25/12/2007

طالب نشطاء حقوق الإنسان وممثلي الأحزاب السياسية والنقابات العمالية وعدد من أعضاء مجلسي الشعب والشورى بإطلاق حرية الاجتماع والتنظيم في مصر تماشيًا مع ما أقرته المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك الدستور المصري، مؤكدين أن ذلك سيؤدي في نهاية الأمر إلى بناء مجتمع مدني حر فعال قادر على المساهمة في تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر. جاء ذلك في ختام ورشة العمل التي عقدتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية تحت عنوان “نحو إطلاق حرية الاجتماع والتنظيم في مصر” أمس بفندق بيراميذا بالدقي. واستهل أ. حافظ أبو سعده الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان حديثه بالقول أن مصر بدأت عملية إصلاح سياسي و دستوري ، لكن هذا الإصلاح لم ينعكس على عملية المشاركة،وبالتالي الإصلاح يتطلب تدعيم أسس المشاركة للأحزاب و النقابات و الجمعيات ، فهذه المؤسسات موجودة بالفعل ولكن ليست على المستوى المرغوب لتحقيق المشاركة ، فهي مؤسسات فارغة المضمون لا تملك آليات المشاركة الفعلية داخل المجتمع،بما يعزز آليات الديمقراطية المطلوبة، مشيراً إلى أننا نريد الوصول إلى تصور يعكس الفاعلين في المجتمع المدني واتفاقهم حول المبادئ العامة التي تحكم هذه المؤسسات ، حتى لا تكون قرارات الدولة بمعزل عن الآخرين .

وأوضح أبو سعده أن قوانين الأحزاب والجمعيات والنقابات العمالية ليست القوانين الوحيدة التي بحاجة للإلغاء ، وإنما هناك قوانين داخل المنظومة التشريعية بحاجة إلى إعادة نظر، وعلى سبيل المثال المشروع المقترح الآن بإلغاء الدعم سيؤدي إلى انفجار لن يحمد عواقبه .

وأكد أ. رونالد ماندرويس مدير مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية أن حرية التنظيم هي حق مهم من حقوق الإنسان الأساسية ، و بالتالي فنحن نسعى إلى تقوية حرية التنظيم في مصر .

أما الأستاذ أحمد عبد الحفيظ المحامي بالنقض ونائب رئيس المنظمة ، فأكد أن أن الدولة في الماضي لم تكن تريد الاقتراب من الحق في التنظيم ، أما الآن فنحن بصدد تقييد لحرية التنظيم ، فهناك قوى مهيمنة على السلطة في معظم الدول العربية ، وهي تعمل ما في وسعها في سبيل تعزيز هذه الهيمنة وإبعاد كافة القوى الأخرى عن مقاليد السلطة. وأضاف أن هذا المشروع مع مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية يهدف بالأساس إلى إصلاح القوانين المنظمة لكلاً من الأحزاب والجمعيات والنقابات ، وذلك وسط مشاركة كافة القوى السياسية والحزبية في المجتمع المصري ، وكانت نقطة إنطلاق المشروع من ذات المكان عندما عقدت المنظمة المصرية ومؤسسة فريدريش ناومان ندوة بعنوان ” مصر…نحو مجتمع مدني حر ” والتي عقدت في شهر سبتمبر الماضي ، وسط مشاركة مجموعة من نشطاء حقوق الإنسان وعدد من ممثلي مجلسي الشعب والشورى وأساتذة القانون الدستوري وممثلي الأحزاب السياسية والنقابات العمالية .

وفي ختام هذه الندوة شكلت ثلاث مجموعات عمل للنظر في أوجه الخلل المتعلقة بالقوانين المنظمة لكلاً من الأحزاب و الجمعيات و النقابات العمالية، وسبل التغلب على هذا الخلل، وآليات العلاج المناسبة ، ومطالب إصلاح هذه القوانين.وشارك في هذه المجموعات مجموعة من الخبراء المتخصصين في القوانين الثلاث محل البحث .

