9/8/2006

أثارت الحرب العدوانية التي تشنها اسرائيل ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني في ظل صمت دولي وتأييد أمريكي وغض البصر الرسمي العربي، حالة من الصراع الفكري في المنطقة بين فريق عالي الصوت في تأييده للمقاومة الفلسطينية واللبنانية التي تتحدى آلة الحرب الاسرائيلية بلاتكافؤ لا على المستوى العسكري ولا التأييد الأقليمي أو الدولي، وفريق آخر يصرخ بضرورة العمل على الوقف الفوري للحرب العدوانية بدلاً من التشدق بعبارات توازن الرعب ومساندة حزب الله لردع الصهيونية الإمبريالية، وغالبا ما يتراشق الفريقان بالتهم الجاهزة الأولون يصفون معارضي الحرب بالخيانة والإنهزامية بينما يطلق الفريق الثاني تهمة الانسياق وراء الأوهام الصبيانية.

وفي هذا العدد الخاص من صفحات الجنوب نقدم روية مركز الجنوب لكيفية وقف العدوان الاسرائيلي من خلال بيانيين صحفيين أصدرهما المركز، بالاضافة لمقالين هامين يعرض كل منهما رؤية لطبيعة الصراع الجاري، وكاتبي المقالين من أعضاء مركز الجنوب لحقوق الإنسان.
بيان صحفي صادر في 7 أغسطس 2006

بعد الانحياز الأمريكي والفرنسي السافر للعدوان الإسرائيلي مركز الجنوب لحقوق الإنسان يدعو إلى اللجوء لاستخدام آلية الاتحاد من أجل السلام

يتابع مركز الجنوب لحقوق الإنسان ببالغ الإهتمام المناقشات الجارية حول مشروع القرار الأمريكي الفرنسي الذي قد يصدر عن مجلس الأمن اليوم لوقف الحرب العدوانية الاسرائيلية على لبنان، ويؤكد المركز على أن نص مشروع القرار المطروح يؤكد مجدداً الإنحياز الأمريكي والفرنسي للعدوان الاسرائيلي، ويحول الجاني إلى ضحية بدلاً من العمل على إنزال العقاب الرادع لمجرمي الحرب الاسرائيليين الذين تعمدوا قتل حوالي ألف مدني لبناني وشردوا مليون آخرين ودمروا البنية التحتية بسلاح ودعم أمريكي.

إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان إذ يدين جرائم الحرب الاسرائيلية ضد المدنيين في لبنان فإنه يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل القسط الأكبر من مسئولية هذه الجرائم المستمرة على مدار التاريخ مثل مجزرة دير ياسين، ومذبحة مدرسة بحر البقر ومصنع أبي زعبل، وصابرا وشاتيلا، وقانا والبقاع فضلا عن الجرائم المستمرة يوميا في فلسطين، فهذه الجرائم لم تكن لترتكب لولا المساندة غير المشروطة من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية وسلبية الحكومات العربية.

وفي ضوء استمرار الانحياز الأمريكي واحتمال إصدار هذا القرار الذي يكرس العدوان والهيمنة الأمريكية فإن مركز الجنوب لحقوق الإنسان يدعو إلى تفعيل عملية “الاتحاد من أجل السلام” وهذه العملية يتيحها مجلس الأمن بحيث يمكن للأمم المتحدة أن تتحرك طبقاً للقرار رقم 377 للجمعية العامة الصادر في 3 نوفمبر 1950 الذي ينص على “أنه إذا حدث تهديد للسلام أو خرق للسلام أو عمل عدواني، ولم يستطع مجلس الأمن تحمل مسؤوليته الأساسية المتمثلة في حفظ السلم والأمن الدولي، يمكن للجمعية العامة أن تجتمع فوراً لإصدار توصيات محددة للدول الأعضاء باتخاذ إجراء جماعي”.

إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان إذ يخشى من تمرير هذا القرار المنحاز لاسرائيل فإنه يطالب بأن تدعو الدول العربية والإسلامية والدول الرافضة لإستمرار العدوان الإسرائيلي لاجتماع غير عادي للجمعية العامة للأمم المتحدة وفقا لآلية “الاتحاد من أجل السلام” لتدين الأعمال الإسرائيلية وتتخذ قرارا بالوقف الفوري لإطلاق النيران في لبنان وفلسطين وإدانة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتوقيع العقوبات على إسرائيل، حيث أن هذه العملية كانت قد اقرتها واشنطن ذاتها خلال الحرب الكورية، عام 1950، هرباً من الفيتو السوفياتي آنذاك، وتم عن طريقه وقف العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان يدعو إلى العمل فوراً لنقل مناقشة العدوان الإسرائيلي على لبنان من مجلس الأمن الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي والدائم لاسرائيل إلى الجمعية العامة، لأجل اتخاذ قرار ملزم بإدانة المعتدي وحمله على التعويض الكامل عن كل الخسائر البشرية والمادية اللبنانية، وبوجه أخص وفوق كل شيء بوقف العدوان فوراً.
بيان صحفي صادر في 22 يوليو 2006

مركز الجنوب لحقوق الإنسان
يدين استمرار العدوان الاسرائيلي ضد فلسطين ولبنان

يعرب مركز الجنوب لحقوق الإنسان عن بالغ إدانته لإستمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي ضد الأبرياء من المدنيين من الفلسطينيين واللبنانيين في ظل تخاذل القوى الدولية الكبرى والرعاية والدعم الأمريكي للعدوان بدعوى أن العدوان جزء من الحرب ضد الإرهاب.

إن استمرار العدوان الإسرائيلي وتزايد أعداد القتلى والمصابين والمشردين يوميا يفضح زيف الدعاوي الاسرائيلية والأمريكية بإستهداف المواقع العسكرية للمقاومة الفلسطينية وقوات حزب الله، فما يجري على الأرض من قصف بري وجوي وبحري ليس أقل من مجزرة حقيقية تنفذها آلة الحرب الاسرائيلية الغاشمة ضد مدنيين عزل في فلسطين ولبنان، وهذا العدوان المستمر واستهداف المدنيين يمثل حلقة جديدة في سلسلة الإعتداءات الوحشية التي اعتادت اسرائيل على ارتكابها بالمخالفة لكافة قواعد القانون الدولي والإنساني في ظل تواطؤ دولي يؤكد من جديد ضرورة العمل على إصلاح الأمم المتحدة التي باتت تنفذ السياسات الأمريكية في العالم.

إن مرور حوالي شهر تقريبا على بدء العدوان الاسرائيلي ضد غزة والضفة الغربية وأحد عشر يوماً على بدء المجزرة الإسرائيلية ضد المدنيين في لبنان أدى إلى مصرع المئات وإصابة الالاف وغالبيتهم من الأطفال والنساء فضلاً عن تدمير المنازل والبنية التحتية في فلسطين ولبنان ويجري ذلك تحت سمع وبصر المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي فشلت في اتخاذ قرارات تدين العدوان أو حتى بيان يطالب بوقف اطلاق النار حتى الآن.

لقد بدا المجتمع الدولي عاجزاً عن وقف العدوان بسبب الدعم الأمريكي المباشر للحكومة الإسرائيلية بدعوى انها تخوض حرباً ضد الإرهاب، ولم تتخذ أية خطوات جادة وحقيقية من قبل الاتحاد الأوروبي أو روسيا أو الصين للضغط على اسرائيل لوقف اعتداءاتها الوحشية ضد المدنيين الأبرياء.

إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان يؤكد على أن استمرار العدوان الإسرئيلي على فلسطين ولبنان لن يحقق اهدافه في القضاء على المقاومة المشروعة وإنما قد يؤدي إلى تعميق الكراهية لدى الشعوب العربية والإسلامية لإسرائيل بسبب تكرار الاعتداءات الوحشية ضد المدنيين.

إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان إذ يدين استمرار العدوان الإسرائيلي فإنه يطالب كافة منظمات المجتمع المصرية بإعلان تضامنها مع الشعبين الفلسطيني واللبناني وتقديم كافة وسائل الدعم الممكنة بما فيها التظاهر للمطالبة بوقف فوري للعدوان الإسرئيلي، والعمل على إرسال مواد الإغاثة والأدوية والمتطوعين للمساندة في رعاية المصابين من جراء القصف الإسرائيلي الوحشي المستمر، كما يطالب الحكومة المصرية بسرعة تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية والطبية التي تتلاءم مع حجم الكارثة الإنسانية التي تتزايد بإستمرار العدوان الإسرائيلي.

