9/4/2005
أطفال في عمر الزهور يخرجون من بيوتهم قبل أن تشرق الشمس حفاة الأقدام يساقون إلى حقول القطن لجمع لطعات دورة ورق القطن أو رش المبيدات وفى أوقات أخرى ينغرسون في أوحال حقول الأرز لنقل الشتلات تنقلب بهم أحيانا الجرارات في الترع والرياحات ويسقطون ضحايا للمبيدات أو ضربات الشمس الحارقة وتصبح الصورة أكثر قتامة حين تشير التقارير الرسمية أن أكثر من 120 ألف طفل يتسربون من التعليم كل عام وأن الفئة العمرية من 6-14 عاما يمثلون 7.6% من إجمالي قوة العمل في السوق المصري وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسبة الأطفال العاملين في ريف مصر فقد وصلت إلى 13.6% مقارنة بالأطفال العاملين بالحضر والتي تصل نسبتهم إلى 3.8% وقد قدر العدد الإجمالي للأطفال العاملين في! مصر بحوالي ثلاثة ملايين طفل عامل،
الغريب في الأمر أنه حتى اليوم ينظر إلى عمالة الأطفال بالزراعة باعتبارها من الأمور الطبيعية غير الضارة بالرغم من أن منظمة الصحة العالمية قامت بالتنبيه بأن قطاع الزراعة لا يقل خطورة عن عمل الأطفال في الورش والمصانع فالعمل في سن مبكرة له أثاره الصحية السيئة فالطفل اكثر تأثرا بالعوامل التي تؤثر على إختلال الوظائف الجسد ية ومعدل النمو وتوزان الأجهزة المختلفة كما يتعرض الأطفال للمبيدات الحشرية ومالها من أخطار كالتسمم أو الإصابة بالسرطان والأمراض العصبية وأمراض الجهاز المناعي والى جانب الآثار الصحية
فان عمالة الأطفال تساهم بشكل أساسي في تفاقم مشكلة التسرب من التعليم فالطفل يجد معاناة شديدة للجمع بين التحصيل والعمل مما يؤدى في أغلب الأحيان إلى فشله في المدرسة والهروب من التعليم في المرحلة الأساسية فالعمل يؤثر على الصغار نظرا لوجودهم في بيئة لا تسمح بنمو القدرات الخاصة مما يؤثر على توافقهم الشخصي والاجتماعي في ظروف لا تتيح لهم تكافؤ الفرص بأقرانهم في نفس الفئة العمرية فضلا عن أن المعاملة السيئة التي يتلقاها الطفل وإستغلاله من قبل صاحب العمل مع قل! ة الرعاية الاجتماعية قد تدفع الحدث إلى عادات سلوكية سيئة خاصة مع حرمان الطفل من طفولته وفقدان الإحساس بالأمان مما يؤدى إلى إضطرابات انفعالية وسلوكية وفقدان احترام الذات وشعور الطفل بالكابة والقلق ويترتب على عمالة الأطفال بالزراعة زيادة معدلات البطالة نظرا لأن الأطفال يمثلون قوة عمل رخيصة الثمن وغالبا ما يبدأ عمل الطفل من الساعة السابعة صباحا حتى السابعة مساء يتخللها فترة راحة لا تزيد عن الساعة ويترواح أجر الطفل ما بين جنيهن إلى أربعة جنيهات حسب الجهد ونوع المحصول وباليقين فان تجريم القانون لعمالة الأطفال لن يقف حائلا دون الدفع بهم في سوق العمل فظروف الفقر التي يعيش فيها 48% من المصريين ستعرض المزيد من عمالة