وبعد عمل استمر لمدة ثلاث شهور منذ شهر سبتمبر –ديسمبر 2007 ، يأتي عقد هذه الورشة “نحو إطلاق حرية التنظيم والاجتماع في مصر “، وسوف تعقد المنظمة المصرية ومؤسسة فريدريش ناومان مؤتمر اقليمي تحت رعاية جامعة الدول العربية بالقاهرة في منتصف يناير 2008، ليعرض فيه ما توصلت إليه مجموعات العمل في الدول العربية الخمس ( مصر ، الأردن، فلسطين ، لبنان ، اليمن ) .

وجاءت الجلسة الأولى عن قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 مكامن الخلل ومطالب الإصلاح ، وطالب د. أسامة الغزالي حرب نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية بعدم الاقتصار على دراسة المنظومة التشريعية التي تعيق عمل الأحزاب فقط،وإنما لابد من دراسة موضوع الديمقراطية في مصر والمناخ العام المعيق لحرية الأحزاب دونما الاقتصار فقط على البنية التشريعية.

كما اعترض الغزالي على فكرة الإصلاح التدريجي، مؤكداً أن هذا الإصلاح لا يصلح بأي حال مع الحكومة المصرية لاسيما في الوقت الحالي ، فنحن نريد استخدام لهجة قوية في الحديث مع الحكومة أقوى بكثير من لهجة الإصلاح و الاستنجداء والتوسل .

ولكن د. جهاد عودة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة حلوان اختلف في الرأي مع الغزالي ، مؤكداً أن التدرج في حد ذاته فكرة جيدة بدلاً من الهرولة إلى الديمقراطية مما يؤدي إلى انكسارها في النهاية .

وأشار عودة إلى أن من ينكر وجود الديمقراطية داخل المجتمع المصري عليه أن يشاهد مظاهرات الموظفين ضد بعض الممارسات ، وهذا خيرا دليل على الممارسة العملية للديمقراطية ، و لعل هذا يعد جزء من التسلسل الطبيعي للديمقراطية من أجل إلا نصل في النهاية مأساوية تؤدي إلى انكسار الديمقراطية.

وتناول د. عمرو هاشم ريبع الخبير بمركز الأهرام للدارسات السياسية والاستراتيجية تحليل سلبيات قانون الأحزاب السياسية رقم 177 لسنة 2005 ، مشيراً إلى أن كل فترة يتم تعديل القانون إلا أن التعديل دائما يأتي إلى الأسوء، و بالتالي فأن التعديل لا يجب أن يأتي من قبل القوى الحاكمة فقط، وإنما لابد أن يأتي عن طريق حوار مشترك بين القوى الحكومية والمعارضة رغبة في الوصول إلى أرضية مشتركة من التفاهم حول النقاط المختلفة . وحذر ربيع من مغبة العصيان المدني إذا انتشر داخل الأوساط الشعبية ، مطالبًا بتدارك الموقف من الآن من أجل الحفاظ على كيان هذا الوطن .

أما أ.عبد الغفار شكر عضو المكتب السياسي لحزب التجمع ، فأشار إلى أن الهدف الأساسي للتعددية هو تداول السلطة بين الأحزاب السياسية للوصول إلى الحكم ، لكن الواقع الفعلي يشهد أننا لدينا 24 حزب سياسي منهم 7 فقط بما فيهم الحزب الوطني هما الذين لديهم فعالية ويعبرون عن قوى اجتماعية ورؤى سياسية.

وأكد شكر أن قانون الأحزاب الحالي هو ثوب بالي لم يعد يصلح فيه الترقيع بأي حال من الأحوال ، فنحن في حاجة إلى قانون جديد للأحزاب ، على أن يتضمن القانون مجموعة من المبادئ آلا و هي : حرية تكوين الأحزاب دون موافقة مسبقة من أي جهة إدارية ، حق أي مواطن في الانضمام والانسحاب من أي حزب عندما يشاء ، حق أعضاء الحزب وحدهم في صياغة لوائحهم بنفسهم ، خضوع الأحزاب للقضاء الطبيعي ، التزام الأحزاب بالقانون و الدستور ، كما لا يتعارض قيام أي حزب مع مبادئ الدستور و القانون و لا يكون فرع لحزب أجنبي ، لا يجوز إلا في حالة التلبس مهاجمة الأحزاب، وكذلك حق الأحزاب في إصدار الصحف و الجرائد .