الحرب الاسرائيلية على لبنان والصراع فى الشرق الاوسط
كتب – صلاح صابر

دخلت الحرب الاسرائيلية اللبنانية أسبوعها الرابع وسط تدمير ممنهج للبنية التحتية للبنان بماقدره الخبراء فى الاسابيع الثلاثة الاولى من الحرب بما يعادل 5ر2 مليار دولار وهو امر على صعوبته هين بالنظر إلى تقتيل المدنيين الائمنين فى مذابح تعددت اسمائها من قانا التى راح ضحيتها أكثر من ستين لبنانيا معظمهم من الاطفال والنساء والشيوخ إلى مذبحة القاع باقليم البقاع والتى راح ضحيتها أكثر من 33 من العمال الابرياء الذين كانوا يستريحون لتناول غذائهم بعد عمل شاق فى جمع محصول الفاكهة فى بستان يمتلكه أحد اللبنانيين .. هذه المذابح جاءت بحجج وذرائع اسرائيلية لا يمكن تقبلها إلى من قبل من فقدوا ضميرهم الانسانى أو أصيبوا بامراض نفسية تجعلهم أقرب إلى آكلى لحوم البشر .

هذا بخلاف القصف على المدنيين الفرادى على الطرق أو فى البيوت الامنة وعلى سيارات الاسعاف التى لم يعد لديها اى حصانة بالنظر إلى فقدان الامم المتحدة نفسها لحصانتها حيث قصف الاسرائيليون قوتها فقتلوا اربعة من عناصرها بشكل متعمد حسبما عبر عن ذلك الامين العام للامم المتحدة كوفى عنان دون ان يتم اصدار قرار من مجلس الامن يدين اسرائيل على ذلك وهو امر مضمون بالفيتو الامريكى المجسد لمعانى سيطرة القوة على أى بعد انسانى أو احترام للمبادىء التى وضعها المجتمع الدولى بعد معاناته من حربين عالميتن . فقد وصل القتلى من اللبنانيين وجلهم من المدنيين إلى الالف وفيما يبدو أن هناك آخرين تحت الانقاض لم يتم اضافتهم لانه ببساطة لم انتشالهم بعد نتيجة استمرار القصف الاسرائيلى على المناطق المدنية كما تم تهجير قرابة المليون لبنانى /وهم يمثلون ثلث شعب لبنان / من قراهم وبيوتهم إلى مناطق اخرى فى الشمال والعاصمة بيروت بعضهم افترش الحدائق العامة نتيجة لعدم القدرة على وجود أماكن اخرى لاستيعابهم ومع انتفاء أى ضمانة لان ينجو من قصف اسرائيلى يدخلهم إلى قائمة الشهداء.

وفى نفس المسلسل الدموى وبمنطق محاولة الردع أو رد الفعل قام حزب الله اللبنانى باطلاق مئات الصواريخ يوميا على شمال اسرائيل وحتى تخوم تل ابيب التى اعلن الامين العام لحزب الله حسن نصر الله انه سيتم ضربها إذا ضربت عاصمة بلاده (بيروت) وبالطبع سقط نتيجة لتلك الصواريخ العديد من القتلى الاسرائيليين بعضهم من عرب اسرائيل وعدد آخر من الجرحى على ما يبدو اكثر مما تعلنه السلطات الاسرائيلية حرصا على تماسك جبهتها الداخلية بالدرجة الاولى وهو ما جعلها تضيق على وسائل الاعلام فى عرض هذا الامر.

لماذا قامت الحرب ومن يملك وقفها ؟ لماذا إذا هذه الحرب ومن يقف وراء عدم وقفها وغير عابىء بكل هذه اللوحة الدموية الملطخة بالدم ورائحة البارود وركام المبانى المنهارة وموشاة بالصواريخ والقذائف وقنابل ذكية ودبابات ميركافا وغيرها ؟

الاجابة المباشرة على هذا السؤال وبضمير كامل أن هذه الحرب التى تديرها اسرائيل الان رغم عدم قدرتها حتى الان على تحقيق النصر العسكرى فيها ، هذه الحرب حرب امريكية فى منطقة الشرق الاوسط ويرفض الرئيس الامريكى جورج بوش إعطاء الاذن بوقفها وهو يملك ذلك بالطبع إذ انه من يعرقل اى خطوات من دول اخرى فى مجلس الامن تسير فى طريق ايقاف الحرب وهو على ما يبدو يجد أنها من الممكن ان تحقق له هدفه الذى اعلنته وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس من حلم اقامة الشرق الاوسط الجديد.

