8/5/2008

تصدر المنظمة المصرية لحقوق الإنسان اليوم الخميس 8/5/2008 تقريرها النوعي “مصر… تداعيات 27 عاماً من الطوارىء على حقوق الإنسان” والذي يأتي انطلاقاً من حملة المنظمة المصرية من أجل إنهاء حالة الطوارئ والتي بدأتها في عام 2002 ،ومع قرب انتهاء العمل بالقانون 162لسنة 1958 والمعدل بالقانون 164 لسنة 1981 في شأن حالة الطوارئ، واتجاه الحكومة لإصدار قانون مكافحة الإرهاب كبديل لحالة الطوارىء، وأملاً في تنفيذ الحكومة لوعودها بإنهاء هذه الحالة المفروضة منذ عام 1981 وحتى الآن .

يتناول التقرير حالة الطوارئ ومدى توافقها للدستور والمواثيق الدولية، وأسباب ومبررات فرض حالة الطوارئ ، وتداعيات حالة الطوارىء على الحقوق والحريات في مصر ، وينتهي التقرير بجملة من التوصيات.

يستهل التقرير مقدمته بخلفية تاريخية عن حالة الطوارىء في مصر منذ فرض الأحكام العرفية عام 1914 وحتى الآن، مشيراً إلى سعي الحكومة المصرية طوال تلك الأوقات ومنذ اغتيال الرئيس السادات إلى استخدام الإرهاب كذريعة لاستمرار فرض حالة الطوارئ وتطبيق القانون المخصص لذلك (القانون رقم 162 لسنة 1958) والتي استمر إعلانها منذ 6 أكتوبر 1981 وحتى اليوم. حيث جرى توظيف أعمال العنف والإرهاب خلال السنوات الماضية لإضفاء المشروعية على استمرار حالة الطوارئ وتبرير الكثير من الممارسات والجرائم الشرطية المنافية للدستور والقانون ومصادرة الحقوق والحريات العامة للمواطنين في ظلها. كما استندت الحكومة في طلبها لمد حالة الطوارئ في إبريل 2006 أيضًا إلى أن مد العمل بقانون الطوارئ يستهدف مساندة قوات الأمن في مواجهة “عمليات إرهابية غير مسئولة.” و هي الحجة الرئيسية التي طالما استندت إليها الحكومة المصرية لتمديد العمل بقانون الطوارئ في السنوات الماضية، وهو ما يتنافى مع الواقع، حيث شهدت الساحة المصرية جميع العمليات الإرهابية في ظل العمل بقانون الطوارئ. وعليه ترى المنظمة المصرية أنه ليس هناك مبرر لاستمرار حالة الطوارئ طالما أن الوضع داخل مصر مستقر، ولا يوجد أي تهديد أو مخاطر، وعدم وجود ظروف تتعطل فيها الحياة المنظمة في المجتمع تعطلا خطيرا يهدد مصالح السكان الحيوية التي لا تكفي لإصلاحها التدابير المتمشية عادة مع الدستور والقوانين المعمول بها .

وتؤكد المنظمة في تقريرها أن حالة الطوارئ بالمعنى التشريعي، قد تجاوزت حدود قانون الطوارئ، بل أثرت سلباً على روح البنية التشريعية المصرية التي مالت بشدة نحو التشدد والإطاحة بالعديد من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور المصري والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، ويمكن بيان ذلك على هذا النحو :

أولا : فوفقاً لقانون الطوارئ تمتلك السلطة التنفيذية سلطات واسعة لوضع القيود على حرية الأفراد وحقوقهم الدستورية منها سلطة وضع القيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن واعتقالهم وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقييد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية. وهو ما يمثل انتهاكاً صارخاً للحقوق والضمانات التي حرص الدستور المصري على تأكيدها في المادة 41 الخاصة بالحرية الشخصية، والمادة 44 الخاصة بحرمة المساكن ، والمادة 50 الخاصة بحرية الإقامة والتنقل ، والمادة 54 الخاصة بحرية الاجتماع .

كما تُهدر الحقوق والضمانات المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومنها المادة 9 الخاصة بالحرية الشخصية . ثانياً: قيام الحاكم العسكري أو من ينيبه -بموجب المادة 3 من قانون الطوارئ- بمراقبة الرسائل والصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات، وينتهك كافة وسائل التعبير والدعاية والإعلام قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها، وهو ينتهك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومراسلاتهم وبرقياتهم ومحادثاتهم التليفونية المقررة في المادة 45 من الدستور.