ومن جانبه أكد أ.فاروق العشري عضو لجنة الدفاع عن الديمقراطية أن الإصلاح المنشود ليس في تعديل مادة أو بضع مواد في الدستور أو في قانون الأحزاب السياسية أو في قانون مباشرة الحقوق السياسية ، و إنما الإصلاح يتطلب حزمة من الإجراءات التي تطول جميع مناحي الحياة ، فالإصلاح السياسي لا ينفصل بأي حال عن الإصلاح الاقتصادي و الإصلاح الاجتماعي ، مؤكداً أن الديمقراطية السلمية تقتضي توفير مناخ صحي شامل يتعين أن تتوافر في حرية الوطن و المواطن معا دون فصل بين أي منهما ، في ظل أوضاع قانونية طبيعية ومستقرة، ومساواة وتكافؤ للفرص، و ضمان كافة حقوق الإنسان، ومن هنا اعترض مع د.عودة في قوله أننا نشهد مرحلة ديمقراطية ، فالسؤال هنا: أين هذه الديمقراطية وهناك قانون للطوارئ !!.

وأوضح العشري أن تحقيق الديمقراطية يتأتى عبر التأكيد على السيادة للشعب ووضع السلطة كلها في يده وتكريسها لتحقيق أهدافه ، مع احترام حقوق الإنسان في الحرية و المساواة ،وتأكيد تداول السلطة داخل المؤسسات بين القوى السياسية المتعددة ، و الحرص على تحقيق التوزان الدقيق بين السلطات ، وسن منظومة تشريعية جديدة . أما الجلسة الثانية فكانت عن الجمعيات الأهلية والقانون رقم 84 لسنة 2002، وأوضح أن المستشار محمد عامر عضو مجلس الشعب أن الجمعيات أصبح لها دور في غاية الأهمية، وانطلاقاً من هذا لابد من توفير مجموعة من الحصانات لهذه الجمعيات في مواجهة الممارسات الحكومية ومحاولة السيطرة المستمرة عليها بدءاً من ضرورة موافقة الجهات الإدارية والأمنية على تكوين الجمعية. وطالب عامر بأن يكون الحق في تكوين الجمعيات بمجرد الأخطار لكل الأفراد على حد سواء ، و إذا حدث اعتراض يجرى أمام القضاء الطبيعي دون أن يؤثر ذلك على سير الجمعية قبل صدور الحكم ، مع إعطاء الصلاحيات الكاملة للجمعيات العمومية والمؤسسيين ، وعلى أعضاء مجالس الإدارة أن يقدموا إقرار بالذمة المالية درءاً للشبهات التي تتذرع بها الحكومة ، كما أن حل الجمعية يجب أن يكون بقرار من القضاء الإداري و ليس من أي جهة أخرى .

أما د. عبد المنعم العليمي عضو مجلس الشعب السابق فأكد أن الجمعيات الأهلية تشكل من الناحية الاقتصادية أهمية كبيرة لأنها تعبر عن المجتمع المدني ، وبالتالي لابد من إطلاق حرية تكوين الجمعيات ، مشيراً إلى أن القانون رقم 84 لسنة 2002 يعتريه العديد من أوجه القصور ، مطالباً في نهاية حديثه بالفصل بين الجهاز التنفيذى و مجلس إدارة الجمعية ، وبإعفاء الجمعيات من الضرائب المختلفة .

وأعرب د. مجدي عبد الحميد رئيس مجلس إدارة جمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية عن رفضه لفكرة التدرج في المطالب، مؤكداً أن وظيفة المجتمع المدني تتعدى الحوار فهي تشمل ممارسة كافة أساليب الضغط لإجبار الحكومة على الانصياع لرغبات القوى المجتمعية المختلفة ، مشيراً إلى أن مشكلة الجمعيات لا تنحصر في القانون فحسب، ولكن هناك الاعتراضات الأمنية التي لا وجود لها سند من القانون ، مؤكداً أن 70% من معوقات عمل الجمعيات تنبع من الجهات الأمنية، وبالتالي ينبغي إيجاد حلولاً لمسألة التدخل الأمني في عمل هذه الجمعيات.