وقبل الدخول إلى تفسير هذا الحلم الامريكى لمنطقتنا فانه من المفيد أن نشير إلى أن الرئيس الامريكى دائما ما يشير إلى أن وقف اطلاق النار يجب ان يتم على اسس سليمة تضمن عدم العودة لاطلاق النار وهو يعنى بذلك القضاء على حزب الله وبالطبع هو لا يقول لان ذلك جزء من استراتيجيته الخاص بالشرق الاوسط الجديد وانما لان حزب الله من وجهة نظره هو من بدأ الحرب حين أسر جنديين اسرائيليين بهدف اجبار اسرائيل على الافراج عن اسرى لبنانيين لديها ضمن اكثر من 10 آلاف أسير عربى فى السجون الاسرائيلية وترفض السلطات الاسرائلية الافراج عنهم رغم أن بعضهم قضى فى السجن أكثر من 35 عاما . الرئيس الامريكى يقول أن حزب الله هو المسئول عن اشعال الحرب إذا وكأن التاريخ قد بدا فى ذلك اليوم الذى اسر فيه حزب الله جنديين اسرائيليين من على الحدود اللبنانية الاسرائلية وكأن اسرائيل لم تزل تحتل ارضا لبنانية وكأن اسرائيل توقفت عن اختراق الاجواء والمياه اللبنانية بشكل شبه يومى .. هذا طبعا قفز على الحقيقة بغية خداع الرأى العام الدولى والغربى تحديدا الذى تغرقه وسائل الاعلام الامريكية بوجه نظر أحادية هى وجهة نظر اسرائيل بحكم سيطرة اللوبى الصهيونى على هذه الوسائل الاعلامية .

الشرق الاوسط الجديد ..حلم امريكى ودماء لبنانية :

إذا .. فنحن نشهد حربا هدفها المعلن تغيير الخريطة السياسية للمنطقة بما يتوافق مع السياسة الامريكية والمصالح الامريكية وأن هذه الحرب رغم دمويتها وصور القتلى من الاطفال الخارجين من تحت المبانى المقصوفة فى لبنان ليست إلا مخاضا أليما لمولود أمريكى هو الشرق الاوسط الجديد حسبما قالت وزير الخارجية الامريكية.

وبصرف النظر عن السادية واللانسانية فى هذه النظرة فاننا نستيطيع أن نتلمس أن الهدف هو القضاء على المقاومة فى لبنان لحماية أمن دولة مغتصبة لتمكينها من فرض شروطها فى عملية التسوية إذا حان وقت أيقاظها من نومها الطويل أو موتها على حسب رأى الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى ، وكذلك لافقاد القوى المناوئة لامريكا فى المنطقة وهما ايران وسوريا من ورقة ضغط يملكونها فى لبنان للاجهاز عليهما او إجبارهما على أن يغير النظام فى هاتين الدولتين سلوكه بما يرضى واشنطن على الاقل وبالتلى يمكن تسوية الامر على المزاج الامريكى فى العراق وفى الاراضى الفلسطينية المحتلة.

هذه الحرب وتجزر الاستقتطاب بين الشارع العربى والنظام العربى وهذا الشرق الاوسط الجديد يبدو أنه راق لعدة نظم قريبة من واشنطن وصديقة لادارتها وإن تعكرت العلاقات بينهما قليلا بعد احداث الحادى عشر من سبتمبر حين ارتأت الادارة الامركية فرض شرق اوسط كبير آنذاك فيه مساحة من الاصلاح الديمقراطى تنفيسا عن الشعوب فى المنطقة حتى لا يخرج منها مرة ثانية ارهابيين يقومون بمثل ما قام به بن لادن ومجموعته فى واشنطن ونيويورك. الشر ق الاوسط الجديد ليس فيه اصلاح ديمقراطى مفروض على الانظمة وفيه التخلص من بؤر المقاومة لاسرائيل بما يضمن سيادة وجه نظر أحادية تحتكرها الانظة العربية وهى السلام كخيار استراتيجى ومن هنا رحبت الانظمة العربية ممثلة فى مصر والسعودية والاردن بالدرجة الاولى بشن الحرب على لبنان وأعطت الغطاء لذلك عبر اتهام حزب الله بالمغامرة وعدم ادراكه لمصالح الامة.