ويُعد أيضاً انتهاكاً لحرية الرأي والتعبير والنشر المقررة في المادة 48 من الدستور ، وحرية البحث العلمي والأدبي المقررة في المادة 49، كما تهدر تلك السلطة أيضاً نص المادتين 17 و19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ثالثاًُ: إتاحة قانون الطوارئ حرية واسعة للسلطة التنفيذية، في عدم التقييد بالأحوال المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية للقبض على المتهمين، إذ يجوز القبض في الحال على المخالفين للأوامر التي تصدر طبقاً لأحكام قانون الطوارئ والجرائم المحددة في هذه الأوامر، وذلك بالمخالفة لأحكام الدستور والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وبموجب قانون الطوارئ تنشأ محاكم استثنائية للنظر في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم، وهي محكمتا أمن الدولة الجزئية والعليا، والترخيص بأن يدخل العنصر العسكري في تشكيل ذاك النوع من المحاكم، إذ يجوز لرئيس الجمهورية أن يأمر بتشكيل دائرة أمن الدولة الجزئية من قاض واثنين من ضباط القوات المسلحة، وبتشكيل دائرة أمن الدولة العليا من ثلاثة مستشارين ومن ضابطين من الضباط القادة.

رابعا : وفقاً للمادة 9 من قانون الطوارئ يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة طوارئ الجرائم التي يعاقب عليه القانون العام، وهو ما يعد مخالفة واضحة لنص المادة 40 من الدستور التي تقر مبدأ “المساواة بين المواطنين” (المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة )، وما يتفرع عنه من حق كل مواطن في الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي الذي أكدته المادة 68 من الدستور،( التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء )، كما يعد انتهاكاً جسيماً لنص المادة 14 بند 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية .

وتؤكد المنظمة المصرية في تقريرها أن إلغاء العمل بحالة الطوارئ في مصر يعتبر مطلباً جماهيرياً، فجميع القوى المجتمعية والسياسية تنادي به، ومما يغذى هذا المطلب حالة الجمود السياسي التي أصابت المجتمع المصري مع أزمة اقتصادية طاحنة ألمت به، حيث تراجعت خطى الإصلاح السياسي والديمقراطي في ظل استمرار فرض حالة الطوارئ، فضلاً عن الآثار السلبية لحالة الطوارىء على منظومة حقوق الإنسان في مصر ، فقانون الطوارئ هو المصدر الرئيسي لكافة انتهاكات حقوق الإنسان ، فهو الأداة التي تستخدمها السلطة التنفيذية للعصف بالحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور المصري والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتي صادقت عليها الحكومة وأصبحت جزء لا يتجزأ من قانونها الداخلي وفقاً للمادة 151 من الدستور.

وفي ذات الوقت تؤكد المنظمة إدانتها لجميع أعمال العنف والإرهاب أيا كان هوية مرتكبيها أو هدفهم،ولكنها ترى أنه ليس هناك مبرراً لاستمرار العمل بحالة الطوارىء ، طالما أن قانون العقوبات كافيا للتصدي لأعمال العنف والإرهاب ، وتطالب المنظمة بجملة من التوصيات وهي :

1- رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ عام 1981م بموجب قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958م نظراً لأثارها الضارة و الخطيرة على منظومة حقوق الإنسان في مصر وعرقلة سبل التطور الديمقراطي السلمي في المجتمع. فإذا كانت الحكومة صادقة في عزمها على قيام بالإصلاح السياسي والدستوري، ينبغي أن يقتصر جواز إعلان حالة الطوارئ في حالة الحرب الفعلية والكوارث العامة فقط، ولفترة محدودة لا يتم تجديدها إلا بشروط دقيقة وتحت رقابة حقيقية وفعلية للسلطة التشريعية، والعودة إلى الشرعية الدستورية والقانون الطبيعي.

2- إجراء تعديلات في الدستور المصري والقوانين المكملة له فيما يتعلق بإعلان حالة الطوارئ بحيث يربط بوضوح بين إعلان حالة “الطوارئ” ووجود “خطر استثنائي”.ويمكن لقانون الطوارىء أن يحدد درجات للطوارئ، إذ يمكن إعلانها جزئيًا إذا كان الخطر جزئي، ويمكن إعلانها في نطاق جغرافي محدود يتناسب مع وجود الخطر.