وأشار د. أيمن عبد الوهاب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجية إلى أنه من الخطأ الخلط بين الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني ، فالجمعيات الأهلية هي جزء من المجتمع المدني ، مطالباً بإحداث تراكم أدبي في المطالبات المختلفة ، لأننا نفتقد الجدية في هذا الأمر فالنقطة المهمة ليس تقديم مشاريع قوانين ، فالحكومة ستتعامل معها من منطق عدم الجدية، ولكن لابد من توحيد المطالب بصياغة مشروع قانون يحظى بتأييد كافة قوى المعارضة ويتم عرضه على أعضاء مجلس الشعب لتتبنه المعارضة في البرلمان .

وأكد السفير ناجي الغطريفي رئيس حزب الغد السابق أهمية العمل الأهلي في مصر، مطالبًا الحكومة بضرورة توفير كافة سبل الدعم لهذا القطاع المهم باعتباره طرفاً أصيلاً و شريكاً في الحكم الآن .

و جاءت الجلسة الثالثة عن النقابات العمالية، وأوضح أ. عبد الرحمن خير عضو مجلس الشورى أن قانون النقابات العمالية برمته يحتاج إلى تعديل، مطالباً الحكومة المصرية بالتوقيع على كافة الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بموضوع العمال و حقهم في الإضراب .

وأكد أ. عبد الخالق فاروق الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاسترايجية أن المشرع المصري على مدى تاريخه كان يتجاهل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، أي أن هذه الطائفة من الحقوق لم تنشأ بترحيب من قبل المشرعين ، وبالتالي فقانون النقابات العمالية يعتريه العديد من أوجه القصور فقد أجاز القانون الحل الإداري ، كما قصر حق عمال المهنة الواحدة على تكوين النقابة، وبالتالي رسخ فكرة الأحادية النقابية ، كما سلب حصانات العضو النقابي حيث أجاز فصل العضو النقابي بـ2/3 الأعضاء بدلاً من الجمعية العمومية .

وأضاف فاروق أنه رغم وجود نص دستوري رسمي يقر بحق الأفراد في تكوين النقابات على أساس ديمقراطي، إلا أن هذا النص لا يجرى إعماله في الممارسة العملية أو القانونية .

وأشار د. حسانين كشك الخبير بمركز القومي للبحوث القومي والجنائية إلى أن هناك نقد عملي لقانون النقابات نتج من الممارسة العملية،ونقد قانوني نتج عن سلبيات القانون ، وبالتالي لابد من تدارك النقد الموجه للقانون سواء على المستوى التشريعي أو على المستوى القانوني ، لأن هذا النقد جعل من التعددية النقابية مجرد شعار لا قيمة له. ومن جانبه ، اعترض أ.فؤاد سعد وكيل وزارة القوى العاملة والهجرة بالجيزة،

على قول أن الجهة الإدارية تهيمن على العمل النقابي المصري ، مؤكداً أنه لايوجد ما يدعم هذا في الواقع العملي ، فلا يوجد ما يلزم العامل بالانضمام إلى الجمعية العمومية فحرية، فالانضمام والانسحاب مكفول للعضو من خلال الاتحاد العام وهو أعلى مستوى في التنظيم النقابي ، كما أن إيداع أوراق التشكيل لدى الجهة الإدارية لايترتب عليه أي هيمنة من قبل الجهة الإدارية .

وطالبت أ.سامية صلاح رئيس الإدارة المركزية لشئون مكتب وزير القوى العاملة والهجرة بفتح نوع من الحوار بين النقابيين والمعنيين بالعمل النقابي والوزارة من أجل صياغة رؤية أفضل للوضع النقابي في مصر . وأشارت أ.رحمة رفعت منسق البرامج بدار الخدمات النقابية والعمالية فأشارت إلى أنه لا يوجد في أي بلد أوروبي قانون للنقابات العمالية ، منتقدة بشدة فكرة أن العضو النقابي يجب أن يكون مثبتاً ، مؤكدة أن ذلك لا يتناسب مع مستجدات العصر ، وخاصة أن معظم العمال الآن يعملون بعقود مؤقتة حتى الحكومة تعتمد على العمالة المؤقتة،ومن هنا كيف أن أنكر على هؤلاء حقهم في العمل النقابي .