وحين طال امد الحرب أكثر مما كانت تأمل هذه الانظمة وصمد لبنان موحدا على كثرة طوائفه والاختلافات فى الرؤى السياسية وصمد حزب الله فى الجانب العسكرى وجانب الردع ، هنا تحرجت الانظمة فاظهرت قدرا من الميل نحو شارعها الغاضب مطالبة بوقف اطلاق النار فيما ارتأه الشارع بانه نوع من الانتهازية السياسية غير المقبولة وزادت الفجوة بين الجانين فى تزايد أزمات اجتماعية اقتصادية وأزمات سيساسية بمكن اختصارها بانعدام العدالة فى الثروة والسلطة.

حرب إقليمية ..على ارض لبنانية وبدماء لبنانية

ومن هنا فنحن أمام حرب فى جانب كبير منها ذات بعد اقليمى وبعد دولى مع عدم اغفال جانب الديناميات المحلية فى البلدين الممسكين بفوهات المدافع فى اندلاع هذا الحرب وعلى ما يبدو فانه وإن توقف اطلاق النار عبر قرار دولى وهو امر يمكن تحقيه خلال ايام قليلة إن لم تكن ساعات نظرا لعدم قدرة الراغبين فى استمرارها فى تحقيق كامل اهدافهم أو قدرتهم على اسكات الاصوات العالية فى العالم المطالبة بوقف سفك الدماء اللبنانية، وإن توقف القتال فان الحرب ستدور ايضا على الساحة السياسية فى محاولة لتحقيق كل طرف ما يرجوه منها إن نصرا للشرق الاوسط الجديد أو نصرا لقوى المقاومة البديل عن قوى التسوية السلمية (ان صح التعبير) والمدعومة بدورها ايرانيا وسوريا. وهو أمر ستكشفه الايام القادمة بعد أن تكون الحرب قد وضعت أوزارها وجفت دماء الضحايا من الاطفال والنساء وشرع الشعب اللبنانى فى تضميد جراح كتب عليه أن يعانى منه كل دورة من الزمن نتيجة لتصارع المشاريع المرسومة للمنطقة بين اطراف دولية وإقليمية متصارعة..

حزب الله والقوى الوطنية العربية
كتبت – ناهد نصر

من أهم الدعاوى التى يطرحها المؤيدين لحزب الله تأييداً غير مشروط القول بأنه حركة تحرر وطنى تتبع تكتيك حرب العصابات لزعزعة أركان العدو مع الإدراك الكامل لتفوق العدو عسكرياً، حتى أن نصرالله فى حوار تلفزيونى قال بأن الإنتصار بالنسبة له يعنى القدرة على الصمود والحفاظ على الكرامة، ولم يكن رومانسياً بقدر مؤيديه الذين يهتفون له بأن يدمر تل أبيب.

وعلى الرغم من أن الكثير من مؤيدى حزب الله “الآن” يعلمون بوجود خلافات أيدولوجية معه ومع توجهات حزبه، إلا أن حصاراً فكرياً بات يفرض على مجرد التفكير فى توجيه أى نوع من أنواع النقد لحزب الله على أساس أنه ينبغى فى الوقت الراهن توحيد الجبهة الشعبية خلف سماحة السيد وحزبه فى مواجهة العدوان الإسرائيلى الأمريكى.

على أن دروس التاريخ علمتنا، أو هكذا ينبغى لها، خطورة أن نغض الطرف عن اختلافات جوهرية ومبدئية فى لحظة من اللحظات لصالح ما نعتقد أنه يحقق مصلحة عامة. ودروس التاريخ تلك حاضرة لم يطمسها الزمن. فلا يخفى على أحد أن نظام الحكم الإسلامى فى إيران قام على رقاب المؤيدين للحزب الشيوعى الإيرانى الذى مهد للثورة على نظام الشاه، والذى سلم الدفة مختاراً للإسلاميين بلا رجعة. والمئات المتبقية من قوى اليسار المصرى لازالت تجرع حتى الآن مرارة إلتفافها غير المشروط حول السادات بعد إعلانه قرار الحرب فى أكنوبر 73، والحال نفسه إذاء موقف القوى الوطنية من إنقلاب عبد الناصر العسكرى وغير ذلك من الأمثلة كثير.