الصغار شئنا أم أبينا فحاجة الأسرة للحد الأدنى من الدخل الذي يقدمه لها الطفل من خلال عمله الزراعي تعتبر أكثر إلحاحا من تعليم الأبناء تقول والدة الطفلين محمد ومحمود عبد الفتاح مرسى من قرية أم الزين بمحافظة الشرقية ” إبني محمد عمره 10 سنوات ومحمود عمره 8 سنوات الأول في الصف الرابع الابتدائي والثاني في الصف الثاني أبوهم عامل باليومية ومريض يعنى يوم شغال وعشره ! لا، كان لازم أولادي يشتغلوا عشان يساعدونا فى المعيشة أيام القطن ببطلعوا يجمعوا الدودة وأيام يرشوا المبيدات وأيام يشتلوا الأرز وفى موسم الخيار والطماطم والبطاطس والقطن يطلعوا يجمعوا إبني محمد ياحبة عيني جالوا تسمم من المبيدات السنة اللي فاتت ولحقناه في أخر لحظة في المستشفى قلبي بيتقطع وأنا باشوفهم كل يوم من بعد الفجر بشوية خارجين من البيت على باب الله محمود بيبوس أيدي ويقول لي ادعى لي يا أمة ربنا يرزقنا، المدرسة بعتت لمحمود أكثر من إنذار عشان الغياب ومحمد فصلته المدرسة السنة دى عشان الغياب من يومها وأنا حسه انه بقى راجل قبل الأوان ،كان راجع في يوم من الشغل في الغيطان شاف زمايله راجعين من المدرسة كانوا بيضحكوا وبيلعبوا يومها دخل على وهوه بيبكى مسحت له دموعه وحضنته وقلت له يعنى اللي خدوا شهادات عملوا بها إيه قلت له الكلام دة وأنا عارفة أنى بأكذب عليه لكن أعمل أية دى إرادة ربنا”
العجيب في الأمر أن القانون 79 لسنة 1975 للعماله المتدرجة الأطفال فيما يتعلق بتامين إصابات العمل نص على أن تسرى أحكامه على العاملين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما والمتدربين والتلاميذ ان والطلا! ب المشتغلين في مشروعات التشغيل الصيفي في حين اغفل القانون الأطفال العاملين في الزراعة ففي كل الأحوال يدعى صاحب العمل أن هؤلاء الأطفال من أفراد أسرته فضلا عن سهولة إخفاء هؤلاء الأطفال في الحقول الشاسعة كما أن ، إدارات تفتيش العمل أسقطتهم من حساباتها تماما وأصبح من مسلماتها أن الطفل العامل هو من بعمل في الورش والمصانع والمحاجر فقط وهو ما يتناقص مع ما تشير إلية الإحصاءات بأن نسبة 25% من إصابات العمل تقع بين الأطفال العاملين في جمع لطع القطن والفل وأيضا المدابغ ويزداد الأمر غرابة حين نقرا المادة 55 من قانون التأمينات الاجتماعية رقم 79 لسنة 1975 والتي تنص على إن يكون معاش العجز الكامل أو الوفاة لمن لا يتقاضى أجرا من هذه الفئات عشرة جنيهات شهريا ويسرى في هذا الشأن حكم المادة 51 الفقرة الثانية حيث يزداد المعاش 5% كل خمس سنوات حتى بلوغ المؤمن علية سن الستين إذا كان مؤمنا عليه وتبلغ المأساة ذروتها فا في أنه إذا قلت نسبة العجز عن 100% فلا يستحق المؤمن عليه معاشا أو تعويضا أي لابد أن يصاب الطفل بعجز كامل أو يموت حتى يحصل هو أو أهله على عشره جنيهات وبالقطع فان هذا القانون يسرى على! الأطفال العاملين بالزراعة لانهم في نظر مدير يات التفتيش يعملون بلا أجر أو غير موجودين من الأساس
من جهتنا فان أولاد الأرض تطالب وزير القوى العاملة أن تقوم إدارات التفتيش بعمل حصر كامل للأطفال العاملين بالزراعة والتأمين عليهم وحظر عمل الأطفال في الأعمال الخطرة مع إلزام صاحب العمل بالـتامين الصحي على الأطفال مع رفع أجور هؤلاء الأطفال كما تطالب أولاد الأرض رئيس الحكومة بتعديل قانون التأمينات الاجتماعية رقم 79 لسنة 1975 وزيادة الحد الأدنى لمعاش العجز الكامل لهذه الفئات إضافة إلى أتاحه الفرصة للأسر الريفية لتحسين مستوى الدخل من خلال تدعيم مستلزمات الإنتاج الزراعية وفتح أسواق لتصريف المحاصيل والمنتجات بأسعار مناسبة مما سيؤدى في النهاية إلى تقليص حجم ظاهرة عماله الأطفال في الزراعة