3-إلغاء القوانين المقيدة للحريات، ومن أمثلتها قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، وقانون الجمعيات رقم 84 لسنة 2002 وقانون النقابات المهنية رقم 100 لسنة 1993 وتعديلاته بالقانون 5 لسنة 1995، وقانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914….إلخ . بمعنى آخر ضمان الحق في التنظيم، من خلال رفع القيود التشريعية والإدارية والأمنية على حرية التجمع السلمي والحق في تكوين الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والنقابات المهنية والعمالية و الاتحادات الطلابية، وضمان استقلال الجامعات والحريات الأكاديمية.

4-إلغاء كافة القوانين والمحاكم الاستثنائية مع توفير ضمانات استقلال السلطة القضائية، والحق في المحاكمة العادلة والمنصفة بما يشمل ذلك من إلغاء كافة المحاكم الاستثنائية ووقف إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية وهو ما يعني تعديل نص المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية والالتزام بإحالة كل من يوجه له اتهام في أية قضية إلى قاضيه الطبيعي .

5-العمل على ألا يصبح قانون مكافحة الإرهاب نسخة مطابقة من قانون الطوارئ، بحيث تصبح حالة الطوارئ الاستثنائية حالة أبدية ، ولا يؤدي قانون الإرهاب الجديد إلى فرض مزيد من القيود على حريات الرأي والتعبير، بل ويوفر ضمانات كافية لمنع الاعتقالات العشوائية ، ويكفل عدم المساس بالحقوق والحريات العامة في مصر.

6-الإفراج فوراً عن جميع المعتقلين حالياً بموجب قانون الطوارئ ممن صدرت أوامر بإطلاق سراحهم، ووضع حدٍ لأسلوب الاعتقال الإداري الذي يُفضي إلى الاعتقال التعسفي، وهو ما يتناقض مع التزامات مصر الدولية.

7-إعادة النظر في مواد قانون الطوارئ المتعلقة باختصاص المحاكم بالنظر في قانونية الاعتقال، وذلك لضمان حق أي فرد يُعتقل بأمر من وزير الداخلية في المثول أمام المحكمة فور اعتقاله أو خلال الساعات أو الأيام الأولى للاعتقال. ويجب ألا تتعرض سلطة هذه المحكمة، في إطلاق سراح مَنْ يُعتقلون دون سندٍ قانوني، لأي تدخل من أي مسئول في السلطة التنفيذية.

وفي نهاية تقريرها، تؤكد المنظمة أن إزالة آثار العمل بقانون الطوارئ عملية تتطلب مسئولية جماعية مزدوجة، فمن ناحية أولى، يجب أن تبدأ السلطة التشريعية بأن تتحمل مسئوليتها تجاه المجتمع بالإعلان الفوري عن وقف العمل بهذا القانون. ويجب من ناحية ثانية، أن تتحمل القوى الاجتماعية والسياسية مسئوليتها ليس فقط من أجل حث السلطات على وقف العمل بهذا القانون، ولكن العمل بشكل غير منفصل من أجل إصلاح ما أفسده القانون سواء على المستوى التشريعي والسياسي والاجتماعي. وإذ كانت المهمة الأولى، أي مهمة وقف العمل بالقانون وإنهاء حالة الطوارئ، تقع على عاتق السلطتين التشريعية والتنفيذية، باعتبار أن الحزب الحاكم هو حزب الأغلبية البرلمانية، فإن المهمة الثانية أي بناء مستقبل بلا طوارئ لن تصلح إلا أن تكون مهمة جماعية بين جميع أطراف المجتمع. فالمطلوب في الوقت الحالي ليس تعديلاً في قانون الطوارئ بل إنهاء حالة الطوارئ والتي خلفت ما يعرف بـ” ثقافة الطوارئ ” وباتت الثقافة المدنية مهددة بقانون الطوارئ وغيره من القوانين المقيدة للحريات التي صدرت في المقام الأول تمهيداً لإلغاء حالة الطوارئ، ولكن الحالة انتهى لبقائهما معاً منذ عام 1981 وحتى الآن.