إذاً التاريخ أثبت أن الرؤية الواضحة والتحليل النقدى هو السبيل الوحيد نحو الإتساق مع الأهداف من جهة ومع الجماهير من الجهة الأخرى. وهو الموقف نفسه الذى ينبغى إتخاذه بشأن حزب الله. الآن. فإرادة الشعوب لهى أجدر بأن تحترم، لكن حين تتحول جل القوى الوطنية والمجتمع المدنى دون أى نقد أو تحليل إلى جماعة من المتذيلين للوعى الذى تصنعه آلة الرجعية والتسلط الطائفى والدينى التى ترفع الشعارات البراقة للتحرر الوطنى ومعاداة الإمبريالية. فإن ما تقدمه تلك القوى فى الحقيقة ما هو إلا خيانة لهذه الشعوب لا إحتراماً لإرادتها.

وبالنظر إلى الحرب الدائرة الآن فى لبنان فقد أعلنت إسرائيل أنها لا تهدف منها إلى إحتلال جنوب لبنان وإنما إبعاد حزب الله إلى حدود نهر الليطانى. فإذا كانت إسرائيل قد تمكنت عن طريق الإستخدام المفرط للقوة من إبعاد حوالى مليون لبنانى وتهجيرهم وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة على هذه المساحة من الأراضى اللبنانية. بينما لم تتمكن من القضاء على حزب الله. وإن كان حزب الله بكل صواريخه التى وصل بعضها إلى العمق الإسرائيلى لم يتكمن من حماية المدنيين اللبنانيين من القتل والتشريد فمن هو الخاسر ومن المنتصر فى هذه الحرب؟ لقد كان نصر الله واقعياً حين عرف الإنتصار بأنه الصمود. صمود نصر الله شخصياً وصمود منصات صواريخه، وصمود مصادر تمويله. أما الشعب اللبنانى الذى يهدى نصر الله “إنتصاره” إليه فهو بين قتيل وجريح ومشرد. أما الشرف العربى والكرامة العربية فهى أمور لا تهم سوى المتابعين لأحداث الحرب خلف شاشات التلفزيون، لا من يكتوون بنيرانها حقاً.

حزب الله،وصراع الإمبرياليات الكبرى والصغرى فحزب الله الذى يبدو وكأنه يصارع قوى الإمبريالية الممثلة فى الولايات المتحدة وإسرائيل، فإنه فى الوقت نفسه يخدم مشروعاً إمبريالياً آخر، وإن كان على نطاق أصغر، يمسك بخيوطه النظام الشيعى فى إيران التى ترعاه وتدعمه. والتى لم يحرك رئيسها أحمدى نجاد المنشغل فى برنامجه لتخصيب اليورانيوم صاروخاً واحداً من طهران إلى تل أبيب على الرغم من التصريحات النارية التى تنهمر من المسئولين الإيرانيين منذ إشتعال الأزمة فى غزة. وهو الحال نفسه مع حليف إيران فى المنطقة النظام السورى الذى رفضت وزيرته لشئون الهجرة توصيف خطف نصر الله للجنديين بالخطوة غير المحسوبة بينما رداً على سؤال لها حول متى ستتحرك سوريا، وذلك بعد إسبوع واحد من القصف الوحشى على جنوب لبنان، قالت إن التدخل السورى ينبغى أن يكون مبنياً على حسابات دقيقة. وبينما يطلق وزير الخارجية السورى وليد المعلم تصريحاته مؤخراً فى زيارته للبنان حول لبنانية مزارع شبعا لم يتحرك الجيش السورى لتحرير الجولان التى تحتلها إسرائيل. ألا يستدعى الموقف الإيرانى والسورى الرأى القائل بأن تحركات حزب الله هى تصفية حسابات سياسية إقليمية أو تمهيد لها بدماء لبنانية؟ وما الذى يعنيه تصريح المندوب الأمريكى لدى الأمم المتحدة مؤخراً بأنه يمكن التعامل مع حزب الله فى المستقبل كقوة سياسية لا كقوة عسكرية؟

فإذا تم إقرار وقف إطلاق النار هل سيواصل حزب الله هجماته الصاروخية على إسرائيل؟ وإذا كان حزب الله كما يصرح زعيمه يتصرف كردة فعل فقط للهجمات الإسرائيلية على لبنان فما الدور الذى سيلعبه بعد وقف إطلاق النار، بعد أن فشل فعلياً فى حماية اللبنانين ولم ينفذ وعيده بقصف تل أبيب على الرغم من الدمار الذى لحق بالعاصمة بيروت؟

