مناهج التعليم التي تنفي وجود الآخر المسيحي في مجتمعنا .

بينما أشار محمود مرتضى مدير مركز دراسات التنمية البديلة إلى ان الأمر لا يمكن اعتباره أزمة سياسية و لكنه يعود إلى الثقافة المصرية السائدة الآن و التي بدأت منذ عقد السبعينات و تغير ثقافة المصريين و اكتساب ثقافة البداوة التي انتقلت إلينا من خلال الهجرة إلى بلاد النفط أحادية الدين مما أدى لانهيار نمط التدين العشبي الذي كان يجمع المسلمين و الأقباط.