أغلب الظن أنه بعد فشل إسرائيل فى تدمير حزب الله على الرغم من نجاحها فى إخلاء مناطق واسعة من الجنوب من سكانه فإن مسرحية فرد العضلات التى لعبها النظام الإيرانى- السورى عن طريق حزب الله سوف تتمخض عن دور سياسى أكبر لحزب الله فى لبنان من جهة والدفع بالدبلوماسية الأمريكية لضم كل من إيران وسوريا فى الحوار حول الخارطة الجديدة للشرق الأوسط “الجديد”. بينما تحتفظ الآلة العسكرية الإسرائيلية – الأمريكية بدورها فى ترويع السكان اللبنانيين وقت الحاجة. فحزب الله ورعاته يتصرفون بسياسة يد تحمل الصاروخ والأخرى تصافح، أو تحاول المصافحة، مهما اقتضت الضرورة من عبارات رنانة أمام الكاميرات. بينما يطمئن سماحة السيد الشعب اللبنانى المنكوب بخزائن رعاته قائلاً سنساهم فى إعادة الإعمار، وكأنه يشارك كونداليزا رايس الرأى حول أن الشعب اللبنانى ينبغى أن يحتمل القتل والتشريد كثمن لمخاض الشرق الأوسط الجديد.على إختلاف ما قد يعنيه مفهوم الشرق الأوسط “الجديد” بالنسبة للإمبريالية الأمريكية عنه بالنسبة للإمبريالية الإيرانية الإقليمية. فأى وطنية تلك التى يدين بها حزب الله.

المقاومة بين المشروعية والفاعلية:
على الرغم من الإدعاءات الإسرائيلية والأمريكية التى تحاول خلط الحدود بين الإرهاب وبين المقاومة فإن مقاومة الإحتلال وسيطرة القوى الإمبريالية ستظل حقاً لا غبار عليه للشعوب التى تعانى من تلك السيطرة. فما مدى فاعلية المقاومة على طريقة حرب العصابات التى يخوضها حزب الله فى لبنان وعدد من فصائل المقاومة المسلحة فى فلسطين المحتلة؟ إن السؤال الذى ينبغى أن يطرح فى هذا الشأن لا يتعلق بمشروعية المقاومة وإنما بفعالية آليات المقاومة تلك. فكل عمليات إطلاق الصواريخ والعمليات الإنتحارية التى تتم من قبل الفصائل الفسطينية المسلحة لم تكن قادرة فى أى وقت على منع الإجتياحات الإسرائيلية للقرى والمدن الفلسطينية وما تعمله من مذابح بشعة للمدنيين هناك. فضلاً عن أن المقاومة الفلسطينية المسلحة لم تتمكن من فرض أى مطلب من المطالب الفلسطينية على الحكومات الصهيونية المتتالية. كما تمكنت إسرائيل من إبتلاع كل إحتفاليات حزب الله منذ العام 2000 وحتى الآن بدعوى تحرير جنوب لبنان من الإحتلال الإسرائيلى. حيث أثبت الهجوم الإسرائيلى الوحشى على جنوب لبنان مؤخراً جواً وبراً أنها قادرة على العبث فى الجنوب “المحرر” وقتما تشاء.

فجماعات المقاومة المسلحة رغم حصولها على تعاطف الكثير من الناس إلا أن غالبية المتعاطفين معها لا ينخرطون كأعضاء فعليين فى تلك الجماعات، بل وتقع مصالحهم فى أغلب الأحيان تحت سيطرة القوى المعادية (مثل الإحتلال) أو تحت سيطرة القوى التى لا تؤيد آلية حرب العصابات (مثل الدولة). وكمحاولة لإضفاء بعض التوازن على تلك المعادلة يصبح لزاماً على حركات المقاومة المسلحة توفير بديلاً إقتصادياً خدمياً وخيرياً كما تفعل حماس فى الأراضى الفلسطينية. ومن ثم عليها الإعتماد على قوى خارجية لها مصالحها الخاصة لكى تتمكن من الحفاظ على نسبة تأييد لها وسط الجماهير. حتى يتأتى لها اللعب بورقة الجماهير كلما اقتضت الحاجة لذلك. لقد حصلت حركة المقاومة المسلحة حماس على أغلبية فى التشريعى الفلسطينى ببرنامج خدمى محلى وليس ببرنامج تحريرى ثورى. وهو الحال نفسه فى العلاقة بين حزب الله وسكان الجنوب اللبنانى من المتعاطفين معه.

إن جماعات المقاومة المسلحة هى جماعات تحارب بالوكالة ليس فقط عن الشعوب ولكن أساساً عن القوى التى تقدم لها الدعم. ومن ثم فإنها لا تمثل حركات شعبية حقيقية. وإما أن ينتهى الحال بتلك الجماعات كطرف على مائدة المفاوضات على الحد الأدنى من المطالب كما هو الحال بالنسبة لجماعة الشين فين الآيرلندية أو أن تمسك بزمام السلطة بالوكالة أيضاً لتعيد إنتاج السيطرة ولكن هذه المرة بثوب جديد مثلما هو الحال فى كوبا كاسترو وفيتنام هوشى منه. وهى فى كل الأحوال تظل مرهونة بمصالح مموليها وداعميها التى لا يمكنها الإستغناء عنهم بقدر يتجاوز تعبيرها عن مصالح المتعاطفين معها من الشعوب.

إن المقاومة التى نحتاج إليه فى حقيقة الأمر هى تلك المقاومة الواعية والفعالة فى آن معاً. فحمل السلاح ليس هدفاً فى ذاته، وإنما هو وسيلة من وسائل المقاومة. وإن كان قطاع واسع من الشعوب العربية بل وفى بعض أنحاء العالم ينظرون نظرة إعجاب وتعاطف لحسن نصرالله وأحمد ياسين وحتى بن لادن والظواهري فذلك لأن البدائل المطروحة أمام تلك الشعوب على قدر من التخاذل والتواطؤ بما لا يتفق وأمانيها. على أن هذا التعاطف لا يتعدى فى الحقيقة كونه تعاطفاً مع بطل بالوكالة أو “مخلص”.

فإسرائيل وامريكا وحلفائهما يمكنهم خلق رأى عام معادى لقضيتنا بالخداع والتدليس لكن الشركات عابرة الجنسيات ورجال الأعمال الغربيين والعرب سيدفعون دفعاً للضغط على تلك الحكومات فى حال تعرضت مصالحهم للتهديد إثر مقاطعة منتجاتهم أو توقف فروع شركاتهم عن العمل بسبب إضرابات عمالية واسعة. واثر اعلان العصيان المدنى الذى يهدد مصالح هؤلاء وحلفائهم والمتعاونين معهم.

فإن تمكنت الشعوب من مواجهة قمع الأنظمة البوليسية بكافة وسائل المقاومة السلمية، وإن كانت قادرة على إستخدام كافة وسائل الضغط لفرض مطالبها لن تكون فقط قادرة على تحرير فلسطين ولبنان والعراق من الإحتلال بل وتحرير بلادنا من الاستغلال والديكتاتورية والفساد.

وهى المهمة التى تحتاج إلى قدر من الوعى والقدرة على الحشد والوصول إلى أوسع قطاعات ممكنة من الناس ليس فقط فى الداخل، وإنما فى الخارج أيضاً. وذلك فى الحقيقة هو ما تفتقر إليه القوى الوطنية ومؤسسات المجتمع المدنى لدينا.

القدرة على الحشد والتماسك والإقناع. صحيح أن ترديد الشعارات البراقة “للمخلّصين” أسهل بكثير وصحيح أن دعوة الحكومات لفتح باب الجهاد أسهل بكثير غير أن محاولة الوصول إلى الناس واقناعهم باهمية اتخاذ خطوات حقيقية على طريق المقاومة الشعبية الحقيقية يظل هو التحدى والسبيل الوحيد نحو التغيير الحقيقي الذى يعبر عن مصالح الشعوب لا عن مصالح طغاة الحاضر أو طغاة المستقبل.

فهل القوى الوطنية والمجتمع المدنى العربى لديها الإستعداد لخوض معركتها الخاصة للوصول إلى الجماهير؟ أما أنها تفضل البقاء كفقرة ضمن فقرات نشرات الأخبار وهى تتظاهر وتغضب وتهتف بالوكالة؟

www.southonline.org
Tel/ Fax: 3143441
Mobile: 0123642094
0104826784